زكاة الحبوب والثمار

من نِعَمِ الله تعالى على عبادِهِ نعمةُ الأرض التي فرشها الخالق بين أيديهم وجعلها قرارًا، وأجرى في مناكبها عيونًا وأنهارًا، فأنبتت زروعًا وثمارًا، بعد أن أرسل الله السماء مدرارًا، وأمرنا أن نشكره على هذه النعمة؛ فقال: {وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ} [يس: 33 - 35]، ووعد الشاكرين بالمزيد؛ فقال: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُم ْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7]، ومن شُكْرِهِ سبحانه على نعمة الزروع والثمار إخراجُ زكاتها، وحديثنا اليوم عن زكاة الحبوب والثمار، ونحن في زمن الحصاد؛ تنويرًا للسائلين عن زكاتها، وتذكيرًا للغافلين.

عباد الله، حتى أقرِّب لكم فقه زكاة الحبوب والثمار، أصوغها على شكل أسئلة، وبالله التوفيق:
السؤال الأول: ما حكم إخراج زكاة الحبوب والثمار؟ حكمها واجب؛ لقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141]، والأمر يدل على الوجوب، وتجب فيها الزكاة؛ لأنها مما يُقتات ويُدَّخر.

السؤال الثاني: متى أُخرِج زكاة الحبوب والثمار؟ قال تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141]، الزكاة تخرج في الزرع: بعد الحصاد والدَّرس، والذَّروِ والكيل؛ أي: مصفى من قشره وتبنه، والآلات العصرية تستطيع التصفية في يومه، وفي الثمار: بعد اليبس والتصفية والكيل، ومن خالف وأخرجه سنبلًا ورطبًا وعنبًا قبل أن يجفَّ، لم يُجزِئْه إخراجه.

السؤال الثالث: ما هو المقدار الذي سأُخرجه من زكاة الحبوب والثمار؟ وهو ما يعبر عنه الفقهاء بالنِّصاب، ونصابها خمسة أوْسُقٍ فما فوق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «ليس فيما دون خمسة أوسُقٍ صدقةٌ»[1]؛ أي: ستين صاعًا، والخمسة أوسق أو ستون صاعًا تساوي في زماننا هذا (653) كيلوغرامًا على وجه التقريب، بمعنى إذا كان عندك ما يساوي 653 كيلو أو أكثر؛ أي: ستة قناطر ونصف، فيجب عليك إخراج الزكاة، وما دونها فليس عليك زكاة، إلا أن تتطوَّع ببعض الصدقة.

السؤال الرابع: كم سأُعطي للمستحقين من الزكاة؟ ننظر ونسأل: هل الحبوب والثمار مَسقيَّة بالأمطار (بوري)، أم أنها مسقية بالآلات المعروفة، وتُنفق عليها لأجل سقيها؟ فإن كان الأول فيجب عليك فيها العشر (10 %)، وإذا كان الثاني فيجب عليك فيها نصف العشر (5 %)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «فيما سَقَت السماء والعيون أو كان عَثَرِيًّا العُشْرُ، وما سُقِيَ بالنَّضح نصف العشر»[2]، وأما إذا كانت تُسقى بعض السنة بماء المطر، وبعضها الآخر بوسائل الري المعروفة، ففيها ثلاثة أرباع العشر (سبعة فاصلة خمسة 7.5%).

السؤال الخامس: قدِّم لي مثالًا توضِّح فيه ما ذكرت؟ مثال: فلَّاح أخذ من الحبوب أو الثمار هذا العام 400 كيلو، هل تجب عليه الزكاة؟ نقول: لا؛ لأنه لم يبلغ النصاب، فلو أخذ مثلًا: 1000 كيلو؛ أي: طنًّا من الحبوب أو الثمار، نقول: فيه الزكاة؛ لأنه فات النصاب.

كم سيخرج من الألف أو الطن؟ نقول: إذا سُقيت بالأمطار، تخرج 100 كيلو، وهو نتاج قسمة الألف على عشرة، لاستخراج العشر، وإذا سُقِيت بالآلات، تخرج 50 كيلو، وهو نتاج قسمة الألف على عشرين، لاستخراج نصف العشر، وإذا كان مختلطًا، تخرج 75 كيلو، وهو نتاج ضرب الألف في 7.5 مقسوم على 100، لاستخراج ثلاثة أرباع العشر، وعلى هذا المثال نقيس على كل مقدار من الحبوب أو الثمار قد فات النصاب.

السؤال السادس: هل يمكن إذا عرفت المقدار الذي سأُخرجه من الحبوب والثمار أن أُخرجه نقودًا؟ الأصل: أن تخرج الزكاة من جنس المال المزكَّى، لكن يجوز للفلَّاح أن يدفع قيمة المقدار الواجب من الزكاة نقدًا، ولا بأس في ذلك، وخاصةً إذا كان إخراج القيمة أنفع للفقراء والمحتاجين من إخراج الأعيان، ويجب على الفلَّاح ألَّا يبخس المستحقين للزكاة حقَّهم، فيُقدِّر القيمة بما عليه السعر في السوق يوم إخراج الزكاة.

فيا عباد الله:
السؤال السابع: أنا اشتريت حبوبًا أو ثمارًا، أو أعمل أجيرًا بالربع أو النصف، فهل تجب عليَّ الزكاة؟ زكاة الحبوب والثمار تكون على المالك دون المشتري أو الأجير، إذا بدا صلاح الثمرة، وليس عليه أن يخصم نفقات الري والسقي؛ لأنه عِوَضَ ذلك، عَدَلَ له الشارع الحكيم من العشر إلى نصف العشر، أما النفقات الأخرى، فهي محل اختلاف بين أهل العلم، نعم، التاجر في الحبوب والثمار يلحق بزكاة عروض التجارة، فعليه إحصاء أمواله، فإذا بلغت النصاب، وحال عليها الحول، فتجب عليه الزكاة، وإذا باع الفلاح الحبوبَ أو الثمار قبل بدوِّ صلاحها، فلا زكاة عليه، والزكاة على المشتري، ولو باعها بعد بدوِّ الصلاح فالزكاة على البائع، وكذلك لو مات المالك قبل اشتداد الحَبِّ، أو بدوِّ صلاح الثمر، فإن الزكاة تجب على الوارث، وكذلك لو باع النخيل، وعليها ثمار لم يبْدُ صلاحها، أو باع الأرض، وفيها زرع لم يشتد حبُّه، فإن الزكاة على المشتري أو الوارث.

السؤال الثامن: لمن أعطي زكاتي؟ زكاتك تُقدَّم للأصناف الذين تُعطى لهم الزكاة عمومًا؛ الذين ذكرهم الله تعالى في سورة التوبة فقال: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَة ِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60]، فالفقراء هم الذين لا يملكون شيئًا، والمساكين هم الذين يملكون، ولكن لا يكفيهم، كالموظفين الذين لا تكفيهم أجرتهم لتغطية النفقات الضرورية، والعاملين عليها هم الذين يجمعون الزكاة ويوزعونها، فيدخل فيه أجرة مَن كلَّفتَ لتوصيل زكاتك إلى جهة معينة، والمؤلفة قلوبهم مثل: حديثي العهد بالإسلام يُعطَون من الزكاة لتأليف قلوبهم، وفي الرقاب أي تحرير العبيد، أو فداء الأسرى من العدو، والغارمين الذين عليهم ديون في الحلال، ولا يستطيعون أداءها، وفي سبيل الله؛ كإيصال الزكاة أو قيمتها للمجاهدين، أو طلبة العلم، أو حفظة القرآن الكريم المتفرغين له، وابن السبيل؛ كالغريب عن بلده، أو اللاجئين في دولة أخرى، أو المهجَّرين من بلدانهم كحال إخواننا في فلسطين.

السؤال التاسع: هل هناك حقٌّ آخر في المال من غير الزكاة؟ يُستحَبُّ لصاحب الثمار والزروع أن يعطي من محصوله يوم الحصاد والجُذاذ للفقراء والمساكين ما تَجُود به نفسه؛ لأن في المال حقًّا آخر غير الزكاة؛ فقد نزل قوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] في مكة، قبل فرض الزكاة بمقاديرها وأنصبتها، والمراد حق مستحب؛ عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: ((يُطعَم الْمُعْتَر - أي الفقير - سوى ما يُعطى من العشر ونصف العشر))[3].

فاللهم أرِنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.
(تتمة الدعاء).


[1] رواه مالك في الموطأ، كتاب الزكاة، باب: ما تجب فيه الزكاة.
[2] صحيح البخاري برقم: 1483.
[3] تفسير الطبري: 9 /604.

______________________________ ________________________
الكاتب: عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت