يفتن الإنسان في حياته كلها
{ أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون }
ومن أعظم الفتن الحاصلة اليوم وقوع الأمطار العامة على جميع المملكة بعد الإعلان عن الإستمطار !!
هنا تأتي فتنة التوحيد واختبار صحة الاعتقاد فمن قال مطرنا بالإستمطار فهذا مؤمن بالإستمطار كافر بالله والمراد بالكفر هنا الكفر الأكبر إن اعتقد أنها الفاعلة بذاتها
أما وإن اعتقد أنها سبب المطر فقط فهذا كفر أصغر وهو من كبائر الذنوب
وإن لم يعتقد ذلك كله وإنما قال بلسانه مطرنا بالإستمطار فهذا شرك بالألفاظ ..
أرجوك أخي لا تظن المسألة فيها تشدد فوالله إنها من دقائق التوحيد ..
ومما يبين لك أهمية هذه المسألة بين أهل العلم ما سأنقله من شرح لحديث أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر قال الشارح :
" قوله (قَالَ : قَالَ : " أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي) هذه إضافة عموم بدليل التقسيم إلى مؤمن وكافر بخلاف مثل قوله تعالى: { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } فإنها إضافة تشريف.
قوله (مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ ) كفرا أكبرا على قول الأكثر وقيل كفر دون كفر وقيل بالتفصيل وهو قول الشافعي والحديث يحتمل ذلك كله ويأتي ذكره
قوله ( فَأَمَّا مَنْ قَالَ : مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ : مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا ) والنوء النجم إذا سقط في المغرب من النجوم الثماني عشرة التي هي منازل القمر منها نوء المِجْدح ففي النسائي عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَوْ أَمْسَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمَطَرَ عَنْ عِبَادِهِ خَمْسَ سِنِينَ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ لَأَصْبَحَتْ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ كَافِرِينَ، يَقُولُونَ : سُقِينَا بِنَوْءِ الْمِجْدَحِ" قوله (فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ ") وهل المراد الكفر الأكبر أم كفر دون كفر ؟
قولان ، وظاهر تبويب المصنف حمله على الأصغر وهو ظاهر صنيع مسلم؛ وذلك لبعد احتمال وقوع الأكبر من الصحابة على قول أن الخطاب موجه لهم ، ولمجيء تقييد ذلك بكفر النعمة، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسو الله ﷺ : "ألم تروا إلى ما قال ربكم ؟ قال : ما أنعمت على عبادي نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين يقولون الكواكب وبالكواكب " أي كافرين بنعمته لا به تعالى
فيكون معنى الحديث على هذا التفسير : وقوع الكفر الأصغر لمن اقتصر على إضافة الغيث إلى الكوكب مع اعتقاده أن الخالق المتصرف المدبر المنشئ للمطر هو الله وحده لا شريك له
ويجوز حمل الحديث على الكفر الأكبر، وذلك إذا اعتقد أن الكوكب هو المنشئ الخالق الموجب لنزول المطر فهذا كافر كفرا أكبر بالإجماع وهو المراد في حديث معاوية الليثي
وأما من اقتصر في اللفظ على إضافته إلى الكوكب ويريد في وقته واعتقد أن الفاعل هو الله تعالى فقد وقع في الأصغر وهو من شرك الألفاظ كقول ما شاء الله وشئت ونحو ذلك ولا يدخل في هذا من يذكر أن وقت النوء الفلاني علامة لدخول المطر كما روي عن النبي ﷺ تلك عين غديقة أو أن وقته أرجى الأوقات لنزوله كقول عمر رضي الله عنه كم بقي من نوء الثريا بشرط : ألا يعتقده سببا لا ينزل المطر من الله إلا في وقته وألا يضيف المطر إليه لفظا
وبهذا يكون قول ذلك كفرا أكبر إذا اعتقد أن الكوكب هو الخالق المؤثر بنفسه الموجب لنزول المطر
ويكون أصغر محرم قوله في حالتين : الأولى : بالاقتصار على إضافة الغيث لفظا إلى النوء أو بإشراكه فيها مع الله تعالى مع اعتقاده أن الفاعل هو الله تعالى ، والثانية : اعتقاد أنه سبب لا ينزل المطر من الله تعالى إلا في وقته
وهذا ظاهر مذهب الحنابلة كما في الإنصاف وكشاف القناع
وقيل : إن قال مطرنا بنوء كذا وأَرَادَ أَنَّ النَّوْءَ وَقْتٌ يُوقِعُ اللَّهُ الْمَطَرَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَثَرٍ لِلنَّوْءِ وَإِنَّمَا الْفِعْلُ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ بِكَافِرٍ كُفْرَ جُحُودٍ بَلْ هُوَ لَفْظٌ مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَيَصِحُّ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ كُفْرُ النِّعْمَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
قلت : وهذا القول يستقيم عند من فسر حديث الباب بالكفر الأكبر وأما من فسره بالكفر الأصغر فمجرد الاقتصار على إضافته إلى الكوكب كفر أصغر واعتقاد ذلك إنشاءً وتدبيرا كفر أكبر وهذا هو الذي يدل عليه ظاهر الحديث وإطلاق الكفر
وأما من اعتقد أن لا خالق إلا الله سبحانه، ولكن جعل فى بعض الاتصالات من الكواكب دلالة على وقوع المطر من الله تعالى، على عادة جرت فى ذلك فلا يكفر بهذا، إذا عبر عنه بعبارة لا يمنع الشرع منها.
مسألة :
الصحيح من مذهب الحنابلة أنه لَا يُكْرَهُ قَوْلُ: مُطِرْنَا فِي نَوْءِ كَذَا وَلَوْ لَمْ يَقُلْ بِرَحْمَةِ اللَّهِ خِلَافًا لِلْآمِدِيِّ قال: يُكْرَهُ، إلَّا أنْ يقولَ مع ذلك: برَحْمَةِ اللَّهِ سُبحانَه وتَعالى.
تنبيه :
ينبغي منع الناس من كل لفظ فيه أدنى متعلق من كلام الجاهلية وإن كان جائزا كقول "إذا طلع سهيل فلا تأمن السيل "
قال ابن رجب : وروى ابن أبي الدنيا بإسناده، عن سلم العلوي، قال: كنا عند أنس، فقال رجل: إنها لمخيلة للمطر. فقال أنس: "إنها لربها لمطيعة" يشير أنس إلى أنه لا يضاف المطر إلى السحاب، بل إلى أمر الله ومشيئته.
وذكر ابن عبد البر، عن الحسن، أنه سمع رجلا يقول: طلع سهيل، وبرد الليل، فكره ذلك، وقال: إن سهيلا لم يأت قط بحر ولا برد.
قال: وكره مالك أن يقول الرجل للغيم والسحابة: ما أخلقها للمطر. قال: وهذا يدل على أن القوم احتاطوا، فمنعوا الناس من الكلام بما فيه أدنى متعلق من كلام الجاهلية في قولهم: مطرنا بنوء كذا وكذا. انتهى.اهـ
قلت : اعتُرِض على هذا القول بحديث " إذا أنشأت بحرية " الحديث والجواب أنه من بلاغات مالك التي لم يُعرف لها إسناد
٢-قوله: ( وفي رواية (م) عن ابن عباس رضي الله عنه نحوه وفيه : قَالَ : فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ { فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ } حَتَّى بَلَغَ { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } ) أي وتجعلون شكر الله على رزقه إياكم أن تكذبوا بقدرته على إعادة الحياة ، لأنهم عدلوا عن شكر الله تعالى فيما أنعم به عليهم فاستنقصوا قدرته على إعادة الأجسام ، ونسبوا الزرع لأنفسهم ، وزعموا أن المطر تمطره النجوم المسماة بالأنواء قال ابن عطية : أجمع المفسرون على أن الآية توبيخ للقائلين في المطر الذي ينزله الله رزقا : هذا بنوء كذا وكذا اهـ
قال القاضي عياض :
وقد اختلف المفسرون فى معنى هذه الآية، ومعنى النجوم فيها، ومعنى الرزق، فذهب الحسن ومجاهد وقتادة: أن النجوم فيها نجوم السماء ومواقعها إما مغاربها وإما مطالعها أو انكدارها أو انتثارها يوم القيامة، على اختلاف تأويلاتهم فى ذلك.
وقيل:مواقع النجوم: منازل القرآن ، أنزل نجوما.
وعن مجاهد: مواقع النجوم: محكم القرآن.
وعن ابن عباس: {وتجعلون رزقكم} الآية: أى شكركم، فيقولون: مطرنا بنوء كذا ونجم كذا. قال قطرب: الرزق هنا الشكر، وقيل: وتجعلون شكر رزقكم.
وتحقيقه عوض شكر ربكم ونعمه قولكم هذا، وإضافة رحمته لكم لغيره.
وعن الهيثم بن عدى فى لغة أزد شنوءة: ما رزق فلان فلانا، أى ما شكره اهـ
٣-قوله ( فنزلت هذه الآية ) ظاهر هذا أن الآيات نزلت في هذه القصة وقيل: الذي نزل فيها قوله تعالى { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } وأن الجميع اتفق نزوله في هذا الوقت وهو قول ابن الصلاح ولم يتعقبه النووي في شرح مسلم
وقيل : الآية نزلت قبل الهجرة وما ذكره ابن عباس لعله تأويل منه وهو قول الطاهر بن عاشور
٤-أهم ما يستفاد من هذا الحديث
الأول : أن فيه أمرين مهمين الأول : التنبيه على مقصد من مقاصد الدين :
قال ابن تيمية في الفتاوى : وَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يَذُمُّ سُبْحَانَهُ مَنْ يُضِيفُ إنْعَامَهُ إلَى غَيْرِهِ وَيُشْرِكُهُ بِهِ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: هُوَ كَقَوْلِهِمْ كَانَتْ الرِّيحُ طَيِّبَةً وَالْمَلَّاحُ حَاذِقًا. وَلِهَذَا قَرَنَ الشُّكْرَ بِالتَّوْحِيدِ فِي الْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا: أَوَّلُهَا شُكْرٌ وَأَوْسَطُهَا تَوْحِيدٌ وَفِي الْخُطَبِ الْمَشْرُوعَةِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ تَحْمِيدٍ وَتَوْحِيدٍ وَهَذَانِ هُمَا رُكْنٌ فِي كُلِّ خِطَابٍ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَذْكُرُ الْمُتَكَلِّمُ مِنْ مَقْصُودِهِ مَا يُنَاسِبُ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
والثاني : التنبيه على خطورة هذا الأمر والحذر منه فقد ثبت بقاؤه في أمته ﷺ ففي حَدِيث أَنَس بْن مَالِك قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ثَلَاث لَنْ يَزِلْنَ فِي أُمَّتِي التَّفَاخُر فِي الْأَحْسَاب وَالنِّيَاحَة وَالْأَنْوَاء ) وَلَفْظ مُسْلِم فِي هَذَا ( أَرْبَع فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْر الْجَاهِلِيَّة لَا يَتْرُكُونَهُنّ َ الْفَخْر فِي الْأَحْسَاب وَالطَّعْن فِي الْأَنْسَاب وَالِاسْتِسْقَا ء بِالنُّجُومِ وَالنِّيَاحَة ) .
والثاني مما يستفاد:
إثبات صفة الكلام لله تعالى وأنه يتكلم بمشيئته واختياره قال ابن رجب : وقوله: " هل تدرون ماذا قال ربكم؟ " - وفي بعض الروايات:" الليلة "، وهي تدل على أن الله تعالى يتكلم بمشيئته واختياره.كما قال الإمام أحمد: لم يزل الله متكلما إذا شاء اهـ