( العرض )
المسلم يعلم أن الله- عز وجل- لم يجبر العباد على أفعالهم، ثم يحاسبهم عليها بعد ذلك؛ فالله لا يظلم الناس شيئًا، وخلق طريقين، طريق الهداية وطريق الضلالة، قال تعالى: {وهديناه النجدين} [البلد: 10]
وقد تأملت في حديث ثابت في الصحيح ووجدت فيه ما يدلُّ على ردِّ قول الجبرية، وأحب منكم أن تشاركوني في صحة الاستنباط من هذا الدليل
يقول الرسول- صلى الله عليه وسلم- :"العبد إذا وضع في قبره وتولى وذهب أصحابه، حتى إنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان فأقعداه، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد صلى الله عليه وسلم؟ فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال: انظر إلى مقعدك في النار، أبدلك الله به مقعداً من الجنة. قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: فيراهما جميعاً، وأما الكافر، أو المنافق: فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس. فيقال: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين".(1)
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "ما منكم من أحد إلا قد كتب مقعده من النار أو من الجنة. فقال رجل من القوم: ألا نتكل يا رسول الله ؟ قال: لا، اعملوا فكل ميسر، ثم قرأ ( فأما من أعطى واتقى ) (2) الآية(3).
(استنباط)
بعد هذا العرض البسيط أذكر ما استنبطته:
لو تأملنا جيداً ما تحته خط لوجدنا بأن لكل إنسان مقعدين: مقعدٌ في الجنة, ومقعدٌ في النار , ويراهما جميعاً , ثم يكون له أحد المقعدين على حسب عمله في الدنيا؛ فمن يؤمن ويصدق فسيكون مقعده في الجنة؛ ومن يكفر ويكذب فسيكون مقعده في النار.
وجود المقعدين يدل بأن الله قدر أزلاً مقعدين لكل واحد منا , فاستنبط من هذا بأن الله قدر طريقين لكل واحد منا , وأعطى لكل فرد منا قدرة على الاختيار ولكنها تابعة لقدرته ومشيئته , فالله هو من قدر له الطريقين أزلاً في اللوح المحفوظ, ثم على الفرد الاختيار .
(تساؤل)
أسألكم الآن هل هذا الاستنباط صحيح ؟ فإن كان صحيحاً, فأنا أعتبره رداً قوياً على الجبرية!
وقرأت كلام العلماء في الرد على الجبرية فلم أرَ منهم من ذكر نحو استنباطي، ربما لعدم وجود الدليل الصريح عليه ...
أرجو منكم تكرماً مشاركتي في هذا الموضوع؛ لتعمَّ الفائدة , نفع الله بنا وبكم .
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ
(1) رواه البخاري في صحيحه في كتاب الجنائز .
(2) سورة الليل, آية :5.
(3) رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري.