الْحَلْقُ أَوِ التَّقْصِيرُ

يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف

قَالَ الْمُصَنِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ-: [وَيَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ مِنْ جَمِيعِ شَعَرهِ،ِ وَتُقَصِّرُ مِنْهُ الْمَرْأَةُ قَدْرَ أُنْمُلَةٍ، ثُمَّ قَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ. وَالْحِلاقُ وَالتَّقْصِيرُ: نُسُكٌ، لَا يَلْزَمُ بِتَأْخِيرِهِ دَمٌ، وَلَا بِتَقْدِيمِهِ عَلَى الرَّمْيِ وَالنَّحْرِ].

ثَامِنًا: الْحَلْقُ أَوِ التَّقْصِيرُ. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَيَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ مِنْ جَمِيعِ شَعَرِهِ، وَتُقَصِّرُ الْمَرْأَةُ مِنْهُ قَدْرَ أُنْمُلَةٍ).

وَهَذَا هُوَ الْعَمَلُ الثَّالِثُ مِنْ أَعْمَالِ يَوْمِ النَّحْرِ: الْحَلْقُ.

وَالْكَلَامُ هُنَا فِي فُرُوعٍ:
الْفَرْعُ الْأَوَّلُ: التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ.


النَّاسِكُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ، وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ ، قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِي نَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ ، قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِي نَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَالْمُقَصِّرِي نَ»[1]؛ فَالْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحَلْقَ أَفْضَلُ مِنَ التَّقْصِيرِ، وَفِيهِ: أَنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ.


الْفَرْعُ الثَّانِي: الْقَدْرُ الَّذِي يَكْفِي فِي الْحَلْقِ أَوِ التَّقْصِيرِ.


قَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ التَّقْصِيرَ مُجْزِئٌ[2]؛ وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْقَدْرِ الَّذِي يَكْفِي فِي الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يَجِبُ حَلْقُ أَوْ تَقْصِيرُ جَمِيعِ الرَّأْسِ، وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ -رَحِمَهُ اللهُ-، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ[3].


الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُجْزِئُ بَعْضُهُ، وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الحْنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّ ةِ -إِلَّا أَنَّ الْأَحْنَافَ قَالُوا لَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ رُبْعِ الرَّأْسِ، وَالشَّافِعِيَّ ةُ قَالُوا: لَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ قَصَّرَ أَوْ حَلَقَ، وَلِأَنَّ الثَّلَاثَةَ جَمْعٌ[4].


وَالصَّحِيحُ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ -إِنْ شَاءَ اللهُ-، وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ حَلْقُ جَمِيعِ الرَّأْسِ أَوْ تَقْصِيرُ جَمِيعِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ﴾ [الفتح: 27]، وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِهِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَلَقَ جَمِيعَ رَأْسِهِ؛ تَفْسِيرًا لِمُطْلَقِ الْأَمْرِ بِهِ فَيَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ[5].

الْفَرْعُ الثَّالِثُ: الْمَشْرُوعُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ مِنَ الْحَلْقِ أَوِ التَّقْصِيرِ، وَمِقْدَارُهُ. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَتُقَصِّرُ الْمَرْأَةُ مِنْهُ قَدْرَ أُنْمُلَةٍ).

الْمَشْرُوعُ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ التَّقْصِيرُ دُونَ الْحَلْقِ، وَهَذَا مَحَلُّ إِجْمَاعٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ[6].

وَالْمَذْهَبُ: وُجُوبُ تَقْصِيرِ الْمَرْأَةِ جَمِيعَ رَأْسِهَا، وَيَكْفِيهَا قَدْرُ الْأُنْمُلَةِ، قَالَ فِي (الْإِنْصَافِ):"ي عْنِي: *فَأَقَلَّ"[7]، "وَقَالَ أَبُو دَاوُد: سَمِعْت أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ تُقَصِّرُ مِنْ كُلِّ رَأْسِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، تَجْمَعُ شَعْرَهَا إلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهَا، ثُمَّ تَأْخُذُ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهَا قَدْرَ أُنْمُلَةٍ"[8].

وَقَالَ الشَّنْقِيطِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَالصَّوَابُ عِنْدَنَا: وُجُوبُ تَقْصِيرِ الْمَرْأَةِ جَمِيعَ رَأْسِهَا، وَيَكْفِيهَا قَدْرُ الْأُنْمُلَةِ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَقْصِيرٌ مِنْ غَيْرِ مُنَافَاةٍ لِظَوَاهِرِ النُّصُوصِ، وَلِأَنَّ شَعَرَ الْمَرْأَةِ مِنْ جَمَالِهَا، وَحَلْقُهُ مُثْلَةٌ، وَتَقْصِيرُهُ جِدًّا إِلَى قُرْبِ أُصُولِ الشَّعَرِ نَقْصٌ فِي جَمَالِهَا، وَقَدْ جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَنَّ النِّسَاءَ لَا حَلْقَ عَلَيْهِنَّ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِنَّ التَّقْصِيرُ.. -ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حَلْقٌ، إِنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ»[9]... -إِلَى أَنْ قَالَ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ:- أَقَلُّ دَرَجَاتِهِ الْحُسْنُ"*[10].

فَــــائِدَةٌ: وَالْأُنْمُلَةُ : رَأْسُ الْإِصْبَعِ مِنَ الْمَفْصِلِ الْأَعْلَى[11].

وَهُنَا مَسْأَلَةٌ: تَجْدُرُ الْإِشَارَةُ إِلَيْهَا، وَهِيَ:
اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْأَصْلَعِ الَّذِي لَيْسَ عَلَى رَأْسِهِ شَعَرٌ هَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ إِمْرَارُ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ أَمْ يَجِبُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: يُسْتَحَبُّ إِمْرَارُ الْمُوسَى، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنابِلَةِ، وَالشَّافِعِيَّ ةِ، وَقَوْلٌ لِلْحَنَفِيَّةِ[12].


الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَجِبُ إِمْرَارُ الْمُوسَى، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ[13]. قَالَ الْمَرْدَاوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَفِي النَّفْسِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَهُوَ قَرِيبٌ إِلَى الْعَبَثِ"[14].


فَـــــــائِدَة ٌ:
إِذَا أَرَادَ الْحَاجُّ حَلْقَ شَعَرِهِ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ؛ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ لِحَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْبُدْنِ فَنَحَرَهَا وَالْحَجَّامُ جَالِسٌ، وَقَالَ بِيَدِهِ عَنْ رَأْسِهِ، فَحَلَقَ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ فَقَسَمَهُ فِيمَنْ يَلِيهِ، ثُمَّ قَالَ: احْلِقِ الشِّقَّ الْآخَرَ؛ فَقَالَ: أَيْنَ أَبُو طَلْحَةَ؟ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ[15].

فَـــــــائِدَة ٌ أُخْرَى:
قَالَ فِي (الْإِنْصَافِ): "ويُسْتَحَب *أنْ *يَسْتَقْبِلَ *القِبْلَةَ. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: وَيَدْعُو وَقْتَ الحَلْقِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ: يُكَبِّرُ وقْتَ الحَلْقِ؛ لأنَّهُ نُسُكٌ"[16].

وَقَالَ أَيْضًا فِي (الْإِنْصَافِ): "فَائِدَةٌ: الأَوْلَى أنْ لَا يُشارِطَ الْحَلَّاقَ عَلَى أُجْرَتِهِ؛ لِأَنَّهُ نُسُكٌ. قَالَهُ أَبُو حَكِيمٍ"[17].

فَـــــــائِدَة ٌ أُخْرَى:
قَالَ فِي (الشَّرْحِ): "وَيُسْتَحَب تَقْلِيمُ أَظْفَارِهِ، وَالْأَخْذُ مِنْ شَارِبِهِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا حَلَقَ رَأْسَهَ: قَلَّمَ أَظْفَارَهُ[18]، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَأْخُذُ مِنْ شَارِبِهِ وَأَظْفَارِهِ[19]"[20].

الْفَرْعُ الرَّابِعُ: حُصُولُ التَّحَلُّلِ بَعْدَ الْحَلْقِ أَوِ التَّقْصِيرِ. وَهَذَا أَشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (ثُمَّ قَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ).

