قال الشيخ الامام محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله فى شرح كشف الشبهات
وَلَهُم (شُبْهَةٌ أُخْرَى: يَقُولُونَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْكَرَ عَلَى أُسَامَةَ قَتْلَ مَن قَالَ (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) وَقَالَ: ((أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ)) وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ)) وَأَحَادِيثُ أُخْرَى في الكَفِّ عَمَّنْ قَالَهَا).ومراد هؤلاء الجهلة مِن إِيرَادِ هذه الأَحَادِيثِ والتَّشْبِيهِ بِهَا (أَنَّ مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ لاَ يَكْفُرُ وَلاَ يُقْتَلُ وَلَوْ فَعَلََ مَا فَعَلَ!) يَعْنِي: أَنَّ النُّطْقَ بِهَا كَافٍ في إِسْلاَمِ العَبْدِ. ومُرَادُهُم أَنَّكُم مَعْشَرَ المُوَحِّدِينَ تُكَفِّرُونَ مَنْ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ…. إلخ، وَهَذَا مِن عَظِيمِ جَهْلِهِم وعَمَايَتِهِم؛ يَرَوْنَ أَنَّ الدِّينَ رُسُومٌ فَقَطْ، مَا دَرَوْا أَنَّ لَهَا أَرْوَاحًا ومَعَانِيَ؛ لَهَا مَعْانٍ هي المُرَادَةُ، الأَلْفَاظُ قَوَالِبُ جُثَّةٍ والمَعَانِي رُوحٌ، ويَأْتِيكَ كَشْفُهَا وَمُرَادُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن هَذِه الأَحَادِيثِ وَأَنَّهُ لاَ كَمَا ظَنُّوا وزَعَمُوا.

(فَيُقَالُ لِهَؤُلاَءِ المُشْرِكِينَ الجُهَّالِ) في الجَوَابِ عن ذَلِكَ: (مَعْلُومٌ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلَ اليَهُودَ) في عِدَّةِ مَوَاطِنَ (وَسَبَاهُم) أَخَذَ نِسَاءَهُم مَمَاليِكَ وَعَبِيدًا كالصَّنِيعِ بِسَائِرِ الكُفَّارِ (وهم يَقُولُونَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) فَلاَ مَنَعَ قَوْلُ (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) مِن قِتَالِهِم وسَبْيِهِم، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِ (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) لاَ يَمْنَعُ مِن التَّكْفِيرِ، بل يَقُولُها نَاسٌ كَثِيرٌ ويَكُونُونَ كُفَّارًا: إِمَّا لِعَدَمِ العِلْمِ بِهَا، أو وُجُودِ مَا يُنَافِيهَا، فَلاَبُدَّ مَعَ النُّطْقِ بِهَا مِن أَشْيَاءَ أُخَرَ؛ أَكْبَرُهَا مَعْرِفَةُ مَعْنَاهَا والعَمَلُ بِهِ.(وَأَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلُوا بَنِي حَنِيفَةَ وهم يَشْهَدُونَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ويُصَلُّونَ ويَدَّعُونَ الإِسْلاَمَ) وَمَعَ ذَلِكَ قَاتَلُوهُم، وَسَبَوْا حَرِيمَهُم وذَرَارِيَّهُم، مَعَ قَوْلِهِم لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ … إلخ، لأَِجْلِ مُكَفِّرَاتٍ أُخَرَ.(وَكَذَلِكَ الَّذِينَ حَرَّقَهُم عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ) مَعَ صَلاَتِهِم وادِّعَائِهِمُ الإِسْلاَمَ، وَهُمْ مِن أَصْحَابِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَلَكِنْ وَقَعَ مِنْهُم الغُلُوُّ في عَلِيٍّ وتَجَاوَزُا الحَدَّ في تَعْظِيمِهِ حَتَّى ادَّعَوْا فيه الإِلَهِيَّةَ؛ فَإِنَّه لَيْسَ المُرَادُ اللَّفْظَ، بَلِ اللَّفْظُ وإِقْرَارٌ وَعَمَلٌ؛ فَإِنْ حَصَلَ فهو مَعَهُ (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) وإِلاَّ فَإِنَّهُ مَا جَاءَ إِلاَّ بِلَفْظِهَا فَقَطْ؛ ورُوحُهَا وحَقِيقَتُهَا مَفْقُودٌ.
فَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ يَنْقُضُهَا أَشْيَاءُ لَيْسَتْ هي مِن ذَاتِهَا؛ مِمَّا يَنْفِي (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) مَسَبَّةُ الرَّسُولِ، وَرَمْيُ أَزْوَاجِهِ بالإِفْكِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَنْقُضُ هَذِه الكَلِمَةَ العَظِيمَةَ فَكَيْفَ بِنَفْيِهَا نَفْسِهَا مِن عِبَادَةِ غَيْرِ اللهِ وَجَعْلِ الأَوْثَانِ قِبْلَةَ قَلْبِ صَاحِبِهَا؟! بل هَذَا أَسْوَأُ حَالاً مِمَّنْ يَمْتَنِعُ عن النُّطْقِ بِهَا؛ لأَِنَّهُ يُؤْخَذُ بِأَنَّهُ دَخَلَ الإِسْلاَمَ، ثُمَّ مَا يُوجَدُ منه يُفِيدُ أَنَّهُ انْتَكَسَ عَمَّا تُسَمَّى بِهِ؛ فَيَكُونُ مُرْتَدًّا، والمُرْتَدُّ أَعْظَمُ حُكْمًا مِن الكَافِرِ الأَصْلِيِّ: مِنْهَا أَنَّ مَالَهُ فَيْءٌ؛ إلى آخَرِ أَحْكَامِ المُرْتَدِّينَ؛ بِخِلاَفِ اليَهُودِيِّ والنَّصْرَانِيّ ِ والمَجُوسِيِّ فَإِنَّهُم يَتَوارَثُونَ بَيْنَهُم.
هَذَا مِن تَغْلِيظِ كُفْرِهِ؛ لأَِنَّهُ عَرَفَ ثُمَّ أَنْكَرَ وأَبْصَرَ ثُمَّ عَمِيَ، فَصَارَ أَغْلَظَ مِمَّن لَمْ يُقِرَّ أَصْلاً.

(وهَؤُلاَءِ الجَهَلَةُ) المُشْرِكُونَ (مُقِرُّونَ أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ البَعْثَ كَفَرَ وَقُتِلَ وَلَوْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) وَلَمْ تَنْفَعْهُ الشَّهَادَتَانِ (و) هُمْ مُقِرُّونَ أَيْضًا (أَنَّ مَنْ جَحَدَ شَيْئًا مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلاَمِ) كَوُجُوبِ الصَّلاَةِ أو وُجُوبِ الصِّيامِ (كَفَرَ وَقُتِلَ وَلَوْ قَالَهَا، فَكَيْفَ لاَ تَنْفَعُهُ إِذَا جَحَدَ شَيْئًا مِن الفُرُوعِ وتَنْفَعُهُ إِذَا جَحَدَ التَّوْحِيدَ الَّذِي هو أَصْلُ دِينِ الرُّسُلِ ورَأْسُهُ؟!).

(وَلَكِنَّ أَعْدَاءَ اللهِ مَا فَهِمُوا مَعْنَى الأَحَادِيثِ) وَلاَ حَامُوا حَوْلَهَا وعَشَا عَلَى أَبْصَارِهِم التَّقْلِيدُ الأَعْمَى والجُمُودُ وَإِحْسَانُ الظَّنِّ بأُنَاسٍ أَعْرَضُوا كُلَّ الإِعْرَاضِ عن التَّوْحِيدِ، وقَلَّدُوا مَن ظَنَّ أَنَّ قَوْلَ: (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) في هَذِه الأَحَادِيثِ كَافٍ مَعَ الجَهْلِ بِمَدْلُولِ (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ).

والإِنْسَانُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُطَالِعَ في كَلاَمِ الفُقَهَاءِ فَإِنَّهُ يَجِدُ أَنَّ الإِنْسَانَ إِذَا أَتَى بِمُكَفِّرٍ قَوْلِيٍّ أو اعْتِقَادِيٍّ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ وَلاَ يَنْفَعُه جَمِيعُ مَا تَسَمَّى بِهِ وعَمِلَهُ.والمُشْرِكُونَ في هَذِه الأَزْمَانِ زَعَمُوا أَنَّه لاَ يَكْفُرُ إِلاَّ مَن تَعَلَّقَ عَلَيْهَا وَزَعَمَ أَنَّهَا تَسْتَقِلُّ بِجَلْبِ المَنَافِعِ ودَفْعِ المَضَارِّ، وهَذَا مِن كَبِيرِ جَهْلِهِم، وَهَذَا بِعَيْنِه دَينُ المُشْرِكِينَ الَّذِينَ مَا أُنْزِلَتْ جَمْيعُ الكُتُبِ ولاَ أُرْسِلَت الرُّسُلُ إِلاَّ لِرَدِّهِ وإِبْطَالِهِ؛ فَإِنَّ المُشْرِكِينَ الأَوَّلِينَ قَلَّ مِنْهُم مَن يَزْعُمُ أَنَّ مَن يَلْجَأْ إِلَيْهِ يَسْتَقِلَّ بِجَلْبِ المَنَافِعِ ودَفْعِ المَضَارِّ.

(فَأَمَّا حَدِيثُ أُسَامَةَ) يَعْنِي: وَقِصَّتُهُ حِينَ قَتَلَ الرَّجُلَ الَّذِي قَالَ: (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) (فَإِنَّهُ قَتَلَ رَجُلاً ادَّعَى الإِسْلاَمَ بِسَبَبِ أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ مَا ادَّعَاهُ إِلاَّ خَوْفًا عَلَى دَمِهِ ومَالِهِ، والرَّجُلُ إِذَا أَظْهَرَ الإِسْلاَمَ وَجَبَ الكَفُّ عَنْهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ مِنْهُ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ) يَعْنِي: والحُكْمُ الشَّرْعِيُّ أَنَّهُ لاَ يُقْتَلُ وَيَجِبُ الكَفُّ عَنْهُ مَا دَامَ في حَالَةٍ يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ صَادِقًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَاذِبًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ مِنْهُ ما يُخَالِفُ ذَلِكَ (وَأَنْزَلَ اللهُ في ذَلِكَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُواْ} أي: فَتَثَبَّتُوا، فَالآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الكَفُّ عَنْهُ والتَّثَبُّتُ) وهو التَّأَنِّي والنَّظَرُ إِلَى مَا يَصِيرُ إِلَيْهِ آخِرَ الأَمْرِ (فَإِنْ تَبَيَّنَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ ما يُخَالِفُ الإِسْلاَمَ قُتِلَ لِقَوْلِهِ: {فَتَبَيَّنُواْ} وَلَوْ كَانَ لاَ يُقْتَلُ إِذَا قَالَهَا لَمْ يَكُنْ للتَّثَبُّتِ مَعْنًى) وَلَيْسَ المُرَادُ أَنَّهُ يُكَفُّ عنه مُطْلَقًا. النَّاطِقُ بالإِسْلاَمِ إن قَامَتِ القَرَائِنُ أَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ ليَسْلَمَ مِن القَتْلِ فَإِنَّها تَدُومُ عِصْمَتُهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ مِنْهُ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ، فَإِنْ تَبَيَّنَ مِنْهُ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ قُتِلَ.

(وَكَذَلِكَ الحَديثُ الآخَرُ) ((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ)) (وَأَمْثَالُهُ مَعْنَاهُ مَا ذَكَرْنَاهُ) ما ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ (أَنَّ مَنْ أَظْهَرَ الإِسْلاَمَ والتَّوْحِيدَ وَجَبَ الكَفُّ عَنْهُ) سَوَاءٌ احْتَمَلَ الحَالُ أَنَّهُ مُتَعَوِّذٌ حَقًّا أو يَحْتَمِلُ أَنَّهُ صَادِقٌ (إِلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ مِنْهُ مَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ) فَإِنْ تَبَيَّنَ مِنْهُ مَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُقَاتَلُ شَرْعًا حَتَّى يَدِينَ بالإِسْلاَمِ.فَصَارَ الَّذِي لاَ يَقُولُ: (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) أَصْلاً يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ: (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) وَإِذَا قَالَهَا وهو قَبْلُ يَقُولُهَا وهو على ما هو عَلَيْهِ مِن عِبَادَةِ غَيْرِ اللهِ فَإِنَّهُ مَا غَيَّرَ شَيْئًا، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنَا عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ قَبْلُ، وهو قَوْلُ: (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) فَيُقَالُ لَهُ: أَنْتَ تُقَاتَلُ قَبْلُ وَأَنْتَ تَقُولُ (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) فهو مَا خَلَعَ ولَبِسَ، بل هو عَلَى مَا هو عَلَيْهِ، وَأَهْلُ الكِتَابِ أَيْضًا حَتَّى لَوْ قَالُوا: (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) فَإِنَّهُم مَا غَيَّرُوا شَيْئًا.فَصَارَ هنا ثَلاَثُ صُوَرٍ:

الأُولَى: أَنْ يُعْرَفَ أَنَّهُ حِينَمَا نَطَقَ بِهَا عَمِلَ بِهَا فَهَذَا لاَ يُقْتَلُ.
الثَّانِيَةُ: أَنْ يُشَكَّ فِي حَالِهِ، وَلَوْ يُظَنُّ أَنَّهُ مُتَعَوِّذٌ فَقَطْ، فَهَذَا أَيْضًا لاَ يُقْتَلُ.
الثَّالِثَةُ: أَنْ يَقُولَها وَلَكِنْ يَنْقُضُهَا، فَهَذَا يُقْتَلُ لقَوْلِهِ: {فَتَبَيَّنُواْ} لأَِنَّهُ تَبَيَّنَ مِنْهُ مَا يُخَالِفُ الإِسْلاَمَ، فَحَلَّ دَمُه ومَالُه. وكَذَلِكَ إِذَا كَانَ مِن قَبْلُ يَقُولُهَا ولاَ يَعْمَلُ بِهَا ومُتَكَرِّرٌ منه ذلك فَلاَ حُكْمَ لَهَا.

(والدَّلِيلُ عَلَى هَذَا) عَلَى أَنَّ هَذَا هو مُرَادُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قَالَ: ((أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ)) وَقَالَ: ((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللُه)) هو الَّذِي قَالَ في الخَوَارِجِ: ((أَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ. لَئِنْ أَدْرَكْتُهُم لأُقَتِّلَنَّهُ مْ قَتْلَ عَادٍ)) مَعَ كَوْنِهِم مِن أَكْثَرِ النَّاسِ عِبَادَةً وتَهِليلاً حَتَّى إِنَّ الصَّحَابَةَ يَحْقِرُونَ صَلاَتَهُم عِنْدَهُم، وَهُمْ تَعَلَّمُوا العِلْمَ مِن الصَّحَابَةِ) فالخَوَارِجُ يَقُولُونَ: (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) ويَزِيدُونَ عَلَى قَوْلِ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ (فَلَمْ تَنْفَعْهُم لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَلاَ كَثْرَةُ العِبَادَةِ ولاَ ادِّعَاءُ الإِسْلاَمِ لَمَّا ظَهَرَ مِنْهُم مُخَالَفَةُ الشَّرِيعَةِ).
فَتَبَيَّنَ أَنَّ مُرَادَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: ((أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ))؟ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَن قَالَ (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) لاَ يَكْفُرُ ولاَ يُقْتَلُ، فَقَوْلُهُم: إِنَّ مَن قَالَ: (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) لاَ يَكْفُرُ ولاَ يُقْتَلُ وَلَوْ فَعَلَ مَا فَعَلَ، مِن عَظِيمِ جَهْلِهِم؛ فَكُلُّ إِنْسَانٍ يَنْظُرُ في نُصُوصِ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ مَوْجُودٌ كَثِيرٌ مِمَّنْ يُقْتَلُ وهو يَقُولُ: (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) وَمَنْ قَالَ خِلاَفَ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِن أَهْلِ العِلْمِ بِوَجْهٍ.

(وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِن قِتَالِ اليَهُودِ وقِتَالِ الصَّحَابَةِ بَنِي حَنِيفَةَ) فَلَوْ أَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِ (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) يَعْصِمُ الدَّمَ والمَالَ لَمَا قَاتَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَاتَلَ الصَّحَابَةُ بَنِي حَنِيفَةَ.فَلَيْسَ مُرَادُه مِن: ((أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ؟)) وَقَوْلِهِ: ((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ)) وَأَحَادِيثَ أُخَرَ في الكَفِّ عَمَّنْ قَالَهَا كَمَا اسْتَدَلُّوا بِهِ هُنَا؛ بل مُرَادُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ مَنْ كَانَ قَبْلُ عَلَى الكُفْرِ، ثُمَّ أَسْلَمَ فَإِنَّهُ يُكَفُّ عنه كَفَّ انْتِظَارٍ، وَلَوْ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ.فالحُكْمُ الشَّرْعِيُّ أَنَّه يُكَفُّ عنه ويُنْتَظَرُ؛ إِنِ اسْتَقَامَ عَلَى الإِسْلاَمِ اسْتَمَرَّ بِهِ وإِلاَّ قُتِلَ قَتْلاً أَشَدَّ مِن الأَوَّلِ وأَسْوَأَ حَالاً وَأَحْكَامًا مِن الأَصْلِيِّ كَمَا عُلِمَ مِن الكِتَابِ والسُّنَّةِ وإِجْمَاعِ الأُمَّةِ.

(وَكَذَلِكَ أَرَادَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَغْزُوَ بَنِي المُصْطَلِقِ) وأَمَرَ بالغَزْوِ (لَمَّا أَخْبَرَهُ رَجُلٌ أَنَّهُم مَنَعُوا الزَّكَاةَ حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنواْ إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُواْ أَن تُصِيبُواْ قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} وَكَانَ الرَّجُلُ كَاذِبًا عَلَيْهِم، وكُلُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الأَحَادِيثِ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا مَا ذَكَرْنَاهُ)، وَكَذَلِكَ الأَمْرُ بِقَتْلِ الخَوَارِجِ.فَتَبَيَّنَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ قَوْلَ (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) لاَ يَكْفِي في عِصْمَةِ الدَّمِ والمَالِ، بَلْ إِذَا تَبَيَّنَ مِنْهُ ما يُنَاقِضُ الإِسْلاَمَ قُتِلَ، وَلَوْ قَالَ: (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ).