وسائل الإعلام وأثرها على الأطفال
قبل البدء أذكر قصة استمعت إليها في إحدى الندوات التي تحدثت عن تأثير وسائل الأعلام على الأطفال، وهي قصة لطفلة صغيرة طلبت من والدها كتابا معيناً وأوصته بشرائه، فمر اليوم الأول والثاني والثالث وهي تكرر عليه الطلب ولم يحضر الكتاب المطلوب، فانزعجت من ذلك وضاق صدرها، فما كان منها إلا أن قالت لوالدها: طلّقني!!
وفي نظري أن هذه القصة لا تحتاج إلى تعليق لبيان مدى تأثير وسائل الإعلام على الأطفال بحيث امتد هذا التأثر إلى مختلف ما يعرض من مسلسلات وأفلام وغيرها، ومن الطريف أن يتأثر الكبار بأفلام الصغار!! فقد نشرت جريدة الرياض تحقيقاً حول هذا الموضوع في عددها الصادر يوم الجمعة5/2/1428هـ الموافق 23/2/2007م، برقم (14123)، وكان عنوان التحقيق: "شباب ينافسون الصغار على متابعة أفلام الكرتون"! ونقل معد التحقيق مقابلات عدة من بعض المصادر الإعلامية، وليس هذا موضع ذكر ما جاء في هذا التحقيق؛ لخروجه عن موضوع هذه المقالة، وبالإمكان مراجعته في مصادره التي نشرته.
ومن البحوث المهمة ما نشرته كلية التربية بجامعة الملك سعود ضمن سلسلة المحاضرات التربوية الأولى بعنوان: "نحو تربية أفضل لأطفالنا" والتي أقيمت بالتعاون مع مركز الأمير سلمان الاجتماعي في الفترة 3-4/1/1425 هـ الموافق 23-24 فبراير 2004م. وهذه البحوث تم نشرها في حينه في كتاب يقع في (123) صفحة من الحجم المتوسط.
وقد تضمنت هذه الندوة ست محاضرات أذكر منها ماله صلة بموضوع وسائل الإعلام وأثرها:
1- محاضرة لسعادة الدكتور/ إبراهيم بن حماد الريس الأستاذ المشارك بكلية التربية/ قسم الثقافة الإسلامية/ وكان عنوانها: "أثر وسائل الإعلام في تربية الطفل".
2- ومحاضرة لسعادة الدكتور/ خالد بن عبد الله القاسم الأستاذ المشارك بكلية التربية/ قسم الثقافة الإسلامية/ وكان عنوانها: "التربية الوقائية: مفهومها وأثرها".
وسأحاول في هذه العجالة استعراض مجمل ما جاء في هاتين المحاضرتين.
وسأبدأ في هذه المقالة بذكر ملخّص لمحاضرة سعادة الدكتور إبراهيم الريس حيث صدّرها بهذا التساؤل: لماذا نتحدث عن وسائل الإعلام؟ ولماذا خصص الحديث حول الطفل بالذات؟ وما ذا يعني بمفهوم الإعلام؟ ثم أجاب عن ذلك ذاكرا التأثير السريع لوسائل الإعلام، ولصفاء ذهن الطفل وسرعة تأثره، ثم أشار إلى دراسات علمية تؤكد انكماش دور كثير من الأسر في التربية وتراجعها ليقوم التلفاز بالدور؛ إذ يتجاوز ما يشاهده الطفل – أحياناً – من برامج تلفازية الساعات التي يقضيها بين يدي ألمعلم أو في رفقة الأبوين!
ثم سرد بعض الدراسات العلمية وما ورد فيها من إحصائيات حول هذه الجزئية، ثم تحدث بعد ذلك عن ثلاثة محاور رئيسة، وهي:
1- الجانب الإيجابي في الوسائل الإعلامية (تجاه تربية الطفل).
2- الجانب السلبي في الوسائل الإعلامية (تجاه تربية الطفل).
3- توصيات وتنبيهات.
وتضمن المحور الأول عددا من الإيجابيات منها:
* أن الإعلام المرئي يجمع بين الدور التثقيفي والتربوي والترفيهي.
* مخاطبة حاستي السمع والبصر عند المتلقي مما له أثر فاعل في جذب الانتباه، وهذا الأسلوب يعد من أهم الوسائل التعليمية المتميزة.
* قدرته على إشباع الاحتياجات الإنسانية لمرحلة الطفولة وبخاصة حاجات النمو العقلي مثل: الحاجة إلى البحث والحاجة إلى حب المعرفة وحب الاستطلاع، وغيرها.
* تنمية خيال الطفل وتغذية قدراته.
* ثم ذكر المحور الثاني، وهو الجانب السلبي وهو الجانب الغالب على كثير من البرامج التلفازية، وتم التركيز في هذا المحور على أبرز الآثار التي تنتجها البرامج المتلفزة للأطفال وخاصة برامج الرسوم المتحركة؛ لأنها أكثر برامج الأطفال شيوعا وأقلها تكلفة وأيسرها إعدادا وإخراجا خاصة مع وجود البرامج الحاسوبية التي تستطيع القيام بأداء جهود أسطول كامل من العاملين فتنخفض بذلك التكلفة ويتيسر الإخراج.
ومن أظهر أسباب خطورة برامج الأطفال في العالم العربي اليوم اعتمادها على المضمون الأجنبي بقيمه ومفاهيمه وعاداته وسلوكياته.
ومن التأثيرات السلبية:
• أولاً: التأثير العقدي من خلال تقديم مفاهيم عقدية أو فكرية مخالفة للإسلام، ومن ذلك: زعزعة عقيدة الطفل في الله سبحانه وتعالى، واشتمالها على بعض العبارات القادحة في العقيدة؛ كالتذمر من القدر والاعتراض على تدبير الله، والتمجيد للسحر، وغير ذلك.
• ثانياً: التأثير الأخلاقي
• ثالثاً: التأثير الأمني، ويتمثل في صورتين:
أ- ما تبنيه هذه البرامج من سلوك يدعوا للعنف والجريمة والاستخفاف بالحقوق والدماء.
ب- زعزعة روح انتماء وولاء الطفل لأمته بحيث يرتبط فكره وسلوكه وحبه وولاءه ونصرته لما تبنيه وترسخه هذه البرامج من قيم وثقافات مناقضة لثقافة أمته.
والرسوم المتحركة في أكثر الأحيان تروّج للعبثية وغياب الهدف من وراء الحركة والسلوك، والسعي للوصول للنصر والغلبة في خضم حمى السباق والمنافسة بكل طريق، فالغاية تبرر الوسيلة!! كما تعمل على تحريف القدوة؛ وذلك بإحلال الأبطال الأسطوريين والخرافيين بدل الأئمة المصلحين والقادة الفاتحين، وعلى سبيل المثال تجد الرجل الخارق Super man، والرجل الوطواط Bat man، والرجل العنكبوت Spider man، وغيرهم من الشخصيات الوهمية التي لا وجود لها بحيث تضيع القدوة في خضم القوة الخيالية المجردة من أي بعد إيماني.
• رابعاً: التأثير الاقتصادي الاستهلاكي.
وذلك بما تعرضه قنوات التلفزة أثناء تقديمها لبرامجها من الدعايات والإعلانات المبهرة لمختلف المنتجات، فيتأثر الأطفال بها بل يحفظوا ألفاظها، وتكون لديهم رغبة ملحّة في اقتناء تلك المنتجات بصرف النظر عن قيمتها المالية والغذائية!! وقد يوافقهم الآباء على ذلك تحت الإلحاح والإصرار.
• خامساً: التأثير الجسمي (البدني):
ويظهر ذلك في التأثير على بناء شخصية الطفل وعلى صحته، وجاء في التقرير الذي نشرته مجلة اليونسكو عن نتائج الاستطلاع الياباني المتعلق بتأثير وسائل الإعلام على الطفل: ((إن فيض المعلومات التي تقدمها وسائل الإعلام يعطّل تطور القدرات التأمليّة الخلاّقة لدى الأطفال)).
وأما المحاضرة الثانية فهي لسعادة الدكتور/ خالد بن عبد الله القاسم بعنوان: (التربية الوقائية، مفهومها، وأثرها).
ولا شك أن لهذه الوسائل فوائد متنوعة أكثر من أن تحصر، لا سيما في مجال المعلومات والترفيه، إلا أن تلك الفوائد ليست خالصة، بل يشوبها كثير من المضار خاصة على المراهقين والأطفال إذا ما علمنا أن مصادر ما يبث من معلومات وبرامج تأتي في الأغلب من بيئات مختلفة عنا ثقافة وقيماً وديناً، وهذا يحملنا جميعاً مسئولية كبيرة تجاه أطفالنا ابتداءً من الأسرة ممثلة بالوالدين، ومروراً بالعلماء والتربويين، وانتهاء بالحكومات ممثلة في مؤسساتها المختلفة من وزارات الإعلام والتربية والشؤون الإسلامية والثقافة والشباب.
وأيضاً فإن الغفلة عن تأثير الفضائيات المختلفة وما يستوجبه هذا التأثير من مخاطر تربوية اعتماداً على قوة العقيدة وفطريتها؛ ليس من دأب التربويين العقلاء الحريصين على حفظ الأبناء من أي انحراف كما أنه مخالف للواقع، وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك بقوله: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه).
فقوة العقيدة وفطريتها لا يعني عدم قابليتها للتغيير.
والتربية الوقائية في ظل كثرة المؤثرات ضرورة ملحة لجميع المؤسسات التربوية من مدرسة ومسجد ومعهد، ونخص بالذكر الأسرة التي هي أقدم مؤسسة تربوية، كما أن دورها يبدأ قبل دور أي مؤسسة تربوية أخرى".
ثم تحدّث سعادة الدكتور خالد عن آثار القنوات الفضائية على الأطفال ذاكراً أن دراسات عدّة متنوعة ذكرت أن أطفال ما قبل المدرسة يقضون ما بين ثلث إلى نصف أوقاتهم في مشاهدته؛ فإذا دخلوا المدرسة تكون المدة التي يقضونها في مشاهدته مساوية تقريباً للمدة التي يقضونها على مقاعد الدراسة، كما أنه يستحوذ على وقت طويل من إجازتهم؛ ففي دراسة لمجلة المعرفة التابعة لوزارة المعارف بالسعودية حول قضاء الطلاب للإجازة الصيفية تبين أن 30% من الطلاب يضعون الأولوية لمشاهدة التلفزيون و11% للقراءة[1].
كما تؤكد تلك الدراسات أن برامج التلفزيون لها دور بارز في ثقافة الطفل والتأثير على قدراته واتجاهاته[2].
ومن أهم آثار التلفزيون:
1- التلفزيون وإفساد القيم:
تنبهت منظمة اليونسكو إلى أن محطات التلفزة العربية تستورد نصف ما تبثه من المصادر الغربية[3]، ومن ذلك:
أ- عرض مظاهر الكفر؛ حيث يألف الأطفال كثيراً من تلك المظاهر.
ب- استضافة السحرة والكهان كما تفعله بعض الفضائيات وفي هذا خطر بالغ على المراهقين.
ج- الدعاية لبعض البدع التي يعملها بعض المسلمين لا سيما بدع التصوف من الموالد والتبرك بالقبور، وغير ذلك.
د- التشبه بالكفار حيث إن كثرة متابعة الأفلام المنتجة في الغرب تجعل الطفل يعجب بشخصيات الأفلام أو طرق حياتهم، وهذا بطبيعته يجعله يسعى للتقليد. ومن المعلوم نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبه بالكفار[4].
ويوجد في أفلام الكرتون العديد من القيم المخالفة، وربما صورت عرشاً يعتليه ملك فوق السماء يأمر وينهى، أو ملائكة، ونحو ذلك.
كما أن مشكلة إفساد أفلام الكرتون للقيم والتأثير على عقول الأطفال لا يقتصر على العرب والمسلمين؛ بل سعت دول آسيوية أخرى تعاني بدورها من نفس المشكلة؛ فقد حذر خبير فنون كوري هو البروفيسور هان أستاذ قسم الرسوم المتحركة بجامعة سيجونغ بكوريا الجنوبية من هذه الرسوم واللعب لا سيما التي تنتجها (والت ديزني) الأمريكية؛ حيث قال: "إنها تمجد قيم الحضارة الأمريكية، كما حذر من الرسوم المتحركة اليابانية المعقدة التي تضع نظرة تشاؤمية للمستقبل وتنشر الخرافات، ودعا هان إلى ضرورة اعتماد شخصيات وقصص كرتونية وطنية تعبر عن الذات الدينية والحضارية والثقافية"[5].
2- التلفزيون والثقافة:
الأول: أن كثيراً من البرامج الثقافية مملة وغير ممتعة، أو جذابة مقارنة بالبرامج الأخرى مما يجعلها لا تلاقي إقبالاً من الجمهور.
الثاني: أن كثيراً من الناس لا يحرص على تلك البرامج انطلاقاً من عدم حرصه على الثقافة.
الثالث: أن البرامج الثقافية قليلة في التلفزيون مقارنة بالبرامج الأخرى.
الرابع: أن أكثر البرامج الثقافية في أوقات غير مناسبة، حيث تحتل البرامج الأخرى في الغالب الأوقات الممتازة.
ويقابل تلك الفوائد الثقافية المحدودة بهذه العوامل العلاقة السلبية بين طول زمن مشاهدة التلفزيون وبين القراءة كما أثبتتها بعض الدراسات[6].
ثم تحدّث د. خالد عن:
3- التلفزيون والأخبار، وعن 4-التلفزيون والترفيه، وعن 5-التلفزيون والسلبية.
ثم عن:
6- التلفزيون والعنف: وذكر "أن كثيراً من برامج الأطفال لا سيما الكرتونية تنمي العنف لديهم بشكل مريع، وعلى سبيل المثال يحتل العنف 42% من شخصيات سلاحف النينجا و40% من القط والفار و24% من جرايندايزر. وتنوعت أشكال العنف الذي مارسته الشخصيات الكرتونية: 35% مشاجرات، و33% مقالب، و14% معارك، و5% تعذيب، و5% تهديد، وأن الأطفال يميلون لتقليد ما يشاهدونه بنسبة 81% للذكور، و35% للإناث[7].
يتبع