أَيْ: "ثُمَّ إِذَا رَمَىْ وَحَلَقَ أَوْ قَصَّرَ فَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيءٍ كَانَ مَحْظُورًا بِالْإِحْرَامِ إِلَّا النِّسَاءَ وَطْئًا وَمُبَاشَرَةً وَقُبْلَةً وَلَمْسًا لِشَهْوَةٍ وَعَقْدَ نِكَاحٍ"، قَالَهُ فِي (الرَّوْضِ)[21]، وَقَالَ نَحْوَهُ فِي (الشَّرْحِ)[22]، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ كَمَا فِي (الْإِنْصَافِ)[23].

إِذًا: صَرِيحُ كَلاَمِ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يَحِلُّ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ حَتَّى يَرْمِيَ وَيَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ عَلَى أَقْوَالٍ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ التَّحَلُّلَ الْأَوَّلَ يَحْصُلُ بِفِعْلِ اثْنَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَهِيَ: رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَالْحَلْقُ أَوِ التَّقْصِيرُ، وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ؛ فَإِذَا فَعَلَ اثْنَيْنِ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ: تَحَلَّلَ التَّحَلُّلَ الْأَوَّلَ، وَإِنْ فَعَلَ الثَّالِثَ: تَحَلَّلَ التَّحَلُّلَ الثَّانِي، وَبِالْأَوَّلِ يَحِلُّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النَّسَاءَ، وَبِالثَّانِي تَحِلُّ لَهُ النِّسَاءُ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ[24]، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَجَرٍ[25].

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ التَّحَلُّلَ الْأَوَّلَ يَحْصُلُ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنَ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهَا الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ مَالِكٍ، وَوَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ[26]؛ فَبِمُجَّرَدِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ: يَحِلُّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ وَالصَّيْدَ وَالطِّيبَ، وَإِنْ طَافَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ، وَكَانَ قَدْ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ أَوْ سَعَى بَعْدَ إِفَاضَتِهِ: فَقَدْ تَحَلَّلَ التَّحَلُّلَ الثَّانِيَ.

الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ التَّحَلُّلَ الْأَوَّلَ يَحْصُلُ بِالْحَلْقِ بَعْدَ الرَّمْيِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ بِالرَّمْيِ قَبْلَ الْحَلْقِ شَيْءٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ[27]، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ الشَّنْقِيطِيُّ[28].

هَذِهِ هِيَ أَقْوَالُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَإِلَيْكَ أَدِلَّتَهُمْ:
أَمَّا أَدِلَّةُ أَصْحَابِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَهِيَ:
أَوَّلًا: حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، قَالَتْ: «كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِإِحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ»[29]، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّهُ "لَوْ كَانَ يَحِلُّ بِالرَّمْيِ لَقَالَتْ: وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ؛ فَهِيَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- جَعَلَتِ الْحِلَّ مَا بَيْنَ الطَّوَافِ وَالَّذِي قَبْلَهُ، وَالَّذِي قَبْلَهُ هُوَ الرَّمْيُ وَالنَّحْرُ وَالْحَلْقُ؛ لَا سِيَمَا وَأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ)[30]"[31].

ثَانِيًا: اسْتَدَلُّوا أَيْضًا: بِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «إِذَا رَمَيْتُمْ وَحَلَقْتُمْ، فَقَدْ حَلَّ لَكُمُ الطِّيبُ وَالثِّيَابُ وَكُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ»، وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَفِي إِسْنَادِهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ[32].

وَأَمَّا أَدِلَّةُ أَصْحَابِ الْقَوْلِ بِأَنَّ التَّحَلُّلَ الْأَوَّلَ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ؛ فَيَحِلُّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ وَالصَّيْدَ؛ فَهِيَ:
أَوَّلًا: أَثَرٌ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا رَمَيْتُمُ الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ مَا حَرُمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ»[33]. قَالَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "حَدِيثُ عُمَرَ مُرْسَلٌ"[34]؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مَكْحُولٍ عَنْ عُمَرَ، وَمَكْحُولٌ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ؛ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ.

ثَانِيًا: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ﴾ [المائدة: 95]؛ فَهُوَ وَإِنْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَلَا يَزَالُ مُحْرِمًا حَتَّى يَتَحَلَّلَ التَّحَلُّلَ الثَّانِيَ، فَهُمْ تَمَسَّكُوا بِظَاهِرِ الْآيَةِ.

ثَالِثًا: مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ: «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَطَبَ النَّاسَ بِعَرَفَةَ، وَعَلَّمَهُمْ أَمْرَ الْحَجِّ، وَقَالَ لَهُمْ فِيمَا قَالَ: إِذَا جِئْتُمْ مِنًى، فَمَنْ رَمَى الْجَمْرَةَ، فَقَدْ حَلَّ لَهُ مَا حَرُمَ عَلَى الْحَاجِّ؛ إِلاَّ النِّسَاءَ، وَالطِّيبَ، لاَ يَمَسَّ أَحَدٌ نِسَاءً، وَلاَ طِيباً، حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ»، وَهَذَا ثَابِتٌ عَنْ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-[35].


وَأَمَّا أَدِلَّةُ أَصْحَابِ الْقَوْلِ الثَّالِثِ؛ فَهِيَ: أَنَّ التَّحَلُّلَ مِنَ الْعِبَادَةِ هُوَ الْخُرُوجُ مِنْهَا، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ بِرُكْنِهَا، بَلْ بِمَا يُنَافِيهَا أَوْ بِمَا هُوَ مَحْظُورُهَا، وَالْحَلْقُ قَبْلَ أَوَانِهِ مَحْظُورٌ بِخَلَافِ الرَّمْيِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ التَّحَلُّلَ يَكُونُ بِالْحَلْقِ لَا بِالرَّمْيِ، وَالتَّحَلُّلُ بِالْحَلْقِ هُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُو ا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴾ [الحج: 29].


هَذِهِ أَدِلَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَالْقَوْلُ الَّذِي تَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ النَّفْسُ هُوَ الثَّالِثُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ فِعْلُهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-؛ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَحَلَّلْ حَتَّى رَمَى وَحَلَقَ -وَاللهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ-.

وَهُنَا تَنْبِيهَاتٌ:
أَحَدُهَا: الرَّسُولُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- لَمْ يَحِلَّ إِلَّا بَعْدَ أَنْ نَحَرَ هَدْيَهُ، كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ حَفْصَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِلرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ قَالَ: إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي، وَقَلَّدْتُ هَدْيِي، فَلاَ أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ»[36]، وَهَذَا الْحَدِيثُ يُفِيدُ ظَاهِرُهُ أَنَّ التَّحَلُّلَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ الذَّبْحِ، وَهَذَا هُوَ السُّنَّةُ لِمَنْ كَانَ عَلَيْهِ هَدْيٌ.

ثَانِيًا: الصَّحِيحُ: أَنَّ الطِّيبَ يَحِلُّ بِالتَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ؛ لِصَرِيحِ حَدِيثِ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: «كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِإِحْرَامِهِ حِينَ يُحْرِمُ، وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ»[37].

ثَالِثًا: الْمَقْصُودُ مِنَ التَّحَلُّلِ الثَّانِي: أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِالْحَجِّ حَتَّى النِّسَاءِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ؛ كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ: «ثُمَّ لَمْ يَحْلِلْ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ، وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَأَفَاضَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ»[38].

الْفَرْعُ الْخَامِسُ: هَلِ الْحَلْقُ أَوِ التَّقْصِيرُ نُسُكٌ؟ وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَالْحِلَاقُ وَالتَّقْصِيرُ: نُسُكٌ).

هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْحَلْقَ وَالتَّقْصِيرَ نُسُكٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ، وَعَلَى هَذَا: فَيَلْزَمُهُ فِي تَرْكِهِ دَمٌ، وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ[39].

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ بِنُسُكٍ، وَإِنَّمَا هُوَ إِطْلَاقٌ مِنْ مَحْظُورٍ كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ بِالْإِحْرَامِ، فَأُطْلِقَ فِيهِ بِالْحِلِّ كَاللِّبَاسِ وَسَائِرِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ، وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: لَا شَيْءَ عَلَى تَارِكِهِ، وَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِدُونِهِ[40].

وَلَعَلَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ أَرْجَحُ؛ لِمَا يَلِي[41]:
أَوَّلًا: لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى وَصَفَ الْمُتَنَسِّكِي نَ بِقوْلِهِ: ﴿ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ﴾ [الفتح: 27]، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَنَاسِكِ لَمَا وَصَفَهُمْ بِهِ.

