هل يجوز التّسمية بــ (المتوكّل بالله)؟ يُجيب عليه الدكتور عبد العزيز الحربي حفظه الله


السؤال:
هل يجوز التسمّي بـ (المتوكّل بالله) ؟ حيث أنني قرأت بأن معنى (توكّل بالشيء) أي تولّى الإشراف عليه. وبعضهم يُلقِّبُ نفسه بـ(المتوكل بالله) بدلا من (المتوكل على الله) ، فهل هناك معانٍ أُخرى تُجَوِّز التسمية بهذا اللقب؟ وجزاكم الله خير الجزاء.
الجواب:
تُمنع التسميةُ منعا شرعيا بالاسم إذا كان معبَّدًا لغير الله؛ كعبدِ العُزَّى, وعبدِ اللَّات, أو كان يَحملُ معنى مُستكرَها؛ كـ(حَزْنٍ) غيّره النبي صلى الله عليه وسلم إلى (سَهْلٍ).
أو كان تزكيةً محضةً؛ كالتسمية بـ(بَرَّةٍ) غيّره النبي صلى الله عليه وسلم إلى زينب؛ لأن (بَرَّةَ) علم على البرِّ, فهي البر كلُّه. ولهذا لا يُمنع ما كان من الأسماء فيه تزكية غير محضة؛ كمحسن وصالح وخير ومحمود وعامر, بل تحسن مثل هذه الأسماء لِمَا فيها من حسن الفَأْل, ومن أهل العلم والحكمة من يقول:
لكلِّ اسمٍ مسمّى من اسمه نصيب, وقَلَّ أنْ يَفْرُطَ هذا المعنى. وفي هذا القليلِ يقول ابنُ حجرٍ العَسْقَلانيُّ:
الاسمُ غير المسمى ......... والحقُّ أَبْلَجُ واضحْ
فإنْ تشكَّكْت في ذا ........ فانظرْ لسيرةِ صالحْ
ومِنه قول الآخر:
وسمَّيتُه يحيى ليَحْيى فلمْ يكنْ ............ لِرَدِّ قضاءِ اللهِ فيه سبيلُ
وتأمَّلْ في الذوات التي سُمِّيَ أفرادها بـ(صالح), تجدهم - إلا قليلا - ممّن تجلّلوا بالصَّلاح.
وأما(يحيى, وخالد, وحياة), فيكثر منها معناها وضدُّه؛ لأن الاسم لا يؤخرُّ الأجل ولا يستقدمه.
وسؤالك عن التسمية (بالمتوكل بالله) يكتنفُ الجوابَ عنه نظران: أحدهما لغوي، والآخر شرعي.
أمّا اللّغوي، فهو وضع الباء مكان (على)؛ لأنّ الأصل في غرض التسمية في هذا الاعتماد والتوكل على الله، ووضع الباء مكان (على) سائغ، ومن أمثلته في القرآن {وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُون}، والمرور يُعدَّى بـ (على) بدليل قوله تعالى: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِين}، لكن النحويين منهم من يقول: وضع حرف من حروف الجرّ مكان آخر هو من باب تناوب الحروف، وهو مذهب ضعيف. ومنهم من يقول: هو من باب التضمين المعروف في اللّغة، وهو أن يضمّن فعل أو ما في معناه معنى فعل آخر، فيشتمل الكلام على معنيين، وذلك من محاسن البيان، وهو أليق بجمال العربية وعبقريَّتها. وعلى هذا القول يكون (المتوكل بالله) ضمِّن معنى الواثق بالله، ويكون حينئذ قد تضمّن معنيين، معنى التوكل، وهذا قد دلّ عليه ظاهر اللّفظ، ومعنى الثقة بالله، وهو معنى كامنٌ دلّ على مكانه الباء. هذه هي فائدة التضمين التي أهدرها من قال في مثل هذا: إنه من باب نيابة حروف الجرّ بعضها عن بعض وكفى.
هذا هو النظر اللّغويّ، وهو خاضع للنظر الآخر وهو الشرعيّ، وليس كلّ ما جاز في اللّغة يجوز في الشرع. وبيان ذلك يتضح من وجوه:
أحدها: أن التوكل في نصوص الوحيين لم يرد فيه التوكل بالله، ومخالفة سنن الشرع والعدول عنه إلى أسلوب آخر تفضيل مفضول على فاضل.
الثاني: ما يريده من سمّى أو تسمّى بالمتوكل بالله من معنى الثقة به يشمله معنى التوكل، فإن حقيقة التوكل هي الركون إلى الله وتفويض الأمر إليه والثقة به، والتخلي عن كل ما فوق الأسباب.
الثالث: التوكل بالشيء: معناه: القيام به وبكفايته، وهذا المعنى ممتنع في (المتوكل بالله) على ظاهر اللّفظ عقلاً وشرعًا. وغير خافٍ أن المتسمّي به لا يريد ذلك المعنى الظاهر، ولكنه موهم والأولى البعد عمّا يوهم لا سيما إذا كان في حقّ الله سبحانه، بل أرى منعه، وهذا المنع هو رأي عن اجتهاد محض، لا أسنده إلى الشرع.
أما(المتوكل) وحده؛ ففيه نظر؛ لأن (أَلْ) تَحْصُرُ أفراد المتوكلين فيه, فكأنه المتوكل وحده لا غيره, أو تكون للمعهود في الأذهان بالفعل والقوة, ولا عهد لنا به, أو تكون (أَلْ) للحقيقة, وفيه إلغاء لتوكل من هم أكثر منه توكلا وأقوم وأقوى, أو تكون (أَلْ) موصولة, فيُقبلُ حينئذ, فإنه لا يَعْدو أن يكونَ معناه في الجملة: الذي توكل, غير أن الاسمية تضعف الوصفية فيه, وشرط(ألْ) أن تكون في صفة صريحة, ولهذا إذا كان الاسم (المتوكل على الله) ضعف ذلك الضّعف وقويت الوصفية في ذلك, وما فيه من التزكية مغتفر, وهو أقرب إلى الخبر من التزكية, ولا يتصور أصلا أن يكون في الوجود اسم حسن غير مركب خال من التزكية, فالحكم في هذه المسألة فقها مبني على المعرفة النحْوية كما ترى, والله أعلم.
المصدر:
مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية

.