تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 27

الموضوع: الايضاح والتبيين بأن أبي الزبير ليس من المدلسين

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي الايضاح والتبيين بأن أبي الزبير ليس من المدلسين

    مُقدمة : الإيضاح والتبيين بأن أبي الزبير ليس من المدلسين .
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسولنا الأمين ، الذي بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح الأمة ، فتركها على المحجة البيضاء ، وسنة غراء ، ورثها عنه العلماء الأفاضل النُبلاء ، فنفوا عنها تحريف المبطلين ووضع الوضاعين ، وتأويل الجاهلين .
    ألا وإن لأهل الحديث السبق الأول في هذا الشأن فقد حصنوها بتحقيق الصحيح والضعيف وبينوا منها السقيم من الصحيح فكانت لهم الكلمة الأولى واليد الطولى في الذب عن تلك المحجة البيضاء والسنة الغراء والحصن الحصين لأمة نبي الإسلام التي ورثها العُلماء عَن الأنبياء أخرج أبو داود والترمذي من حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( من سلك طريقا يلتمس فيه علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع.وإن العالم ليستغفرُ له مَنْ فى السموات ومن فى الأرض حتى الحيتانُ فى الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب.وإن العلماء ورثة الأنبياء.وإن الأنبياء لم يُوَرِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما وَرَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر )) .
    فحاز أهل الحديث كل الإحترام والمحبة فأدخل الله لهم القبول في قلوب البشر جمعاء وكانوا أكثر أهل الناس إبتلاءاً فهذا الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة يبتلى بفتنة خلق القرآن فيصبر ويثبت بقوةٍ على الحقِ ويأمر بالاعتقاد بأن القرآن كلام الله ليس مخلوقاً وغيرهُ مِنْ الأئمة الأثبات الثقات أصحاب الحديث الأعلام ممن صبر واحتسب عند الله وكان له الأجر والقبول في كل بقاع الأرد فقال الإمام الشافعي - رحمه الله - ذم الكلام وأهله (ص401) : (( إِذَا رَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ ، فَكَأَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )) وفي رواية عَنه كما روى عنه الحافظ الذهبي في كتابهِ النفيس سير أعلام النبلاء- (ج10/ص59-60-60) : (( إذا رأيت رجلا من أصحاب الحديث ، فكأني رأيت رجلا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ، جزاهم الله خيرا ، هم حفظوا لنا الأصل ، فلهم علينا الفضل )) ولذلك قال داود الأصبهاني - رحمه الله - ذم الكلام وأهله (3/26) : (( أَصْحَابُ الْحَدِيثِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الْفُقَهَاءِ وَذَاكَ أَنَّ كَدَّهُمْ ضَبْطُ الْأُصُولِ )) .
    ووروي عن الإمام الشافعي في ذم الكلام وأهله (3/26) : (( عَنِ الْبُوَيْطِيِّ قَالَ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِأَصْحَابِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ صَوَابًا )) ، وقد قال الأعمش - رحمه الله - كما روى عنه صاحب ذم الكلام وأهله (5/173) : (( لَا أَعْلَمُ لِلَّهِ قَوْمًا أَفْضَلَ مِنْ قَوْمٍ يَطْلُبُونَ الْحَدِيثَ وَيُحْيُونَ هَذِهِ السُّنَّةَ كَمْ أَنْتُمْ فِي النَّاسِ لَأَنْتُمْ أَقَلُّ مِنَ الذَّهَبِ )) وإعلم أن حفظ السنة لا يكون إلا ببيان الصحيح والضعيف ولهذا كان أشرف ما عني به أهل الحديث هو النظر في أحوال الرجال وتمييز من كان منهم على إستقامة ومن كان منهم مخرومُ العدالةِ منتقدٌ مِن ناحية العلم أو الحفظ أو الضبط أو الإختلاط أو جرحٌ مفسر بالضعف أو الوضع أو الكذب على رسول الله ، فكان لأهل الحديث شرف تمييز الخبيث من الطيب قال الله تبارك وتعالى : (( مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ )) ولذلك لا يكون تمييز القوي من الضعيف ولا الصحيح من السقيم إلا لأهل الحديث وقد أكرمهم الله تبارك وتعالى بهذه الشرف العظيم وانتفضوا لهذا العلم ووهبوا له الحياة وأفنوا الأعمار في نقد الرجال وبيان الضعفاء من القائم أمرهم بالعلم والبيان وحفظ سنة خير الأنام وكان منهم حفظةٌ أتقياءٌ أئمةٌ علماءٌ أثباتٌ .
    ودليل ذلك لم يتركوا هذا المجال العظيم والعلم المتين والقول الرزين وهو قول الجارحين والمعدلين علمٌ لا يتقنه إلا الحفاظ المتقنين الأثبات الأئمةِ المُحدثين فكان على رأسهم الصحابة الكرام المؤمنين العدول سرج الليل وفرسان النهارِ - رضوان الله عليهم أجمعين - فكان على رأسهم : (( الشعبي وابن سيرين وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير )) وإليك أيها المُتقن المحدث الكريم ما كان من آخر عصر التابعين وَهُوَ حُدُود الْخَمِيس ومئة تَكَلَّمَ فِي التَّوْثِيقِ وَالتَّرْجِيح طَائِفَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ المُؤمِنين الصَالحينء فمِنهُم :
    (1) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَا رَأَيْتُ أَكْذَبَ مِنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ.
    (2) وَضَعَّفَ الْأَعْمَشُ جَمَاعَةً وَوَثَّقَ آخَرِينَ.
    (3) وَنَظَرَ فِي الرِّجَالِ شُعْبَةُ وَكَانَ مثبتا لَا يَكَادُ يَرْوِي إِلَّا عَنْ ثِقَةٍ.
    (4) وَكَذَا كَانَ مَالِكٌ.
    (5) وَمِمَّنْ إِذَا قَالَ فِي هَذَا الْعَصْرِ قبل قَول معمر.
    (6) وهَاشِم الدَّسْتَوَائِي ُّ .
    (7) وَالْأَوْزَاعِي ُّ .
    (8) وَالثَّوْرِيُّ.
    (9) وَابْنُ الْمَاجِشُونِ .
    (10) وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ .
    (11) وَاللَّيْث بن سعد وَغَيْرُهُمْ .
    فهذه الطبقة من الأئمة الذين تكلموا في الرجال في آخر عصرٍ للتابعين كما نقل الإمام السخاوي - رحمه الله - في كتابه النفيس المتكلمون في الرجال (1/99) فعني هؤلاء ومن تلاهم بنقد الرواة وتبيين حالهم وأول لبنةٍ وضعوا ذلك وقعدوا لهذا العلم العظيم فذكروا أقوال أئمة الجرح والتعديل منهم مَن نقله عَن شيخه المحدث الثين الأمين ! ومنهم من نقله عن اللبنة الأولى بإسناده إلي الأئمة الأعلام المثبتين فساقوها بأسانيدها كما ساقوا الأحاديث ، فعني الإمام الحافظ الناقد الثقة البارع جمال الدين بن يوسف المزي فنقل في كتابه تهذيب الكمال أقوالهم مسندةً لأئمةِ الجرح والتعديل - رضي الله عنهم - وإن كان هذا الكتاب النفيس لم يستوعب كامل شيوخ من ترجم لهم في الكتاب فمن القصص المنقولة في تدليس أبي الزبير المكي - رحمه الله - ما روي من طريق الليث بن سعد وهو إمامٌ ثبتٌ ثقةٌ من الطبقة التي كانت آخر عصر التابعين ممن تكلم في الرجال ونقد الرواة وعرفَّ بالثقات وروي عنه ما يثبت تدليس أبي الزبير المكي ومثل هذا عَنهُ لا يمكن أن يرد وإلا اعتبر رداً لأقوال الأئمة الأثبات الثقات .
    ولا يهولنك ما ثبت عند الأئمة المتأخرين المحدثين من وصف أبي الزبير المكي بوصف المدلسين وجلعه في طبقة من لا يقبل منه إلا ما صرح به بالسماع فيما روي من الحديث ، وما كان منهم لما روي عن الأئمة المتقدمين ألا وإنهم مباركون رفع الله شأنهم في الدنيا والآخرة إن شاء الله تعالى فأحسنوا الكلام في الرجال تبعاً لما جاء عن الأئمة المتقدمين ، ولابد لنا أن نعي تماماً أن القول من اللبنة الأولى من الأئمة الأثبات المحدثين ! وفيما روي عن أبي الزبير ما عرفنا أحداً من الأئمة المتقدمين وصفه بالتدليس بل وثقوه وتقبل الأئمة روايته عن جابر بن عبد الله وكان الإمام الثقة الثبت من المكثرين عن جابر ألا وإن المكثر من التحديث عن شيخ فإن عنعنته عند الأئمةِ محمولٌ على الإتصال لأحتمال قلة التدليس وندرته في شيخه الذي عني فيهِ ، فلا عرف الإمام المحدث الثقة المحتج بروايته في الصحيح بالتدليس بين الأئمةِ إلا فيما روي عن الليث بن سعد - رحمهم الله ورضي عنهم - ولا نرد قولهُ ولكن مَن حقق النظر في أحاديثه وأطال البحث فيها فلن تجد فيها ما يثبت به التدليس ولا رأيت فيما يرويه ما يرد بالعنعنة ! ولم يكن أهل العلم يردوا رواية الحديث بمجرد العنعنة بل ما كان ليرد إلا بالتدليس وبثبوته وبثبوت هذا القول فيه .
    وقد عمدت إلي تحقيق تدليس ابي الزبير المكي - رحمه الله - في هذه الدراسة العلمية والتي ألهمني عنوانها ما روي عن الشيخ المحدث خالد الدريس أن ما كتبه مخطوطٌ وإن كنت لا أبلغ معشار ما كتب الشيخ المحدث ولا مقدار صفحةٍ مما أثبت فيه من الدرر والفوائد العلمية في نفي التدليس عن أبي الزبير المكي وأنا العبد الفقير قد سلكت هذا المسلك مُبرءاً لأبي الزبير من هذه التهمة وهذا التدليس ألا والله أيها المحدث المشهور الثقة إني لأقول ببرائتك من التدليس وبعده عنك وعن روايتكَ في الصحيح وغير الصحيح فأنت علمٌ من الأعلام وثبتٌ من الأثبات الذين يقبل ما رووه معنعناً عَن شيوخه المعني بهم ! فسوغ اتهامه بالتدليس أن يطعن بعض طلبة العلم فيما رواهُ هذا الثقة في صحيح مسلم وكأن تدليسه في عين الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم ثبت لهم ولم يثبت للإمام مسلم وهو القائل في مقدمة الصحيح شرح النووي (2/94) : (( وَإِنَّمَا كَانَ تَفَقُّدُ مَنْ تَفَقَّدَ مِنْهُمْ سَمَاعَ رُوَاةِ الْحَدِيثِ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُمْ إِذَا كَانَ الرَّاوِى مِمَّنْ عُرِفَ بِالتَّدْلِيسِ فِى الْحَدِيثِ وَشُهِرَ بِهِ فَحِينَئِذٍ يَبْحَثُونَ عَنْ سَمَاعِهِ فِى رِوَايَتِهِ وَيَتَفَقَّدُون َ ذَلِكَ مِنْهُ كَىْ تَنْزَاحَ عَنْهُمْ عِلَّةُ التَّدْلِيسِ فَمَنِ ابْتَغَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مُدَلِّسٍ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِى زَعَمَ مَنْ حَكَيْنَا قَوْلَهُ فَمَا سَمِعْنَا ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ سَمَّيْنَا وَلَمْ نُسَمِّ مِنَ الأَئِمَّةِ )) فتلك فائدةٌ نفيسةٌ وقولٌ رزينٌ عظيمٌ فرحم الله تعالى الإمام الثبت مسلم بن الحجاج القشيري رحمةً واسعة وجزاه الله كل خير عن الإسلام والمسلمين لما قدم وصنف وحدث المحدث البارع أمير المؤمنين في الحديث بعد شيخه .
    الفصل الأول : التَدليس وتَعريفهِ وبَيان نَفي كَونه الكَذب .
    وقد عنيت في هذا الفصل بأن أشرح معنى التدليس وتعريفه وبيان ضوابطهِ ومعرفة مراتب حديث المدلسين في الصحيح وأنه ليس من الكذب في شيء ، وقد أساء البعض فهم مصطلحات الأئمة في بيان التدليس وجعلوه الكذب حاملين هذا على التعريف اللغوي متناسين الإصطلاح أو ما درج عند أهل الحديث والمحدثين فلابد من أن يتبين الباحث الأمر بيان المحقق البارع :
    (1) ليس المقصود بالتدليس الكذب كما هو متباردٌ لأذهان البعض فليس هذا مراد المحدثين وليس هذا معنى هذا الإصطلاح عند أهل الحديث ، والمراد به عندهم إخفاء العيب في الإسناد من حيث رغبة الراوي بالعلو ، وإن كان في التدليس أنواعا مذمومةً فإعلم أن المحدثين الثقات قد ترفعوا عنها وتجنبوها وما كان منهم ذلك إلا نادراً أو قليلاً أو لم يثبت البتة .
    (2) التدليس عند جمهور المحدثين ليس بمسقطٍ لعدالة الراوي المدلس قط ، فلا يرد حديثه لمجرد أنه قد دلس وإنما يتكلم في الرواية التي ثبت فيها التدليس ولا يقبل منه إلا ما صرح به بالسماع ، وإعلم أنهم قد يقبلون عنعنة المحدث إذا عرف بالأمانة والشهرة وسعة الرواية كقتادة والأعمش وسفيان الثوري - على ندرةٍ فيه - وبن عيينة لأنه ما كان ليدلس إلا عن ثقةٍ ، ويحيى بن أبي كثير وفيه إرسالٌ خفي ، وأبي إسحاق السبيعي فهؤلاء محمولةٌ عنعنتهم على الاتصال عند المحدثين مالم يثبت عليهم التدليس على ندرةٍ بينةٍ في بعضهم .
    (3) لم يقدح أحد في السفيانين لا الثوري ولا ابن عيينة ولا الإمام الزهري من الأئمة قديما وحديثاً ولم نعلم أنهم قدحوا فيما رووه بتهمة التدليس وذلك لندرته أو قلته القليلة فاحتملوا حديث هؤلاء الأعلام فهي ترفعهم إلي الطبقة الأولى التي لا يقع منها التدليس إلا نادراً أو أنهم لا يدلسون إلا عن ثقاتٍ فجعل الثوري في الثانية لا يثبت أن التدليس قد ثبت منه عند الأئمة وكنت قد قلت على طبقته فإن التدليس منه نادرٌ وأنه لا يدلس إلا عن ثقة وهذا واضحٌ في قول ابن حجر والإمام البخاري فلا تهمة في ذلك والله تعالى المستعان ولابد من التبين .
    فهذه النقاط الثلاثة لابد لها من تاصيل وتفصيل فالتدليس يختلف في أنواعه ويراد به : (( مطلق الإيهام والتعمية فيروي عن راوٍ فيوهم بأنه سمع منه بقصد أو غير قصد )) فلابد من بيان التدليس وهل يصل إلي مرحلةٍ تجوز فيه أن يطلق على من وصف به بأنه من الكذبة !

    - التدليس لغةً : (( مأخوذ من الدلس، والدلس: هو اختلاط الظلمة، وقيل: هو من التغطية والإخفاء والستر، والظلمة فيها ذلك أيضاً )) .
    - التدليس إصطلاحاً : وأما التدليس إصطلاحاً فقد جاء على عدة تعريفات والذي استقر عليه القول ما قاله الحافظ ابن حجر - رضي الله عنه - : (( رواية الراوي عمن سمع منهُ ولقيه ما لم يسمع منه بصيغة توهم السماع )) وهذا ما يعرف بتدليس الإسناد .
    فلا يسمى التدليس كذباً من هذا لمجرد التعمية والخفاء ! فذلك خطأ وهو تسيير القول على غير ما يحتملهُ والتعريف على غير ما جرى عليه عند أهل العلم والصحيح أن التدليس لا يسمى كذباً أبداً ومن هذا النوع من التدليس وهو المعروف وإن تنوعت أنواع التدليس فلابد أن ينظر إلي الراوي ابتداءاً ما إن كان من المكثرين وأمامنا في هذا النوع من التدليس وهو تدليس الإسناد .
    وهو التعريف المأخوذ آنفاً كما قال الحافظ ابن حجر ، وإن وصف أحدٌ بتدليس الإسناد فينظر ما إن كان هذا الراوي مكثرٌ من تدليس الإسناد لأنه لو كان معروفاً بالقلة بالتدليس أو وصف بالشهرة ومجرد الوصف بالشهرة لايتقضي الإكثار من التدليس فإنه يعامل معاملةَ المقل من التدليس ولا يعامل معاملة المكثر منه ويكون ذلك بتحري ما روى وتحقيق أسانيده .
    أخرج الخطيب من طريق يعقوب بن شيبة بإسنادٍ صحيح في الكفاية (ص516) : (( سألت علي بن المديني عن الرجل يدلس، أيكون حجة فيما لم يقل: (حدثنا)؟ قال: " إن كان الغالب عليه التدليس فلا، حتى يقول: حدثنا " )) قال الدكتور الجديع في التحرير (2/974) : (( قلت: فجعل غلبة التدليس على الراوي هي السبب في رد ما لم يبين فيه السماع، دون من لم يغلب عليه وكان يذكر به نادراً )) وقال الشيخ المحدث السعد : (( وما ذهب إليه علي بن المديني ظاهر لأنه إذا كان مقلا من التدليس فالأصل في روايته الاتصال واحتمال التدليس قليل أو نادر فلا يذهب إلى القليل النادر ويترك الأصل والغالب .ولأنه أيضاً يكثر من الرواة الوقوع في شئ من التدليس فإذا قيل لا بد في قبول حديثهم من التصريح بالتحديث منهم ردت كثر من الأحاديث الصحيحة .ولذلك لم يجر العمل عند من تقدم من الحفاظ أنهم يردون الخبر بمجرد العنعنة ممن وصف بشئ من التدليس ودونك ما جاء في الصحيحين وتصحيح الترمذي وابن خزيمة وغيرهم من الحفاظ )) وينظر بعدها ما إن ثبت لهذا الراوي لقاءٌ بهِ وسماعٌ منهُ ، وقال أبو داود في سؤالاته للإمام أحمد بن حنبل - رضي الله عنهما - ( س138) : (( سمعت أحمد سئل عن الرجل يعرف بالتدليس يحتج فيما لم يقل (سمعت)؟ قال: " لا أدري "، فقلت: الأعمش، متى تصاد له الألفاظ؟ قال: " يضيق هذا، أي: أنك تحتج به )) قُلت : فأنت ترى أن الإمام أحمد بن حنبل توقف في قبول عنعنة الأعمش فتراهُ قبلها في موطنٍ وتوقف فيها في موطن وأما حالة التوقف فلابد أن تكون فيمن عرف عنه الإكثار من التدليس وشهر بهِ وليس مجرد أن وصف بهِ ، وأما من عرف كالأعمش بكثرة الحديث وعرفت لديك سعة روايته فشق عليَّ وعليكَ البحث فيما رواهُ أو تحري ما إن كان ثبت تدليسه في الرواية لكثرة ما روى وقلة التدليس فيها كالأعمش فإن هذا يحتج به ما لم يثبت بقرينةٍ بينةٍ على أن الأعمش أو غيره قد دلس في هذا الحديث .
    فعلى كراهة التدليس عند الأئمة المحدثين فقد فرقوا بين من دلس عن ثقةٍ وبين من لم يدلس مطلقاً وبين من وصف به ولم يثبت عنهُ وبين من روى عمن عاصرهُ ولم يعرف لهُ سماعٌ منه أو لقاءٌ فعرفوا ذلك بالإرسال الخفي وهو في إصطلاحات الأئمة المتقدمين وصفاً بالإرسال ووقع هذا من الإمام النسائي والرازيين والبخاري وابن معين وأحمد وابن حبان فإنهم قد يطلقون التدليس ولا يريدون به إلا : (( رواية الراوي عمَّن عاصرهُ ولم يثبت لهُ به لقاءٌ او سماعٌ مالم يسمع منه )) ولايشترط فيه الصيغة التي توهم بالسماع ! والقول في حكم التدليس يختلف بحسب سبب تدليس الراوي للحديث وأما إن عرف تدليسه فلا يقدح هذا في عدالته ولا يقدح بالمطلق فيما رواهُ فيسقط لأجله ما روى من الحديث وقد أسقط ابن حزم - رحمه الله - عدالة من عرف بتدليس التسوية وقد بينا في : (( القول النفيس في وقوع الوليد بن مسلم بالتدليس )) أن هذا منهُ تشددٌ ومبالغةٌ منهُ وليس ذلك يقتضي إسقاط العدالة أبداً .
    وقد عرف ابن عبد البر - رحمه الله - التدليس قائلاً في التمهيد (1/ 15) : (( التدليس: أن يحدث الرجل عن الرجل، قد لقيه، وأدرك زمانه، وأخذ عنه، وسمع منه، وحدث عنه بما لم يسمعه منه، وإنما سمعه من غيره عنه، ممن ترضى حاله أو لا ترضى، على أن الأغلب في ذلك أن لو كانت حاله مرضية لذكره، وقد يكون لأنه استصغره. هذا هو التدليس عند جماعتهم، لا اختلاف بينهم في ذلك )) وهو أن يأتي المدلس بصيغةٍ موهمةٍ كأن يقول فيها ( عن ) ، والتدليس جرحٌ نسبيٌ يلحقهُ فيما يرويه ويثبت عليه التدليس فيه ومنهم من انحصر تدليسه في بعض حديثه، لا مطلقاً، فهذا لا يجوز تعميم رد ما لم يذكر فيه سماعاً عن كل من روى عنه، فتيقظ للتفريق بين الصنفين وهذا مبحثٌ واسعٌ وهو التفريق بين المرسل الخفي والتدليس وقد بينته في دراستنا لقتادة - رضي الله عنه - وهو بحثٌ مثبتٌ في هذا الملتقى العامر . والله الموفق .
    ولذلك مما تبين لديك أن التدليس لا يقدح في رواية الراوي ولا عدالته مطلقاً فقد أخرج أصحاب الصحيح لمن عرف بالتدليس ووصف بهِ ولذلك أتى التحرير والتدقيق من الأئمة كالبخاري ومسلم فكانوا يتحرون سماع من عرف بالتدليس واشتهر به وكان فيه كثيراً ! ومنهم من أخرجوا له معنعناً وقد عرف عند المحقق البصير أن تدليسه ليس إلا قليلاً ولا يشترط أن فيمن وضع في الطبقة الثالثة من المدلسين أن يكون مدلساً ! فهذا يحيى بن أبي كثير وضع في الثالثة وهو في الثانية وعرف تدليسه بالإرسال الخفي وهذا لا يقدح في عدالته ولا إمامته ولا روايته ! وقد بينت ذلك في دراستي : (( مرويات الإمام يحيى بن أبي كثير بين التدليس والإرسال الخفي )) وهي دراسةٌ نظريةٌ لتدليسه وأثبت فيه أنه في الطبقة الثانية من المدلسين وأن تدليسه من قبيل الإرسال الخفي المعروف عند الحافظ ابن حجر والطبقة المتأخرة من الأئمة الأثبات العدول .
    لذلك إعلم أن كثيراً من الأئمة ثبتوا وتتبعوا روايات الموصوفين بالمدلسين وإنك لتعلم أن أكثر الناس درايةً بمن وصف بالتدليس هم أول لبنةٍ من المحدثين ممن انتقد وصنف وجرح وعدل وتبين لهُ تدليسه من غيرهُ فالمدلسون أيها الفطن الباحث ليسوا على طبقةٍ واحدةٍ أبداً وتختلف طبقاتهم على إختلاف الأئمة في تدليس الإسناد ومنهم من ذهب فيه إلي التأصيل والطبقات كما هي عند المحدثين - وفقك الله - أيها الباحث المحدث كالتالي :
    [ أولاً ] : من لم يوصف بالتدليس إلاّّ نادرا جدا بحيث ينبغي ألا يعد في المدلسين كيحيي بن سعيد الأنصاري وهشام بن عروة وموسى بن عقبة .

    [ ثانياً ] : من احتمل الأئمة تدليسه وخرّجوا له في الصحيح وإن لم يصرح بالسماع, وذلك لواحد من أسباب ثلاثة : (( إما لإمامته ، أو لقلة تدليسه في جنب ما روى ، وإما لأنه لا يدلس إلاّ عن ثقة, كالزهري وسليمان الأعمش وإبراهيم النخعي وإسماعيل بن أبي خالد وسليمان التيمي وحميد الطويل والحكم بن عتيبة ويحي بن أبي كثير وابن جريح والثوري وابن عيينة وشريك القاضي وهشيم, ممن ستأتي تراجمهم في طبقتهم - إن شاء الله -, ففي الصحيحين وغيرهما لهؤلاء الحديث الكثير مما ليس فيه التصريح بالسماع وحمل بعض الأئمة ذلك على أن الشيخين اطلعا على سماع الواحد من أمثال هؤلاء لذلك الحديث الذي أخرجه بلفظ (عن) ونحوها عن شيخه, ولكن في هذا نظر؛ بل الظاهر أن ذلك لواحد من الأسباب الثلاثة التي تقدمت آنفا, وهذا هو الراجح, قال البخاري: "لا أعرف لسفيان الثوري عن حبيب ابن أبي ثابت ولا عن سلمة بن كهيل ولا عن منصور في جملة مشايخ كثيرين من قال: لا أعرف لسفيان عن هؤلاء تدليسا ...ما أقل تدليسه )) فهذا الإمام الثوري في الطبقة الثانية من المدلسين ولو تحقق الباحث ونظر في ما رواهُ هذا العلم الثبت لما رأى في مروياته الشيء الكثير بل نادرٌ ومع ذلك فهو في الثانية .
    [ ثالثاً ] : من توقف فيهم جماعة فلم يحتجوا إلاّ بما صرحوا فيه بالسماع, وقبلهم آخرون مطلقا, كالطبقة التي قبله, لأحد أسباب التي تقدمت كالحسن وقتادة وأبي إسحاق السبيعي وأبي الزبير المكي وأبي سفيان طلحة بن نافع وعبد الملك بن عمير.

    [ رابعاً ] : من اتفقوا على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم إلاّ بما صرحوا فيه بالسماع لغلبه تدليسهم وكثرته عن الضعفاء والمجاهيل ... وذلك كمحمد بن إسحاق وبقية وحجاج بن أرطاة وجابر الجعفي والوليد بن مسلم وسويد بن سعيد وأضرابهم ممن يأتي ذكره إن شاء الله .
    [ خامساً ] : من قد ضعف بأمر آخر غير التدليس, فرَدُّ حديثهم بالتدليس لا وجه له؛ إذ لو صرح بالتحديث لم يكن محتجا به .. كأبي خباب الكلبي وأبي سعيد البقال ونحوهما, فليعلم هذا فإنه نافع في معرفة هؤلاء .
    فهذه كما ترى هي طبقات المدلسين ! فأي الطبقات تنطبق تماماً على أبي الزبير المكي ومما يجب التنبه لهُ أن التدليس لا يأتي إلا بتحري مرويات هذا الإمام والبحث فيما رواهُ ، ألا وإن من بركة العلم نسب الفضل لاهله فقد سبقنا بها الشيخ المحدث عبد الله السعد وغيره ونفى ذلك عن الإمام الثبت المشهور أبو الزبير المكي ، وتتبع رواياته وتحقق منها فما وجده يدلس في واحدٍ منها ما عرف عنه أنه كان قد دلس في أيٍ مما روى من الأحاديث فلابد من تحديد نوع تدليس أبي الزبير المكي وهل هو من المقلين أو المكثرين فإن ثبت أنه مكثرٌ كما تقدم فذلك معروفٌ بهِ ويكون الكلام فيه على تدليسه ، وأما إن عرف أنه مقلٌ منه وليس بالمكثر على شهرتهِ كما هو سائرٌ على ألسنة المحدثين فالأصل في روايته القبول وأنها محمولةٌ على الإتصال .
    ولذلك تجد قول الإمام ابن القيم في زاده : (( وأبو الزبير وإن كان فيه تدليس، فليس معروفاً بالتدليس عن الضعفاء، بل تدليسه من جنس تدليس السلف، لم يكونوا يدلسون عن متهم ولا مجروح، وإنما كثر هذا النوع من التدليس في المتأخرين )) فإنظر إلي قول الإمام ابن القيم الجوزية - رحمه الله - فليس هو بالمعروف بالتدليس عن الضعفاء وقوله : (( وإن )) دليلٌ على أن الإمام ابن القيم لا يجزم بثبوت التدليس على ابي الزبير بل هو من قبيل الشك لقوله وإن كان فيه ! أي أن الإمام يشك في ثبوت تدليسه ، وإن ثبت فإنه من جنس تدليس السلف فإنهم لم يكونوا يدلسون عن الضعفاء أو المتهمين ، وهذا النوع إنتشر في المتأخرين وليس في طبقته من الرواة فهذا إن وجهك لشيءٍ فلعدم جزمه - رضي الله عنه - بتدليس أبي الزبير المكي .
    ومنها قوله : (( وهذا إسناد في غاية الصحة فإن أبا الزبير غير مرفوع عن الحفظ والثقة وإنما يخشى من تدليسه فإذا قال سمعت أو حدثني زال محذور التدليس وزالت العلة المتوهمة وأكثر أهل الحديث يحتجون به إذا قال " عن " ولم يصرح بالسماع ومسلم يصحح ذلك من حديثه فأما إذا صرح بالسماع فقد زال الإشكال وصح الحديث وقامت الحجة )) ومن تحرى أحاديث أبي الزبير فلن يجد أن أحدا من الأئمة أعلَّ ما رواهُ أبي الزبير المكي بالتدليس إلا بعض المتسرعون الذين لا يدرون ما يخرج من رؤوسهم فأعلوا ما رواهُ في صحيح مسلم معنعناً بالتدليس ! وهذا عجيبٌ جداً إذ كيف يظهر لهم مالم يظهر لغيرهم ويثبتوا تدليسه فيجرحوا ما أخرجه مسلم له !.
    يتبع بإذن الله تبارك وتعالى الفصل الثاني وفيه بابين :
    [1] مَن وثقهُ وقال بإمامته من أهل العلم وسعة روايته واحتج به
    .
    [2] من وصفه بالتدليس ورماهُ به من العلماء .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: الايضاح والتبيين بأن أبي الزبير ليس من المدلسين

    الفصل الثاني : ذكر مَن وثقهُ واحتج بهِ ورماهُ بالتدليس .
    هو الحافظ المشهور المتقن الثقة أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس والذي ترجم لهُ المتقدمين ولم يذكروهُ بالتدليس ووثقهُ الأثبات وعرف شأنهُ ومنزلتهُ العُلماء وقد ظُلم - رحمه الله - كثيراً في هذا الوقت ولا حول ولا قوة إلا بالله فقد نسب إليه ما هو منه بريءٌ ! ومن ذلك ما وصف به من الشهرة بالتدليس ، ألا والله إني لأبرئك من هذه التهمة أيها الحافظ المتقن الفذ ! وإني لأرى فيك الإتقان في الرواية والحفظ وسعة الرواية في كُتب السنة شهد لك اللبنة الأولى من الأعلام بالأمانة واحتج بك أمير المؤمنين في الحديث تلميذ البخاري - رضي الله عنهما - في الصحيح من رواية الثقة المتقن الحافظ الليث بن سعد ومن غير روايته معنعناً والقشيري - رضي الله عنه - صاحب الصحيح من أهل الإستقراء التام كيف لا وهو أمير المؤمنين والمحدثين في الحديث فرضوان الله عليكم جميعاً .
    الباب الأول : إمامته ووثاقته وثناء العلماء عليه .
    (1) قَال يَعْلَى بن عطاء تهذيب الكمال (26/402) : (( فيما روى عَنه: حَدَّثَنِي أَبُو الزبير، وكان أكمل الناس عقلا وأحفظهم )) قُلت : وهذا مَن عرف حالهُ وأتاهُ وحدثهُ بحديثهِ .
    (2) قال حرب بن إسماعيل الجرح والتعديل (8/ت319) : (( سئل أَحْمَد بْن حنبل عَن أبي الزبير، فقال: قد احتمله الناس، وأَبُو الزبير أحب إلي من أبي سفيان لأن أبا الزبير أعلم بالحديث منه ، وأَبُو الزبير ليس به بأس )) قوله: "لأن أبا الزبير أعلم بالحديث منه "ليس في المطبوع من "الجرح والتعديل " كما قال محقق كتاب تهذيب الكمال للحافظ المزي .
    (3) قال أبو بكر بن خيثمة عَن يحيى بن معين التهذيب (26/402) : (( ثقة )) .
    (4) وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين : (( صالح )) ومرة : (( ثقة )) .
    (5) قال الدوري عن بن معين في تَاريخه (2/538) : (( أَبُو الزبير أحب إلي من أبي سفيان )).
    (6) وقال يعقوب بن شيبة : (( ثقة صدوق وإلي الضعف ما هو )) .
    (7) وثقهُ النسائي وقال فيه : (( ثقة )) .
    (8) وإن أعدل ما قيل فيه عَن ابن عدي -رضي الله عنه- أنه قال في حق أبي الزبير تهذيب الكمال (26/402) : ((وللثوري، عَن أَبِي الزبير غير ما ذكرت من الحديث من المشاهير والغرائب وقد حدث عنه شُعْبَة أَيضًا أحاديث إفرادات كل حديث ينفرد به رجل عن شُعْبَة ولزهير، عَن أَبِي الزبير عن جابر نسخة ولحماد بن سلمة، عَن أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أحاديث وروى هشيم، عَن أَبِي الزبير عن جابر أحاديث وروى بن عُيَينة عنه أحاديث وروى بن جُرَيج، عَن أَبِي الزبير نسخة وروى مالك، عَن أَبِي الزبير أحاديث وكفى بأبي الزبير صدقا إن حديث عنه مالك فإن مَالِكًا لا يَرْوِي إلاَّ عَنْ ثقة، ولاَ أعلم أحدا من الثقات تخلف، عَن أَبِي الزبير إلاَّ قد كتب عنه، وَهو فِي نفسه ثقة إلاَّ أن يروي عنه بعض الضعفاء فيكون ذَلِكَ من جهة الضعيف، ولاَ يكون من قبله، وأَبُو الزبير يروي أحاديث صالحة ولم يتخلف عنه أحد، وَهو صدوق وثقة لا بأس به )) أهـ .
    (9) قال ابن حبان في الثقات (5/351) : (( لم ينصف من قدح فيه، لأن من استرجح في الوزن لنفسه لم يستحق الترك لأجله )) وقال العجلي (( تابعي ثقة )) .
    (10) وَقَال يعقوب بن سفيان: حدثني محمد بن يحيى، حَدَّثَنَا سفيان قال سمعت أيوب إذا ذكر أبا الزبير يقول: (( أبو الزبير، أبو الزبير، أبو الزبير وَقَال يكفه فقيهنا. قال محمد: أبي يوثقه )) .
    (11) قال الساجي : (( صدوق حجة في الاحكام قد روى عنه أهل النقل وقبلوه واحتجوا به )).
    قال : (( وبلغني عن يحيى بن مَعِين أنه قال: استحلف شَيْبَة ابا الزبير بين الركن والمقام أنك سمعت هذه الاحاديث من جابر فقال: والله إني سمعتها من جابر يقول ثلاثا. وَقَال ابن عُيَيْنَة كان أبو الزبير عندنا بمنزلة خبز الشعير إذا لم نجد عَمْرو بن دينار ذهبنا إليه )) احتج به الإمام مسلم وروى له البخاري في الصحيح مقروناً بغيرهِ فرضي الله عنهُ وعن أئمتنا جميعاً .
    (12) وأخرج ابن سعد في الطبقات (5/481) من طريق : (( يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ مَوْلَى حَكِيمِ بْنِ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدٍ قَالَ: مُحَمَّدٌ: وَأُخْبِرْتُ عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ حَجَّاجٍ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: كُنَّا نَكُونُ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَيُحَدِّثُنَا فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ تَذَاكَرْنَا حَدِيثَهُ. قَالَ: فَكَانَ أَبُو الزُّبَيْرِ أَحْفَظَنَا لِلْحَدِيثِ )) قُلت : ألا والله إن هذا القول فيك حقاً بيناً فرحم الله من قال بإمامتك ومَن عدلك ورحم الله من جرحك ففيه أمانةٌ وإمامةٌ وجلالةُ قدرٍ يقرها العاقل وغيره فرضي الله عن الأئمة الأعلام والحفظة لسنة نبي الأنام فأنت إلي الإمامة والوثاقة أقرب فرضوان الله عليكم ، فأنت متفقٌ على توثيقك واحتج بك النسائي وقد وصفك بالتدليس وأخرج لك صاحب الصحيح الإمام أمير المؤمنين مسلم فرحمك الله ورضي عنك .
    (13) قال ابن حبان البستي - رحمه الله تعالى - في الثقات (5/351) : (( وَكَانَ من الْحفاظ وَكَانَ عَطاء يقدمهُ إِلَى جَابر ليحفظ لَهُ روى عَنهُ مَالك وَالثَّوْري وَعبيد الله بن عمر وَالنَّاس مَاتَ قبل عَمْرو بن دِينَار وَمَات عَمْرو سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَة وَلم ينصف من قدح فِيهِ لِأَن من استرجح فِي الْوَزْن لنَفسِهِ لم يسْتَحق التّرْك من أَجله )) .
    (14) وأخرج ابن عدي بإسناده في الكامل (7/286) : (( حَدَّثَنَا مُحَمد بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيد، قالَ: قُلتُ ليحيى بن مَعِين فأبو الزبير قَالَ ثقة قلت فمحمد بن المنكدر أحب إليك من جابر أو أَبُو الزبير قَالَ كلاهما تقيان )) ، رجال صحيح مسلم (2/207) : (( روى عَن جَابر بن عبد الله فِي الْإِيمَان وَالْوُضُوء وَالصَّلَاة وَغَيرهَا وَعبيد بن عُمَيْر فِي الْوضُوء وَسَعِيد بن جُبَير وَطَاوُس فِي الصَّلَاة وَالْحج وعبد الله بن الزبير فِي الصَّلَاة وَعون بن عبد الله بن عتبَة فِي الصَّلَاة وَأبي الطُّفَيْل عَامر بن وَاثِلَة وَابْن كَعْب بن مَالك فِي الصَّوْم وَعِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس فِي الْحَج وَعَائِشَة فِي الْحَج وَأبي معبد مولى ابْن عَبَّاس وَعلي الْأَزْدِيّ فِي الْحَج وَابْن عمر فِي الطَّلَاق والأشربة والأطعمة وعبد الرحمن بن أَيمن مولى عزة فِي الطَّلَاق وَصَفوَان بن عبد الله بن صَفْوَان فِي الدُّعَاء روى عَنهُ معقل بن عبيد الله وسُفْيَان الثَّوْريّ وَابْن جريج وقرة بن خَالِد وحجاج الصَّواف وزَكَرِيا بن سحاق وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ وعياض بن عبد الله وَاللَّيْث وعبد الرحمن بن حميد فِي الصَّلَاة وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعَمْرو بن الْحَارِث وَزُهَيْر بن مُعَاوِيَة وَهِشَام بن أبي عبد الله وَمَالك بن أنس وَهِشَام بن عُرْوَة فِي الصَّلَاة ومُوسَى بن عقبَة وعبد الله بن أبي سُلَيْمَان فِي الزَّكَاة وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ فِي الزَّكَاة وَإِبْرَاهِيم بن طهْمَان فِي الصَّوْم ومطر الْوراق فِي الْحَج وَغَيره وَعُرْوَة بن ثَابت وَمُعَاوِيَة بن عمار الذهْنِي وعمار الدهني وَحرب بن أبي الْعَالِيَة وهَاشِم بن سعد وهشيم وَأَبُو عوَانَة وَعمارَة بن غزيَّة وعبيد الله بن الْأَخْنَس وعبدربه بن سعيد وَيزِيد بن إِبْرَاهِيم التسترِي وواصل مولى أبي عُيَيْنَة )) وروى عنه يحيى بن سعيد بن سعيد والإمام مالك وكفى برواية الإمام مالك - رضي الله عنه - عن ابي الزبير المكي فهو لا يروي إلا عن ثقةٍ ومَن يراهُ عنده ثقة ، ويظهر لك أن الإمام مسلم قد احتج برواية أبي الزبير المكي في الصحيح وهو من رجاله واورد لهُ البخاري مقروناً بغيرهِ وذكرهُ مَن عمد إلي تسمية رجال البخاري - رضي الله عنه - .
    (15) قال الإمام النووي في تهذيب الأسماء واللغات (2/232) : (( وهو تابعى، سمع جابرًا وأكثر الرواية عنه ....... واتفقوا على توثيقه ....... روى له مسلم فى صحيحه محتجًا به، وروى له البخارى مقرونًا به غير محتج به على انفراده، ولا يقدح ذلك فى أبى الزبير، فقد اتفقوا على توثيقه والاحتجاج به )) . فعدم رواية البخاري عنه احتجاجاً لا تقدح أبداً في روايته .
    (16) قال الحافظ الذهبي في الكاشف (2/216) : (( حافظ ثقة قال أبو حاتم لا يحتج به توفي 128 وكان مدلسا واسع العلم )) قُلت : وهو ممن قال بوثاقته وإمامته إلا أنه قال بتدليسه تبعاً لما جاء عَن الليث بن سعد - رضي الله عنه - فقال فيه على إمامته وحفظه وسعة علمه إلا أنه يدلس وقولهُ هُنا كان مدلساً سيأتيك بيان الحال إن شاء الله تعالى في مناقشة تدليسه .
    (17) وقال الإمام أحمد في العلل ومعرفة الرجال (
    1/83) : (( قلت لَهُ يحْتَج بِحَدِيث أبي الزبير فَقَالَ أَبُو الزبير يروي عَنهُ ويحتج بِهِ )) وقال مرةً : (( ليس به بأس ))
    قال الترمذي - رحمه الله - في العلل الكبير (1/756) في ذكر إختلاف التوثيق والتضعيف في الرجال والرواة : (( قَالَ أَبُو عِيسَى وَقد اخْتلف الْأَئِمَّة من أهل الْعلم فِي تَضْعِيف الرِّجَال كَمَا اخْتلفُوا فِي سوى ذَلِك من الْعلم ذكر عَن شُعْبَة أَنه ضعف أَبَا الزبير الْمَكِّيّ وَعبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان وَحَكِيم بن جُبَير وَترك الرِّوَايَة عَنْهُم ثمَّ حدث شُعْبَة عَمَّن هُوَ دون هَؤُلَاءِ فِي الْحِفْظ وَالْعَدَالَة حدث عَن جَابر الْجعْفِيّ وَإِبْرَاهِيم بن مُسلم الهجري وَمُحَمّد بن عبيد الله الْعَرْزَمِي وَغير وَاحِد مِمَّن يضعفون فِي الحَدِيث حَدثنَا مُحَمَّد بن عَمْرو بن نَبهَان بن صَفْوَان الْبَصْرِيّ حَدثنَا أُميَّة بن خَالِد قَالَ قلت لشعبة تدع عبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان ونحدث عَن مُحَمَّد بن عبيد الله الْعَرْزَمِي قَالَ نعم قَالَ أَبُو عِيسَى وَقد كَانَ شُعْبَة حدث عَن عبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان ثمَّ تَركه وَيُقَال إِنَّمَا تَركه لما تفرد بِالْحَدِيثِ الَّذِي روى عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن جَابر بن عبد الله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الرجل أَحَق بشفعته ينْتَظر بِهِ وَإِن كَانَ غَائِبا إِذا كَانَ طريقهما وَاحِدًا وَقد ثَبت عَن غير وَاحِد من الْأَئِمَّة وَحَدثُوا عَن أبي الزبير وَعبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان وَحَكِيم بن جُبَير حَدثنَا أَحْمد بن منيع حَدثنَا هِشَام حَدثنَا حجاج وَابْن أبي ليلى عَن عَطاء بن أبي رَبَاح قَالَ كُنَّا إِذا خرجنَا من عِنْد جَابر بن عبد الله تَذَاكرنَا حَدِيثه وَكَانَ أَبُو الزبير أحفظنا للْحَدِيث حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى بن أبي عمر الْمَكِّيّ حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ قَالَ أَبُو الزبير كَانَ عَطاء يقدمني إِلَى جَابر بن عبد الله أحفظ لَهُم الحدي حَدثنَا بن أبي عمر حَدثنَا سُفْيَان قَالَ سَمِعت أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ يَقُول حَدثنِي أَبُو الزبير وَأَبُو الزبير وَأَبُو الزبير قَالَ سُفْيَان بِيَدِهِ يقبضهَا قَالَ أَبُو عِيسَى إِنَّمَا يَعْنِي بِهِ الإتقان وَالْحِفْظ )) قُلت : فإن إختلف في التوثيق والتضعيف وكان الموثق صاحبُ بيانٍ وحُجة وزيادةٌ في العلم كان هو اولى بالأخذ بما قالهُ ، وقد روي عن الإمام شعبة الثقة الحافظ الأمين المتقن أنه كان روى عن محمد بن مسلم أبي الزبير المكي بعدما جرحهُ أوردهُ ابن عدي في كامله بأسانيد صحيحة ولعله - رضي الله عنه - رجع عن القول بضعفه فحدث عنهُ ! أو أنه مازال على القول فيه بالضعف ثُم رأى لهُ أحاديثاً صحاحاً عندهُ فأخذ عنهُ على إمامة أبي الزبير ووثاقته .
    ومن الأمثلة البينة على أن العلة تكون في غيره لا تكون قال الشيخ المحدث مقبل بن هادي الوادعي - رحمه الله - في أحاديث معلة ظاهرها الصحة (1/90) : (( قال الإمام محمد بن يزيد الشهير بابن ماجه رحمه الله (ج1ص292) :حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ (ح) وحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالا حَدَّثَنَا أَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ بِاسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ النَّارِ.
    هذا الحديث ظاهر سنده أنه حسن وإن كان ابن الزبير مدلساً ولم يصرح بالتحديث فليس تضعيف الحديث من أجله ففي طتهذيب التهذيب" في ترجمة لأيمن بن نابل بعد أن ذكر من وثقه، وقال الدارقطنى: ليس بالقوى خالف الناس ولو لم يكن إلا حديث التشهد.
    وقال الحافظ: قلت زاد في أول الحديث الذي رواه عن أبى الزبير عن طاوس عن ابن عباس في التشهد: (بسم الله وبالله) وقد رواه الليث وعمرو بن الحارث وغيرهما عن أبى الزبير بدون هذا قال النسائي بعد تخريجه: لا نعلم أحدا تابع أيمن على هذا وهو .
    قال الحافظ في "التلخيص الحبير" بعد ذكره الحديث حديث جابر: كذا روى النسائي وابن ماجه والترمذي في "العلل" والحاكم ورجاله ثقات إلا أن أيمن بن نابل راويه عن أبي الزبير أخطأ في إسناده وخالفه الليث وهو من أوثق الناس في أبي الزبير فقال عن أبي الزبير عن طاوس وسعيد بن جبير عن ابن عباس قال حمزة الكناني قوله: عن جابر خطأ ولا أعلم أحداً قال في التشهد بسم الله وبالله إلا أيمن، وقال الدارقطني: ليس بالقوي خالف الناس ولو لم يكن إلا حديث التشهد وقال يعقوب بن شيبة فيه ضعف )) أهـ ، فيتبين لك أن الخطأ ليس من أبي الزبير وليست العلة أبداً في تدليسه بل العلة فيمن روى عنهُ ولذلك قال ابن عدي إنما في ذلك الضعيف الذي يروي عن أبي الزبير وليست العلةُ فيه فهو ثقةٌ حافظٌ ، ولم يقل الحافظ ابن حجر بأن هذا معلٌ بعنعنة أبي الزبير لأنه مدلسٌ رغم أنه وضعهُ في المرتبة الثالثة من المدلسين وهم الذين لا يقبل منهم إلا ما صرحوا به بالتحديث والسماع ، ولم يعله الشيخ مقبل بتدليسه على قوله بأن أبي الزبير مدلساً ! فأعلهُ بمن روى عنهُ وهو الذي أخطأ بإسنادهِ لا أبي الزبير . والله أعلم .
    (18) قال الحافظ الذهبي في ميزانه (4/73) : (( وهو من أئمة العلم اعتمده مسلم، وروى له البخاري متابعة )) وقد أعل بعضهم رواية أبي الزبير لأخراج البخاري لهُ مقروناً ! قلت وهذا ليس سبباً لطرح رواية أبي الزبير وإن لم يكن الإمام البخاري يعتمد عليه في صحيحه إلا أن من عني بترجمة رجال البخاري في الصحيح ذكرهُ ولكنه قال أنه قد روى لهُ مقروناً بغيره .
    فهذه جملةٌ من أقوال الأئمة الذين قالوا بإمامة أبي الزبير المكي ووثقوهُ واحتج بهِ أرباب الجماعة إلا أن البخاري أخرج له مقروناً بغيرهِ وهذا ليس فيه قدحاً في الإمام أبي الزبير المكي فكم من ثقة وإمامٍ ثبت لم يخرج لهُ البخاري - رحمه الله - في الصحيح ، وبين يديك (19) نفسٍ مِمَن وصفهُ بذلك الوصف دون التطرق لمسألة التدليس ، وهو عين قول من رأى نفي التدليس عن أبي الزبير المكي بأن كثيراً من الأئمة المتقدمين حين ترجموا لهُ لم يتطرقوا إلي تدليسهِ ولم يقدح بهِ أحدٌ من الأعلام وإنما قالوا بتلك الصفة التي توجب قبول رواية الراوي وحسبك بهذا العدد الذي ترتاحُ له النفس والأئمة الأثبات ممن عرفهُ وعاصرهُ وقدمهُ غيرهُ في حديث جابر ! ، فإن كان معروفاً عند هؤلاء بالتدليس لما تنكب أحدٌ منهم عن وصفهِ بهِ ولا قال بأنهُ من المدلسين وأقدم ما روي فيه هو قول الليث بن سعد - رضي الله عنه - وتلقفه الأئمة المتأخرين وساروا على هذا الإمام الثبت الثقة النسائي - رحمه الله - وقد احتج به وروى لهُ ومن بعده الأئمة المتأخرين في وصفه بذلك الوصف وهو التدليس مما جعلهم لا يقبلوا منه إلا ما صرح به بالسماع وهذا والله في حق أبي الزبير غير مقبول أبداً وإنا لنرى أنه بريءٌ من التدليس براءة الذئب من دم يوسف .
    وقد اختلف في توثيقه وتضعيفهُ ! فهذه ثلةٌ ممن قال بالتوثيق دون التضعيف ودون التدليس وقد ضعفهُ من الأئمة شعبة، وأيوب السختياني، وابن عيينة، والشافعي، وأبو حاتم، وأبو زرعة وهم العدول والذين حملوا هذه الأمانة فأعطوها حقها ألا إن القول في الجرح والتعديل والأرجح أن الجرح المفسر يقدم على التعديل ! وإن لم يكن الجرح مفسراً فالتعديل المفسر مقدماً وكما رأيت فقد أثنى عليه ووثقهُ جمعٌ من الأئمة وقدمه على نفسه بعضهم ! وإليك هذا الباب الذي نناقش فيه أقوال الذين قالوا بضعف أبي الزبير المكي - رضي الله عنهم جميعاً - .
    باب : ذكر من ضعف أبي الزبير المكي ومناقشة قوله .
    (1) الإمام القدوة شعبة بن الحجاج - رضي الله عنه - .
    قال هشام بن عمار، عن سويد بن عبد العزيز: قال لي شعبة: (( تأخذ عن أبى الزبير وهو لا يحسن أن يصلى! )) أهـ ، قال نعيم بن حماد: (( سمعت هشيما يقول: سمعت من أبى الزبير، فأخذ شعبة كتابي فمزقه )) ، قال محمد بن جعفر المدائني عن ورقاء: قلت لشعبة: (( مالك تركت حديث أبى الزبير قال: رأيته يزن ويسترجح في الميزان )) .
    (2) الإمام الثقة الثبت أيوب السختياتي - رضي الله عنه - .
    قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قال أبى: (( كان أيوب السختياني يقول: حدثنا أبو الزبير، وأبو الزبير أبو الزبير! قلت لأبى: كأنه يضعفه؟ قال: نعم )) .
    (3) الإمام العلم الثقة المحدث الزاهد سفيان بن عيينة - رضي الله عنه - .
    قال نعيم بن حماد: سمعت ابن عيينة يقول: (( حدثنا أبو الزبير وهو أبو الزبير. أي كأنه يضعفه )).
    (4) الإمام الثقة المحدث الفقيه المشهور الشافعي - رضي الله عنه - .
    قال يونس بن عبد الأعلى: (( سمعت الشافعي يقول: أبو الزبير يحتاج إلى دعامة )) .
    (5) الإمام المحدث المعلل العدل الثبت أبو حاتم الرازي - رضي الله عنه - .
    قال عبد الرحمن بن أبى حاتم: (( سألت أبى عن أبى الزبير، فقال: يكتب حديثه، ولا يحتج به، وهو أحب إلى من أبى سفيان )) ، وقال أيضاً : (( وقال أيضا: سألت أبا زرعة عن أبى الزبير؟ فقال: روى عنه الناس. قلت: يحتج بحديثه؟ قال: إنما يحتج بحديث الثقات )) .
    قُلت : وهذه ستةُ أقوال في تضعيف أبي الزبير المكي وهي عن أئمة أثبات وأعلامٍ عرفَ علمهم الأشهاد وهم من المعدلين والجارحين الأفذاذ فرضي الله عنهم وإليك مناقشة الأقوال التي وردت عنهم - رضوان الله تعالى عليهم - في جرح أبي الزبير المكي .
    (1) قول
    الإمام القدوة شعبة بن الحجاج - رضي الله عنه - .
    إعلم علمني الله تعالى وإياك أن الإمام قد جرحهُ لأسبابٍ عدةٍ منها ! الإفتراء على من أغضبهُ ، وأنه كان يسترجح في الميزان وهذه رد عليها الإمام ابن حبان مبيناً أن هذا من الأقوال التي لا تقدح أبداً في رواية الراوي ولا تسقط لأجلها روايتهُ ، إساءة الصلاة ، الشدة والقسوة .
    قال الدكتور صالح بن أحمد رضا : (( فأما إساءة الصلاة، وعدم إحسانها فهو أمر نسبي، فلعل شعبة قاس الأمور على نفسه فقد كان هو من العباد المكثرين من الصلاة حتى رق جلده، ومن الذين يحسنوا أداءها وليس كل من لا يكون على مثل شعبة في الصلاة مردود الرواية إذ ليس من المعقول أن يكون أبو الزبير التابعي الذي يعيش في مكة المكرمة لا يحسن الصلاة إلا إذا كان المقصود ما قلت. . والله أعلم.
    وأما الشدة والقسوة والإفتراء على من أغضبه، فيظهر أن أبا الزبير يتصف بذلك لسرعة الغضب، ويظهر ذلك فيه واضحاً إذا أزعجه إنسان، وبخاصة حين كبر في السن وجاوز الستين من العمر-كما ألمحت سابقاً أن شعبة قد تأخر في الذهاب للسماع من أبي الزبير- ولعل ذلك كان قليلاً فيه، ونادراً، ولذلك لم نر أحداً روى عنه ذلك إلا شعبة ... بل وجدنا أقرانه كيعلي بن عطاء يقول عنه: وكان أكمل الناس عقلاً، فمن ظهر منه شيء مرة لا يترك حديثه، ثم إن هذه أمور خاصة، وطباع شخصية لا تتعلق بالرواية، ولهذا رأينا شعبة نفسه لم يطعن في روايته للحديث، وهو الواسع الإطلاع ، قال بن رجب الحنبلي - في شرح العلل - بعد أن ذكر ما أخذه شعبة على أبي الزبير: ولم يذكر عليه كذباً أو سوء حفظ
    ))

    (2) قَول الإمام الثقة الثبت أيوب السختياتي - رضي الله عنه - .
    وأما ما قاله أيوب السختياني في حق أبي الزبير فقد حمله الإمام الترمذي في العلل الكبير على الوثاقه وقد ذكرنا قوله آنفاً ويحمل على أنه تضعيف كما قال الإمام أحمد بن حنبل - رضي الله عنهُ - وعن بقية السلف جميعاً والأرجح كما قال الدكتور صالح بن أحمد رضا أنه إلي التوثيق أقرب وذلك لعدة أسبابٍ ذكرها الدكتور في صحيفة أبي الزبير عن جابر :
    1- لقول محمد بن يحي راوي الكلام عن سفيان عن أيوب: أي يوثقه.
    2- وزاد في رواية: وقال : بكفه فقهينا ، فهذه الزيادة تدل على التوثيق لا على التضعيف.
    3- ولرواية الترمذي: قال سفيان بيده يقبضها. فقبض اليد يدل على التوثيق لا التضعيف .
    4- وقد قال الإمام الذهبي: قد روى عنه مثل أيوب ومالك. قلت: فلو كان يضعفه لما روى عنه.
    فخُلاصة القول فيه أن الإمام أيوب السختياني لو كان يضعفهُ لما روى عنه وهو أحفظ الرواة عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - وقد وثقهُ جمعٌ من الأئمةِ المذكورين وترك شعبة لهُ لأجل تلك الأمور الخاصة التي ذكرت في رسالة الدكتور لا تقدح في روايته ولا تنزله عن مرتبة الضبط في الحديث والإمامة والشهرة وسعة الراوية وقد قال الحافظ ابن حجر وغيرهُ أنه ثقةٌ بالإتفاق ، وهو من المتفق على توثيقهم ، فخلاصة القول فيه أنه ثقةٌ حافظٌ مشهورٌ معروفُ الرواية مكثرٌ .
    وقد قال الشيخ المحدث عبد الله السعد : (( عن تضعيف الأئمة: أيوب، والشافعي، وأبي حاتم، وأبي زرعة لأبي الزبير بقوله: [أما أيوب فقال (حدثنا أبو الزبير، وأبو الزبير أبو الزبير) قال أحمد بن حنبل (يضعفه بذلك) وهذا التضعيف ليس بظاهر من كلامه وحتى لو حمل على التضعيف فهو تضعيف مجمل غير مفسر وكذا فهو مخالف بمن ذكرنا من الحفاظ الذين وثقوه )) .

    (4) قول الإمام الثقة المحدث الفقيه المشهور الشافعي - رضي الله عنه - .
    1- وثقهُ الجمع وخالف بقولهِ هذا الجمع فعلى إمامته وجلالته فقول الجمع مقدم .
    2- هذا الجرح من الإمام الشافعي مجملٌ وليس مفسراً .
    3- فعلى إمامة الشافعي وجلالة قدره فمن وثقهُ أوسعُ علماً وأعلمُ منهُ في الجرح والتعديل .
    4- قد احتج الإمام الشافعي بأحاديث أبي الزبير المكي - رضي الله عنهما - .
    وهو عين قول الدكتور صالح في رسالته صحيفة أبي الزبير عن جابر ، وأتيتُ به مختصراً بين يديك لتعلم أن جرح الإمام الشافعي - رحمه الله - ليس جرحاً مفسراً فالأصل في الجرح أن يكون مفسراً ليقدم على التعديل وأما إن كان مبهماً مجملاً فإن قول المعدل الذي ثبت في قوله أنه معدلٌ كأن يقول : (( كان أحفظنا )) وهو قرينةٌ على أنه كان يحفظ الحديث فهذا مقدمٌ قولهُ على من جرح وكان جرح مفسرٌ ولا يقدح هذا في إمامةٍ أي منهم فهم الأمنة الحفظة وبالجملة فإن اعتماد ما روي من أقوال الأئمة في الجرح ليس بمطلقهِ وهو عندنا فيه نظر ، وإن قول الإمام الترمذي : ((
    إِنَّمَا يَعْنِى بِهِ الإِتْقَانَ وَالْحِفْظَ )) وهو تأويله لقول أيوب السختياني وهو الصواب فيه وقد روى عنه أيوب السختياني ولو كان رضي الله عنه يرى ضعفهُ لما روى عنهُ وسمع حديثه ، فكل تلك الأمور جرحٌ مجملٌ غير مفسرٍ والأصل في قاعدة الجرح والتعديل أن يقدم المفسر على المبهم المجمل ! وإنا والله لنرى جلالة الأئمة الذين جرحوهُ ولا نرد قولهم أبداً ولكنا لا نحمله على الجرح كما حملهُ بعضهم ، وهو إلي مرتبة الثقة أقرب إليه من الصدوق . والله أعلم .

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: الايضاح والتبيين بأن أبي الزبير ليس من المدلسين

    الباب الثاني : مَن رمى أبي الزبير المكي بالتدليس .
    قد وصف ابي الزبير المكي بالتدليس من غير واحدٍ من الأئمةِ الأعلام ، وعمدتهم قول الليث ولا ينبغي رد قول الإمام الليث بن سعد ووصفهُ تبعاً لذلك الإمام النسائي - رحمه الله - ويحيى القطان - رحمه الله - وقد اطلعت على رسالة في شرح الموقظة يثبت فيها صاحبها أن أبي الزبير المكي من المدلسين مستدركاً القول على الشيخ عبد الله السعد وغيره وسيأتي التعليق على ما نقلهُ - وفقه الله - في إثبات تدليس ابي الزبير المكي وتعليقه على أقوالهم .
    (1) قال الإمام النسائي في السنن الكبرى (1/640) : (( قال أبو عبد الرحمن: أبو الزبير اسمه محمد بن مسلم بن تدرس مكي كان شعبة سيئ الرأي فيه، وأبو الزبير من الحفاظ روى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري وأيوب ومالك بن أنس، فإذا قال: سمعت جابرا فهو صحيح، وكان يدلس، وهو أحب إلينا في جابر من أبي سفيان وأبو سفيان هذا اسمه طلحة بن نافع وبالله التوفيق )).
    (2) قال الحافظ الذهبي في تذكرته : (( وقال غير واحد هو مدلس فإذا صرح بالسماع فهو حجة )).
    (3) قال الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء (7/74) : (( قال النسائي: ذكر المدلسين: الحسن، قتادة، حجاج بن أرطاة، حميد سليمان التيمي، يونس بن عبيد، يحيى بن أبي كثير، أبو إسحاق، الحكم بن عتيبة، مغيرة، إسماعيل بن أبي خالد، أبو الزبير، ابن أبي نجيح، ابن جريج، ابن أبي عروبة، هشيم، سفيان بن عيينة. وزدت أنا: الأعمش، مكحول، بقية بن الوليد، الوليد بن مسلم ، وآخرون )) وقد اختار طائفةٌ من العلماء إلي أنه مدلس وأنه لا يقبل منه إلا ما صرح به بالسماع أو ما كان من رواية الليث بن سعد عنهُ لأنهُ أحفظ الناس عنهُ ، ولو كان معنعناً .
    (4) وقد سابق ابن حزم قصة الليث بن سعد - رحمه الله - نقلها العقيلي في كتاب الضعفاء الكبير (4/132) : (( عن الليث بن سعد قال : قدمت مكة ، فجئت أبا الزبير ، فدفع إلى كتابين ، وانقلبت بهما ، ثم قلت في نفسي : لو عاودته فسألته : أسمع هذا كله من جابر .فقال : منه ما سمعت ، ومنه ما حدثناه عنه .فقلت له : أعلم لي على ما سمعت .فأعلم لي على هذا الذي عندي )) فرد ابن حزم لأجلها أحاديث ابي الزبير المكي التي من غير رواية الليث بن سعد عنه ، وسيأتيك تحرير قول ابن حزم رحمه الله.
    (5) أسماء المدلسين (1/91) : (( مشهور بالتدليس )) .
    (6) وقال الحافظ في طبقاته (1/45) : (( محمد بن مسلم بن تدرس المكي أبو الزبير من التابعين مشهور بالتدليس ووهم الحاكم في كتاب علوم الحديث فقال في سنده وفيه رجال غير معروفين بالتدليس وقد وصغه النسائي وغيره بالتدليس )) أهـ .
    (7) التبيين لأسماء المدلسين (1/54) : (( مقرونا محمد بن مسلم أبو الزبير المكي مشهور بالتدليس قال سعيد بن أبي مريم حدثنا الليث بن سه قال جئت أبا الزبير فدفع لي كتابين فانقلبت بهما ثم قلت في نفس لو اني عاودته فسألته اسمع هذا كله من جابر قال فسألته فقال منه ما سمعته ومنه ما حدثت عنه فقلت له ك اعلم لي ما سمعت منه فاعلم لي على هذا الذي عندي ولهذا توقف جماعة من الائمة بما لم يروه الليث عن أبي الزبير عن جابر بلفظ عن وفي صحيح مسلم عدة أحاديث مما قال فيها أبو الزبير عن جابر وليست من طريق الليث وكأن مسلما رحمه الله اطلع على انها مما رواه الليث عنه ولم يروها من طريقه والله اعلم )) .
    (8) تحفة التحصيل (1/287) : (( مُحَمَّد بن مُسلم بن تدرس أَبُو الزبير الْمَكِّيّ قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة يَقُولُونَ أَبُو الزبير لم يسمع من ابْن عَبَّاس وَقَالَ يحيى بن معِين لم يسمع من عبد الله ابْن عَمْرو وَقَالَ أَبُو حَاتِم رأى ابْن عَبَّاس رُؤْيَة وَلم يسمع من عَائِشَة وَحَدِيثه عَن عبد الله بن عَمْرو مُرْسل لم يلقه قَالَ العلائي حَدِيثه عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَعَائِشَة فِي صَحِيح مُسلم )).
    (9) المدلسين (1/88/59) : (( مشهور بالتدليس )) ثُم ذكر قصة الليث .
    (10) قال العلائي في جامعه (1/110) : (( محمد بن مسلم أبو الزبير المكي مشهور بالتدليس قال سعيد بن أبي مريم ثنا الليث بن سعد قال جئت أبا الزبير فدفع لي كتابين فانقلبت بهما ثم قلت في نفسي لو أني عاودته فسألته اسمع هذا كله من جابر قال سألته فقال منه ما سمعت ومنه ما حدثت عنه فقلت له اعلم لي على ما سمعت منه فاعلم لي على هذا الذي عندي
    ولهذا توقف جماعة من الأئمة عن الاحتجاج بما لم يروه الليث عن أبي الزبير عن جابر وفي صحيح مسلم عدة أحاديث مما قال فيه أبو الزبير عن جابر وليست من طريق الليث وكأن مسلما رحمه الله اطلع على أنها مما رواه الليث عنه وإن لم يروها من طريقه والله أعلم
    )) .
    وقال : (( محمد بن مسلم بن تدرس أبو الزبير المكي تقدم ذكره في المدلسين قال بن معين وأبو حاتم لم يسمع من عبد الله بن عمرو بن العاص وقال أبو حاتم رأى بن عباس رؤية ولم يسمع من عائشة وقال سفيان بن عيينة يقولون أبو الزبير لم يسمع من بن عباس قلت حديثه عن بن عمر وابن عباس وعائشة في صحيح مسلم وقد تقدمت حكاية الليث بن سعد معه وإن ما رواه عنه فهو مما سمعه من جابر رضي الله عنه )) أهـ .
    (11) من تكلم فيه وهو موثق (1/170) : (( ثقة تكلم فيه شعبة وقيل يدلس )) .
    (12) وذكره ابن أبي حاتم في المراسيل فقال (1/193) : (( حَدَّثَنَا أَبِي نَا ابْنُ الطَّبَّاعِ نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ يَقُولُونَ أَبُو الزُّبَيْرِ الْمَكِّيُّ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ ابْنِ عَبَّاس ، قرىء عَلَى الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْدُّورِيِّ قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ أَبُو الزُّبَيْرِ الْمَكِّيُّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ أَبُو الزُّبَيْرِ رَأَى ابْنَ عَبَّاسٍ رُؤْيَةً وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ ، سَأَلْتُ أَبِي عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَقَالَ هُوَ مُرْسَلٌ لَمْ يَلْقَ أَبُو الزُّبَيْرِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو )) .
    فهذه أيها القارئ الكريم جملةٌ من أقوال العلماء الذين وقفت عليهم في وصف أبي الزبير المكي بالتدليس وقد أثبتهُ بعضهم ونفاهُ بعضهم وإن كانت كفتي تميل إلي من نفى التدليس عن أبي الزبير المكي - رضي الله عنه - وقد اطلعت على رسالة الشيخ الدكتور خالد الدريس في براءة أبي الزبير المكي من التدليس وهو قولٌ نفيسٌ دقيقٌ عندنا وهو الأرجح في القول لما تبين لي من رواية أبي الزبير المكي ومن إمامته ووصف الأئمة لهُ ولم يثبت لدي أنه قد دلس ولم يكن بذلك الوصف أبداً وسيأتيك بياناً في الفصل التالي إن شاء الله وفيه:
    الفصل الثالث : مناقشة تدليس ابي الزبير المكي وفيه :
    [1] باب مناقشة أقوال الأئمة في تدليس أبي الزبير .
    [2] مناقشة بعض من استدل بإثبات تدليسه .
    [3] بعضاً من الأحاديث التي استدل بها مثبت تدليسه تخريجاً ودراسةً .
    [4] برائته من التدليس والفصل في هذه المسألة .

