القول الثاني: أنه ينقضه بركعة تشفعه، ثم يصلي ما شاء، ويختم صلاته بوتر.
ونقل عن:
عمرو بن ميمون وابن سيرين وعروة بن الزبير ومكحول من التابعين، وهو رواية عن أحمد، وقول إسحاق بن راهويه، ورواية عند المالكية، ووجه عند الشافعية.
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتابه "فتح الباري" (6/255):
قال كثير من الصحابة:
يصلي ركعة واحدة فيصير بها وتره الماضي شفعاً، ثم يصلي ما أراد، ثم يوتر في آخر صلاته.
وهؤلاء أخذوا بقوله: (( اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْراً )).
ولهذا روى ابن عمر هذا الحديث، وهو كان ينقض وتره، فدل على أنه فهمه منه.
وروي عن أسامة بن زيد وغير واحد من الصحابة، حتى قال أحمد: وروي ذلك عن اثني عشر رجلاً من الصحابة.
وممن روي ذلك عنه منهم:
عمر وعثمان وعلي وسعد وابن مسعود وابن عباس في رواية، وهو قول عمرو بن ميمون وابن سيرين وعروة ومكحول، وأحمد في رواية اختارها أبو بكر وغيره.
قال ابن أبي موسى: هي الأظهر عنه.
وقول إسحاق، قال إسحاق: وإن لم يفعل ذلك لم يكن قد عمل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْراً )).
وهو أيضاً وجه للشافعية.اهـ
وقال شمس الدين الزركشي ـ رحمه الله ـ في "شرحه على مختصر الخرقي"(2/67):
وصح عن اثني عشر من الصحابة نقض الوتر بركعة.اهـ
وممن ثبت عنه هذا القول من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ، هؤلاء:
أولاً: الخليفة الراشد عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ.
فقد قال ـ رضي الله عنه ـ: (( أَمَّا أَنَا فَإِذَا أَرَدْتُ أَنْ أَقُومَ مِنَ اللَّيْلِ أُوتِرْتُ بِرَكْعَةٍ ثُمَّ نِمْتُ، فَإِذَا قُمْتُ وَصَلْتُ إِلَيْهَا أُخْرَى )).
وقد أخرجه ابن أبي شيبة ( 2/ 82 رقم:6730) وبنحوه برقم: (6726) وابن المنذر في "الأوسط"(5/197رقم:2685و5/172 رقم:2619) واللفظ له، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"( 2000و 2001) وعبد الله بن أحمد في "مسائله"( 325).
ثانياً: عبد الله بن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنهما ـ.
إذ أخبر عنه ابنه سالم ـ رحمه الله ـ: (( أَنَّهُ كَانَ إِذَا نَامَ عَلَى وِتْرٍ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ صَلَّى رَكْعَةً إِلَى وِتْرِهِ فَيَشْفَعُ لَهُ، ثُمَّ أَوْتَرَ بَعْدُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ )).
وقد أخرجه عبد الرزاق (3/ 29رقم:4682) وابن المنذر في "الأوسط"(5/197رقم: 2687) والطحاوي في "شرح معاني الآثار"( 2005).
ثالثاً: عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ.
إذ قال ـ رضي الله عنه ـ: (( إِذَا أَوْتَرَ الرَّجُلُ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ ثُمَّ قَامَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيَشْفَعْ وَتْرَهُ بِرَكْعَةٍ، ثُمَّ لِيُصَلِّ، ثُمَّ لِيُوتِرْ آخِرَ صَلَاتِهِ )).
وقد أخرجه ابن أبي شيبة ( 2/82-83 رقم:6728). وأخرجه ابن المنذر في "الأوسط" (5/197رقم:2689) من فعله.
رابعاً: أسامة بن زيد ـ رضي الله عنه ـ.
فقد ذكر أبو مِجْلَزٍ ـ رحمه الله ـ أن أسامة بن زيد وابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قالا: (( إِذَا أَوْتَرْتَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، ثُمَّ قُمْتَ تُصَلِّي فَصَلِّ مَا بَدَا لَكَ، وَاشْفَعْ بِرَكْعَةٍ ثُمَّ أَوْتِرْ )).
وقد أخرجه ابن أبي شيبة (2/83 رقم:6728).
وأخرجه ابن المنذر في "الأوسط"(5/197رقم:2689) من فعلهما.
القول الثالث: إنه مخير، إن شاء نقض وتره بشفع، وإن شاء لم ينقضه، وصلى بعده مثنى مثنى.
وهو رواية عن الإمام أحمد.
وثبت التخيير أو الفتوى بالأمرين عن بعض الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ، ومنهم:
أولاً: الخليفة الراشد علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ.
فقد قال ـ رضي الله عنه ـ: (( إِنْ شِئْتَ إِذَا أَوْتَرْتَ قُمْتَ فَشَفَعْتَ بِرَكْعَةٍ ثُمَّ أَوْتَرْتَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ شِئْتَ صَلَّيْتَ بَعْدَ الْوِتْرِ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ شِئْتَ أَخَّرْتَ الْوِتْرَ حَتَّى تُوتِرَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ )).
وقد أخرجه عبد الرزاق (3/30رقم: 4684) واللفظ له، وابن المنذر في "الأوسط"(5/200) والطحاوي في "شرح معاني الآثار"( 2003) والبيهقي (4627).
ثانياً: عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنها ـ.
فقد قال ـ رضي الله عنه ـ: (( إِذَا أَوْتَرَ الرَّجُلُ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ ثُمَّ قَامَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيَشْفَعْ وَتْرَهُ بِرَكْعَةٍ، ثُمَّ لِيُصَلِّ، ثُمَّ لِيُوتِرْ آخِرَ صَلَاتِهِ )).
