الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد أحبتي في الله:
فإن للأخلاق في الإسلام مكانة عالية، وقيمة عظيمة، فهي مقصد عظيم من مقاصد بعثة النبي عليه الصلاة والسلام؛ ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق))[1].
وهي أيضًا مقصد عظيم من مقاصد تشريع العبادات؛ فعن دور الصلاة في تهذيب الأخلاق والسلوك يقول جل جلاله: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45]، وعن الزكاة يقول جل شأنه: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 103]، وعن الحج يقول سبحانه: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ [البقرة: 197]، وعن الصوم يقول سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، ومن التقوى اجتناب مساوئ الأخلاق؛ وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((وإذا كان يومُ صومِ أحدكم، فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحد أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم))[2].
فمن شأن الصوم أحبتي في الله أن يقوِّم سلوك المسلم، وأن يغرس فيه مكارم الأخلاق ومحاسنها، فالصيام ليس إمساكًا فقط عن الأكل والشرب وما إلى ذلك، بل هو أيضًا إمساك عن مساوئ الأخلاق، وعن قبائح الأفعال والأقوال، وإلا كان صومًا ناقصًا لا أجر فيه ولا ثواب؛وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من لم يَدَعْ قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه))[3]، وقول الزور يشمل الكذب وما في معناه من الغش والخداع والتدليس، والغيبة والنميمة، وشهادة الزور، وما إلى ذلك مما يخالف الواقع ولا يطابقه.
أحبتي في الله، إن مساوئ الأخلاق شؤمها عظيم، ومن شؤمها على العبد أنها تذهب له ثواب أعماله، وتبعده عن منازل الأخيار؛ ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن فلانة تقوم الليل، وتصوم النهار، وتفعل، وتصدق، وتؤذي جيرانها بلسانها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا خير فيها، هي من أهل النار))[4]، فهذه المرأة لم ينفعها صيامها، ولا قيامها، ولا تصدقها، ولا حرصها على فعل الخير؛ لأنها كانت سيئة الخلق، لا تتورع عن أذية الناس والإساءة إليهم؛ والله تعالى يقول: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 58].
وإلى درس أخرى بحول الله تعالى وقوته، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
------------------
[1]- السنن الكبرى للبيهقي، باب: بيان مكارم الأخلاق ومعاليها.
[2]- صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب: هل يقول: إني صائم إذا شُتم؟
[3]- صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب: من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم.
[4]- شعب الإيمان، إكرام الجار.


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/spotlight/0/1...#ixzz6LSLmiEli