#النهي_عن_صيام_يو م_السبت_في_غير_ال فريضة:
قاعدة تقديم الحاظر على المبيح:
عندما تكون المسألة محل اختلاف أنظار
تقول القاعدة الأصولية: "إذا اجتمع حاظر ومبيح ولم يمكن الفصل بينهما غُلِّب جانب الحظر".
هذا النص بتمامه ذكره الشيخ ابن عثيمين في فتوى له في حكم اقتناء الدشوش في لقاء الباب المفتوح, 4/40()، واللفظ المشهور لها هو, (إذا تعارض حاظر ومبيح، قدم الحاظر على المبيح)، فلماذا هذا الاحتراز فيما ذكره الشيخ ابن عثيمين في قوله: (ولم يمكن الفصل بينهما)؟
هذا السؤال يحتاج منا لفهم ثلاثة أمور:
--فهم دقيق لمعنى هذه القاعدة.
--إعمال هذه القاعدة هل يكون في مسلك الجمع أو الترجيح؟
--التطبيق الأصولي الصحيح لهذه القاعدة، فقد يقع المجتهد في تطبيق خاطئ لقواعد الأصول ينتج عنه تغاير في الحكم الشرعي.


في أي المسالك يسلك العلماء هذه القاعدة؟ في مسلك الجمع، أو مسلك الترجيح؟
يذكرها العلماء في باب الترجيح، وامتى ما أمكن الجمع لم يلجأ للترجيح، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في كتاب الأصول من علم اصول تحت عنوان, (الترتيب بين الأدلة ما نصه):
"إذا اتفقت الأدلة السابقة «الكتاب والسنة والإجماع والقياس» على حكم أو انفرد أحدها من غير معارض وجب إثباته، وإن تعارضت، وأمكن الجمع وجب الجمع، وإن لم يمكن الجمع عمل بالنسخ إن تمت شروطه.

وإن لم يمكن النسخ وجب الترجيح.

فيرجح من الكتاب والسنة:
إذا اتفقت الأدلة السابقة «الكتاب والسنة والإجماع والقياس» على حكم أو انفرد أحدها من غير معارض وجب إثباته، وإن تعارضت، وأمكن الجمع وجب الجمع، وإن لم يمكن الجمع عمل بالنسخ إن تمت شروطه.

وإن لم يمكن النسخ وجب الترجيح.

فيرجح من الكتاب والسنة:

النص على الظاهر.

والظاهر على المؤول.

والمنطوق على المفهوم.

والمثبت على النافي.

والناقل عن الأصل على المبقي عليه، لأن مع الناقل زيادة علم.

والعام المحفوظ «وهو الذي لم يخصص» على غير المحفوظ.

وما كانت صفات القَبول فيه أكثر على ما دونه.

وصاحب القصة على غيره.

ويقدم من الإجماع: القطعي على الظني.

