بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
عميدة الأسيرات الفلسطينيات... (12) عامًا من الصمود
الإسلام اليوم / خاص
اثنتا عشرة سنة مضت كقرن من الزمن على امرأة فلسطينية تنقَّلَتْ بين السجون والمعتقلات وزنازين الاحتلال، أكلت منها جدران الزنازين حتى شَبِعَتْ، ذاقت طعم الذُّلِّ في كل لحظة.
على الرغم من السنين الطويلة، إلاّ أن الأسيرة الفلسطينية المُحَرَّرة سونا الراعي (عميدة الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال)، إلاّ أنها خرجت بعزيمة كالجبال، فحلمها أن تعيش مع فِلْذَةِ كبدها محمد، الذي تركته خلفها طفلًا لا يعي ما دار حوله، وهو الآن شاب في مقتبل العمر، وهي تصر على أن تسير في طموحها التعليمي؛ حيث ترغب في أن تكمل التعليم الجامعي، على الرغم من سنها المتقدمة.
فسونا الراعي البالغة من العمر أربعين عامًا، من مدينة قلقيلية شمالَ الضفة الغربية، اعتُقِلَتْ في (13-4-1997م) بعدما نفَّذَتْ هجومًا على مجموعة من الجنود في جِسْر اللنبي، الواصل بين الضفة الغربية والمملكة الأردنية، وذلك في عملية ثأر الجبهة الشعبية لاستشهاد شقيق سونا: إبراهيم الراعي (أحد قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين)، أثناء التحقيق في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
محطات قاسية
وتَتَحَدَّثُ سونا الراعي عميدة الأسيرات الفلسطينيات عن حياتها التي أَمْضَتْها في الاعتقال لشبكة (الإسلام اليوم) قائلة: "مضت كَقَرْنٍ من الزمان؛ فقد تعرّضت لأنواع تعذيب متنوعة، وقد تورّم جسدي من شدة الضرب أثناء فترة الاعتقال الأولى".
وتضيف قائلةً: "أصعب أيام السجن تلك التي قَضَيْتُهَا في سجن المسكوبية؛ حيث سُجِنْتُ مع الجنائيات الإسرائيليات، وحيث المضايقات مضاعفةً، كوني كنتُ الأسيرةَ الفلسطينية الوحيدة وقتها".
وتضيف: "لقد كانت فَتْرَةُ التحقيق قاسيةً، قرابة شهر كامل للتحقيق والتعذيب النفسي، ومن أبرز محطات الاعتقال القاسية السجن الانفرادي، أو ما يُطْلَقُ عليه العزل، وكنت أُمْضِي فتراتٍ طويلةً بغرفة صغيرة لا تتجاوز الأمتار، فارغة لا تحوي شيئًا".
المنع من الزيارة
وتُوَضِّحُ تلك المأساة بقولها: "إن أشد ما تعرضت له هو التعذيب النفسي، وعزلي لفترات طويلة، دون أن يكلمني أحد، وكانوا يقومون بتشغيل موسيقا صاخبة، أو صدى نقط الماء من إحدى الحنفيات.. وهي حرب نفسية يشنونها علينا، مُنِعْنَا فيها من الزيارات.. وطوال فترة سجني لم يستطع أحد زيارتي، سوى زيارةٍ واحدةٍ لأخي كانت قبل عامين".
سونا تركت طفلها في الثالثة من عمرة، وهو الآن شاب يعي حجم مأساة أُمٍّ لم تَرَ طفلها منذ سنين؛ حيث سُمِحَ له بزيارتها مرة واحدةً عندما كان في السادسة من عمره.. تغيّرت ملامحه وملامح أمه.. لم تعرفه إلاّ من الصورة التي أحضرها أخوها لها قبل عامين في الاعتقال؛ لتضم الصورةَ إلى صدرها، وتشدو لها أنشودة النوم في كل يوم!
وتقول سونا: "لطالما اشتقت إلى رؤيته واحتضانه... "كنت أفكر به دائماً وأنا خلف القضبان، أتخيل وجهه وابتسامته، وأتخيله وهو ينادي عليّ: "أمي"..! أنا أُمٌّ حُرِمَتْ رؤية طفلها، ومشاعري ما زلتُ أحتفظ بها من أجل طفلي الذي لم أره سوى مرة واحدة، وهو بعمر السادسة".
وبعد هذه السنوات استطاعت سونا الراعي أن تنام في حجرة بيتها القديم، ودون منبه استيقظت كعادتها في الساعة السادسة والنصف، وهو موعد (عدّ الأسيرات في الاعتقال)، ولا أحد يمكن أن يمحو من ذاكرة أي أسير فلسطيني هذا الموعد؛ إذ الاستعداد لدخول الجنود لِعَدِّ الأسرى في الصباح الباكر، وعلى الأسير أنْ يَجْلِسَ ووجهه إلى الخلف تحت فوهة بنادق الجنود وهراواتهم، التي لا تتوانى عن ضرب أي أسير إن تحرك، ولو عَفْوِيًّا.
رسائل من الأسيرات
من جانب آخر تفيد سونا أنها تحمل رسالة من داخل السجن إلى العالم بالإسراع للإفراج عن الأسيرات الفلسطينيات داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي.
وأكّدت أن الأسيرات من داخل السجن يُنَاشِدْنَ الجميع بالإسراع لإطلاق سراحهن، "فَهُنَّ يعشن في ظروف اعتقال صعبة، ووضْعُهُنَّ صعب جِدًّا، ويتعرضن لإهمال طبي كبير، وهناك عَدَدٌ منهن يعانين من أمراض مزمنة، وبحاجةٍ إلى علاج سريع، ويواجهن مماطلة في عملية العلاج".
وهناك أَمْرٌ آخر متعلق بالزيارات؛ فالأَسْرَى بشكل عام ممنوعون من الزيارة، خاصةً الأسرى من قطاع غزة.
وبَيَّنَتْ أنّ معنويات الأسيرات تُعَانِقُ السماء، فهن ما زلن صابراتٍ وصامداتٍ خَلْفَ قضبان الاحتلال، وما زال أمل الإفراج عنهن قائماً، ومهمتي هي أن أُوصِلَ -ولو بكلمة- رسالة تسير على طريق إطلاق سراحهم، وهذه هي رسالة الأسيرات الفلسطينيات.
استياء من الفرقة الفلسطينية
وأَبْدَتْ "الراعي" استياءَهَا مما حصل من نزاع بين الإخوة الفرقاء، وطالَبَتِ الجميع بأن يتخذوا الوحدة الوطنية سبيلًا من أجل الحرية، وقالت: "كنا نتألم كثيرًا عندما نسمع أخبار الاقتتال الداخلي، ورسالتي للفلسطينيين هي: التمسك بالوحدة الوطنية والثوابت الوطنية، والتوحد على طريق تحرير فلسطين، وعلى كامل التراب الفلسطيني، وأطالب كُلَّ العالم والدول التي تُسَانِدُ الشعب الفلسطيني بالوقوفِ وقفةً جِدِّيَّةً مع الشعب الفلسطيني، حتى تحريره من الاحتلال".
وأضافت: "لا يجوز بعد كل هذه التضحية أن يصل حالنا إلى هذا الوضع! فهناك شهداء ضحوا بدمائهم، وأسرى قابعون في السجون من أجل قضيتهم التي بذلوا سنيّ عمرهم من أجلها، وجرحى، وأمهات شهداء..! علينا توحيد الصفوف في مواجهة المحتل".
وعلى الرغم من الإفراج عن عميدة الأسيرات الفلسطينيات من سجون الاحتلال الإسرائيلي، فما زال هناك-حتى الآن- (79) أسيرة فلسطينية، يعانين قهر الاعتقال في السجون الإسرائيلية، ومنهن مَنْ تحمل في أحشائها طفلاً، ومنهن من وضعت جَنِينَهَا في زنازين الاحتلال ...
مأساة نساء فلسطين تستصرخ نخوة النفوس الحرة، فأمهاتهم وبناتهم وأخواتهم في قبضة الاحتلال الإسرائيلي، فهل من مجيب؟!
ويبقى أمل الأسيرات الفلسطينيات مُعَلَّقًا بصفقة تبادل الأسرى بين حماس والاحتلال الإسرائيلي، والتي تطالب حماس بالإفراج عن الأسيرات الفلسطينيات دون استثناء، بعد أنْ فَشِلَتْ كل الجهود السلمية العربية والفلسطينية لتحريرهن من سجون الاحتلال.
فمتى يأتي ذلك اليوم؟!