الاتِّبَاع (1)
كتبه/ طلعت مرزوق
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فالاِتِّبَاع: مصدر اتَّبَعَ، ويدور معناه لغةً حول اتباع الخطوات، والسير خلف المتبوع، واقتفاء الأثر، والسير على النهج، ونحو ذلك. ويُقصد به هنا: اتباع ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-، واتباع الدليل، وعدم الابتداع في الدين؛ قال -تعالى-: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (آل عمران: 36)، وقال: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (النساء: 65).
وقال -عز وجل-: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (النور: 51)، وقال: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النور: 63)، وقال: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) (الأحزاب: 36)، وقال: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر: 7)، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) (النساء: 59).
والله -عزَّ وجلَّ- لا يقبل مِن العمل إلا ما كان خالصًا له، موافقًا للشرع الذى أنزله على رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وقد جمع بين هذين الشرطين في قوله -تعالى-: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (الكهف: 110).
قال الشيخ حافظ الحكمي -رحمه الله تعالى- في سُلم الوصول:
شَرْطُ قَبُولِ السَّعْي أنْ يَجْتَمِعَا فِيهِ إِصَابَةٌ وإخْلَاصٌ مَعَا
للهِ رَبِّ العَرْشِ لَا سواه مُوَافِقَ الشَّرْعِ الَّذِي ارتضاه
قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "وهذان ركنا العمل المُتَقبل؛ لا بد أن يكون خالصًا لله، صوابًا على شريعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" (تفسير ابن كثير).
وروى مثل هذا عن القاضي عياض -رحمه الله تعالى- وغيره.
ومعنى البدعة: شرع ما لم يأذن به الله -عز وجل-، ولم يكن عليه أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا أصحابه -رضي الله عنهم-.
وعرَّفها الإمام الشاطبي -رحمه الله تعالى- بأنها: "طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الطريقة الشرعية، يُقصد بها المبالغة في التعبد لله" (الاعتصام).
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا ما ليسَ فِيهِ، فَهو رَدٌّ) (متفق عليه).
وعن العرباض بن سارية -رضي الله عنه- قال: وعظَنا رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّمَ- مَوعظةً ذَرَفَتْ منها العيونُ ووجِلَتْ منها القلوبُ، فقلنا: يا رسولَ اللهِ، إنَّ هذه لموعِظَةَ مُوَدِّعٍ فماذا تعهَدُ إلينا؟ فقال: (قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ، *وَمَنْ *يَعِشْ *مِنْكُمْ، *فَسَيَرَى *اخْتِلَافًا *كَثِيرًا، *فَعَلَيْكُمْ *بِمَا *عَرَفْتُمْ مِنْ سُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ ، وَعَلَيْكُمْ بِالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، فَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الْأَنِفِ حَيْثُمَا انْقِيدَ انْقَادَ) (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني).
وعن جابر -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقولُ في خطبتِه يومَ الجمعةِ: (أما بعدُ، فإن خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النارِ) (رواه مسلم).
وقال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه: "اتَّبِعُوا وَلَا تبتدعوا فَقَدْ كُفِيتُمْ"، وقال -تعالى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) (المائدة: 3).
وللحديث بقية -إن شاء الله-.