بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، واشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا أما بـعد :
فهذا تخريج لأحاديث قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في سنة الفجر ، دعاني لكتابته ما رأيت من اختلاف في حديث ابن عباس الذي أخرجه مسلم وغيره في قراءة آية البقرة و آل عمران...
ورأيت تتميما للفائدة أن أتتبع كل أحاديث الباب وأخرجها ؛ ليتميز الصحيح من غيره ، فالمسلم بحاجة لهذا ، فسنة الفجر لها فضل كبير ، فقد روى مسلم في صحيحه رقم (725) عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها » .
وعنها رضي الله عنها قالت: « لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد منه تعاهدا على ركعتي الفجر» . رواه البخاري (1169) ومسلم (724).
كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها في السفر أيضا كما في صحيح مسلم ـ في قصة نومهم عن صلاة الفجر ـ من حديث أبي قتادة (681) وأبي هريرة (680) رضي الله عنهما.
وغيرها من الأحاديث الدالة على فضلها وعظيم شأنها .
والأحاديث المرفوعة ـ التي وقفت عليها ـ في هذا الباب خمسة أحاديث :
الحديث الأول :
عن ابن عباس أن رسول اللهكان يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا ) الآية التي في البقرة [136]، وفي الآخرة منهما (آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ) [آل عمران 52] .
قال ابن معين ـ تاريخ الدوري3/521 رقم (2549) ـ : إسناده جيد . اهـ.
هذا الحديث لم يروه عن ابن عباس ـ حسب اطلاعي ـ إلا سعيد بن يسار ولا عن سعيد إلا عثمان بن حكيم الأنصاري ثم رواه عن عثمان جماعة وهم :
1 - مروان بن معاوية الفزاري وهذا نص حديثه :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا ) الآية التي في البقرة [136]، وفي الآخرة منهما (آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ) [آل عمران 52] .
أخرجه مسلم في صحيحه رقم (727) والنسائي في الصغرى 2/155 والكبرى (1016) و(11158) تنبيه : ( لفظ النسائي في ( 11158): وفي الأخرى (آمنا واشهد بأننا مسلمون) آية المائدة رقم 111 ، وهذا مخالف للموضع الأول (1016) ولفظه :وفي الأخرى (آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون) آية آل عمران رقم52 ، مع العلم أنه أخرجه بنفس الإسناد في الموضعين !)
والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/298 وأبو نعيم في المستخرج على صحيح مسلم 2/322 والبيهقي في السنن الكبرى 3/42:
كلهم من طرق عن مروان عن عثمان به.
2- عيسى بن يونس :
أخرجه مسلم في صحيحه (727) قال حدثني علي بن خشرم أخبرنا عيسى بن يونس عن عثمان بن حكيم في هذا الإسناد بمثل حديث مروان الفزاري.
3- زهير بن معاوية :
أخرجه أبو داود (1259) قال حدثنا أحمد بن يونس . ومن طريق أبي داود ابن عبد البر في التمهيد 24/43 .
وعبد بن حميد (706) قال حدثنا أبو نعيم .
وأبو عوانة في مسنده (2162) من طريق أحمد، وأبي نعيم عن زهير عن عثمان بمثله .
4- عبد الله بن نمير الهمداني :
أخرجه أحمد 1/230 ، ومن طريقه أبو نعيم في مستخرجه على مسلم 2/322 عن عثمان بمثله .
5- يعلى بن عبيد الطنافسي :
أخرجه أحمد 1/231 ، ومن طريقه أبو نعيم في مستخرجه على مسلم 2/322 عن عثمان بمثله .
6- أبو خالد الأحمر (سليمان بن حيان) :
أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف 2/50 ومن طريقه مسلم (727) ، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم 2/322 والبيهقي في الكبرى 3/42 .
وابن خزيمة في صحيحه (1115) قال حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني .
والحاكم في المستدرك 1/307 من طريق عثمان بن أبي شيبة. وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ! (وهو في مسلم).
ثلاثتهم (أبو بكر وهارون وعثمان) عن أبي خالد الأحمر عن عثمان به.
وهذا نص رواية أبي خالد الأحمر :
كان رسول اللهيقرأ في ركعتي الفجر (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا ) [البقرة 136] ، والتي في آل عمران ( تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ) [ آل عمران 64] هذا لفظ مسلم .
ولفظ ابن خزيمة: ... وفي الأخرى (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ) إلى قوله (اشهدوا بأنا مسلمون) [ آل عمران 64].
ولفظ الحاكم: وفي الركعة الثانية (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ) إلى قوله (واشهد بأنا مسلمون) .
فبجمع الطرق والنظر في تراجمهم تبين ما يلي :
1- أن الرواة عن عثمان بن حكيم كلهم ثقات ، وبعضهم أوثق من بعض .
2- أن الرواة عن عثمان بن حكيم اتفقوا على ما يقرا في الركعة الأولى.
3- أن الرواة عن عثمان بن حكيم غير أبي خالد الأحمر اتفقوا في روايتهم أنه يقرأ في الركعة الثانية :
قوله تعالى: (آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) ، واقتصروا على ذكر هذا الجزء من آخر الآية .
ونص الآية كاملة {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّون َ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (52) سورة آل عمران.
4- أن أبا خالد الأحمر خالفهم فقال : في روايته أنه يقرأ قوله تعالى :
(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (64) سورة آل عمران.
فبهذا يظهر أن رواية أبي خالد شاذة مخالفة لما رواه الثقات عن عثمان بن حكيم ، وكأنه ـ والله أعلم ـ اشتبه عليه ختام الآية 52 من آل عمران وهي قوله تعالى : (آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) ، وهي التي ذكرها كل أصحاب عثمان بن حكيم بختام الآية 64 من آل عمران وهي قوله تعالى : (فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)!
ومما يُغلِّب الظن في هذا المأخذ رواية عثمان بن أبي شيبة عنه عند الحاكم 1/307 أنه يقرأ في الثانية :
(قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ) إلى قوله (واشهد بأنا مسلمون ) فقد ذكر بداية الآية رقم 64 (قل يا أهل الكتاب..) ، وختامها ختام الآية رقم 52 آل عمران التي ذكرها بقية الرواة عن عثمان (واشهد بأنا مسلمون ).
والخلاصة:
أن الصحيح في هذا الحديث قراءة آية البقرة (136){قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} في الركعة الأولى ، وآية آل عمران (52) {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّون َ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} في الركعة الثانية .
بخلاف ما يذكره كثير من العلماء في كتب الفقه وأحاديث الأحكام وغيرها من القراءة في الثانية بآية آل عمران (64) {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} ، والله أعلم.