مع الإمام البيضاوي
من لطيف ما يُحْكَى عن العلامة القاضي ناصر الدين البيضاوي رحمه الله (تـوفي سنة ٦٩١ هـ) أنه لما ألّف تفسيره المشهور المسمّى بـ (أنوار التنزيل وأسرار التأويل) وفرغ منه ، ذهب به إلى بغداد ليعرضه على السلطان ، لعله ينالُ شيئا من عطاياه ، يستعين به على نوائب الدهر .
فمرَّ في طريقه بقرية فيها أحد المشايخ ، فنزل عنده وأضافه ، ثم سأله :
أين قصدك ؟
قال: إلى بغداد .
قال : وما تريد بها ؟
قال : إني صنّفتُ تفسيرا بذلتُ الجهد في تنقيحه وتهذيبه ، ولي بناتٌ قد أدرَكْنَ ، فاحتجت إلى تجهيزهنّ ولا مال لي ، فأردت أن أذهب إلى السلطان عسى أن يحلّ لي من عنده ما أستعين به في جَهازهنّ .
فقال له ذلك الشيخ : بم فسّرتَ قوله تعالى : {إياك نعبد وإياك نستعين} ؟.
قال : فسّرناه بأنّا لا نعبد إلا إياك ، ولا نستعين إلا بك .
فقال له : فكيف تستعين بغيره ؟!
فأثّر كلامه في قلب العلامة البيضاوي ، وتنبّه ورجع قافلا من حيث جاء ، ولم يذهب إلى بغداد !
قالوا : فمن أجل ذلك وضع الله القبول على تفسيره ، فأقبل عليه العلماء من كلِّ جهةٍ في حياته وبعد مماته ، وخدموه بالتعليقات والحواشي ، وحصل به نفعٌ كبير.
الرحلة العياشية (١ / ٢٤٩) (بتصرّف) ..