ويقدم من القياس: الجلي على الخفي.
وقال أيضا:
"ولكن يجب أن نعلم أنه متى أمكن الجمع من القواعد المعروفة في أصول الفقه أنه متى أمكن الجمع لا نعدل إلى الترجيح، لأن الترجيح معناه إلغاء الثاني المرجوح والجمع إعمال الدليلين فهو أولى".
https://www.alathar.net/home/esound/...evi&coid=31537
وكتب أصول الفقه درجت على ذكرها في أبواب التعارض بين النصوص, بوب ابن قدامة رحمه الله في كتابه روضة الناظر فقال (2/389):
"باب: في ترتيب الأدلة ومعرفة الترجيح".
إلى أن قال ص396:
"وأما الترجيح لأمر من خارج: وأما الترجيح لأمر من خارج1:
فكترجيح أحد الخبرين بكونه ناقلًا عن حكم الأصل، مثل الموجب للعبادة أولى من النافي لها؛ لأن النافي جاء على مقتضى العقل، والآخر متأخر عنه، فكان كالناسخ له.
وكذلك رواية الإثبات مقدمة على رواية النفي؛ لأن المثبت معه زيادة علم خفيت على صاحبه.
قال القاضي: وإذا تعارض الحاظر والمبيح: قدم الحاظر؛ لأنه الأحوط. وقيل: لا يرجح بذلك".
وقد لخص مسلك الترجيح بين النصوص الشيخ الشنقيطي صاحب أضواء البيان في مذكرته في أصول الفقه لطلاب الجامعة وهي مستقاة من روضة الناظر فقال:
"طريق الترجيح:
والترجيح إما أن يكون عن طريق السند أو عن طريق المتن أو لأمر خارج عنهما.
أولًا: الترجيح عن طريق السند:
1- يقدم الأكثر رواة على الأقل والأعلى سنداً على الأنزل منه.
2- تقدم رواية الأضبط الأحفظ على رواية الضابط الحافظ.
3- يقدم المسند على المرسل.
4- تقدم رواية صاحب القصة والمباشر لها على الأجنبي عنها.
ومن أمثلة ذلك: تقديم حديث ميمونة وأبي رافع على حديث ابن عباس كما تقدم قريباً لأن ميمونة هي صاحبة القصه وأبا رافع هو السفير بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة.
وكذلك تقديم حديث عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما في صحة صوم من أدركه الفجر وهو جنب على حديث أبي هريرة بخلاف حديثهما، لأن عائشة وأم سلمة أدرى من أبي هريرة في ذلك لأن غسل الجنابة وما يشاكله من أمور البيت التي يشهدانها وغيرهما يغيب عنه.
ثانياً: الترجيح عن طريق المتن: كأن يقدم النص على الظاهر، والظاهر على المؤولة، والمؤول بقرينة صحيحة على ما ليست له قرينة أوله ولكنها باطلة.
ثالثا: الترجيح للأمر خارج عنهما.
1- يقدم ما تشهد له نصوص أخرى على ما لم تشهد له، كأحاديث التغليس في الصبح كما تقدم.
2- ويقدم الخبر الناقل عن حكم الأصل والموجب للعبادة مثلا على النافي لها لأن النافي جاء على مقتضى العقل والآخر متأخر فكان كالناسخ، مثل حديث بسرة وأبي هريرة في نقض الوضوء بمس الذكر فيقدم على حديث طلق بن علي لكونه جاء على مقتضى الأصل.
3- تقدم رواية الإِثبات على رواية النفي لأن المثبت معه زيادة علم خفيت على النافي.
4- يقدم المقتضي للحظر على المبيح لكونه أحوط.
لماذا يسار في الترجيح لتقديم الحاظر على المبيح؟
يستفاد من كلام أهل العلم المتقدم أن تقديم الحاظر على المبيح مسلك على سبيل الأحوط.
من الأمثلة التطبيقية الدقيقة على هذه القاعدة:
جاء في مذكرة أصول الفقه للشنقيطي رحمه الله ما نصه ص388:
" ومثال تقديم الحاظر على المبيح تقديم عموم قوله: وأن تجمعوا بين الأختين، المقتضي بعمومه منع الأختين بملك اليمين على عموم.. أو ما ملكت أيمانهم الشامل بعمومه للأختين بملك اليمين، وهذا مبيح وذلك حاظر فقد الحاظر على المبيح.
... ومن فروع تعارض الحاظر والمبيح عند بعضهم المتولد بين المأكول وغيره كولد الذئب من الضبع عند من يمنع أكل الذئب ويبيح أكل الضبع، فعلى تقديم الحاظر على المبيح لا يؤكل وعلى القول بالعكس يؤكل.
وأصل مثال الجمع بين الأختين ما نصه من الدر المنثور (2/476):
" وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَعبد بن حميد وَعبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طَرِيق ابْن شهَاب عَن قبيصَة بن ذُؤَيْب أَن رجلا سَالَ عُثْمَان بن عَفَّان عَن الْأُخْتَيْنِ فِي ملك الْيَمين هَل يجمع بَينهمَا فَقَالَ: أَحَلَّتْهُمَا آيَة وحرمتهما آيَة وَمَا كنت لأصنع ذَلِك
فَخرج من عِنْده فلقي رجلا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرَاهُ عَليّ بن أبي طَالب فَسَأَلَهُ عَن ذَلِك فَقَالَ: لَو كَانَ لي من الْأَمر شَيْء ثمَّ وجدت أحدا فعل ذَلِك لجعلته نكالاً".
فالحاظر العام, {وأن تجمعوا بين الأختين}، والمبيح العام, {وما ملكت أيمانكم}.هل يمكن الجمع؟
الجمع متعذر؟
هل هناك في النصين قرينة تدل على التفصيل بين الحرائر وبين ملك اليمين؟
لا يوجد.
فهل يمكن الفصل تبعا لذلك؟
لا.
إذن فلا يمكن إلا إعمال أحدهما بمسلك الترجيح، وهو تقديم الحاظر على المبيح.
خلاف العلماء في القاعدة.
القاعدة الأصولية إضافة إلى أنها في باب الترجيح فهي ليست محل إجماع، جاء في مذكرة في أصول الفقه للشنقيطي رحمه الله ص388:
" ويقدم عنده الحاظر على المبيح، وقيل: لا"
وقال بعدها بقليل:
" وقيل: الحاظر والمبيح لا يرجح أحدهما على الآخر، فيطلب الترجيح بسواهما".
وجه تقديم الحاظر على المبيح:
قال في المصدر السابق أيضا:
ووجه تقديم الحاظر على المبيح، أن ترك مباح أهون من ارتكاب حرام".
هل يمكن أن يقع الخطأ في تطبيق هذه القاعدة؟
ننقل هذا المثال عن ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين (4/301)، قال رحمه الله:
" المثال السابع والستون: رد السنة الصحيحة الصريحة في تسبيح المصلّي إذا نَابَه شيء في صلاته"
أورد رحمه الله الأدلة على التنبيه بالتسبيح في الصلاة للرجال والتصفيق للنساء ثم قال ص302:
" فردَّت هذه السنن بأنها معارضة لأحاديث تحريم الكلام في الصلاة، وقد تعارض حاظر ومبيح، فيقدَّم الحاظر.
والصواب أنه لا تعارض بين سنن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بوجهٍ، وكل منها له وجه، والذي حَرَّم الكلام في الصلاة ومنع منه هو الذي شرع التسبيح المذكور، وتحريم الكلام كان قبل الهجرة، وأحاديث التسبيح بعد ذلك، فدعوى نسخها بأحاديث تحريم الكلام محال، ولا تعارض بينهما بوجهٍ ما، فإن "سبحان اللَّه"، ليس من الكلام الذي منع منه المصلي، بل هو مما أُمِرَ به أَمْر إيجاب أو استحباب، فكيف يُسوَّى بين المأمور والمحظور؟ وهل هذا إلّا من أفسد قياس واعتبار؟".
فالخطأ في تطبيق القواعد الأصولية واقع من قديم.
تطبيق هذه القاعدة على مسألة النهي عن صيام يوم السبت: --هذه القاعدة كما تقدم قاعدة ترجيح، فهل الجمع متعذر بين نصوص النهي عن صيام يوم السبت والنصوص المبيح؟ --الجمع ممكن وهو قديم عند أهل العلم، وقد مضى نقل شيء منه في منشورات سابقة،، وذلك بأمرين: الأول: النهي عن صيام يوم السبت عام دخله تخصيص متصل, وهو الاستثناء في الحديث، {إلا فيما افترض عليكم}، فخرج الفرض بمخصص متصل، وقيس عليه النذور والكفارات مع عدم نص الحديث عليهما, لأنهما قياس من حيث الإلزام بهما على الفرض، فسبيل إخراجهما القياس، وإذا جاز لنا إخراج الكفارات والنذور بعلة الاشتراك مع الفرض في الإلزام المستفاد من نصوص تشريع الكفارات والنذور وهي نصوص منفصلة، فما المانع من إخراج غيرها بنصوص أخرى منفصلة، كما سيذكر في الوجه الذي يليه. الثاني: إخراج النوافل بمخصصات منفصلة، وهي أدلة الإباحة، ولا يقال فيه كما يشتهر أن إخراج النوافل استثناء قاله أهل العلم ولم يرد في النص، بل هو استثناء مفهوم من أدلة الإباحة التي هي أصح. --مع إمكان الفصل وهو الاحتراز الذي ذكر في نص الشيخ ابن عثيمين للقاعدة، فلماذا نلجأ لتقديم الحاظر على المبيح؟ --هل في هذا المسلك بالجمع فائدة؟ نعم، فائدته إعمال النصوص جميعها، وهذا أولى من إعمال بعض النصوص وإهمال غيرها كما مر نقله عن أهل العلم. وإذا كان الجمع أولى، فلماذا نعدل عنه إلى الترجيح، والجمع أولى؟ المرحلة التي تتلو مرحلة الجمع كما مر نقله معرفة الناسخ من المنسوخ، وهذا بين النصوص الحاظرة والمبيحة في مسألة صيام السبت متعذر، لا سيما مع اعتبار رواية جويرية رضي الله عنها، التي يجزم بأن واقعة إباحة صوم السبت لها كانت عقب غزوة بني المصطلق قومها في شعبان من السنة الخامسة أو السادسة للهجرة، وأسرها رضي الله عنها ومكاتبتها واستعانتها برسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، ثم زواجه منها، وما كان تبعا لذلك من حسن إسلامها واجتهادها في العبادة رضي الله عنها وعن آل البيت والصحابة أجمعين، وغاية ما نستفيده من هذا استمرار إباحة صوم السبت مقرونا بغيره إلى ما بعد السنة الخامسة أو السادسة للهجرة، وبناء على هذا فالقول بالنسخ متعذر، قال الشيخ الألباني في صحيح أبي داود الأم (7/180): " وأما دعوى نسخه الذي ذهب إليه المصنف رحمه الله تعالى؛ فهي مردودة بأنه من الممكن حمله على صوم السبت مفرداً، كما أفاده الترمذي. وحينئذ فلا تعارض بينه وبين حديث الباب الآتي، وأحاديث صيامه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياه؛ لأنه ليس في شيء منها إفراده بالصيام. وقد بسط القولَ في هذا بسطاً شافياً: العلامةُ ابن القيم رحمه الله في "تهذيب السنن " (3/297- 301) ، وذكر خلاصته في "زاد المعاد" (1/237-". فدعوى النسخ متعذرة فضلا عن الترجيح بتقديم الحاظر على المبيح, لأن تقديم الحاظر مقدم على المبيح يمكن تصوره في حالي وحال من كان بعد عصر الصحابة، لكنه في حق جويرية رضي الله عنها ومن روى عنها بسلسلة الإسناد دون أن يكتموه كما فعل بعض رواة حديث النهي من السلف، وكذلك في حق من بوب واستنبط منه حكم الإباحة لا يتصور، وذلك أنه يقال في حقها رضي الله عنها إما أنها سمعت بالنهي، وإما لم تسمع، فتتابع الرواية عنها مع سماعها المحتمل للنهي يقوي وجهة نظر الجمع في النهي عن صيام السبت منفردا، وتتابع الرواية عنها مع عدم سماعها المحتمل يفيد أن مفهوم النهي المقتضي للتحريم في غير الفريضة لم يكن مشتهرا، بل المستفيض نقله بالأسانيد الصحاح هو جواز صيامه مع غيره، بل هو المفهوم من عموم أحاديث كثيرة، فكيف يكون تطبيق هذه القاعدة صحيحا مع استفاضة أحاديث الإباحة، وشهرتها عن بيت النبوة قبل غيره، وجريان العمل بها إلى القرن الرابع عشر الهجري لنعلم بعدها أنه كان على كل هذه القرون بما فيها من القرون المفضلة أن تلغي كل تلك النصوص بمسلك ترجيحي معى إمكان الجمع، يكون في حال عدم إمكان الفصل، والفصل بين النهي في صيام السبت وإباحته في بعض الصور ممكن، وهو مسلك احتياط يغني عنه إمكان الجمع؟! وعليه, فقرائن الخطأ التطبيقي لهذه القاعدة في مسألة النهي عن صيام يوم السبت قوية، والله أعلم.