وقد أخرجه ابن أبي شيبة ( 2/82 رقم:6725).
وفي لفظ آخر له (2/82رقم:6728): (( إِذَا أَوْتَرْتَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، ثُمَّ قُمْتَ تُصَلِّي فَصَلِّ مَا بَدَا لَكَ، وَاشْفَعْ بِرَكْعَةٍ ثُمَّ أَوْتِرْ )).
وأخرجه ابن المنذر في "الأوسط"(5/197رقم:2689) من فعله.
وقال ـ رضي الله عنه ـ: (( إِذَا أَوْتَرَ أَوَّلَ اللَّيْلِ فَلَا يَشْفَعْ بِرَكْعَةٍ، وَصَلَّى شَفْعًا حَتَّى يُصْبِحَ )).
وقد أخرجه عبد الرزاق (3/30-31 رقم:4686و4685) واللفظ له، وابن أبي شيبة (6739و 6738).
وقد قال الحافظ ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتابه "فتح الباري" (6/257):
وعن أحمد: أنه مخير بين الأمرين، لأنهما جميعاً مرويان عن الصحابة.اهـ
وفي كتاب "المغني"(3/598) لابن قدامة ـ رحمه الله ـ:
قيل لأحمد: ولا ترى نقض الوتر؟ فقال: لا، ثم قال: وإن ذهب إليه رجل فأرجو، لأنه قد فعله جماعة.اهـ
الوقفة الرابعة / عن حكم التطوع بالصلاة بعد الوتر.
قال الحافظ ابن رجب ـ رحمه الله ـ في كتابه "فتح الباري" (6/257-258):
ويتصل بهذا:
الكلام على حكم الصلاة بعد الوتر.
وقد كرهه طائفة من السلف، ومستندهم: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْراً ))، وما أشبهه.
وروى عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري: (( أنه كره الصلاة بعد الوتر )).
وكان أبو مجلز لا يصلي بعد الوتر إلا ركعتين.
وقال قيس بن عباد: إذا أوترت ثم قمت فاقرأ وأنت جالس.
وظاهر هذا: أنه يقرا من غير صلاة.
وأما الأكثرون فلم يكرهوا الصلاة بعد الوتر، ولكن اختلفوا في نقضه، كما سبق.اهـ
ويقوى القول الأخير الذي عليه جماهير أهل العلم، ما تقدم من آثار ثابتة عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ إما بالصلاة منهم بعد الوتر أو بالإفتاء بفعلها.
ومنهم: عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعمار بن ياسر وأسامة بن زيد وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن العباس.
الوقفة الخامسة / عن بعض المصادر المعينة على التزود والتأكد من معرفة هذا الحكم.
من أراد التوسع في معرفة هذه المسألة، وما ذُكرت حولها من أحاديث وآثار وأقوال، والتأكد والتثبت، فليطالع وينظر في:
مصنف عبد الرزاق (3/29-32) ومصنف ابن أبي شيبة (2/82-83) وسنن الترمذي (2/334 رقم:470) ومسائل إسحاق بن منصور الكوسج (1/164-165 مسألة رقم:296) و مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود السجستاني (ص91) و مسائل أحمد بن حنبل رواية ابنه عبد الله (325 ) وشرح معاني الآثار (1/342/343) والأوسط لابن المنذر (5/ 196-201) والإشراف (2/268-269) والاستذكار (5/278-280) ومختصر كتاب الوتر للمقريزي (ص99-109) وسنن البيهقي (3/36) ومعرفة السنن والآثار (4/255-259 رقم:1483-1486) وشرح السنة (4/95) وعارضة الأحوذي (2/255-256) وإكمال المعلم (3/91) وبداية المجتهد (1/475-476) والمغني (3/597) والمفهم لما أشكل من شرح مسلم (2/385) والقوانين الفقهية (ص107) والمجموع (3/521و5-9) وإحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (1/317) وفتح الباري لابن رجب (6/255- 257و258) وشرح صحيح البخاري لابن بطال (2/581) والتوضيح لشرح الجامع الصحيح"(8/195-197) ونخب الأفكار (5/408-414و417-428) وطرح التثريب (2/698) وشرح سنن أبي داود للعيني (5/350-352) وفتح الباري لابن حجر (2/558عند حديث رقم:990) وكشف الستر عن حكم الصلاة بعد الوتر (ص30-31) لابن حجر، وشرح مسن الشافعي لابن الأثير (2/203-204) ومرقاة المفاتيح (4/303-304) ونيل الأوطار (3/54) وسبل السلام (2/281 رقم:356) وتحفة الأحوذي (2/469-471) وعون المعبود (2أو4/221-222 رقم:1436) ومرعاة المفاتيح (4/266-267رقم:1266) وشرح صحيح البخاري لابن عثيمين (3/64) وشرح سنن النسائي المسمى ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (18/3942 رقم:1679).
والجرح والتعديل (7/100 رقم:568) والعلل لابن أبي حاتم (1/193 رقم:553) والضعفاء للعجلي (2/220 رقم:1532) وسنن الدارقطني (1/149-150 و2/166) والمختارة للضياء المقدسي (2/253رقم:666-667) والأحكام الوسطى (2/47) وبيان الوهم والإيهام (4/145 رقم:1588) وتهذيب الكمال (24/56-58 رقم:4910) والجوهر النقي (1/134-135 مع سنن البيهقي) وميزان الاعتدال (6916) والمغني في الضعفاء (1/123 رقم:5066) والبدر المنير (4/317-318) وتلخيص الحبير (2/43رقم:525) وتهذيب التهذيب (8/708) وصحيح سنن أبي داود (5/184-185 رقم:1293 الأم) وبحر الدم (1/131 رقم:857) وموسوعة أقوال الإمام أحمد في الجرح والتعديل (6/468).