قصص أمنا الغولة
عبير عبدالله
أمنا الغولة والإنترنت
منذ متى والدنيا كانت حائلًا بيني وبين ما أريد؟! الحق أن الصحة لم تعد كما كانت، ولكن إن ذبلت الوردة فرائحتها فيها، أيام... وهل هناك مَن كانت تقف أمام جمالي ودلالي وذكائي؟!
وما زاد الطين بِلَّةً السُّلَّم العالي الذي كنت أصعده وأنزله في رشاقة غزالة، ورنة كعبي العالي تنبئ عن جلالي؛ فمن الجارات من تخرج وتفتح الباب على حسي: صباح الخير يا رتيبة، صباح الهنا يا أم محمود! ومنهم مَن يضبط ميعاد نزوله لعمله أو قهوته على ميعاد نزولي، ومهما تأخرت يظل يتلكأ ويتمحك، حتى يراني ويسعد بصباحى ومسائي، ويصل الود على قدر ما يقدر...
أمَّا الآن فلا نزول ولا طلوع، وقد انقطعت الأخبار التي كنت ألمُّها كلها في جيبي، لم تكن تحلو أي قعدة ولا سهرة إلا وأنا أتوسَّط الجارات والصاحبات، وأحكي عن هذه وأقلِّد مِشيتها، وتلك ضحكاتها وحركاتها - بكل خير طبعًا - ونظل نضحك للصبح، فلا شاردة ولا واردة تخفى عليَّ، وأولادي وبناتي حولي، ثم أبناؤهم وأحفادهم، والآن
صرت عجوزًا في الثمانين، عندي من الأحفاد والحفيدات وأبناء الأحفاد أكثر من خمسة وثلاثين، صلوا على النبي.
طبعًا البنات القمرات ليس لهن إلا الأزواج - على الفرَّازة طبعًا - مال وجمال وشباب، حسَب ونسَب.
تعجبتْ جدًّا، وأشاحت بيدها وكأنها تبعد عن نفسها شبحًا لا تحب أن تراه...
(بلا خَيبة ... كله محصلٌ بعضه، الذي أخدته القرعة تأخذه أم الشعور) حكاياتهم ومصائبهم لا حد لها ولا آخر، لكن الحمد لله كلها بيوت مغلقة على ما هي فيه!
آه، المصيبة أني لم أعد أعرف أي شيء عن أي أحد، بعد أن انشغلوا بأبنائهم وأحفادهم وأشغالهم ومصالحهم، من سافر منهم سافر، ومن درس منهم درَس، صرت كمًّا مهملًا، لا حاجة لأحد به!
صممتُ على أن يزورني أحمد وكمال حفيدا سمية بنتي ويبيتا عندي، أغريتهما بالمال والهدايا والأكل الجاهز كل يوم، وبأن بيتي قريب من مركز الدروس الخصوصية الذي يذهبان إليه.
وبكلمة في حكاية صغيرة أعطيتهما نقودًا ليشتريا لاب توب، وعن طريق الإنترنت - العفاريت - دخلا على صفحات جيران العمارة والشارع كله وأهلهم وأصحابهم، فلم يُكذبا خبرًا وقد أعجبتهما اللعبة، وأتيا لي بجميع أخبارهم ومصائبهم، بصراحة لم أكن أعرف أن الإنترنت هذا فضيحة كبيرة، والناس لا تعرف!
الحزينة تقول: أنا فرحانة وتتصور سيلفي؛ لتكيد سلفتها، وأبو عينين زائغتين يقول أنه (سينجل)، والشاب الروش والشابة التي ترى نفسها جميلة الجميلات وتريد أن تقنع الآخرين بذلك، تعمل لنفسها العديد من الصفحات، وكله بأسماء وهمية وشخصيات غريبة لا تدري مَن المَلَاك ومَن الشيطان، لكن على مَن؟! أتتبَّعها مع العفريتين: أحمد وكمال ونأتي بقرارها، ها ها...
أحكي لهما عن كل شخص بما أعرفه وما أُخمنه، ثم نشترك كلنا في البحث عن باقي الصفحات، وفي جمع الفضائح والحكايات عن من يُبدِي التديُّن والوقار وهو في الواقع ذئب وزير نساء، والتي تضع صورًا سلفي لسندريلا وهي في الحقيقة أم سحلول!
وصورة فلانة قبل ذهابها إلى مركز التجميل الفلاني، وصورتها بعد ذلك، (الفلوس التي أعمت النفوس، وأظهرت المعادن).
العفريتان قرصنوا على باقي الحسابات والصفحات، وأتيا بقرار الكتوم قبل الثرثارة، وعرفوني أين يُخفي العفريت، ابنه!
ربنا يحفظهما لي، أليس أعز الولد ولد الولد، وولد ولد الولد؟!).
ما زال في العمر بقية وما زالت المتعة متاحة.
علَّماني كيف أدخل الحجرات المغلقة، وأعيش الحياة على راحتي، وأنا أشجعهما وأكافئهما، ها ها...، ويقولون: إني عجوز مخرِّفة لا تنفع لتربية ولا حياة حديثة، فكيف يتعلم الصغار ويتربون إن لم يعرفوا الخطأ قبل الصواب؟!
كل مَن مشى مستقيمًا ومن مشى معوجًّا، ألا ينخدعان بما يسمعان وما يريان، ألست أُمًّا وأخاف على أبنائي وأحفادي؟!
ولكن ماذا أقول؟! قلبي على ابني انفطر، وقلب ابني علىَّ حجر...
• أُقبِّل يدك يا بنتي لا تأخذي الولدين والإنترنت مني، لا تأخذي الولدين وسأكتب لكم كل ما تريدون، سأموت بدونهما.
وأخذتهما...