شذرات من السيرة النبوية المعطرة

39

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله :
وقبل ان اختم امرالوفادة اذكر ان النبي صلى الله عليه وسلم قد ارسل وفودا الى بعض القبائل وخاصة في جهة اليمن ليدعوهم الى الاسلام فقد ارسل خالد بن الوليد في ربيع الاخرة من السنة العاشرة الى بني عبد المدان من ارض اليمن فيدعوهم الى الاسلام فان امتنعوا عن الدخول فيه قاتلهم وقد حدد فترة ثلاثة ايا م لذلك فلما وصل الى ارضهم وديارهم بعث اليهم الركبان في كل صوب ووجه فاسلم الجميع فاقام فيهم خالد يعلمهم الاسلام ثم كتب خالد بن الوليد كتابا بذلك الى النبي صلى الله عليه وسلم فكتب اليه النبي صلى الله عليه وسلم يستقدم وفودهم اليه فارسلهم خالد الى المدينة المنورة فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم ولما اجتمعوا به سالهم النبي صلى الله عليه وسلم :
- (بم كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية ؟؟)
- فقالوا : كمنا نجتمع ولا نفترق ولا نبدا احدا بظلم
- فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صدقتم
ومكثوا في المدينة لغاية شهر شوال من نفس السنة وفي رواية اخرى الى شهر ذي القعدة ثم عادوا وقد امر عليهم قيس بن الحصين وارسل اليهم عمرو بن حزم ليعلمهم السنة ويفقههم في الدين وياخذ الصدقات منهم.

وقبيلة مذحج اليمانية ارسلها اليها رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن ابي طالب في شهر رمضان من السنة العاشرة للهجرة المباركة ليدعوهم الى الاسلام وامره ان لا يقاتلهم الا اذا بدئوا بقتاله فلما وصل اليهم دعاهم للاسلام فامتنعوا من دخوله ورموا المسلمين معه بالنبال فحل له ان يقاتلهم فقاتلهم حتى انتصر عليهم فانهزموا فتبعهم ودعاهم للاسلام فاسلموا ثم جمع رؤساءهم فبايعوه عن انفسهم ومن معهم من القبيلة واعطوه الصدقات فاخذ حق الله منها ووزعها على الضعفاء منهم والمستحقين والباقي ارسله الى المدينة ثم رجع بعد استتباب الامن الى النبي صلى الله عليه وسلم وانتهاء مهمته فوافاه في مكة المكرمة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع .

اما ملوك قبائل حمير وهم كا من : نعيم بن كلال و الحارث بن عبد كلال ومعافر بن كلال و همدان بن كلال والنعمان بن كلال فقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل وابا موسى الاشعري اليهم فاسلموا وارسلو ا معاذ بن جبل الى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فكتب النبي صلى الله عليه وسلم كتابا بين لهم فيه مالهم وما عليهم في الاسلام وبين ذ مة المعاهدين .

ثم رجع معاذ بن جبل اليهم مرسلا من النبي صلى الله عليه وسلم مع رجال من اصحابه الى الكورة العليا من جهة عدن بين السكاسك والسكون حيث اصبح قاضيا لهم وحاكما اثناء الحروب وعاملا على اخذ الجزية واما في الصلاة.

ثم بعث الى الكورة السفلى وفيها مأرب وزبيد والساحل وزمع
واوصى النبي صلى الله عليه وسلم ابا موسى الاشعري معاذ بن جبل قائلا لهما :
- يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا ولا تختلفا .
فرجع ابو موسى الى المدينة الا انه وافى النبي صلى الله عليه وسلم في مكة في حجة الوداع . اما معاذ بن جبل فقد بقي في اليمن حتى توفي النبي صلى الله علايه وسلم .

وكان في اليمن ايضا قبيلتا بجيلة وخثعم وفيها ايضا صنم وله معبد كبير كانوا يسمونه ( ذو الخلصة ) وكانوا يضاهون به الكعبة المشرفة فيقولون لها الكعبة الشامية ويسمون معبدهم الكعبة اليما نية فلما وفد الصحابي جرير بن عبد الله البجلي على النبي مسلما قال له النبي صلى الله عليه وسلم .:
- الا تريحني من ذي الخلصة ؟؟

فاخبر النبي صلى الله عليه وسلم انه لم يستطع الثبات على ظهر الخيل فضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده على صجر عبج الله البجلي وقال :
- اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا فثبت ولم يسقط عن ظهر فرس بعد هذا الدعاء . فذهب جرير الى الصنم في مائة وخمسين فارسا من بجيلة فرع الاحمس فاحرق ذا الخلصة وهدم المعبد ولما استقر له الامر ارسل ابا ارطاة الى النبي صلى الله عليه وسلم يبشره بتهديم الصنم واحراق المعبد.
فما كا ن من النبي الا ان فتح يديه داعيا لرجال احمس من بجيلة بالبركة و النصر خمس مرات.

وبعد ان استتب الامن وانتشار الاسلام في ربوع اليمن ظهر الاسود العنسي في بلدة ( كهف حنان ) وجمع حوله سبعمائة فارسا وادعى النبوة لنفسه و تقدم بهم الى صنعاء ففتحها واشتد امره وكثر ملكه وقويت شدته واصبح لايهاب احدا حتى قيل ان رجال النبي صلى الله عليه وسلم في اليمن تعاملوا معه بالتقية وبقي اربعة اشهر وفي رواية اخرى ستة اشهر حتى احتال عليه فيروز الديلمي وجماعته وكانوا قد اسلموا فاستطاع فيروز من قتله فاحتز راسه ورمى به خارج ا سوار صنعاء وكان قتله قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بيوم وليلة فانهزم اصحابه وتفرقوا وظهر الاسلام مرة اخرى في اليمن وربوعها ورجع عما ال النبي صلى الله عليه وسلم الى اعمالهم وكتبوا بذلك اليه الا ان الكتاب وصل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. ..

وهنا اقف قليلا لاقول ان الشعب العربي منذ ان كان ولحد الان يمتاز بالانفة وعزة النفس و يابى الخضوع لاي احد فالعربي يتصف بالشجاعة والقوة والانفة ولو نظرنا لتاريخ الامة العربية لوجدنا هذه الشيم والاخلاق تسري في النفوس سريان الدم في الجسم وان النفس العربية كانت تواقة لحماية المظلوم من الظالم .

صحيح ان الحرب تعني قديما وحاليا الدمار والقتل واللتحريق والنهب والسلب واكل الاخر بحيث تكون هلاك الحرث والنسل ا لا انها انتشرت بين القبائل العربية فكانت الحروب سجالا فيما بينها فقد دامت بعضها اكثر من مائة عام وبعضها اقل من ذلك وراح فيها مئات الالاف من كل قبيلة الا انهم لم تخضع قبيلة لاخرى لانفة وكبرياء نفوسهم .

وجاء الا سلام فغير معنى هذه الكلمة وجعلها خالصة لنشر الدين والقيم الانسانية ولنصرة المظلومين واقامة العدل بين الناس وانقاذ الفقير من مخالب الظالمين وانقاذ البشرية و الاتجاله بها الى عبادة الله الواحد الاحد وفي ظل عدالة الاسلام

واذا كانت الحروب بين القابل العربية قد اكلت نيرانها التي استمرت مئآت السنين الكثير من البشر فقد قتل في كل غزوات وحروب المسلمين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم التي استمرت قرابة ثمان سنوات ودارت فيها معارك حامية الوطيس وتعد بعشرات المعارك وتعد بعضها من المعارك المشهورة في التاريخ العالمي فما قتل في هذه المعارك كلها لايتجاوز الف قتيل .

وبهذا القدرالقليل من الدم العربي اخضع النبي صلى الله عليه وسلم كل القبائل العربية وبسط السلام والاسلام في كل ربوع الجزير ة العربية ويغير ما في نفوسهم نحو محدثات الاسلام وما جاء به من تحريم لاهراق الدم الانساني عامة بحيث كانت تحقيق نبوءة جديدة لرسا لة عظيمة ودعوة في اعجاز عظيم وفضل من الله ونعمة انعمها الله تعالى على البشر في ظل الاسلام

وبهذا تم ابلاغ الدعوة الاسلامية في كل ا رجاء الجزيرة العربية وتهيأت فيها طائفة من دعاة المسلمين تكفلت حفظ الاسلام ونشره وابلاغ كل ماجاء به من معتقدات وقيم وتعاليم الى كل ارجاء العالم بحيث قدر الله تعالى للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ان يرى ثمار جهده المتواصل في نشر ما تقدم واظهار الاخوة الاسلامية مكان غيرها من العلاقات بحيث اصبحت الاخوة في الاسلام اساسا لمجتمع سدادته الفضيلة والخلق القويم وغلبت عليه الانسانية .



فالح الحجية
الكيلاني
****************************** *************