ثَانِيًا: لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ بِهِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ: «وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى، فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلْيُقَصِّرْ وَلْيَحْلِلْ»[42].

ثَالِثًا: أَنَّهُ ثَبَتَ عَنْهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: تَرَحُّمَهُ عَلَى الْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا، وَعَلَى الْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً[43]، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَنَاسِكِ: لَمَا اسْتَحَقَّ فَاعِلُهُ دُعَاءَ النَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- بِالرَّحْمَةِ.

الْفَرْعُ السَّادِسُ: تَأْخِيرُ الْحَلْقِ أَوِ التَّقْصِيرِ. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَلْزَمُ بِتَأْخِيرِهِ دَمٌ).

أَيْ: لَا يَلْزَمُ بِتَأْخِيرِ الْحَلْقِ أَوِ التَّقْصِيرِ عَنْ أَيَّامِ مِنًى دَمٌ، هَذَا الَّذِي قرَّرَهُ الْمُؤَلِّفُ.

وَيُمْكِنُ الْقَوْلُ بِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: لَا يَلْزَمُ بِتَأْخِيرِ الْحَلْقِ أَوِ التَّقْصِيرِ عَنْ أَيَّامِ مِنًى دَمٌ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ[44].

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ إِذَا أَخَّرَهُ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ لَزِمَهُ دَمٌ، وَهَذَا قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنابِلَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ[45].

الْقَوْلُ الثَّالِثُ: إِذَا أَخَّرَهُ عَنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ الَّتِي تَنْتَهِي بِنِهَايَةِ ذِي الْحِجَّةِ: لَزِمَهُ دَمٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ[46].

وَلَا شَكَّ: أَنَّهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- حَلَقَ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ أَنْ رَمَى وَنَحَرَ، وَهُوَ الْقَائِلُ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»[47]؛ فَيَنْبَغِي التَّأَسِّي بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَاللهُ أَعْلَمُ.


الْفَرْعُ السَّابِعُ: تَقْدِيمُ الْحَلْقِ أَوِ التَّقْصِيرِ عَلَى الرَّمْيِ وَالنَّحْرِ. وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا بِتَقْدِيمِهِ عَلَى الرَّمْيِ وَالنَّحْرِ).

السُّنَّةُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ: أَنْ يَرْمِيَ ثُمَّ يَنْحَرَ ثُمَّ يَحْلِقَ ثُمَّ يَطُوفَ، هَذِهِ هِيَ السُّنَّةُ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ فِي صِفَةِ حَجَّتِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-[48].

فَإِنْ أَخَلَّ بِتَرْتِيبِهَا نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: «فَمَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلَا أُخِّرَ، إِلَّا قَالَ: افْعَلْ وَلَا حَرَجَ»[49]، وَهُوَ نَصٌّ صَرِيحٌ.

وَأَمَّا إِنْ أَخَلَّ بِتَرْتِيبِهَا عَامِدًا عَالِمًا: فَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي لُزُومِ الدَّمِ عَلَيْهِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ فِعْلُ ذَلِكَ، وَهَذَا إِحْدَى الرِّوَايَتَيْن ِ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ[50].

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ عَلَيْهِ دَمًا، وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ[51]؛ وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ الْحَدِيثَ فِيهِ: «لَمْ أَشْعُرْ»[52]؛ فَيَخْتَصُّ الْحُكْمُ بِهَذِهِ الْحَالِ، وَيَبْقَى الْعَامِدُ عَلَى أَصْلِ وُجُوبِ اتِّبَاعِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْحَجِّ؛ لِقَوْلِهِ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»[53].

وَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ نَاحِيَةِ الدَّمِ وَعَدَمِهِ وَالْإِثْمِ وَعَدَمِهِ، لَا مِنْ نَاحِيَةِ الْإِجْزَاءِ؛ فَقَدْ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ *مُخَالَفَةَ *التَّرْتِيبِ *لَا *تُخْرِجُ *هَذِهِ الْأَفْعَالَ عَنِ الْإِجْزَاءِ، وَلَا تَمْنَعُ وُقُوعَهَا مَوْقِعَهَا"[54].

[1] أخرجه البخاري (1727)، ومسلم (1301).

[2] ينظر: الإجماع، لابن المنذر (ص: 59)، والمجموع، للنووي (8/ 199)، وفتح الباري، لابن حجر (3/ 564).

[3] ينظر: التمهيد، لابن عبد البر (15/ 238)، والشرح الكبير على متن المقنع (3/ 455).

[4] ينظر: التجريد، للقدوري (4/ 1890)، والشرح الكبير على متن المقنع (3/ 455، 456)، والحاوي الكبير (4/ 163).

[5] ينظر: المغني، لابن قدامة (3/ 393).

[6] ينظر: الإجماع، لابن المنذر (ص58)، والمجموع، للنووي (8/204)، والمغني، لابن قدامة (3/390).

[7] الإنصاف، للمرداوي (9/ 209).

[8] ينظر: المغني، لابن قدامة (3/ 390).

[9] أخرجه أبو داود (1984).

[10] أضواء البيان (5/ 642، 643).

[11] ينظر: المغني، لابن قدامة (3/ 390).

[12] ينظر: البحر الرائق (2/ 372)، والمجموع، للنووي (8/ 193،194)، والإنصاف، للمرداوي (9/ 211).

[13] ينظر: درر الحكام (1/ 229)، والذخيرة، للقرافي (3/ 269).

[14] ينظر: الإنصاف، للمرداوي (9/ 211).

[15] أخرجه مسلم (1305).

[16] ينظر: الإنصاف، للمرداوي (9/ 204، 205).

[17] ينظر: الإنصاف، للمرداوي (9/ 206).

[18] أخرجه أحمد (16475).

[19] أخرجه البيهقي في الكبرى (9477).

[20] الشرح الكبير على متن المقنع (3/ 457).

[21] الروض المربع (2/ 141).

[22] الشرح الكبير على متن المقنع (3/ 458).

[23] ينظر: الإنصاف، للمرداوي (9/ 211).

[24] ينظر: البيان في مذهب الإمام الشافعي (4/ 346)، والإنصاف، للمرداوي (9/ 217، 218).

[25] فتح الباري، لابن حجر (3/ 585).

[26] ينظر: الذخيرة للقرافي (3/269) والمغني لابن قدامة (3/390) وروضة الطالبين (3/103، 104).

[27] ينظر: حاشية ابن عابدين (2/ 517).

[28] ينظر: أضواء البيان (4/ 458، 459)، ومنسك الشنقيطي للطيار (2/ 74-75).

[29] أخرجه البخاري (1539)، واللفظ له، ومسلم (1189).

[30] أخرجه البخاري (1566)، ومسلم (1229).

[31] ينظر: الشرح الممتع (7/ 332).

[32] أخرجه أحمد (25103)، واللفظ له، وأبو داود (1978).

[33] أخرجه الشافعي في مسنده (1019).

[34] المجموع، للنووي (8/ 226).

[35] أخرجه مالك (1544).

[36] أخرجه البخاري (1725)، ومسلم (1229).

[37] تقدم قبل قليل.

[38] أخرجه البخاري (1691)، ومسلم (1227).

[39] ينظر: البحر الرائق (3/ 25، 26)، والمدونة (1/ 441)، والإنصاف، للمرداوي (9/ 213).

[40] ينظر: الإنصاف، للمرداوي (9/ 214).

[41] ينظر: البيان في مذهب الإمام الشافعي (4/ 342).

[42] أخرجه البخاري (1691)، ومسلم (1227).

[43] تقدم تخريجه.

[44] ينظر: المجموع، للنووي (8/ 209)، والإنصاف، للمرداوي (9/ 216).

[45] ينظر: التجريد، للقدوري (4/ 2149)، والمغني، لابن قدامة (3/ 388).

[46] ينظر: مواهب الجليل (3/ 130).

[47] تقدم تخريجه.

[48] تقدم تخريجه.

[49] أخرجه البخاري (83)، ومسلم (1306).

[50] ينظر: شرح مسلم، للنووي (9/ 55)، والإنصاف، للمرداوي (9/ 220).

[51] ينظر: شرح مسلم، للنووي (9/ 55)، والإنصاف، للمرداوي (9/ 221).

[52] أخرجه البخاري (1736)، ومسلم (1306).

[53] تقدم تخريجه.

[54] المغني، لابن قدامة (3/ 396).