    يتبع إن شاء الله تعالى

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: الايضاح والتبيين بأن أبي الزبير ليس من المدلسين

    الفصل الثالث : مناقشة تدليس أبي الزبير المكي - رحمه الله - .
    وفي هذا الفصل سنتعرض لمناقشة تدليس أبي الزبير المكي - رحمه الله - وسنستعرض أقوال من قال بتدليسهِ والذي لابد من بيانه وإيضاحه أني العبد العاثر أنفي عن أبي الزبير المكي التدليس وبهِ قال عددٌ لا بأس به من المشايخ الثقات الأجاء قد سبق وأن ذكرناهم ، ومنهم من أثبته وعمدته في هذا الباب ما روي عن الليث بن سعد - رحمه الله - إعتراف أبي الزبير المكي بحصول التدليس وهذه القصة قد جاءت بروايتين الأولى أخرجها الفسوي في المعرفة والتاريخ والثاني التي استدل بها ابن حزم وغيره في اثبات التدليس على أبي الزبير وعمدة مَن تكلم في تدليسه هذه القصة والتي لو سلمنا جدلاً أن أبي الزبير لم يثبت سماعه من جابر في كل ما رواهُ عنه ! فإنك لا يمكن أن تنكر أنهُ قد حدث عن سليمان اليشكري عن جابر وهو ثقةٌ فإنتفى الإشكال في أنه قد يكون دلسهُ لأننا هُنا علمنا الواسطة بينه وبين جابر بن عبد الله وهو ثقة فكيف يكون مثلهُ في الثالثة !! .
    وإعلم أن مَن وصفه بالتدليس اعتمد على ما روي عن الليث بن سعد - رحمه الله - ثم تلقفها الإمام النسائي - رحمه الله - وأخذ بها ووصفهُ بهِ وقد أخرجها الفسوي في المعرفة والتاريخ وأخرجها غيرهُ بغير لفظه كالعقيلي - رحمه الله - والتي استدل بها الإمام ابن حزم في وصفه لأبي الزبير المكي بالتدليس ! وأما قصة الليث بن سعد - رحمه الله - : (( عن الليث بن سعد قال : قدمت مكة ، فجئت أبا الزبير ، فدفع إلى كتابين ، وانقلبت بهما ، ثم قلت في نفسي : لو عاودته فسألته : أسمع هذا كله من جابر .فقال : منه ما سمعت ، ومنه ما حدثناه عنه .فقلت له : أعلم لي على ما سمعت .فأعلم لي على هذا الذي عندي )) أهـ .
    قُلت : ألا إن من بركة العلم نسب الفضل لأهلهِ وقد قلت أن الشيخ عبد الله السعد وغيره سبقونا في هذا البيان وحققوا الخبر وفد استفدت من الفوائد المتناثرة في هذا الملتقى العامر وتأملتها فوفق الله الجميع للخير .
    وأما قصة الليث بن سعد فليس فيها ما يشعر بثبوت التدليس فقد رويت بلفظين فأخرجها الفسوي في المعرفة والتاريخ (1/166) : (( عن الليث بن سعد : جئت أبا الزبير فأخرج إلينا كتاباً ، فقلت : سماعك من جابر ؟ قال : ومن غيره . قلت : سماعك من جابر ، فأخرج إليّ هذه الصحيفة )) ومِن نظر تبين لهُ أنه في بادئ الأمر يسأله عن هذه الكُتب هل هي سماعه من جابر ، والثانية يسأله أحاديثه عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - وإعلم أن الإمام أبي الزبير المكي مكثرٌ من الرواية عن جابر بن عبد الله وقد أخرج لهُ الإمام مسلم في 22 موطن من روايته عن جابر ومن رد أحاديثهُ لمجرد العنعنة أو أنه لا يقبل منه إلا ما صرح به بالسماع فهذا فيه جرأةٌ على أحاديث الإمام مسلم - رحمه الله - فعمم الحكم استناداً على القصة بعض الأئمة كابن حزم وابن القطان فطلبوا أن يتحرى منه السماع ! فأما ما صرح به بالسماع فمقبول وأما مالم يصرح به بالسماع فإن هؤلاء الأئمة يردونه فلسنا والله نهدر أقوال الأئمة ولا نرفض أقوالهم ولكننا وإن خالفنا في ثبوت التدليس عليه لا يعني إهدار قولهم ، ثُم إن الإمام الدارقطني حين انتقد أحاديث الشيخين في كتابه النفيس الإلزامات والتتبع لم نرهُ ينتقد أحاديث أبي الزبير عن جابر بن عبد الله ! وغاية ما انتقده وهو حديثٌ واحدٌ ثبت فيه أن الإمام أبي الزبير شك فيما إن كان هذا مرفوعاً أم موقوفاً كما أن هناك من الأئمة من عني بانتقاد صحيح مسلم كابن عمار الشهيد وأبو مسعود الدمشقي وغيره من الأئمة الذين انتقدوا أحاديثاً على الإمام مسلم في الصحيح ولم ينتقدوا أياً من تلك الأحاديث التي رواها أبي الزبير عن جابر ، وقد قال بعضهم أننا نعامل أحاديث جابر في الصحيح من رواية أبي الزبير عنه خلاف ما نعاملها خارج الصحيح ! وهذا قولٌ ليس بمسلمٍ أبداً إذ أنك لا يمكن أن تجزم بحصول التدليس من أبي الزبير في أكثر المواطن فقد حدث عنه الليث بن سعد وهي بالجملة من الأسانيد الصحيحة الثابتة من رواية الليث بن سعد ! ولكن إن عنعن أبي الزبير من غير رواية الليث عنه فقد يقول بعضهم أنه دلس ولم يصرح بالسماع وحصل هذا في صحيح مسلم وليس بمسلم أبداً لأنه إن سلمنا بحصول التدليس وأن هناك بينه وبين جابر واسطةٌ فإن عرفت من هو الواسطة وهو اليشكري كما قال أبو داود في سؤالات الإمام أحمد (م213) : (( حَدَّثَنَا الْحُسَيْن ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَان ، قَالَ : سَمِعْتُ أَحْمَد بن حَنْبَل ، قَالَ : قَالَ ابن عُيَيْنَة : شهدت أبا الْزُّبَيْر يُقرأ عليه صحيفة .فَقُلْتُ لأَحْمَدَ : هي هذه الأحاديث ، يعني صحيفة سُلَيْمَان ، وهو الْيَشْكُرِي ، التي فِي أيدي الْنَّاس ، عنه ؟ قَالَ : نعم .قُلْتُ : أخذها أبو الْزُّبَيْر من الصحيفة ؟ قَالَ : كان أبو الْزُّبَيْر يحفظ ... )) فإن سلمنا بوقوع هذا من أبي الزبير فروايته هذه الصحيفة عن الثقة المعلومِ ينفي حصول التدليس عنه في أحاديث جابر على وجه الخصوص وإن قلنا أنه وقع فعن جابر وهذا نادرٌ بلا لا نعلم أحداً غير ابن حزم وابن القطان قد استدرك أحاديثاً من رواية أبي الزبير عن جابر والصحيح أنا لا نثبت له لا عن جابر ولا عن غيره تدليساً أبداً .
    وقد تلقف الإمام ابن حزم هذا الأمر تلقفاً شديداً وطعن في رواية أبي الزبير المكي - رحمه الله - ولم يقبل منه ما لم يصرح به بالسماع فأنكر عنعنته ولم يقبل منه إلا ما صرح به بالسماع وهذا وقع فيه - رحمه الله - بالتناقض فقال : (( أحدهما : حافظ عدل ربما أرسل حديثه وربما حدث به على سبيل المذاكرة أو الفتيا أو المناظرة فلم يذكر له سنداً وربما اقتصر على ذكر بعض رواته دون بعض فهذا لا يضر ذلك سائر رواياته شيئاً لأن هذا ليس جرحة ولا غفلة لكنا نترك من حديثه ما علمنا يقيناً أنه أرسله وماعلمنا أنه أسقط بعض من في إسناده ونأخذ من حديثه ما لم نوقن فيه شيئاً من ذلك ، وسواء قال أخبرنا فلان أو قال عن فلان أو قال فلان عن فلان كل ذلك واجب قبوله ما لم يتيقن أنه أورد حديثاً بعينه إيراداً غير مسند فإن أيقنا ذلك تركنا ذلك الحديث وحده فقط وأخذنا سائر رواياته ، وقد روينا عن عبد الرزاق بن همام قال : ( كان معمر يرسل لنا أحاديث فلما فلما قدم عليه عبد الله بن المبارك أسندها له ) .وهذا النوع منهم كان جلة أصحاب الحديث وأئمة المسلمين كالحسن البصري وأبي إسحاق السبيعي وقتادة بن دعامة وعمرو بن دينار وسليمان الأعمش وأبي الزبير وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وقد أدخل على بن عمر الدار قطني فيهم مالك بن أنس ولم يكن كذلك ولا يوجد له هذا إلا في قليل من حديثه أرسلة مرة وأسنده أخرى )).

    ولذلك قال الإمام ابن القيم الجوزية - رحمه الله - رفع اليدين في الصلاه (ص225) : (( أما ردّكم لحديث جابر بأنه من رواية أبي الزبير ؛ فردٌّ مردود وعُذْر غير مقبول ، فإن أبا الزبير من الحفاظ الثقات ، ولم يزل الأئمة يحتجون بحديثه ، وحديثه هذا على شرط مسلم ، فإنه يخرِّج أحاديثه عن جابر في " صحيحه " ويحتجّ بها ، ولم يلتفت إلى قول من يعللها .وأبو الزبير غير مدفوع عن الحفظ والصدق .قال سفيان بن عيينة عن أبي الزبير : " كان عطاء يقدمني إلى جابر أحفظ لهم الحديث " . فهذا ثناء شيخه عليه .وقال الإمام أحمد : " قد احتمله الناس ، وهو أحب إليَّ من أبي سفيان " .وقال يحيى بن معين : " ثقة " . وقالَ مرّةً : " صالح " . وقال مرّةً : " هو أحب إليَّ من أبي سفيان ".وقال النسائي : " ثقة " .وقال يعقوب بن شيبة : " ثقة صدوق ، وإلى الضعف ما هو " .وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال : " لم ينصف من قدح فيه ؛ لأن من استرجح في الوزن لنفسه لم يستحق الترك لأجله " .قلت : يريد ما ذكره محمد بن جعفر المدائني ، عن ورقاء قال : " قلتُ لشُعبة : مالك تركتَ حديث أبي الزبير ؟ قال : رأيتُه يَزِنُ ويسترجِحُ في الميزان " . ومعلوم أن حديث الرجل لا يُرد بمثل هذا (*).وقال أبو أحمد بن عدي : " كفى بأبي الزبير صدقًا أن مالكًا روى عنه ، ولا أعلم أن أحدًا من الثقات تخلّف عن أبي الزبير إلا وقد كتب عنه ، وهو في نفسه ثقة ، إلا أن يروي عنه بعض الضعفاء ، فيكون ذلك من جهة الضعيف " .وفي الاحتجاج بأبي الزبير طريقة ثالثة ، وهي طريقة جماعة من حفّاظ المغرب : أن حديثه حجة إذا صرّح بالسماع ، أو كان من رواية الليث عنه خاصّة ، وهي طريقة أبي محمد بن حزم ، وأبي الحسن بن القطان ، ومن وافقهما ، قالا : لأنه معروف بالتدليس ، والمدلّس إنما يحتج من روايته بما صرح فيه بالسماع ، وإنما قبلنا رواية الليث عنه ؛ لأنه قال : " قَدِمْت مكة فدفع إليَّ أبو الزبير كتابين ، فسألته : هل سمع هذا من جابر ؟ فقال : منه ما سمعت منه ، ومنه حُدّثت عنه ، فقلتُ : أعْلِم لي على ما سمعتَ ، فأعلَمَ لي على هذا الذي عندي " . ذكره سعيد بن أبي مريم ، عن الليث .والصواب : الاحتجاجُ به مطلقًا كما فعل مسلمٌ وغيره ؛ لأنه حافظ ثقة ، والتدليس لا يُردّ به حديث الحفّاظ الأثبات ، وقد احتج الناس بالأعمش ، وسفيان بن عيينة ، وقتادة ، وسفيان الثوري ، والحَكَم ، وعمرو بن مرّة ، وحُصين ، والشعبي ، وأبي إسحاق ، وخلائق من الثقات المدلّسين الذين يحتج بحديثهم أهلُ العلم . بل أكثر أهل الكوفة يدلّسون ، ولم يسلم منهم من التدليس إلا نفرٌ يسير ، فلو أسقطنا حديث المدلس لذَهَب حديثُ هؤلاء وأضعافهم .ثم كيف يليق بكم الطعن في حديث المدلس وأنتم تقبلون المرسل ؟! فكيف يجتمع رد حديث المدلس وقبول المرسل ؟! وهل هذا إلا تناقض ظاهر !والصواب عندنا في حديث المدلسين والحديث المرسل : أن المدلس إن كان عنده التدليس عن المتهمين والكذابين والمجروحين والضعفاء لم يُقبل تدليسه ولا إرساله ، وإن كان لا يدلس إلا عن ثقة لم يضر تدليسه ، مثل : سفيان بن عيينة وأضرابه ، فإنه يدلس عن مثله وعمن هو ثقة صدوق ، فإنه يدلس عن مثل مَعْمر ، ومِسْعر ، ومالك بن مِغول ، وزائدة .ومثل إبراهيم ، فإنه إذا دلس لم يدلس إلا عن ثقة .وأما قتادة فقد أكثر عن أنس ، وسعيد بن المسيب ، وقد سئل شعبة عن تدليس قتادة فقال : " قد وقفته على ذلك ، فقال : ما سمعته من أنس فقد سمعته ، وما لم أسمعه منه فقد حدثني به النضر عن أنس ، وموسى بن أنس ، وغيرهما من ولد أنس " .وأما إكثاره عن سعيد بن المسيب ، فإنه لزمه مدة فقال له : " ارحل عني يا أعمى فقد نَزَحتني أو أَنْزَفْتني " .والمقصود أن من عرف بالتدليس عن غير الثقات وعن المجهولين ، فإنه يتوقف فيما لم يصرح فيه بالسماع ، ومن لم يُعرف بالتدليس عن الضعفاء والمجروحين لم يتوقّف في حديثه .وتدليس المتقدمين كأبي الزبير ، وإبراهيم وطبقتهما ، خير من تدليس المتأخرين بطبقات فلا يُسوّى بين التدليسَيْن ، والله أعلم ))
    وهذا كلامٌ نفيسٌ في هذا الباب وقد حملها - رحمه الله ورضي عنه - على الاتصال وخصوصاً من روايته عن جابر بن عبد الله الأنصاري فلا يمكن الجزم بوقوع التدليس عنه عن جابر بن عبد الله الأنصاري لأنه أرفع شأنا من المتأخرين ولم يكن التدليس مشتهراً ومكثراً في طبقة أبي الزبير - رحمه الله - ولذلك فإنك تجد الإمام ابن القيم يحتج برواية أبي الزبير المكي عن جابر ، وكما تقدم فلابد من التمييز بين الإكثار وعدمه في التدليس فإن عرف الإسناد الذي وصف به الراوي فينظر إن كان هذا الراوي مكثراً وأما إن لم يكن من المكثرين فلا يعامل أبدا معاملة المقل لأن المقل فإننا في الأصل نقبل روايته ويأتيك في حق أبي الزبير ما قاله الإمام النسائي - رحمه الله - ولسنا هنا في محل رد أقوال الأئمة أبدا ولا هدرها ! وأخطأ من ظن هذه الظنون بتعليقنا وتعقبنا أقوالهم أننا نهدر أقوالهم وليس بصحيح ! قال الإمام النسائي في السنن الكبرى (1/640) : (( قال أبو عبد الرحمن: أبو الزبير اسمه محمد بن مسلم بن تدرس مكي كان شعبة سيئ الرأي فيه، وأبو الزبير من الحفاظ روى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري وأيوب ومالك بن أنس، فإذا قال: سمعت جابرا فهو صحيح، وكان يدلس، وهو أحب إلينا في جابر من أبي سفيان وأبو سفيان هذا اسمه طلحة بن نافع وبالله التوفيق )) فالنسائي الذي وصفه بالتدليس قد أخرج لهُ في السنن دون أن يصرح بالسماع وهو في كتابه السنن يذكر العلل والاختلاف ويرجح - رضي الله عنه - .
    قُلت : وأما شعبة - رحمه الله - فقد حدث عنه وإن كان سيء الرأي فيهِ فما قاله فيه لا يقدح فيه ولا يرقى إلي جعل روايته في محل الترك ومما يجب التنبه له هو أن شعبة كان ممن يتحرى سماع الرواة ويتحرى تدليسهم وهو الذي قال : (( لئن آخر من السماء أحب إلى من أن أدلس )) وروي عنه أشنع من هذا القول في التدليس وإن كان سيء الرأي فيه إلا أنه قد حدث عنه ، وشعبة على رأيه السيء فيه لم يصفهُ بالتدليس وهو الذي قال : (( كفيتكم تدليس ثلاثة قتادة والأعمش وأبي إسحاق )) وابي الزبير في المرتبة والمنزلة أرفع من الثلاثة وهو على قلة تدليسه روى عنهُ يحيى بن سعيد الأنصاري وأيوب السختياني ومالك وكفاك بأن يروي عنه مالك ويحيى وهو الذي لا يروي إلا عن ثقةٍ ولذلك فإن الأحاديث التي لم يثبت سماعها من جابر فأكثرها من صحيفة سليمان اليشكري وسيأتيك الكلام عليها إن شاء الله ، وقد جار في رسالة "التدليس عند المتقدمين" : (( فهذا الأعمش وهشيم وابن جريج والثوري ونحوهم يمكن بسهولة الإتيان بأحاديث لهم مدلسة صرحوا هم بتدليسها ، أو بينها أحد الأئمة ، أو تبيين ذلك بالاعتبار ، أما أبو الزبير فيصعب ـ إن لم يستحل ـ أن يأتوا له بحديث واحد مدلس ( التدليس الخاص ) ، ولقد بحثت طويلاً في كتب السنة والعلل والسؤالات والرجال حتى أحصل على حديث ( واحد فقط ) لأبي الزبير قيل إنه مدلس ولم أجد )) .
    وقال الدكتور صالح بن أحمد رضا : (( وأبو الزبير المكي الذي جعله الإمام ابن حجر في المرتبة الثالثة من المدلسين أحسن حالاً، أحفظ حديثاً، أتقن حفظاً وأوثق حالاً من كثير من الرواة الذين وضعوا في الرتبة الثانية من مراتب المدلسين، بل هو أفضل ممن جعل في المرتبة الأولى من المدلسين مثل ((عبد ربه بن نافع الحناط (الذي قيل فيه: صدوق في حفظه شيء، وقال يحي بن سعيد: لم يكن بالحافظ، ولم يرض أمره، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال يعقوب بن شيبة: ثقة ولم يكن بالمتين وقد تكلموا في حفظه) أنظر ميزان الاعتدال 2/ 544)). وكعبد الله بن عطاء الطائفي وغيره ، وهو أحسن حالاً من ((يحي بن أبي كثير، وسليمان بن مهران الأعمش، والحسن البصري، والحكم بن عتيبة الفقيه الكوفي، وعمرو بن دينار .. الذين وضعهم ابن حجر والعلائي في المرتبة الثانية رغم أنهم وصفوا بالتدليس لم يصف به أبو الزبير المكي ولمن راجع كتب الرجال علم حقيقة الحال، فقبول عنعنة هؤلاء المذكورين وغيرهم تقتضي بقبول عنعنة أبي الزبير من باب أولى، ولذا عندما نرى الإمام مسلم- رحمه الله تعالى - قد قبل عنعنة أبي الزبير، فإنما كان يسير على قواعد أهل الحديث، ويطبقها في صحيحه، وهو دقيق في هذا، ولم يأت بشيء غريب أو شاذ ... وأما التدليس فكان قليل التدليس، وإذا دلس لم يدلس إلا عن ثقة )).
    (( وهو أن شعبة ثبت عنه أنه لا يحمل عن قتادة وأبي إسحاق ونحوهما إلا ما كان مسموعاً لهم ، فينبغي على قاعدة ابن حزم في معاملته لتدليس أبي الزبير أن يرد جميع أحاديث قتادة وإبي إسحاق المعنعنة إلا من طريق شعبة عنهما ، وليست هذه أول تناقضات ابن حزم ، وقد فصلت تناقضاته في أصوله الفقهيه والحديثيه )) فرواية شعبة عنه وهو المعروف بتشدده وتحريه أمر المدلسين دون ذكره بالتدليس فإنه أكبر دليل على أنه لم يكن يراهُ مدلساً إلا أنه تكلم فيه للأسباب آنفة الذكر وهذا لا يقدح في عدالة أبي الزبير البتة .

    ومما يجب النظر له هو أن شعبة نظر في أحاديث أبي الزبير المكي وسبرها وعرفها ولو عرف أنه قد دلس في أحد الروايات التي حفظها شعبة وهو قوله لابن مهدي : (( عندي من أحاديث ابي الزبير أربعمائة حديث )) وإن كان فيها بعض النظر إلا أنها تثبت أنه قد عرف أحاديثه وسبرها ولو كان وقع منه التدليس فيها لأثبته عليهِ ولما توانى عن قدحه بالتدليس مثلما قدحه بتلك القوادح المجملة التي لا تحمل على ترك أحاديث أبي الزبير (( وشعبة قد عرف عنه أنه لا يروي عن شيخ إلا ما كان مسموعاً له ، وقد روى عنه هذه المئات .فالأصل أنها مسموعة بناءا على قاعدة شعبة المعلومة ، ولو كان بعضها غير مسموع لصرح به شعبة في القدح بأبي الزبير كما سبق )) فشعبة حدث عن جملة من الموصوفين بالتدليس وحمل الأئمة أحاديث شعبة عنهم على المسموع لأنه كان مدققا متحرياً لما ثبت سماعه من عدمه .
    وقد أتى بعض المتأخرين ووصفه بالشهرة بالتدليس :
    ففي أسماء المدلسين (1/91) : (( مشهور بالتدليس )) .
    قال الحافظ في طبقاته (1/45) : (( محمد بن مسلم بن تدرس المكي أبو الزبير من التابعين مشهور بالتدليس ووهم الحاكم في كتاب علوم الحديث فقال في سنده وفيه رجال غير معروفين بالتدليس وقد وصغه النسائي وغيره بالتدليس )) أهـ .
    التبيين لأسماء المدلسين (1/54) : (( مقرونا محمد بن مسلم أبو الزبير المكي مشهور بالتدليس قال سعيد بن أبي مريم حدثنا الليث بن سه قال جئت أبا الزبير فدفع لي كتابين فانقلبت بهما ثم قلت في نفس لو اني عاودته فسألته اسمع هذا كله من جابر قال فسألته فقال منه ما سمعته ومنه ما حدثت عنه فقلت له ك اعلم لي ما سمعت منه فاعلم لي على هذا الذي عندي ولهذا توقف جماعة من الائمة بما لم يروه الليث عن أبي الزبير عن جابر بلفظ عن وفي صحيح مسلم عدة أحاديث مما قال فيها أبو الزبير عن جابر وليست من طريق الليث وكأن مسلما رحمه الله اطلع على انها مما رواه الليث عنه ولم يروها من طريقه والله اعلم )) .
    قلت : وأما ما نقله في التبيين لأسماء المدلسين فليست دليلاً على التدليس وليس فيها ما يثبت لا من قريب ولا من بعيد أنه قد دلس وأبي الزبير حين دفع الكتابين لليث بن سعد لم يدفع الكتابين إليه ليرويهما عنهُ إنما دفعهما عنه فإستفسر الليث بن سعد عما سمعه من جابر وهذا الكلام ينفي ثبوت التدليس عليه وهو في بابه حجةٌ إن شاء الله ! وأما من وصفه بالتدليس فقد قلنا فيما مضى من الدراسات فإن الوصف بالشهرة بالتدليس لا يقتضي الإكثار منه فذكرهُ صاحب كتاب المدلسين (1/88/59) : (( مشهور بالتدليس )) واعتمادهم وعمدتهم في هذا الباب على ما روي عن الليث بن سعد ولسنا نرد قوله أبداً ولكننا ننفي وقوع التدليس عن أبي الزبير المكي - رضي الله عنه - ثُم تجد أن بعضهم يقول في حقه على سبيل الشك من تكلم فيه وهو موثق (1/170) : (( ثقة تكلم فيه شعبة وقيل يدلس )) ، فهذا ليس جزماً بأنه من المدلسين بل كان على سبيل الشك بأنه من المدليس ! بقوله : (( قيل )) وليس فيها جزماً أبداً .
    ويبقى بين يديك ذكر كتب مظآن المراسيل وهي كتب عنيت في ذكر من أكثر من الإرسال وأغلب من ذكرتهم بعدم السماع فإنه يكون من قبيل المرسل الخفي ! لا التدليس فقد يريد المتقدمون بالتدليس الإرسال الخفي وفيما مضى من تحقيق القول في يحيى بن أبي كثير أن قول الإمام النسائي - رضي الله عنه - فيه أنه من قبيل المرسل الخفي وكثيرا ما يقولها الإمام النسائي ويريد بها المرسل الخفي لا يريد بها التدليس على المعنى الإصطلاحي قال الشيخ المحدث عبد الله السعد : (( قد تتبعنا حديثه ، فأحياناً في روايته عن جابر يذكر شخصاً آخر، فلو كان مُكثراً من التدليس لأسقط هذه الواسطة ، كذلك ـ أيضاً ـ عندما تتبعنا حديثه لم نجده ـ أحياناً ـ يذكر واسطة ، وكثير من المدلسين عندما تَتَتَبّع حديثه قد يذكر واسطة بينه وبين هذا الشخص الذي يروي عنه مباشرة ، فهنا يكون قد دَلس ، وأما أبو الزبير فقد تتبعنا أحاديثه في الكتب ، في الصِحَاح والسنن والمسانيد والمصنفات ، فما وجدناه إلا مُستـقيماً ، وبحمد الله قد مرّت علينا سنوات ونحن نتتبع حديثه ، فهو مُقلٌّ من التدليس ، ومن كان مُقلّ من التدليس فالأصل في روايته أنها محمولة على السماع والاتصال ما لم يدل دليل على خلاف ذلك )) أهـ .
    قال محقق كتاب من تكلم فيه وهو موثق (1/472/319) : (( الحاصل أنه ثقة، لم يثبت لديّ أنه كان يدلس، وشعبة تشدد فيه، ونهى عن الرواية عنه، ومع ذلك جاء أنه روى عنه، انظر الميزان: 4/38، وقد وثق، وروى عنه الناس، قال الحاكم: "وليس عند شعبة فيما يقول حجة أكثر من أنه لبس السواد، وتسفه بحضرته على رجل من أهل العلم ... "، المدخل: ق 56.
    قلت: قد وثقه ابن معين والنسائي، وقال ابن المديني: "ثقة ثبت"، ووثقه غيرهم، وقال ابن عدي: روى مالك عن أبي الزبير أحاديث، وكفى بأبي الزبير صدقاً أن يحدث عنه مالك؛ فإن مالكاً لا يروي إلا عن ثقة، ولا أعلم أحداً من الثقات تخلف عن أبي الزبير إلا قد كتب عنه، وهو في نفسه ثقة، إلا أن يروي عنه بعض الضعفاء فيكون ذلك من جهة الضعيف"، الكامل: 6/125.
    قلت: لم يكن مدلساً، وليس في أحاديثه تلك شيء، وعلى فرض أنه مدلس فإن ذلك لا يضر أحاديثه المعنعنة التي عند مسلم؛ لما هو معروف في ذلك، والعجب من الإمام الذهَبِيّ رحمه الله كيف يَصْدر منه هذا، وهو مَنْ هو في علمه، وبصره بهذه الأمور، ولكن، جَلَّ من لا يسهو، وقال الذهَبِيّ في الكاشف: "حافظ ثقة"، وقال: "وكان مدلساً واسع العلم"، وقال في "الديوان": ثقة غمزه شعبة لكونه وزن راجحاً" )) أهـ ، وقد يقول أن وصفه بالتدليس ثابتٌ عن الأئمة قلنا أن هذا الأمر لا شك فيه إلا أنه لا يصح وكم من إمامٍ وصف بالتدليس ولا يثبت عليه ذلك وإلا لما أدرج شعبة وقد وصف به - رضي الله عنه - في الطبقة الأولى من المدلسين وهم الذين لم يثبت فيهم التدليس وأخرج الأئمة حديثهُ معنعناً وهو لا يدلس إلا نادراً جداً بل لا تكاد تجد في حديث واحد ما يثبت تدليسه وكذا حال أبي الزبير المكي فما أصعب ان تجد لهُ ما يثبت تدليسه .
    [ تَنبيه] قد يحتج أحدهم بما نقل عن العلائي والعراقي في التحفة وهذه الكتب ليست من مظان التدليس بل هي أقرب إلي مظان المراسيل قال ابن أبي حاتم في المراسيل فقال (1/193) : (( حَدَّثَنَا أَبِي نَا ابْنُ الطَّبَّاعِ نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ يَقُولُونَ أَبُو الزُّبَيْرِ الْمَكِّيُّ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ ابْنِ عَبَّاس ، قرىء عَلَى الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْدُّورِيِّ قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ أَبُو الزُّبَيْرِ الْمَكِّيُّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ أَبُو الزُّبَيْرِ رَأَى ابْنَ عَبَّاسٍ رُؤْيَةً وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ ، سَأَلْتُ أَبِي عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَقَالَ هُوَ مُرْسَلٌ لَمْ يَلْقَ أَبُو الزُّبَيْرِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو )) قلت : وأما حديثه عن عبد الله بن عمرو بن العاص فهو من قبيل المرسل لا التدليس لأنه رأى جمعاً من الصحابة وروى عن جابر فروايته عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرسلةٌ ولا تسمى أبداً تدليساً فكما أن عبد الله بن عمرو بن العاص ليس من شيوخ أبي الزبير المكي فلا يمكن الاعتبار بهذا الدليل على وقوع التدليس منه .
    أخرج الترمذي في العلل (716) : (( حدثنا محمد بن فضيل، عن الْحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِى الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قال رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: " إِذَا رَأَيْتُمْ أُمَّتِى تَهَابُ الْظَالِمَ فَقَدْ تُوُدِّعَ مِنْهُمْ "سألت محمداً عن هذا الحديث. قلت له: أبو الزبير سمع من عبد الله بن عمرو؟ قال: قد روى عنه ولا أعرف له سماعا منه )) أهـ .
    قد نفى يحيى بن معين روايته عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - كذلك زاد في روايته ابن عدي أنه لم يثبت له رؤيةٌ لهُ فهذه من قبيل المرسل فلا يمكن القول بتدليسه عنه لأن المشهور بين من أثبت التدليس عليه أنه قد دلس عن جابر وهذا ليس في محله كما تقدم وقد بينا أن روايته متصلةٌ محمولةٌ على الإتصال وهي صحيحةٌ ولا شك فيها وهو الصواب إن شاء الله تبارك وتعالى وأما من احتج بأنه عن عبد الله بن عمرو مدلساً فليس بصحيح وليس بثابت أصلا أنه قد دلس عن هؤلاء المذكورين في المراسيل كابن عباس وإن كان قد رآه وحدث عنهُ فحديثه عن ابن عباس - رضي الله عنه - من قبيل المرسل الخفي لأنه عاصره ولم يثبت له لقاءٌ به وقد حدث عنه بما لا يعلم له سماعٌ منه وأما إن كان رآهُ وحدث عنهُ فذلك من قبيل التدليس وهذا لا نعلمهُ في حديثه - رحمه الله - فالأولى أن لا يحمل قول العلائي والعراقي وابن أبي حاتم - رضي الله عنهم جميعاً - في كتبهم وهي مظان المراسيل ومن وصف بالتدليس وأوردوه فإن الأولى به أنه يروي المراسيل وقد بينا هذا في دراستنا عن التدليس في أمثال قتادة ويحيى بن أبي كثير في هذا الملتقى العامر والحاصل أننا لا يمكن أن نقول بأنه مدلسٌ اعتماداً على مظآن المراسيل من الكتب كالجامع للعلائي والتحفة للعراقي والمراسيل لابن أبي حاتم ! لأن العلائي - رحمه الله - ذكر جملة ممن وصف بالتدليس واشتهر به في كتابه وهو ممن يرسل إرسالاً خفياً ، فلم يصنع شيئاً من جعل قولهم مشهورٌ بالتدليس دليلاً على ذلك والله المستعان .

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: الايضاح والتبيين بأن أبي الزبير ليس من المدلسين

    بَاب : مُلخص رواية أبي الزبير عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - .
    ومما سبق يتبين لك الآتي أن أبي الزبير عن جابر صحيحةٌ وصحيفته عنه مقبولةٌ وقد احتج بها الإمام مسلم في الصحيح في أكثر من 22 موضعٍ ! ومن رواية الليث عنه في أكثر من ذلك وحاصل الأمر أننا لو أردنا أن نسلم بالتدليس من باب التنزل فإنه لا يمكن تعميم الحكم بتدليسه في عموم ما يرويه فلا نقبل منه إلا ما صرح به بالسماع ! بلا يمكن أن ينزل عن كونه في الطبقة الأولى من المدلسين ، وأما الثابت لدينا أن التدليس عليه لا يثبت وهو أولى كما ذهب إلي ذلك الأخ الشيخ عبد الله السعد وسعد الحميد وغيرهما وهو أقوى وأبين .
    (1) معرفة الواسطة بين ابي الزبير وبين جابر وهو سليمان اليشكري - ثقة - ينفي التدليس فيما رواهُ أبي الزبير عن جابر وخصوصاً ان هذه الصحيفة قد رواها غير أبي الزبير كقتادة والحسن وكذلك الشعبي قال الحافظ في ترجمة اليشكري : (( قال أبو حاتم: جالس جابرا، وكتب عنه صحيفة وتوفي )) وقوله : (( توفي )) لا يثبت أن أبي الزبير لم يسمع هذه الصحيفة كذلك ثبت لقتادة والحسن والشعبي سماعهم لها فلا يوجد ما يثبت نفيها ! فروايتهم لها ووقوعها بيد أبي الزبير أمرٌ لا يشك فيه عاقلٌ وقد أثبتها الإمام أحمد بن حنبل في
    سؤالات الإمام أحمد (م213) : (( حَدَّثَنَا الْحُسَيْن ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَان ، قَالَ : سَمِعْتُ أَحْمَد بن حَنْبَل ، قَالَ : قَالَ ابن عُيَيْنَة : شهدت أبا الْزُّبَيْر يُقرأ عليه صحيفة .فَقُلْتُ لأَحْمَدَ : هي هذه الأحاديث ، يعني صحيفة سُلَيْمَان ، وهو الْيَشْكُرِي ، التي فِي أيدي الْنَّاس ، عنه ؟ قَالَ : نعم .قُلْتُ : أخذها أبو الْزُّبَيْر من الصحيفة ؟ قَالَ : كان أبو الْزُّبَيْر يحفظ ... )) وأثبتها كذلك الإمام أبو حاتم الرازي قال أن أبو الزبير وأبو سفيان قد رووا هذه الصحيفة عن جابر وغاية ما يقال كما قال الشيخ عبد الله السعد أن الإنقطاع :
    - إنقطاعٌ مردودٌ ، - إنقطاعٌ مقبولٌ
    فإذا عرفنا الواسطة التي بين الراوي ومن حدث عنهُ فينتفي ذلك الانقطاع والتعليل خصوصاً إذا علمت أن تلك الواسطة (( ثقةٌ )) فينتفي التعليل بالانقطاع بين الراوي ومن حدث عنه قال الشيخ المحدث السعد : (( فمثلا ً: حُمَيْد الطويل ، روايته عن أنس مقبولة على الإطلاق ، لأن الواسطة معلومة، وإن كان حُمَيْد وُصف ومُسَّ بالتدليس ، إلا أن الواسطة معلومة ، ألا وهي ثابت البُناني كما ذكر ذلك الحفاظ(4) ، وثابت رأس في الحفظ والإتـقان ، إذاً من توقف في حديث حُمَيْد الطويل فقد أخطأ.ومثلا ً: أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود رحمه الله ورضي الله عن أبيه ، أبو عُبَـيْدة لم يسمع من أبيه ابن مسعود ، ومع ذلك حديثه عن أبيه مقبول ، وذلك لأن الحفاظ قد تتبعوا روايته عن أبيه فوجدوها مستـقيمة ، فعلموا بذلك أنّ الواسطة المُسْقَطة ثـقة ، لذلك إمام أهل الحديث في علم صناعة الحديث في عصره ( علي بن المديني ) ، يحكي عنه تلميذه يعقوب بن شيبة فيقول : إن أصحابنا ، علي بن المديني وغيره أدخلوا رواية أبوعبيدة عن أبيه ضمن المُسْند(5) ، أي ضمن المتصل )) فإن سلمنا بالتدليس علمت الواسطة وإن علمت الواسطة انتفى ذلك التعليل بالتدليس فلا يكون قد دلس كونه قد صرح بالواسطة وعرفت قبل هذا ! ولو أنه كان يريد أن يدلسها ما كان صرح بإسمه ولا عرف أنه قد روى عن جابر صحيفةً من رواية اليشكري ! .
    (2) إخراج الإمام مسلم لهُ من غير رواية الليث بن سعد في أكثر من 22 موطنٍ في الصحيح وهو الذي قال في مقدمة الصحيح شرح النووي (2/94) : (( إِنَّمَا كَانَ تَفَقُّدُ مَنْ تَفَقَّدَ مِنْهُمْ سَمَاعَ رُوَاةِ الْحَدِيثِ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُمْ إِذَا كَانَ الرَّاوِى مِمَّنْ عُرِفَ بِالتَّدْلِيسِ فِى الْحَدِيثِ وَشُهِرَ بِهِ فَحِينَئِذٍ يَبْحَثُونَ عَنْ سَمَاعِهِ فِى رِوَايَتِهِ وَيَتَفَقَّدُون َ ذَلِكَ مِنْهُ كَىْ تَنْزَاحَ عَنْهُمْ عِلَّةُ التَّدْلِيسِ فَمَنِ ابْتَغَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مُدَلِّسٍ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِى زَعَمَ مَنْ حَكَيْنَا قَوْلَهُ فَمَا سَمِعْنَا ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ سَمَّيْنَا وَلَمْ نُسَمِّ مِنَ الأَئِمَّةِ )) والإمام مسلم عمدةٌ في هذا الباب فإخراجهُ لهُ من غير رواية الليث بن سعد وقد عنعن فيه دليلٌ على أن الإمام مسلم تحرى سماعاته وثبت عنده أنه من المقلين ولذلك فإنك تجد أن ابن القيم الجوزية - رضي الله عنهم - ينفي حصول التدليس في رواية أبي الزبير المكي ويرد قول من أراد بها تضعيفاً أو طعناً وهذا القول الذي نميل إليه وهو الصواب إن شاء الله تعالى .
    (3) أخرج لهُ النسائي وصحح روايته في السنن الكبرى وهو معروفٌ ذا شرطٍ قويٍ في الرجال ولو كان الإمام النسائي يرى أنه قد دلس في أحاديثه لما أخرج لهُ ولبين العلة المراد بها تدليس أبو الزبير المكي - رحمه الله - في السنن الكبرى وهو المعني ببيان الإختلاف والعلل ! كذلك أخرج له الترمذي وابن حبان وابن خزيمة ولهما شرطٌ قويٌ في رواية المدلس في الصحيح .
    (4) ذكرهُ بالشهرة بالتدليس ليس من القرائن التي تثبت التدليس عليه فالشهرة خلاف الكثرة كما مضى وتقرر فإن قولهم : (( مشهورٌ )) لا يعني (( مكثرٌ )) وهو إلي عدم ثبوت ذلك عليه أقرب من كونه ثابتٌ عندي ، ومنه لا يعني أنا نرد أقوال الأئمة في قولهم بتدليسه ولا نرد قصة الليث أبداً بل إننا نبرئ ساحة أبي الزبير وقد استدل ببعض الأحاديث على تدليسه وهي عندنا في إثبات تدليسه نظر وسنقومُ بتخريجها إن شاء الله في بابها المعنون .
    (5) ذكر ابن أبي حاتم والعلائي والعراقي له في كتبهم وهي من مظآن المراسيل والرواة الذين عرفوا بالمرسل وقول ابن القيم بأن تدليسه من جنس تدليس السلف ! فقال في زاد المعاد - رحمه الله - : (( وأبو الزبير وإن كان فيه تدليس، فليس معروفاً بالتدليس عن الضعفاء، بل تدليسه من جنس تدليس السلف، لم يكونوا يدلسون عن متهم ولا مجروح، وإنما كثر هذا النوع من التدليس في المتأخرين )) وقال : (( وهذا إسناد في غاية الصحة فإن أبا الزبير غير مرفوع عن الحفظ والثقة وإنما يخشى من تدليسه فإذا قال سمعت أو حدثني زال محذور التدليس وزالت العلة المتوهمة وأكثر أهل الحديث يحتجون به إذا قال " عن " ولم يصرح بالسماع ومسلم يصحح ذلك من حديثه فأما إذا صرح بالسماع فقد زال الإشكال وصح الحديث وقامت الحجة )) .
    (6) لم يكن التدليس معروفاً في اهل الحجاز وليس بثابت عليهم وقد نفاهُ عنهم العلماء منهم الإمام الشافعي وهو الذي قال أن مجرد معرفة تدليس الراوي في حديث واحد كافٍ بأن لا يقبل منه إلا ما صرح بالسماع منهُ فقال : (( ولم نعرف بالتدليس ببلدنا فيمن مضى ولا من أدركنا من أصحابنا إلا حديثاً )) وقال الحاكم : (( أن أهل الحجاز والحرمين ومصر والعوالي ليس التدليس من مذهبهم )) ، وقال الخطيب : (( أصح طرف السنن ما يرويه أهل الحرمين مكة والمدينة، فإن التدليس فيهم قليل والاشتهار بالكذب ووضع الحديث عندهم عزيز )) فإذا عرفت أن التدليس لم يكن متفشياً أو معروفاً في أهل الحجاز والحرمين ! فكيف يمكن الجزم بتدليس أبي الزبير أو أنهُ في جملة المكثرين من التدليس وهذا ليس بمسلمٍ بهِ أبداً .
    قال الحاكم معرفة علوم الحديث (ص23) : (( ذكر النوع الحادي عشر من علوم الحديث :هذا النوع من هذا العلوم هو معرفة الأحاديث المعنعنة وليس فيها تدليس وهي متصلة بإجماع أئمة أهل النقل على تورع رواتها عن أنواع التدليس .مثال ذلك : ما حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا بحر بن نصر الخولاني حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن عبد ربه بن سعيد الأنصاري عن أبي الزبير عن جابر بن عبدالله عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال : ( لكل داء دواء فإذا أصيب دواء برئ بإذن الله عز وجب )) .
    وقد (( ذكر الشيخ خالد الدريس في بحثه ( الإيضاح والتبيين ) حديثاً واحداً هو ما رواه النسائي والترمذي من طريق ليث بن أبي سليم عن أبي الزبير عن جابر مرفوعاً ( كان لا ينام حتى يقرأ آلم تنزيل ... الحديث ) ، وفيه أن زهير بن معاوية سأل أبا الزبير هل سمع من جابر هذا الحديث ، . ، فقال : إنما أخبرنيه صفوان أو ابن صفوان ، وهي لا تدل كما ذكر الشيخ خالد الدريس على التدليس ، لأ، أبا الزبير أنكر أن يكون رواه عن جابر أصلاً ، وليث بن أبي سليم ( لزم الجادة ) فرواه عن أبي الزبير عن جابر كما هي عادة ضعيفي الحفظ ، على أن هذه القصة لو دلت على التدليس مع البعد فليست تدل على الشهرة به )) وهذا كلامٌ نفيسٌ من الشيخ وفقه الله تعالى للخير .
    (7) استيعاب ابن عبد البر لأحاديثه دون التعرض لتدليسه ! .
    (8) وأما قصة الليث بن سعد فقد أجبنا عليها وهي
    لا تدل على التدليس من وجوه :
    الأول : أنه لم يقل ( أرو هذه عني ) بل قال ( دفع إلى كتابين ) .
    الثاني : أن أبا الزبير كان يحدث من حفظه لا من كتاب كما ذكره كثير من الأئمة ـ وانظر تراجمه في كتب الرجال .
    الثالث : إن الليث لا تبلغ روايته عن أبي الزبير عن جابر أكثر من ثلاثين حديثاً ، ورواية أبي الزبير عن جابر تبلغ المئات ، وقد قال شعبة فيما سبق ( في صدري أربعمائة لأبي الزبير عن جابر والله لا أحدث عنك حديثاً أبداً ) اهـ ـ وفيها أحاديث كثيرة بالتصريح بالإخبار ، مما يدل على أن رواية الليث عن أبي الزبير هي ( بعض مسموعاته ) ل كلها ، فكيف تحاكم مروياته التب تبلغ المئات إلأى رواية الليث التي تتجاوز الثلاثين حديثاً ؟؟!! .الرابع : أننا لو أخذنا بظاهر هذه الرواية فإن الليث بن سعد رحمه الله أحق بوصف التدليس من أبي الزبير ، لأن ظاهر الرواية أنها ( مناولة ) وقد ذكرنا أن من الأئمة من كان يسمي الأخذ من الصحف أو الكتب بلا سماع تدليساً .
    (9) من عرف بالاكثار عن شيخ معين وكان قد وصف بالتدليس فالأصل في عنعنته أنها محمولةٌ على الإتصال مالم يرد دليلٌ أنهُ قد دلس ! ورواية أبي الزبير مما يطول فيها البحث والتنقيب وهاك الكتب الستة أثبت منها أن أبي الزبير قد دلس عن جابر بن عبد الله الأنصاري - رضي الله عنه - وأما ما استدل به على أنه قد دلس فيه سيأتي تخريجه إن شاء الله .
    وسيأتي مناقشة من أنكر كونه أخذ صحيفة اليشكري إن شاء الله تعالى في معرض الكلام على من إعترض على صحة عدم ثبوت التدليس على أبي الزبير وذلك إن شاء الله تعالى ، وأما أن أنصف الأقوال وأعدلها هو ما أوردناه عن ابن القيم الجوزية - رضي الله عنه - . يتبع .

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: الايضاح والتبيين بأن أبي الزبير ليس من المدلسين

    الباب الثاني : مناقشة بعض مَن اتهم أبي الزبير بالتدليس .
    بعد أن تم مناقشة أقوال الأئمة في تدليس أبي الزبير المكي - رحمه الله - وبيان أنه بريءٌ من تهمة التدليس فإنا قد رأينا أن كثيراً من المتأخرين سلك مسلك وصفه بالتدليس ! وعمدت إلي طرح تلك الحجج في تدليس أبي الزبير واعتماده عليها في الاثبات وكان الأخ الشيخ محمود بن محمد بن مصطفى المنياوي قد تكلم عن تدليس أبي الزبير المكي في شرح الموقظة للحافظ شمس الدين الذهبي - رحمه الله - والذي يكتب بملتقى أهل الحديث بإسم : (( أبو المنذر المنياوي )) وقد استدرك عليه الأخ الشيخ : (( أبو مريم طويلب العلم )) بكلامٍ نفيسٍ جداً وصنيعي هنا من باب أن بركة العلم نسب الفضل لأهلهِ فجزى الله طلبة العلم كل خيرٍ .
    فأقول أنا - العبد العاثر - / مِن الذي يجب أن يتنبه إليه مَن رمى أبي الزبير المكي بالتدليس إلي كوننا لا نعلم أحداً من الأئمة المتقدمين وهم المشار إليهم باللبنة الأولى من العُلماء أن أعلَّ حديثاً بتدليس أبي الزبير وابتدر المتأخرون وخصوصاً بعض طلبة العلم في اتهامه بذلك التدليس مستدلين بأحاديثٍ لا تثبت إليهٍ فلا شبهة فيها على إثبات التدليس ، وقد استدل بقصة الليث بن سعد على إثبات التدليس وهي كما أشرنا فيما مضى من القول ليست بعمدةٍ في إثبات التدليس وخصوصاً أننا نجد الفسوي يخرج في المعرفة والتاريخ القصة ذاتها إلا أنها ليست بما يشعر بتدليس أبي الزبير ، وحين دفع أبي الزبير الكتابين لليث بن سعد لم يقل له أبي الزبير المكي إروي هذين الكتابين عني بل دفعه لهما فإستفسر الليث بن سعد عن سماعه من جابر بن عبد الله الأنصاري - رضي الله عنه - فأين هو الدليل على التدليس ! .
    (1) لا نعلم أحداً من أهل العلم أعلَّ أحاديث أبي الزبير المكي عن جابر بن عبد الله الأنصاري - رضي الله عنه - بالتدليس فليس لمن يقول بتدليسه أن يثبت ذلك ولو أطلق العنان لتحريه في كُل كتب السنة والأئمة المتقدمين ! فكيف يجد ما خفي على الإمام الدارقطني وهو أعلم من ابن عمار وأبو مسعود الدمشقي الذي انتقد على الإمام مسلم أحاديثاً ! لم ينتقد حديثاً لأبي الزبير المكي عن جابر بن عبد الله بالتدليس ! وهذا مما يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار وهي نقطة مهمة في هذا الباب لابد أن يتأملها المتأملُ وأن لا يهملها .
    قال أبو المنذر محمود بن محمد بن مصطفى المنياوي - عفا الله عنه - : [ ما رواه أبو الزبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: (إذا رأيتم أمتي تهاب الظالم أن تقول له انك أنت ظالم فقد تودع منهم) فأبو الزبير لم يسمع من عبد الله بن عمرو كما قال أبو حاتم في المراسيل، وقال: يحيى بن معين: لم يسمع من عبد الله بن عمرو ولم يره، وقال ابن عدي أيضا: [وأبو الزبير عن عبد الله بن عمرو يكون مرسلا وقد رواه أبو شهاب عبد ربه بن نافع الحناط عن الحسن بن عمرو عن أبي الزبير عن عمرو بن شعيب عن عبد الله بن عمرو]. فقد صرح هنا بالواسطة بين أبي الزبير، وعبد الله بن عمرو، وهو: عمرو بن شعيب ] أهـ .
    قُلت : وأما هذه فلم يصب المنياوي في الإستدلال بها على تدليس أبي الزبير المكي لأن روايته عن عبد الله بن عمرو بن العاص ليست من قبيل التدليس وإنما هي من قبيل المرسل ! ومضى هذا القول : (( مرسلٌ )) وهو من قبيل المرسل قال ابن أبي حاتم في المراسيل فقال (1/193) : (( حَدَّثَنَا أَبِي نَا ابْنُ الطَّبَّاعِ نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ يَقُولُونَ أَبُو الزُّبَيْرِ الْمَكِّيُّ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ ابْنِ عَبَّاس ، قرىء عَلَى الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْدُّورِيِّ قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ أَبُو الزُّبَيْرِ الْمَكِّيُّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ أَبُو الزُّبَيْرِ رَأَى ابْنَ عَبَّاسٍ رُؤْيَةً وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ ، سَأَلْتُ أَبِي عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَقَالَ هُوَ مُرْسَلٌ لَمْ يَلْقَ أَبُو الزُّبَيْرِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو )) وقد نفى يحيى بن معين سماعه من عبد الله بن عمرو بن العاص فقال : (( ثقة، ومرة: صالح، ومرة: أحب إلى من أبي سفيان يعنى طلحة، لم يسمع أبو الزبير من عبد الله بن عمرو ولم يره )) وله عنه ثلاثة أحاديث ولا يثبت أنهُ قد لقيه على قولهُ لأنه قال أنه لم يثبت أنه رآهُ فهذا عنهُ ليس فيه ما يثبت التدليس وليس بحجةٍ في باب إثبات تدليسه .
    قال أبو المنذر محمود بن محمد بن مصطفى المنياوي - عفا الله عنه - : [ ما رواه أبو الزبير عن ابن عباس، وعائشة رضي الله عنهم، أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الطواف يوم النحر إلى الليل، وقال البيهقي: [وأبو الزبير سمع من بن عباس وفي سماعه من عائشة نظر قاله البخاري]، وهذا ما يطلقون عليه تدليس العطف ] أهـ .
    قُلت : وهذا كسابقه فإن أبي الزبير رأى ابن عباس ولم يثبت لهُ سماعٌ منهُ وهذا من قبيل المرسل الخفي وهو : (( أن يروي عمَّن عاصرهُ - رآه - ولم يثبت لهُ لقاءٌ بهِ أو سماعٌ منهُ ما لم يسمعهُ )) والتفريق بينهُ وبين التدليس هو أن التدليس بصيغةٍ توهم السماع قال ابن أبي حاتم في المراسيل (1/193) : (( حَدَّثَنَا أبي ، حَدَّثَنَا ابن الطباع ، حَدَّثَنَا سفيان بن عُيَيْنَة قال : يقولون : أبو الزبير المكي لم يسمع من ابن عباس )) قال التِّرْمِذِيّ سألت محمدا وقلت له : أبو الزبير سمع من عائشة ، وابن عباس ؟ قال : أما ابن عباس فنعم ، وإن في سماعه من عائشة نظر. (ترتيب العلل ، الورقة 26). وَقَال عبد الرحمن بن أَبي حاتم : (( سمعت أبي يقول : أبو الزبير رأى ابن عباس رؤية ، ولم يسمع من عائشة )) فلا يثبت لأبي الزبير سماعٌ من عبد الله بن عباس ولهُ في جزء ما رواهُ أبو الزبير من غير طريق جابرٍ عدةُ أحاديثٍ سيأتي تخريجها إن شاء الله تبارك وتعالى في موطنٍ آخر فهذا منقطعٌ لا يصح لأبي الزبير سماعٌ لا من ابن عباس ولا من أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنه - فقول المنياوي بأن هذا من قبيل تدليس العطف فليس بصحيح لأننا لا نثبت لهُ سماعٌ من ابن عباس - رضي الله عنه - ولا من أم المؤمنين عائشة - فداها نفسي وأهلي والناس أجمعين - فليس فيه ما يثبت تدليسه ، وقد زعم المنياوي أننا لو خرجنا رواية ابي الزبير عن ابن عباس في جزء ما رواه أبو الزبير من غير طريق جابر سنجدهُ قد دلس فيها ! وهذا سيأتيك مبحثٌ في الباب الثاني إن شاء الله .
    ومما يجدر بنا الإشارة إليه هو أن المنياوي تعقب الدكتور صالح بن أحمد رضا في رسالته من عدةٍ وجوهٍ يحاول فيها إثبات أن أبي الزبير المكي - رحمه الله - من المدلسين وتلك الوجوه عندنا فيها نظرٌ لخلوها من القرآئن المثبتة لتدليس أبي الزبير المكي ! عموماً لا على وجه الخصوص فقد مضى أن تدليسه عن جابر - رضي الله عنهما - لا يصح وليس بثابتٍ وسيأتي تخرج بعضاً مما رواهُ أبي الزبير وخالف فيه الإمام الألباني المتقدمين فأعلهُ بتدليس أبي الزبير ، والعلماء كلهم تاجٌ والله على الرؤوس وشرفٌ لنا أن نجلس إلي كتبهم ونأخذ العلم منها ولكن الحق لابد أن نحقق هذا الذي اتهم بهِ أبي الزبير المكي وليس بثابتٍ أبداً فهل من حجةٍ لمن يثبت التدليس ؟! .
    قال أبو المنذر محمود بن محمد بن مصطفى المنياوي - عفا الله عنه - : [ الوجه الأول: أنه قد أثبت لأبي الزبير وصفه بالتدليس، وإن كان قليلاً على حد تعبيره، ثم قال أنه لم يدلس إلا عن الثقات، وأنا أتسأل من أين هذا الجزم مع أنه في شيوخ أبي الزبير قوم ليسوا بالثقات كأمثال: عبد الرحمن بن الصامت قال عنه ابن حجر: مقبول، وقال عنه الذهبي في الكاشف: مجهول، وعبد الله بن سلمة المرادي قال عنه ابن حجر: صدوق تغير حفظه، وقال عنه الذهبي: صويلح، قال ابن عدى: أرجو أنه لا بأس به، وقال البخاري: لا يتابع في حديثه، وغيرهما ] أهـ .
    قُلت : وأما تدليس أبي الزبير فرغم وصف الدكتور صالح بن أحمد رضا لهُ بالقلة أو أنه لا يدلس إلا عن ثقةٍ فهذا لا يثبت عندنا أبداً ، وإلي الآن مازالت النفس في شكٍ من ثبوت التدليس عليه فكم من حديثٍ بحثنا فيهِ وتحققنا منهُ ولم نجدهُ بتلك العلة ! فالذي إطمأنت لهُ نفسي أن التدليس لا يثبت عنهُ ، وأما قولهُ بأنه لا يدلس إلا عن ثقاتٍ واحتجاج المنياوي عليه بجملةٍ من شيوخه الذين تكلم فيهم أو لا يكون إلا في مرتبة حسن الحديث أو مقبول أو غيرها من ألفاظ الجرح فلا يستند لها لأن أبي الزبير لا يثبت عليه التدليس ولعل مراد الدكتور صالح أنه لا يدلس إلا عن ثقةٍ عرف حالهُ كاليشكري الذي أخذ عنه الصحيفة التي رواها عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - وهذا على قصور علمنا ما فهمناهُ من كلام الدكتور ! لأنك لو تقصيت حديث أبي الزبير فإنك لن تظفر بهذا التدليس وإن ظفرت به فإنك تجده يصره به أو يصرح بالسماع من تلك الواسطة وهذا على فرض وقوع التدليس من أبي الزبير فهذا الوجه لا وجه لهُ يا رعاك الله ! .
    قال أبو المنذر محمود بن محمد بن مصطفى المنياوي - عفا الله عنه - : [ أن في سؤال الليث بن سعد لأبي الزبير عن سماعه من جابر رضي الله عنه، إلماح إلى ضعف بعض شيوخ جابر، وإلا فلماذا ترك الرواية عنه لباقي هذه الأحاديث إن كان لا يروي إلا عن ثقة والليث هو في مرتبة مالك بن أنس في الحفظ والعلم والإمامة. وهو أعلم من هؤلاء المتأخرين بحال أبي الزبير وشيوخه. فقوله مُقدّمٌ عليهم قطعاً. ومن نفى تدليس أبي الزبير، أو قال إنه لا يدلس إلا عن ثقة فقد خالف ظاهر هذه القصة،ويكون أيضاً قد كذب أبا الزبير نفسه الذي أقر على نفسه لليث بذلك! ] أهـ.
    أقول : إن كان الليث في رتبة مالك بن أنس - رضي الله عنهما - فمالكٌ روى عنهُ وقد عنعن في أحاديثهِ وهو الذي يتحرى رواية الثقات ويعرف أسانيدهم ! ومِن العجب أننا لا نجد في القصة ما يثبت التدليس على أبي الزبير المكي ! وإليك القصة أخرج ابن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال (1629) : (( حدثنا علي بن أحمد بن سليمان، ثنا ابن أبي مريم، سمعتُ عمي - يعني سعيد بن أبي مريم- يقول: سمعتُ الليثَ يقول: أتيتُ أبا الزبير المكي، فدفع إلي كتابين، قال: فلما صرتُ إلى منزلي قلتُ لا أكتبها حتى أسأله، قال فرجعتُ إليه فقلتُ: هذا كله سمعته ن جابر ؟ قال: لا، قلتُ: فأعلم لي على ما سمعت، فأَعلمَ لي على هذا الذي عندي ))
    وأخرج العقيلي في الضعفاء (1690) (( حدثنا زكريا بن يحيى الحلواني، حدثنا أحمد بن سعد بن إبراهيم، حدثنا عمي، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا الحسن بن علي، حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا الليثُ بن سعد، قال: قدمت مكة، فجئت أبا الزبير، فرفع [قلت: هذا تصحيف: صوابه: دفع] إلي كتابين وانقلبت بهما، ثم قلت في نفسي: لو عاودته فسألته أسمع هذا كله من جابر؟ فقال: منه ما سمعتُ ومنه ما حُدِّثناه عنه، فقلت له: أعلم لي على ما سمعتَ، فأَعلمَ لي على هذا الذي عندي )) كذلك أخرجها الفسوي في المعرفة والتاريخ (1/166) : (( عن الليث بن سعد : جئت أبا الزبير فأخرج إلينا كتاباً ، فقلت : سماعك من جابر ؟ قال : ومن غيره . قلت : سماعك من جابر ، فأخرج إليّ هذه الصحيفة )) ، " ومِن نظر تبين لهُ أنه في بادئ الأمر يسأله عن هذه الكُتب هل هي سماعه من جابر ، والثانية يسأله أحاديثه عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - وإعلم أن الإمام أبي الزبير المكي مكثرٌ من الرواية عن جابر بن عبد الله وقد أخرج لهُ الإمام مسلم في 22 موطن من روايته عن جابر ومن رد أحاديثهُ لمجرد العنعنة أو أنه لا يقبل منه إلا ما صرح به بالسماع فهذا فيه جرأةٌ على أحاديث الإمام مسلم - رحمه الله - فعمم الحكم استناداً على القصة بعض الأئمة كابن حزم وابن القطان فطلبوا أن يتحرى منه السماع ! فأما ما صرح به بالسماع فمقبول وأما مالم يصرح به بالسماع فإن هؤلاء الأئمة يردونه فلسنا والله نهدر أقوال الأئمة ولا نرفض أقوالهم ولكننا وإن خالفنا في ثبوت التدليس عليه لا يعني إهدار قولهم ، ثُم إن الإمام الدارقطني حين انتقد أحاديث الشيخين في كتابه النفيس الإلزامات والتتبع لم نرهُ ينتقد أحاديث أبي الزبير عن جابر بن عبد الله ! وغاية ما انتقده وهو حديثٌ واحدٌ ثبت فيه أن الإمام أبي الزبير شك فيما إن كان هذا مرفوعاً أم موقوفاً كما أن هناك من الأئمة من عني بانتقاد صحيح مسلم كابن عمار الشهيد وأبو مسعود الدمشقي وغيره من الأئمة الذين انتقدوا أحاديثاً على الإمام مسلم في الصحيح ولم ينتقدوا أياً من تلك الأحاديث التي رواها أبي الزبير عن جابر ، وقد قال بعضهم أننا نعامل أحاديث جابر في الصحيح من رواية أبي الزبير عنه خلاف ما نعاملها خارج الصحيح ! وهذا قولٌ ليس بمسلمٍ أبداً إذ أنك لا يمكن أن تجزم بحصول التدليس من أبي الزبير في أكثر المواطن فقد حدث عنه الليث بن سعد وهي بالجملة من الأسانيد الصحيحة الثابتة من رواية الليث بن سعد ! ولكن إن عنعن أبي الزبير من غير رواية الليث عنه فقد يقول بعضهم أنه دلس ولم يصرح بالسماع وحصل هذا في صحيح مسلم وليس بمسلم أبداً لأنه إن سلمنا بحصول التدليس وأن هناك بينه وبين جابر واسطةٌ فإن عرفت من هو الواسطة وهو اليشكري كما قال أبو داود في سؤالات الإمام أحمد (م213) : (( حَدَّثَنَا الْحُسَيْن ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَان ، قَالَ : سَمِعْتُ أَحْمَد بن حَنْبَل ، قَالَ : قَالَ ابن عُيَيْنَة : شهدت أبا الْزُّبَيْر يُقرأ عليه صحيفة .فَقُلْتُ لأَحْمَدَ : هي هذه الأحاديث ، يعني صحيفة سُلَيْمَان ، وهو الْيَشْكُرِي ، التي فِي أيدي الْنَّاس ، عنه ؟ قَالَ : نعم .قُلْتُ : أخذها أبو الْزُّبَيْر من الصحيفة ؟ قَالَ : كان أبو الْزُّبَيْر يحفظ ... )) فإن سلمنا بوقوع هذا من أبي الزبير فروايته هذه الصحيفة عن الثقة المعلومِ ينفي حصول التدليس عنه في أحاديث جابر على وجه الخصوص وإن قلنا أنه وقع فعن جابر وهذا نادرٌ بلا لا نعلم أحداً غير ابن حزم وابن القطان قد استدرك أحاديثاً من رواية أبي الزبير عن جابر والصحيح أنا لا نثبت له لا عن جابر ولا عن غيره تدليساً أبداً " ( قد مضى هذا القول في الفصل الثالث الباب الأول ) .
    وأما قوله بأن قول الليث مقدمٌ على مالكٍ وقد روى عنهُ مالكٌ ولم يتحرى لهُ السماع ! قال ابن عدي - رحمه الله - : (( كفى به صدقا أن حدث عنه مالك فإن مالكا لا يروي إلا عن ثقة ولا أعلم أحدا من الثقات تخلف عن أبي الزبير إلا قد كتب عنه وهو في نفسه ثقة إلا أن يروي عنه بعض الضعفاء فيكون ذلك من جهة الضعيف ولا يكون من قبله وأبو الزبير يروي أحاديث صالحة لا بأس بها )) والذي استقر عليه أنه ثقةٌ من الحفاظ المشهورين المكثرين خصوصاً في روايته عن جابر ومن أدق الأمثلة في أن تلميذ الراوي يصفهُ بشيءٍ فيكون الوصف مستقر فيه هو ما وصف به ابن خراش من الترفض فقد جاء عن ابن عدي وعبدان وهو من تلامذة عبد الرحمن بن يوسف بن خراش قد جاء عنهُ الوصف صراحةً بالتدليس إلا أن الليث بن سعد لم يصف أبي الزبير المكي بذلك التدليس وإنما سألهُ سَماعُكَ ! فسأله ما إن كان هذا سماعهُ من جابر ؟ ثم سألهُ فقال سَماعَكَ من جابر أي سألهُ ولم يدفع إليه الكتابين ليرويهما عنهُ الليث بن سعد ! فلا وجه لذلك أبداً لإتهام أبي الزبير المكي بالتدليس ! ولذلك فإنك تجد عبدان كما ! قال ابن عدي في المصدر ذاتهِ : (( سَمِعْتُ عَبْدَانَ يَقُولُ قُلْتُ لابْنِ خِرَاشٍ حَدِيثُ لا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ قال باطل قلت من تتهم في هذا الإسناد رواه الزُّهْريّ، وأَبُو الزبير وعكرمة بن خالد عن مالك بن أوس بن الحدثان أتتهم هؤلاء؟ قَال: لاَ إنما أتهم مالك بن أوس )) فعبدان شك في أمر شيخهِ فسألهُ هذا وسؤالهُ عن هذا دليلٌ على أنهُ يعتقد بعقيدة الرافضة - سامحه الله - فإن أردت أن تستدل بقول الليث بن سعد على تدليس أبي الزبير المكي وهي ليست من الألفاظ البينة في التدليس فلابد أن يكون ذلك مبيناً في قولهِ وإنا لا ننكر قولهُ ولكننا ننكر أن يكون فيها ما يثبت تدليس أبي الزبير المكي .
    ويأتي في الوجه الثالث والأخير هي مسألة صحيفة اليشكري وقد أنكر أبو المنذر المنياوي أن يكون أبي الزبير أخذ صحيفة جابر من اليشكري رغم أن هناك نصين عن الإمام أحمد وأبي حاتم الرازي في أن أبي الزبير أخذ مالم يسمعه من جابر من صحيفة اليشكري ! .
    قال ابن أبي حاتم الرازي في الجرح (4/596) : (( سمعت أبى يقول: جالس سليمان اليشكري جابرا فسمع منه وكتب عنه صحيفة، فتوفى وبقيت الصحيفة عند امرأته، فروى أبو الزبير وأبو سفيان و؟ الشعبي عن جابر وهم قد سمعوا من جابر وأكثره من الصحيفة، وكذلك قتادة )) .
    مسائل أبي داود للإمام أحمد (م213) : (( حَدَّثَنَا الْحُسَيْن ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَان ، قَالَ : سَمِعْتُ أَحْمَد بن حَنْبَل ، قَالَ : قَالَ ابن عُيَيْنَة : شهدت أبا الْزُّبَيْر يُقرأ عليه صحيفة ، فَقُلْتُ لأَحْمَدَ : هي هذه الأحاديث ، يعني صحيفة سُلَيْمَان ، وهو الْيَشْكُرِي ، التي فِي أيدي الْنَّاس ، عنه ؟ قَالَ : نعم ، قُلْتُ : أخذها أبو الْزُّبَيْر من الصحيفة ؟ قَالَ : كان أبو الْزُّبَيْر يحفظ )) فهذين إمامين علمين في العلل ومن جبال الحفظ والإتقان يثبتان أن ابي الزبير المكي روى من صحيفة اليشكري أحاديث جابراً وذكر قتادة والشعبي فقال المنياوي أن الصحيفة عادت لموطنها الأصلي وهذا لا ينفي سماع أبي الزبير المكي لصحيفة اليشكري قال الحافظ ابن حجر : (( ونقل أهل التراجم أن البخاري قال: أبو الزبير عن جابر صحيفة )) فأثبت ابن حجر سماع أبي الزبير المكي من صحيفة اليشكري وأنه أخذ عنها ولو أنهُ بينٌ في عدم سماعه منهُ أو أنها لم تبلغ أبي الزبير لنفى هذا الأئمة كأحمد وأبي حاتم وابن حجر ولا أدري كيف للمنياوي أن ينفي أخذه من صحيفة اليشكري وهو الواسطة في الأحاديث التي لم يسمعها وثبت لنا معرفتهُ وهو ثقةٌ فلا تدليس بذلك في أحاديث أبي الزبير المكي عن جابر بل في غيرهِ - رحمه الله - .
    والذي تقرر أن سليمان اليشكري قد مات في فتنة الزبير والراجح بعد النظر أنه قد قتل سنة 73 هـ وأما أبي الزبير المكي فقد ولد سنة 42 هـ وتُوفي سنة 126هـ .
    فلو قمنا بتنقيص سنة وفاة اليشكري من سنة وفاة أبي الزبير :
    126-73=53 ، وعليه فيكون عمر أبي الزبير 53 عاماً حين قتل سليمان اليشكري وكان قد نزل المدينة ودليلهُ ما قاله ابن حبان في مشاهير علماء الأمصار (( من خيار أهل المدينة )) فيستبعد أن يكون قتادة قد سمع صحيفة سليمان اليشكري لأنه حين قتل كان عمره 13 عاماً ! ولو قمنا بتنقص سنة وفاة سليمان اليشكري من سنة ميلاد أبي الزبير : 73-42=31 أي أن لقاؤهُ بهِ وتحملهُ لهُ ممكنُ لا يشك فيه وقد عاصرهُ ! فأخذ صحيفتهُ ورواها وهذ قول الإمامين أحمد بن حنبل وأبي حاتم الرازي وقول ابن حجر عن الإمام البخاري كما نقل ! ، فما المانع أن يكون أبي الزبير أخذ من صحيفة سليمان اليشكري ! تأمل - وفقك الله - . والله أعلم . يتبع .

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: الايضاح والتبيين بأن أبي الزبير ليس من المدلسين

    مبحث : في سماع أبي الزبير المكي من ابن عباس - رضي الله عنه - .
    قد مضى نفي الأئمة سماع أبي الزبير المكي من ابن عباس - رضي الله عنه - وقد أثبته البخاري والنافي مقدمٌ على المثبت في هذا الباب لأن الدليل قائمٌ على أنه لم يسمع منه فتجد حديثهُ عن ابن عباس بواسطة سعيد بن جبير طاوس بن كيسان وعكرمة - رحمهم الله - عن ابن عباس - رضي الله عنه- قال ابن أبي حاتم في المراسيل (1/193) : (( حَدَّثَنَا أبي ، حَدَّثَنَا ابن الطباع ، حَدَّثَنَا سفيان بن عُيَيْنَة قال : يقولون : أبو الزبير المكي لم يسمع من ابن عباس )) قال التِّرْمِذِيّ سألت محمدا وقلت له : أبو الزبير سمع من عائشة ، وابن عباس ؟ قال : أما ابن عباس فنعم ، وإن في سماعه من عائشة نظر . (ترتيب العلل ، الورقة 26). وَقَال عبد الرحمن بن أَبي حاتم : (( سمعت أبي يقول : أبو الزبير رأى ابن عباس رؤية ، ولم يسمع من عائشة )) وأما رواية أبي الزبير المكي عن ابن عباس فبواسطةٍ وقال الحافظ ابن عبد البر في التمهيد ( 12 / 214 ) : ( هكذا يقول الأعمش في هذا الحديث ، عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس من غير خوف ولا مطر ، وحديث مالك عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال فيه : من غير خوف ولاسفر ، وهو الصحيح فيه إن شاء الله ، والله أعلم . وإسناد حديث مالك عند أهل الحديث والفقه أقوى وأولى، وكذا رواه جماعة عن أبي الزبير ، كما رواه مالك من غير خوف ولاسفر ، منهم الثوري وغيره ) أهـ ، فتجد أن أبي الزبير المكي يحدث عن ابن عباس - رضي الله عنه - بواسطة وفي حديث الجمع بين الصلاتين حدث بواسطة سعيد بن جبير وهو أحد المعنين برواية ابن عباس عنهُ وروايته هذه في صحيح مسلم - رضي الله عنه - وتجد أن أبي الزبير لا يحدث عن ابن عباس إلا من طريق سعيد بن جبير - رضي الله عن ابن عباس - وسياتيك أحاديثهُ عنه بواسطة وبدون واسطة .
    وقد أثبت له أبي حاتم لهُ رؤيا لابن عباس ولم يثبت لهُ سماعٌ منهُ ولأبي الزبير عن ابن عباس جملةٌ من الأحاديث بواسطةٍ وبدون واسطة وقد عمدت إلي دراسة هذه الأحاديث دراسةً وافيةً حتى نخرج إن شاء الله بنتيجة بينةٍ على ثبوت سماعه من عدمه لأبن عباس وقد علمت أن روايته عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في صحيح مسلم فإذا علم واسطةٌ بينهُ وبين من حدث عنه فأهل العلم يستدلون بذلك لعدم ثبوت السماع وقد مضى أن نفى لهُ سماعٌ من ابن عباس كلٌ من ابن عيينة ومن أبي حاتم الرازي وقد أثبت لهُ الترمذي سماعٌ وسيترجح ذلك إن شاء الله .
    باب : أبي الزبير المكي عن ابن عباس بواسطة .
    أبي الزبير عَن طاوس عَن ابن عباس .
    ولأبي الزبير عن طاوس بن كيسان عن ابن عباس أحاديثاً كثيرةً إلا أني اقتصرت على جُملة منها في هذه الدراسة بغية إتمام المطلب في إثبات أنه لا يحدث إلا بواسطةٍ عنهُ وهذا كافٍ في إثبات أن لا سماع لأبي الزبير من ابن عباس مباشرةً وهذا مع ثبوته يستدل به لنفي السماع ، فترى أهل العلم يعلون أحاديثهم بالانقطاع ! فالواسطة من القرائن والدلائل التي تحدث عنها مسلمٌ - رضي الله عنه - في مقدمة الصحيح اللاتي تنفي حصول السماع من المتعاصرين .
    [ الحديث الأول ] أخرج الإمام أحمد في المسند (4/179) : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: " مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ " .
    قُلت : صحيحٌ على شرط مسلم وأبي الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس ، وعَن أبي هريرة رضي الله عنهُ أخرجه أحمد (2342) : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُهُمِ السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ: " اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ " ، والزيادة الواردة من طريق ابن عباس - رضي الله عنه - من طريق طاوس وعنه أبي الزبير . والله أعلم .
    [ الحديث الثاني ] أخرج الإمام أحمد في المسند (4/440/ح2709) : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُهُمِ السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ يَقُولَ: " اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ " .
    قال المحقق : (( إسناده صحيح على شرط مسلم، رجالُه ثقاتُ رجال الشيخين غيرَ إسحاق بن عيسى -وهو ابن الطباع- وأبي الزبير -وهو محمد بن مسلم بن تَدْرُس-، فمن رجال مسلم )) وفيه أن أبي الزبير حدث عن ابن عباس بواسطة طاوس بن كيسان وهو إسنادٌ صحيح .
    [ الحديث الثالث ] أخرج الإمام أحمد في المسند (4/440/ح2710) : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاةِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ يَقُولُ: " اللهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ قَيَّامُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، أَنْتَ الْحَقُّ، وَقَوْلُكَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ " .
    قُلت : وإسنادهُ صحيح على شرط مسلم وأخرجه الإمام مالك في الموطأ 1/215-216 .
    [ الحديث الرابع ] أخرج النسائي في السنن الكبرى (6/296) : أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحِيمِ، قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تُرْقِبُوا أَمْوَالَكُمْ، فَمَنْ أَرْقَبَ شَيْئًا فَهُوَ لِمَنْ أُرْقِبَهُ» . قال الإمام الألباني : وإسناده صحيح .
    [ الحديث الخامس ] أخرج النسائي في السنن (6/296) : أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْعُمْرَى جَائِزَةٌ لِمَنْ أُعْمِرَهَا، وَالرُّقْبَى جَائِزَةٌ لِمَنْ أُرْقِبَهَا، وَالْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ» قال الإمام الألباني : صحيح .
    وقد صنف أبي الشيخ كتاباً أسماهُ (( جزء )) ما رواهُ أبي الزبير المكي عن غير جابر وأخرج لأبي الزبير أحاديثاً رواها عن ابن عباس وسنستعرض ما أخرجهُ لابن عباس - رضي الله عنه - في كتابه جزء ما رواهُ أبي الزبير من غير طريق جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - .
    [ الحديث السادس ] أخرج أبي الشيخ الأصبهاني (1/164) : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ جُنَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي غَيْرِ سَفَرٍ وَلَا خَوْفٍ» .
    قال العاصمي - عضوٌ مميزٌ بملتقى أهل الحديث - :
    روى الإمام مالك في " الموطّأ " [480] 2/199 عن أبي الزبير المكّيّ ، عن سعيد بن جبير ، عن عبد الله بن عبّاس [ رضي الله عنه ] أنّه قال : صلّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر والعصر جميعا ، والمغرب والعشاء جميعا ، في غير خوف ولا سفر ، قال مالك : " أرى ذلك كان في مطر " ، ومن طريق مالك : روى مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها من كتابه " الصحيح " (1193) الحديث المرفوع وقد تابع مالكا على الحديث المرفوع : زهير بن معاوية عند مسلم (1194) .
    وروى الإمام مسلم (1198) الحديث من طريق حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس - رضي الله عنه - ولكن من طريقه أنه قال " من غير خوف ولا مطر " ، وقد روى الإمام البخاريّ في " الجامع الصحيح " (543) من حديث عمرو بن دينار ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عبّاس - رضي الله عنه - أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - صلّى بالمدينة سبعا وثمانيا : الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، فقال أيّوب : لعلّه في ليلة مطيرة ؟ ...
    قُلت : وقد استوفى الكلام عليه الشيخ خالد الغصن هُنا .
    [ الحديث السابع ] أخرج أبي الشيخ الأصبهاني في جزء من رواية أبي الزبير عن غير جابر (1/165) : حَدَّثَنَا الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْعُمْرَى، وَالرُّقْبَى جَائِزَةٌ مَنْ وَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فِي هِبَتِهِ فَهُوَ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ» .
    قُلت : إسناده صحيح رجالهُ ثقات خلا الحجاج بن أرطأة وهو صدوقٌ كثير الخطأ والتدليس وقد روي عن ابن عباس بطرق أصلح . والله أعلى وأعلم .
    [ الحديث الثامن ] أخرج أبي الشيخ في جزءه (1/165) : - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ نَا مُحَمَّدُ [ص:166] بْنُ مُقَاتِلٍ الْمَرْوَزِيُّ , حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَفَجْأَةِ نِقْمَتِكَ , وَتَحْوِيلِ عَافِيَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ» .
    قُلت : صحيح ، أخرجه ابن أبي الدنيا (16) من طريق عمرو بن دينار ، وابي الشيخ في جزء ما رواه أبي الزبير عن غير جابر (1/165/ح108) من طريق أبي الزبير عن طاووس عن ابن عباس .
    ولهُ شاهدٌ من طريق ابن عمر أخرجه الإمام مسلم في الصحيح ، قال الجوزقاني في الأباطيل : ((
    هَذَا حَدِيثٌ صَحيِحٌ ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الرَّازِيِّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ )) .
    [ الحديث التاسع ]حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْجَمَالُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنِ الْإِقْعَاءِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ , فَقِيلَ: إِنَّهُ جَفَاءٌ بِالرَّجُلِ أَنْ يُرْجِعَ صُدُورَ قَدَمَيْهِ قَالَ: بَلْ هُوَ سُنَّةٌ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " .
    قُلت : أخرجه
    ابي الشيخ في جزء ما رواه أبي الزبير عن غير جابر (1/166) مِن طريق عبد المجيد بن عبد العزيز حدثنا ابن جريج ، وأخرجهُ كذلك من رواية عبد الرزاق الصنعاني (110) وإسناد عبد الرزاق عند مسلم في الصحيح (840) وقد صرح ابن جريج في صحيح مسلم بالسماع وهو مدلسٌ فالحديث صحيح أخرجه من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج وقد صرح بالسماع .
    قال الإمام مسلم - رحمه الله - في الصحيح (840) : حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ . ح ، قَالَ : وحَدَّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، وَتَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ ، قَالَا جَمِيعًا : أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ ، أَنَّهُ سَمِعَ طَاوُسًا ، يَقُولُ : قُلْنَا لِابْنِ عَبَّاسٍ : فِي الإِقْعَاءِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ ، فَقَالَ : هِيَ السُّنَّةُ ، فَقُلْنَا لَهُ : إِنَّا لَنَرَاهُ جَفَاءً بِالرَّجُلِ ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : " بَلْ هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ، كذلك من طريق الصنعاني أخرجه ابن خزيمة .
    [ الحديث العاشر ] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ بْنِ الْمُجَدَّرِ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ أَبَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ وَهِيَ شَاكِيَةٌ فَقَالَ: «حُجِّي وَاشْتَرِطِي وَقُولِي اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي» .
    قلت : أخرجه أبي الشيخ في جزء ما رواه أبي الزبير (1/168) من طريق أبي الزبير عن عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ وفيه عمران بن أبان وهو ( ضعيف ) لا يحتج وهو حديثٌ صحيحٌ متفقٌ عليه من رواية أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - أخرجه البخاري ومسلم وهو حديثٌ صحيحٌ .
    أخرجه أحمد 6/164. و"مسلم" 4/26 قال: حدثنا عَبد بن حُميد. و"النَّسائي" 5/168 قال: اخبرنا اسحاق بن إبراهيم ، ثلاثتهم (أحمد، وعبد، واسحاق) عن عبد الرزاق. قال: اخبرنا مَعْمر، عن الزهري محمد بن شهاب - رحمه الله - .
    واخرجه أحمد 6/164 قال: حدثنا عبد الرزاق. قال: حدثنا مَعْمر. وِفي 6/202 قال: حدثنا حمَّاد بن اسامة. و"البُخَارِي" 7/9 قال: حدثنا عُبيد بن اسماعيل. قال: حدثنا أبو اسامة. و"مسلم" 4/26 قال: حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء الهمداني قال: حدثنا أبو اسامة (ح) وحدثنا عبد بن حُميد. قال: اخبرنا عبد الرزاق. قال: اخبرنا مَعْمر. و"النَّسائي" 5/168 قال: اخبرنا اسحاق بن إبراهيم. قال: انبانا عبد الرزاق. قال: انبانا مَعْمر. و"ابن خزيمة" ثلاثتهم (حمَّاد بن اسامة أبو اسامة، ومَعْمر، وسُفيان بن عُيينة) عن هشام بن عُروة ، كلاهما (الزُّهري، وهشام) عن عروة بن الزبير، فذكره ، وقال النسائي : لا اعلم احدًا اسند هذا الحديث عن الزهري غير مَعْمر. والله سبحانه وتعالى اعلم .... قلتُ وهو حديثٌ صحيحٌ عند البخاري ومسلم في الصحيح عن أم المؤمنين وفيه : وَكَانَت تَحت الْمِقْدَاد ، فالحديث على ما مضى صحيح .
    قال ابن الملقن في البدر المنير (6/414) : (( قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِي ّ فِي «علله» : إِنَّه رُوِيَ مُسْندًا ومرسلاً وَهُوَ أصح. وَقَالَ الْأصيلِيّ: لَا يثبت فِي الِاشْتِرَاط إِسْنَاد صَحِيح. وَهُوَ عجب مِنْهُ؛ فَالْحَدِيث مَشْهُور ثَابت فِي الصَّحِيحَيْنِ وَسنَن أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَسَائِر كتب الحَدِيث الْمُعْتَمدَة من طرق مُتعَدِّدَة بأسانيد كَثِيرَة عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا أعلم أسْندهُ عَن الزُّهْرِيّ غير معمر. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: لم يسْندهُ عَن معمر غير عبد الرَّزَّاق فِيمَا أعلم. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي كتاب «الْمَنَاسِك» وَهُوَ من الْجَدِيد: لَو ثَبت حَدِيث عُرْوَة عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي الِاسْتِثْنَاء لم أعده إِلَى غَيره؛ لِأَنَّهُ لَا يحل عِنْدِي خلاف مَا ثَبت عَن رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَقد ثَبت هَذَا الحَدِيث من أوجه عَن النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم -. ثمَّ ذكر مَا سبق، وَقَالَ الْعقيلِيّ: رَوَى ابْن عَبَّاس قصَّة ضباعة بأسانيد ثَابِتَة جِيَاد انْتَهَى. وَثَبت عَن ابْن عمر «أَنه كَانَ يُنكر الِاشْتِرَاط فِي الْحَج» كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ ثمَّ الْبَيْهَقِيّ وَقَالَ: عِنْدِي أَنه لَو بلغه حَدِيث ضباعة لصار إِلَيْهِ وَلم يُنكر الِاشْتِرَاط كَمَا لم يُنكره أَبوهُ فِيمَا روينَا عَنهُ )) .. والله أعلى وأعلم .
    فهذه التي بين يديك عشاريةٌ تجد أن أن أبي الزبير لا يحدث عن ابن عباس إلا بواسطةٍ أو واسطتين فتارة عن طاووس وهو - ابن كيسان - وتارة عن عكرمة وهو - مولى بن عباس - فإثبات أن ابي الزبير سمع من ابن عباس هذا محلٌ للشك لأنك لا تجده إلا وقد حدث عنهُ بواسطةِ رجلٍ أو رجلين وهذا إن دل على شيءٍ فعلى أن سماعه من ابن عباس لا يصح وحتى لا نطيل البيان فإنك أيها القارئ الكريم أن أبي الزبير لا يحدث عنه إلا بالواسطة التي ذكرنا أو تراهُ يحدثُ بواسطة رجلٍ أو رجلين من أصحاب ابن عباس وحديثهُ إن كان ضعيفاً إليه فصحيحٌ من رواية أم المؤمنين وهو الحديث السابق ومتفقٌ عليه في الصحيح إلا أن فيه زيادةً سبق ذكرها .
    وقد يحدث عنه بواسطة سعيد بن جبير في الكتب وإنما الغاية من ذكر ما مضى من الأحاديث العشرة أن اثبات السماع من عدمه قائمٌ على الدلائل التي تشير إلي عدم سماعه من ثبوته فترى أصحاب الصحيح كالبخاري ومسلم لا يخرجون لهُ عن ابن عباس إلا بواسطة فإنتفى لديك أن يكون أبي الزبير قد سمع من ابن عباس - رضي الله عنه - وإن رآهُ وروى عنه فذلك من قبيل المرسل الخفي - فرحم الله - أبي الزبير المكي رحمةً واسعة وجزاه الله تعالى كل خيرٍ لما روى لنا من الأخبار والأسانيد الثابتة الصحيح ، ويأتي ما رواه أبي الزبير المكي عن ابن عباس دون ذكر الواسطة وبيان صحتها وثبوتها إلي ابي الزبير المكي . والله ولي التوفيق . يتبع : [ باب ما رواه أبي الزبير عن ابن عباس بدون واسطة ] .

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: الايضاح والتبيين بأن أبي الزبير ليس من المدلسين

    باب : أبي الزبير المكي عن ابن عباس بدون واسطة .
    وبعد أن مضى ما يثبت أن أبي الزبير يحدث عن ابن عباس بواسطةٍ فإن هذا استدلينا به على عدم سماع أبي الزبير المكي - رحمه الله - من ابن عباس - رضي الله عنه - ، وقد وقعت يدنا على عددٍ من الأحاديث التي رواها أبي الزبير عن ابن عباس بدون واسطةٍ أخرجها أبي الشيخ الأصبهاني عن ابن عباس - رضي الله عنه - وإليك بيانُ هذه الأحاديث .
    [ الحديث الأول ] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَارِقٍ، عَنْ طَاوُسٍ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَّرَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ إِلَى اللَّيْلِ» .
    قُلت : أخرجه أبو الشيخ في جزء أحاديث أبي الزبير (1/53) ، والترمذي في السنن (2/254) أخرجه أحمد (1/288) (2612) و (1/309) (2816) و (6/215) قال: حدثنا عبد الرحمن. وأبو داود (2000) قال: حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن. وابن ماجة (3059) قال: حدثنا بكر بن خلف أبو بشر قال: حدثنا يحيى بن سعيد. والترمذي (920) قال: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي. والنسائي في الكبرى «تحفة الأشراف» (6452) عن محمد بن المثنى عن عبد الرحمن بن مهدي.كلاهما (عبد الرحمن، ويحيى) قال: حدثنا سفيان عن أبي الزبير، فذكره ، كذلك أخرجه ابن ماجة مرسلاً في سننه (3059) وهو حديثٌ شاذٌ .
    قال الإمام الألباني في تعليقه على سنن ابن ماجة (2/1017) : (( شاذ )) ، وأيضاً حكم بشذوذه في سنن الترمذي (3/253) ، وقال ابن القطان : (( هذا الحديث (يريد حديث أبي الزبير عن عائشة وابن عباس) مخالف لما رواه ابن عمر وجابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه طاف يوم النحر نهاراً )) قال الشيخ الأرنؤوط (( فكأن البخاري عقب هذا بطريق أبي حسان ليجمع بين الأحاديث بذلك، فيحمل حديث جابر وابن عمر على اليوم الأول، وحديث ابن عباس على بقية الأيام )) فالحديث لا يستدل بهِ لاثبات سماع أبي الزبير من ابن عباس ولا من أم المؤمنين عائشة لأنك لا تجد أحداً أثبت لهُ سماعاً منها - سلام الله عليها - ولضعف الحديث .
    [ الحديث الثاني ] حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْعَبَّاسِ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَّرَ الطَّوَافَ يَوْمَ النَّحْرِ إِلَى اللَّيْلِ» . قُلت : ضعيف ،ضعفه الألباني في «الإرواء» (1070) .
    [ الحديث الثالث ] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «أَفَاضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ لَيْلًا» قلت : وهذا الحديث بهذا الإسناد لا يصح ، فمعاوية بن هشام (( كثير الخطأ )) قال ابن عدي : (( له حديث صالح عن الثوري وقد أغرب عن الثوري بأشياء وأرجو أنه لا بأس به )) ، قال ابن حبان : (( ربما أخطأ )) ، وقال الإمام أحمد بن حنبل (( كثير الخطأ )) ، وقال الساجي : (( صدوقٌ يهم )) وقال عثمان بن أبي شيبة (( رجل صدق وليس بحجة )) ، وقال ابن معين : (( صالح وليس بذاك )) ، وقال الدارقطني : (( وليس بذلك القوي )) ، وقد أجهتدت نفسي لأجد لهُ مَن تابعه في روايته عن سفيان الثوري فلم أظفر بمتابعةٍ تقوي أمرهُ ! وقد صحح لهُ بعض المتأخرين أحاديثاً والصحيح أنه كثير الخطأ وقاله أحمد وغيرهُ ولا يحتج به .
    [ الحديث الرابع ] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مَنْدَهْ، حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، عَنْ أَجْلَحَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " أَنْكَحَتْ عَائِشَةُ ذَاتَ قَرَابَةٍ مِنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَهْدَيْتُمُ الْفَتَاةَ» . فَقَالُوا: نَعَمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ بَعَثْتُمْ مَعَهَا قَوْمًا يَقُولُونَ: أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ فَحَيَّانَا وَحَيَّاكُمْ " .
    قُلت : وهذا ضعيف ، أخرجه ابن ماجة في السنن (1/612) وقال عقبه محمد فؤاد عبد الباقي : (( في الزوائد إسناده مختلف فيه من أجل الأجلح وأبي الزبير يقولون إنه لم يسمع من ابن عباس. وأثبت أبو حاتم أنه رأى ابن عباس )) وقال الإمام الألباني : (( ضعيف )) وفي مصباح الزجاجة (2/106) : (( هَذَا إِسْنَاد رِجَاله ثِقَات إِلَّا أَن الْأَجْلَح مُخْتَلف فِيهِ وَأَبُو الزبير قَالَ فِيهِ ابْن عُيَيْنَة يَقُولُونَ أَنه لم يسمع من ابْن عَبَّاس وَقَالَ أَبُو حَاتِم رأى ابْن عَبَّاس رُؤْيَة انْتهى وَأَصله فِي صَحِيح البُخَارِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس بِغَيْر هَذَا السِّيَاق وَله شَاهد من حَدِيث جَابر رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي الْكُبْرَى وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه الْكُبْرَى من حَدِيث جَابر عَن عَائِشَة وَرَوَاهُ مُسَدّد فِي مُسْنده من حَدِيث جَابر وَرَوَاهُ أَحْمد بن منيع فِي مُسْنده من طَرِيق أبي الزبير عَن جَابر بِهِ )) .
    قال علي بن المديني عن القطان : (( في نفسي منه شي )) وقال الإمام أحمد بن حنبل : (( أجلح ، ومجالد متقاربان في الحديث ، وقد روى الأجلح غير حديث منكر )) ، وقال من رواية ابنه عنهُ : (( ما أقرب الأجلح من فطر بْن خليفة )) قُلت ومجالد وفطر بن خليفة ضعيفين ، وثقه ابن معين والعجلي - على تساهلٍ فيه - وقال أبو حاتم : (( ليس بالقوي ، يكتب حديثه ، ولا يحتج به )) وقال النسائي : (( ضعيف ، ليس بذاك ، وكان له رأي سوء )) وقال الحافظ الجوزجاني : (( مفتري )) ، وقال ابن عدي : (( له أحاديث صالحة يروي عنه : الكوفيون ، وغيرهم ، ولم أجد له حديثا منكرا مجاوزا للحد ، لا إسنادا ولا متنا ، إلا أنه يعد في شيعة الكوفة ، وهو عندي مستقيم الحديث صدوق )) والأجلح هذا أخرج له البخاري في الكتاب الأدب ، وأبي الزبير لم يسمع من ابن عباس - رضي الله عنه - وعليه فالحديث لا يصح من هذا الوجه . والله أعلم .
    وقد ضعفه الإمام الألباني وأعلهُ بعلة تدليس أبي الزبير - رحمه الله - والصحيح أن التدليس لا يثبت عن أبي الزبير - رحمه الله - فالأجلح فيه ضعفٌ وقال غير واحدٍ من أهل العلم أنه لم يسمع من ابن عباس - رضي الله عنه - وقد حدث عنه بواسطة فالحديث ضعيف .
    [ الحديث الخامس ] حَدَّثَنَا أَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْحَسَنِ السُّلَمِيُّ، بِالْبَصْرَةِ , حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، حَدَّثَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ بَعْدَ التَّكْبِيرِ وَبَعْدَ الْقَوْلِ أَنْ يَقُولَ وَجَّهْتُ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ .
    قُلت : وهذا الحديث لا يصح لابي الزبير فيه أبو كامل فضيل بن حسين بن طلحة الجحدري ذكره ابن حبان في الثقات وقال الحافظ ابن حجر : (( ثقة حافظ )) ، وفيه الفضيل بن سليمان له أحاديث في البخاري قد توبع عليها قال الحافظ ابن حجر : (( صدوق له خطأ كثير، ومرة: روى له الجماعة وليس له في البخاري سوى أحاديث توبع عليها )) ، وقال أبو حاتم : (( ليس بالقوي ، يكتب حديثه )) ، وأبو داود
    تركته عن عمد كان يعلم الألحان، ومرة: ليس بشيء ، وقال ابي زرعة الرازي : (( لين الحديث )) ، وقال النسائي : (( ليس بالقوي )) ، وقال الساجي : (( صدوق وعنده مناكير )) ، قال الإمام صالح جزرة : (( منكر الحديث روى عن موسى بن عقبة مناكير )) وقال يحيى بن معين : (( ليس بثقة، ومرة: ليس بشيء، ولا يكتب حديثه )) .
    أما قول : (( لين الحديث )) من أبي زرعة وأبي حاتم فإنك لو تتبعت الرواة الذين قال فيهم هذين الإمامين هذا القول ستجدهم يطلقونها على التضعف الشديد فتجده يطلق هذا القول فيمن عرف ضعفهُ أو أنه من الوضاعين أو من اتهم في روايته كابي حمزة الثمالي . والله أعلم .
    [ الحديث السادس ] حَدَّثَنَا ابْنُ رَاشِدٍ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ، حَدَّثَنَا زُفَرُ، حَدَّثَنِي ابْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ بِأُحُدٍ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ»
    قلت : وهذا حديثٌ حسنٌ من رواية أبي الزبير عن سعيد بن جبير ، قال ابن كثير في "التفسير" 2/141 عن طريق عبد الله بن إدريس الذي فيه سعيد بن جبير: وهذا أثبت، وكذا رواه سفيان الثوري، عن سالم الآفطس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.
    [ الخلاصة ] وهذا ما وقفت عليه من أحاديث أبي الزبير المكي عن ابن عباس - رضي الله عنه - بدون واسطةٍ وهي لا تثبت بإسنادٍ معتبرٍ في حين تجد أن أبي الزبير يحدث عن ابن عباس بواسطةِ عكرمة مولى ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وطاووس وتجنب الشيخين إخراج حديثهُ في الصحيح فتجد البخاري ومسلم لم يخرجوا لهُ إلا ما كان بواسطةٍ ، فسماعهُ من عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - فيه نظرٌ لا يصح ، وأما روايته عنهُ فهي من قبيل المرسل الخفي لأن أبي حاتم الرازي - رضي الله عنه ورحمه - قد قال أن لهُ رؤية لابن عباس - رضي الله عنه - .
    يتبع بإذن الله مبحثٌ في سماع أبي الزبير من عبد الله بن عمرو بن العاص .

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: الايضاح والتبيين بأن أبي الزبير ليس من المدلسين

    مبحث : سماع أبي الزبير من عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - .
    قال ابن أبي حاتم في المراسيل فقال (1/193) : (( حَدَّثَنَا أَبِي نَا ابْنُ الطَّبَّاعِ نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ يَقُولُونَ أَبُو الزُّبَيْرِ الْمَكِّيُّ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ ابْنِ عَبَّاس ، قرىء عَلَى الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْدُّورِيِّ قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ أَبُو الزُّبَيْرِ الْمَكِّيُّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ أَبُو الزُّبَيْرِ رَأَى ابْنَ عَبَّاسٍ رُؤْيَةً وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ ، سَأَلْتُ أَبِي عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَقَالَ هُوَ مُرْسَلٌ لَمْ يَلْقَ أَبُو الزُّبَيْرِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو )) ، وقد وقعت يدنا على أحاديث رواها أبو الزبير المكي - رحمه الله - عن عبد الله بن مسعود أخرجها أبي الشيخ الأصبهاني في جزء ما رواه أبي الزبير المكي عن غير جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - .
    [ الحديث الأول ] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ نَصْرٍ الْجَمَالُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قوهي، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو الْفُقَيْمِيِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: " إِذَا رَأَيْتَ أُمَّتِيَ تَهَابُ الظَّالِمَ أَنْ يُقَالَ لَهُ: إِنَّكَ ظَالِمٌ فَقَدْ تُوُدِّعَ مِنْهُمْ ".
    قُلت : ضعيفٌ ، ضعفهُ الإمام الألباني - رحمه الله - انظر حديث رقم : 501 في ضعيف الجامع.
    [ الحديث الثاني ] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قوهي، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرِو الْفُقَيْمِيِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إنَّ فِي أُمَّتِي مَسْخًا، وَقَذْفًا، وَخَسْفًا» .
    قُلت : ضعيفٌ
    مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قوهي لم أعرفهُ .
    [ الحديث الثالث ] حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَلَفٍ الدُّورِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو هَمَّامِ بْنُ شُجَاعٍ، حَدَّثَنِي أَبَى، عَنْ زِيَادِ بْنِ خَيْثَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ» .
    قُلت : ضعيف قال نبيل جرار في الإيمان إلي الزوائد (4/358) : (( صحيح، وإسناده ضعيف للا نقطاع بين أبي الزبير وعبدالله بن عمر )) وجاء عن عَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُزَنِيِّ أخرجه ابن حبان في الصحيح وصححه الإمام الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان .
    فهذه ثُلاثية من رواية أبي الزبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص ولم تصح ، وروايته عنه من قبيل المرسل الخفي لأنه قد عاصرهُ ولم يثبت لهُ روايةٌ عنهُ ولا سماعٌ منهُ وقد نفى سماعه يحيى بن معين - رحمه الله - ، وقال أبي حاتم الرازي أن رواية أبي الزبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص من قبيل المرسل ولهُ عنه هذه الثلاثية والتي لا تثبت من هذا الطريق عنه .
    مبحث : سماع أبي الزبير من أم المؤمنين عائشة - سلام الله عليها - .
    وأما في سماع أبي الزبير من أم المؤمنين عائشة - سلام الله عليها - فقد قال الإمام البخاري - رضي الله عنه - : (( وأما في سماعه من عائشة نظر )) ، وقال أبو حاتم الرازي : (( ولم يسمع عائشة )) - سلام الله عليها - ولهُ عنها عددٌ يسير من الأحاديث .
    [ الحديث ] حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى، حَدَّثَنَا سَهْلٌ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَارَ الْبَيْتَ لَيْلًا» .
    قُلت : ضعيفٌ فأبي الزبير لم يسمع من أم المؤمنين ، قال محققوا المسند (9/121) : (( إسناده ضعيف، أبو الزبير- واسمه محمد بن مسلم بن تدرس -، مدلس وقد عنعن )) وإعلالهُ بتدليس أبي الزبير ليس لهُ وجهٌ فلا يثبت عليه التدليس كما تقدم ، والعلة في عدم سماعه من أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها ، وقد أخرجه الإمام أحمد من طريق ابن عمر وأم المؤمنين وهذا وهمٌ فهو عن ابن عباس وأم المؤمنين ، قال محققوا المسند (42/472) : (( إسناده ضعيف، وقد سلف الكلام عليه في الرواية السالفة برقم (2611) من مسند ابن عباس ، وقد خالف وكيعاً أبو أحمد محمد بن عبد الله الزُّبيري- كما سلف (5110) - فرواه عن سفيان الثوري، عن أبي الزُّبير، عن عائشة وابن عمر، به ، وقد وهم فيه أبو أحمد، وهو يخطئ في حديث سفيان، نبَّه على ذلك الدارقطني في "العلل" 5/الورقة 110، وفاتنا أن ننبه على هذا الوهم ثمة، فيستدرك من هنا ، وسيرد (25799) ، وانظر (14646) )) فالحديث ضعيفٌ لا يصح وليس لهُ عن أم المؤمنين عائشة - سلام الله عليها - إلا هذا الحديث وقد رواهُ عنها وعن ابن عباس . والله أعلم .
    باب : أبي الزبير عن أم المؤمنين عائشة بواسطة .
    [ الحديث ] عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: جَاءَتْ وَلِيدَةٌ لِبَنِي هِلَالٍ - يُقَالُ لَهَا بَرِيرَةُ - تَسْتَعِينُ عَائِشَةُ فِي كِتَابَتِهَا، فَسَامَتْ عَائِشَةُ بِهَا أَهْلَهَا فَقَالُوا: لَا نَبِيعُهَا إِلَّا وَلَنَا وَلَاؤُهَا، فَتَرَكَتْهَا، وَقَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَبَوْا أَنْ يَبِيعُوهَا إِلَّا وَلَهُمُ الْوَلَاءُ عَلَيْهَا. فَقَالَ: «لَا يَمْنَعُكِ ذَلِكَ، إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» فَابْتَاعَتْهَا عَائِشَةُ، وَأَعْتَقَتْهَا ، فَخُيِّرَتْ بَرِيرَةُ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، فَقَسَمَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةً، فَأَهْدَتْ لِعَائِشَةَ نِصْفَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ طَعَامٍ؟» قَالَتْ: لَا، إِلَّا ذَا الشَّاةَ الَّتِي أَعْطَيْتَ بَرِيرَةَ، فَنَظَرَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: «قَدْ وَقَعَتْ مَوْقِعَهَا، هِيَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ»، فَأَكَلَ مِنْهَا. وَقَالَ عُرْوَةُ: «ابْتَاعَتْهَا مُكَاتَبَةً [ص:250] عَلَى ثَمَانِ أَوَاقٍ لَمْ تَقْضِ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا» .
    قُلت : أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (7/249) .
    مما سبق من دراسة أحاديث أبي الزبير عن كلٍ من : (( ابن عباس - عبد الله بن عمرو - أم المؤمنين )) رضي الله عنهم فإنك لا تجد حديثه عنهم غالباً إلا بواسطة ، وقد نفى سماعه من كل واحدٍ منهم الإمامين أبو حاتم وابن معين ، وبعد سبر حديثهم عنهم من جزء أبي الشيخ فإنا خلصنا إلي أنه لم يثبت لهُ عن أي واحدٍ منهم سماعاً ! ، فحديثهُ عن ابن عباس مرسلٌ خفيٌ وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهم - كذلك ، وعن أم المؤمنين حديثٌ واحدٌ رواهُ عنها وعن ابن عباس - رضي الله عنهم - ولا يثبت ، وهذا من قبيل الإرسال الخفي لا التدليس ولا نعلم احداً وصفهُ به كما تقدم غير النسائي على أن قصة الليث لا تثبت التدليس عليه ، ومراد الإمام النسائي كما سبق تحقيقه في مرويات الإمام يحيى بن أبي كثير بين التدليس والإرسال الخفي فإنهُ يريد بها المرسل الخفي لا يريد بها التدليس وهذه المباحث الثلاث في سماعه من شيوخه الذين تكلم في سماعه منهم فلا تجده يحدث عنهم إلا بواسطةٍ . والله أعلم .
    يتبع بإذن الله تبارك وتعالى الباب الثالث وهي أحاديث قد يحتج بها مثبتوا التدليس على تدليس أبي الزبير وليس فيها ما يثبت تدليسه إن شاء الله وهو الصواب .

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: الايضاح والتبيين بأن أبي الزبير ليس من المدلسين

    الباب الثالث : ما استدل به على تدليس أبي الزبير المكي .
    زعم بعضهم لأثبات تدليس أبي الزبير المكي أن هناك أحاديثاً ثبت فيها تدليسهُ لهم - سامحهم الله - ولم تثبت لغيرهم من الأئمة المتقدمين - رحمهم الله - ولو أن تدليسه ثبت في حديثٍ واحدٍ عند الأئمةِ الأعلام لبينوا أنه قد دلس فيه ، وإني لأتعجب كثيراً ممن اتهمه بالتدليس وظن أن بعضاً من الأخبار التي رويت من طريقه وقد عنعن فيها أنهُ مدلسٌ ! وقال بعض المتأخرين بتدليسه كالإمام الألباني - رحمه الله - قال في منهج التدليس عند المتقدمين (1/54) : (( كما فعل الألباني رحمه الله تعال وعفا عنه ، وهم شذوا في ذلك عن المتقدمين وعن المتأخرين ، فالمتقدمون قبلوا أحاديث أبي الزبير كما سترى إن شاء الله تعالى ، وابن حزم قاعدته في روايات المدلسين جيدة موافقة لمذهب المتقدمين ولم يتبعوه في قاعدته هذه بل اتبعوه فيما نقض به قاعدته في مرويات أبي الزبير ، والمتأخرون وإن جعلوا أبا الزبير مشهوراً بالتدليس إلا أنهم لم يردوا أحاديث مسلم ولم يضعفوها ، فمذهب هؤلاء من مذهب المتأخرين في ( العنعنة ) ومذهب ابن حزم في ( مروبات أبي الزبير ) )) ، فقد ضعف أحاديثاً لهُ - رحمه الله - وغايةُ ما يقال أن من اتهمه بتلك التهمة ! دفعته إلي تضعيف أحاديثه في صحيح مسلم وهذا خطأٌ بينٌ لا يعتبر به أبداً .
    ولم نعلم أحداً أعلَّ أحاديث أبي الزبير المكي بالتدليس من المتقدمين بل احتجوا بهِ وقد انتصر الإمام ابن القيم - رحمه الله - لأبي الزبير في روايته عن جابر - رضي الله عنه - ففي حين تلقى الأئمة ما رواهُ ابي الزبير المكي وأخرج الإمام مسلم في الصحيح روايتهُ معنعناً في أكثر من موضعٍ ، قال المتأخرون - وفقهم الله - بأن لهُ احاديثاً دلساً وإن من أعجب ما تراهُ العين أن هناك من طلبة العلم من يريد اثبات التدليس بأحاديث أصلاً لا تصح إلي أبي الزبير فكيف يثبت بها تدليسه .
    باب : ما احتج به على تدليس أبي الزبير .
    [ الحديث ] حَدَّثَنَا هُرَيْمُ بْنُ مِسْعَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لاَ يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَ الْم تَنْزِيلُ، وَتَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ... قُلت : [ ضعيفٌ ] أخرجه الإمام الترمذي - رحمه الله - في السنن (5/165) وقال :«هَذَا حَدِيثٌ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، مِثْلَ هَذَاوَرَوَاهُ مُغِيرَةُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ هَذَا، وَرَوَى زُهَيْرٌ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الزُّبَيْرِ: سَمِعْتَ مِنْ جَابِرٍ يَذْكُرُ هَذَا الْحَدِيثَ؟ فَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: إِنَّمَا أَخْبَرَنِيهِ صَفْوَانُ أَوِ ابْنُ صَفْوَانَ، «وَكَأَنَّ زُهَيْرًا، أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الحَدِيثُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ»، حَدَّثَنَا هَنَّادٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا هُرَيْمُ بْنُ مِسْعَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا فُضَيْلٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: «تَفْضُلَانِ عَلَى كُلِّ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ بِسَبْعِينَ حَسَنَةً» .
    واستدل به على أنه قد دلس فيهِ ومما يدفع هذا القول :
    (1) ليث بن أبي سليم ( ضعيف ) لا يقبل المتابعة .
    (2) المغيرة بن مسلم ( صدوق ) إلا أن في روايته عن أبي الزبير نكارةً وَقَال ابن الجنيد: سأل ابن أَبي غالب يحيى بن مَعِين، وأنا شاهد، عن المغيرة بن مسلم، فقال يحيى: ما أنكر حديثه عَن أبي الزبير. قلت ليحيى: هو أخو عبد العزيز ابن مسلم القسملي؟ قال: نعم. (سؤالاته، الترجمة 797) وقولهُ هذا دليلٌ على أن المغيرة بن المسلم شديد النكارة فيما يرويه عن أبي الزبير .
    قال الحاكم : ((
    ذكر النوع الحادي عشر من علوم الحديث هذا النوع من هذا العلوم هو معرفة الأحاديث المعنعة وليس فيها تدليس وهي متصلة بإجماع أئمة أهل النقل على تورع رواتها عن أنواع التدليس : ثال ذلك ما حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا بحر بن نصر الخولاني حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن عبد ربه بن سعيد الأنصاري عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء بريء بإذن الله عز وجل ..هذا حديث رواته بصريون ثم مدنيون ومكيون وليس من مذاهبهم التدليس فسواء عندنا ذكروا سماعهم أو لم يذكروه وإنما جعلته مثلاى لألوف مثله )) ، وقد رواهُ زهيرة وهو ثقة بواسطة الليث ثم رواهُ دونها عن أبي الزبير وهذا يدل على أن الليث بن أبي سليم والمغيرة بن مسلم سلكا الجادة في رواية الضعفاء وهو الخطأ والوهم عليها .
    قُلت : وقد زعم أبو المنذر المنياوي - سامحه الله - في شرحه للموقظة أن أبي الزبير المكي قد دلس في روايته عن عبد الله بن عمرو بن العاص فكونه حدث عنهُ بدون واسطة ثُم صرح بالواسطة فهذا لا يثبت التدليس عليه البتة بل إن غاية ما يقال أن روايته عنهُ هي في عداد المرسل الخفي فلا مستند لما رواه أبي الزبير المكي عن عبد الله بن عمرو على تدليسه ! ، واستدل بحديث : (( أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الطواف يوم النحر إلى الليل )) وقد سبق تخريجهُ في مبحث سماعه من ابن عباس وقلنا أن الحديث أصلا لا يصح وضعفه الإمام الألباني .

    [ تنبيه ] قد ضعف بعضهم أحاديث أبي الزبير المكي في صحيح مسلم من طريق جابر وهذا خطأٌ فادحٌ إذ أن التمسك بأن أبي الزبير من المدلسين دفعهم للتعلق بذلك القول فرماهم التسرع إلي تضعيف بعض الأحاديث التي في صحيح مسلم ، وقد أعلها الإمام الألباني - رحمه الله وغفر لهُ - قدس روحه الطاهرة بتدليس أبي الزبير وليس بمسلمٍ بهِ إذ أن صحيفة أبي الزبير عن جابر لا شك في صحتها واستدل مضعفهُ بتعليل الإمام الألباني لأحاديث مسلم بعنعنة أبي الزبير وليس بمسلمٍ لا لهُ ولا للإمام الألباني - رحمه الله - على جلالة قدرهِ وموطئ قدمه في هذا العلم .
    [ خلاصة الدارسة ] وقد خلصت إلي عدة أمورٍ أبسطها بالنقاط التالية :
    (1) قصة الليث بن سعد - رحمه الله - لا تثبت تدليس أبي الزبير المكي - رحمه الله - إذ أنهُ دفع إليه الكتابين ولم يقل له إروهما عني ، وقد أخرج الفسوي في المعرفة والتاريخ القصة من طريق أخر لا تثبت فيها تدليس أبي الزبير المكي فلم يصب من اعتمد على القصة لأثبات التدليس .
    (2) إن أول من اتهمه - رحمه الله - بالتدليس هو الإمام النسائي ووصفه إياه بالتدليس لا يمكن الجزم بأنهُ التدليس المعروف إصطلاحاً بين المتأخرين بل قد يريد به الإرسال الخفي وقد سبق وأن ذكرنا هذا الأمر في دراسة مرويات الإمام يحيى بن أبي كثير بين التدليس والإرسال الخفي وهو أن من منهج المتقدمين أنهم يطلقون التدليس ويريدون به الإرسال الخفي .
    (3) أبي الزبير المكي ثقةٌ متفقٌ عليهِ احتج به الأئمة ، وأخرج لهُ الإمام مسلم في الصحيح في أكثر من موطن من غير رواية الليث بن سعد وهو الذي قال : (( وَإِنَّمَا كَانَ تَفَقُّدُ مَنْ تَفَقَّدَ مِنْهُمْ سَمَاعَ رُوَاةِ الْحَدِيثِ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُمْ إِذَا كَانَ الرَّاوِى مِمَّنْ عُرِفَ بِالتَّدْلِيسِ فِى الْحَدِيثِ وَشُهِرَ بِهِ فَحِينَئِذٍ يَبْحَثُونَ عَنْ سَمَاعِهِ فِى رِوَايَتِهِ وَيَتَفَقَّدُون َ ذَلِكَ مِنْهُ كَىْ تَنْزَاحَ عَنْهُمْ عِلَّةُ التَّدْلِيسِ فَمَنِ ابْتَغَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ مُدَلِّسٍ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِى زَعَمَ مَنْ حَكَيْنَا قَوْلَهُ فَمَا سَمِعْنَا ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ سَمَّيْنَا وَلَمْ نُسَمِّ مِنَ الأَئِمَّةِ )) ورغم هذه الدقة والتحري والبيان إلا أنه أخرج لهُ من غير طريق الليث في الصحيح وإن دل على شيءٍ فعلى دراية الإمام مسلم بروايات أبي الزبير .
    (4) لم يعل أحدٌ من الأئمة المتقدمين حديث أبي الزبير بالتدليس ، كما أن من ترجم لهُ وذكرهُ في كتب الرجال من المتقدمين وهم اللبنة الأولى لم يصفهُ بالتدليس ، وشعبة الذي تكلم فيه بجرحٍ مجملٍ جرحُ لأسباب مجملةٍ التي ذكرناها سابقاً ولم يصرح بتدليسه ولم يقل بهِ وهو من الأئمةِ الذين كانوا يتعاملون مع التدليس تعاملاً شديداً وروى عنهُ كذلك .
    (5) حديثهُ عن عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو وأم المؤمنين من قبيل المرسل إذ ثبت أنهُ قد رآى إبن عباسٍ - رضي الله عنهم - وحدث عنهُ إلا أن روايته عنهُ بواسطةِ رجلٍ أو رجلين ، كذلك فقد حدث عن عبد الله بن عمرو بواسطة وعن أم المؤمنين بواسطة عروة بن الزبير وهذه قرينةٌ على أن سماعهُ منهم لا يصح وهو من قبيل المرسل .
    (6) مِنْ مظآن المراسيل الجامع للعلائي والتحفة للعراقي والمراسيل لابن أبي حاتم وإنهم لا يذكرونُ فيه من وصف بالتدليس إلا ويكون المراد به الإرسال الخفي وهذا ذكرهُ العلائي في مقدمة كتابه النفيس جامع التحصيل فقد عمد إلي ذكر من وصف بالإرسال أو أكثر منهُ ومن وقع بالإرسال الخفي في كتابه الجامع وممن ذكرهم أبي الزبير المكي .
    (7) أحاديث أبي الزبير عن جابر من صحيفتهِ على فرض التسليم بالتدليس من طريق سليمان اليشكري وهو ثقة فإن علمنا من الواسطة الساقطة وكان ثقةً فالانقطاع هنا من قبيل الانقطاع المقبول لا المردود لأننا علمنا الواسطة فطالما علمنا الواسطة انتفت الواقعة وهي التدليس .
    (8) لا يشترط فيمن وصف بالشهرة بالتدليس أن يكون مكثراً .
    (9) من وصف بالتدليس لابد أن ينظر الباحث إلي نوع التدليس الذي وصف بهِ فإذا عرف نظر من بعدها ما إن كان مكثرا أو مقلاً فإن كان مكثراً فإنه يعامل معاملةً تختلف تماما عن المقل .
    (10) ثبت لدي بعد القرائن المطروحة والأخبار المرفوعة والدلائل البينة والبراهين الساطعة أن أبي الزبير المكي بريء من التدليس الموصوف به وأنهُ أرفع منزلة من أصحاب الطبقة الأولى والثانية فلا يثبت عليه ذلك وهو الصواب الذي خلصنا إليه . والله تعالى أعلى وأعلم .

    وصلي اللهم وسلم على الحبيب المصطفى وعلى آله وصحبه وأمهات المؤمنين أفضل الصلاة وأتم التسليم فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان .

    كتبه العبد الفقير كثير الخطأ /
    أبو الزهراء بن أحمد آل أبو عودة الغزي الأثري
    - غفر الله له ولأمه ورحم أباه -
    في السادس من رمضان لعام 1434 هـ
    حامداً الله تعالى ومصلياً لهُ ومصلياً على الحبيب محمدٍ المصطفى
    صلوات ربي وسلامهُ عليهِ مادامت الشمس تجري لمستقرٍ لها ..


  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي رد: الايضاح والتبيين بأن أبي الزبير ليس من المدلسين

    نفع الله بك أخانا أبا زرعة ، إليك هذا الرابط فهو يرتبط بالموضوع تدليس أبي الزبير المكي/ لشيخنا عبد القادر المحمدي

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,372

    افتراضي رد: الايضاح والتبيين بأن أبي الزبير ليس من المدلسين

    نفع الله بكم أبا زرعة وبارك في مجهوداتكم
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: الايضاح والتبيين بأن أبي الزبير ليس من المدلسين

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو مالك المديني مشاهدة المشاركة
    نفع الله بك أخ أبا زرعة ، إليك هذا الرابط فهو يرتبط بالموضوع http://majles.alukah.net/showthread....85%D8%AF%D9%8A
    الأخ الحبيب الفاضل / أبو مالك المديني - وفقه الله - .
    قد اطلعت على الدراسة الطيبة وكانت نافعةً جداً وتعليقكم كذلك فجزاك الله تعالى كل خيرٍ وأحسن إليك .

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي رد: الايضاح والتبيين بأن أبي الزبير ليس من المدلسين

    جزاك الله خيرا أخي الحبيب أبا زرعة على طيب أخلاقك ، وحُسن موضوعاتك .

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: الايضاح والتبيين بأن أبي الزبير ليس من المدلسين

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد طه شعبان مشاهدة المشاركة
    نفع الله بكم أبا زرعة وبارك في مجهوداتكم

    الأخ الحبيب المبارك / محمد طه شعبان - وفقك الله -
    .
    ولكم بالمثل وأحسن مِنهُ و أرفع ، عاملنا الله تعالى وإياكم بلطفه وغفر لنا ولكم .

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: الايضاح والتبيين بأن أبي الزبير ليس من المدلسين

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو مالك المديني مشاهدة المشاركة
    جزاك الله خيرا أخي الحبيب أبا زرعة على طيب أخلاقك ، وحُسن موضوعاتك .
    الأخ الحبيب الغالي اللبيب المبارك / أبو مالك المديني - نفعنا الله بك - .
    جزاك الله الخير الوافر وأحسن إليك وعلمنا وإياكم العلم النافع وجعلنا من أهل الحديث ، فطيب أخلاقكم يطغى علينا فنقتبس منهُ في حديثنا وحواراتي النافعة معك فأنت من الأخوة الذين أجلهم وأقدرهم فرحمك الله وإياي برحمته .

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: الايضاح والتبيين بأن أبي الزبير ليس من المدلسين

    للفائدة ...

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: الايضاح والتبيين بأن أبي الزبير ليس من المدلسين

    للفائدة ...

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: الايضاح والتبيين بأن أبي الزبير ليس من المدلسين

    للفائدة ...

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: الايضاح والتبيين بأن أبي الزبير ليس من المدلسين

    للفائدة إن شاء الله ...

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •