كره الحنابلة تسريح شعر الميت؛ واستدلوا على ذلك بأثر ونظر.
أما الأثر: فقد رُوِي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا رَأَتْ قَوْمًا يُسَرِّحُونَ رَأْسَ مَيِّتِهِمْ، فَقَالَتْ: «عَلَامَ تُنْصُونَ مَيِّتَكُمْ؟»([1]).
وفي لفظ: أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها، رَأَتِ امْرَأَةً يَكُدُّونَ رَأْسَهَا، فَقَالَتْ: «عَلَامَ تُنْصُونَ مَيِّتَكُمْ؟»([2]).
قَالَ أَبُو عبيد رحمه الله: ((تُنصُونَ: مَأْخُوذ مِنَ الناصية: يُقَال: نَصوت الرجل أنصُوه نَصْوًا إِذا مَدَدْتَ ناصيتَه؛ فَأَرَادَتْ عَائِشَةُ أَنَّ الْمَيِّت لَا يحْتَاج إِلَى تَسْرِيح الرَّأْس، وَذَلِكَ بِمَنْزِلَة الْأَخْذ بالناصية))([3]).
قلت: وهذا الأثر ضعيف بلفظيه؛ للانقطاع بين إبراهيم النخْعي وعائشة رضي الله عنها.
وأما النظر: فَلِمَا في التسريح من تقطيع الشعر من غير حاجة إليه.
قلت: وهذا النظر مخالف لحديث أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّهُنَّ جَعَلْنَ رَأْسَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاَثَةَ قُرُونٍ؛ نَقَضْنَهُ، ثُمَّ غَسَلْنَهُ، ثُمَّ جَعَلْنَهُ ثَلاَثَةَ قُرُونٍ([4]).
وفي لفظ: مَشَطْنَاهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ([5]).
قال أحمد رحمه الله: إنمَا ضَفَرْنَ. وَأَنْكَرَ المشطَ([6]).
قلت: ولكن ظاهر النص يدل عليه. والله أعلم.
[1])) أخرجه أبو يوسف في ((الآثار)) (382)، ومحمد بن الحسن في ((الآثار)) (227)، عن أبي حنيفة، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم النخعي عن عائشة رضي الله عنها به، قال الحافظ ابن حجر في ((الدراية في تخريج أحاديث الهداية)) (1/ 230): ((وهو منقطع بين إبراهيم وعائشة)).
[2])) أخرجه عبد الرزاق في ((المصنف)) (6232)، عن الثوري، عن حماد، عن إبراهيم عن عائشة رضي الله عنها.
[3])) ((غريب الحديث)) (4/ 314).
[4])) متفق عليه: أخرجه البخاري (1260)، ومسلم (939).
[5])) البخاري (1254)، ومسلم (939).
[6])) ((المغني)) (2/ 352).