تحريم الظلم

روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه فيما يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم عن ربنا تبارك وتعالى أنه قال: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُون ِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِؤُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُون ِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ».

هذا الحديث يأهل الإيمان والإسلام من أعظم أصول الدين، وهو حديث عظيم، فقد كان أحد رواته وهو أبو إدريس الخولاني إذا قرأ هذا الحديث جثى على ركبتيه باكيًا، وكان الإمام أحمد بن حنبل يقول: ليس لأهل الشام أشرف من هذا الحديث، وهذا الحديث من الأحاديث القدسية التي حدث بها ربُّنا - سبحانه وتعالى - إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أعظم قضية في هذا الحديث أن الله جل وعلا حرَّم الظلم على نفسه، وجعله محرمًا بين عباده، والظلم يا عباد الله هو وضع الشيء في غير موضعه، كما أن العكس في العدل، فهو وضع الشيء في موضعه، فالله جل وعلا نفى عن نفسه الظلم في هذا الحديث؛ حيث يقول الله: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46].

وكما قال سبحانه: {وَوُضِعَ الكِتَابُ فَتَرَى المُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49].

وقال بعض الصالحين: لو أن الله - عز وجل - عذب أهل سماواته وأرضه، كان ذلك بالعدل، ولم يكن ذلك من الظلم شيئًا.

يا عباد الله، حرَّم الله الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرمًا؛ لأن الظلم فيه اعتداء على حق الله، واعتداء على حقوق المخلوقين، فالله - جل وعلا - يغار إن اعتديت على حرماته، فالله قد حد حدودًا وفرض فرائض، فقال جل وعلا: {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 229]، وقال سبحانه: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102].

فمن تعلَّق قلبه بغير الله وقع في الظلم، وهذا هو الظلم الأكبر الذي لا يغفره الله يوم أن يتعلق قلبه بغير الله، فتدعو غيره أو تستغيث بغيره، أو تركَن إلى غيره، هذا يعتبر من الإشراك الذي عناه الله بقوله في كتابه الكريم: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء: 48]، فإذا تعلق القلب بغير الله، وقع العبد في الظلم الذي لا يغفره الله، أعني إذا مات العبد وهو ملتبس بهذا الأمر من الظلم، وكم من المسلمين اليوم يهتفون بغير اسم الله، فبعضهم من يدعو ابن علوان مثلًا، وبعضهم من يدعو الخمسة، ومن يستنجد بغير الله عند الشدائد والكرب، والله جل وعلا يقول: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُ وا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186].

وكما حصل حينما دخل التتر إلى بلاد بغداد كان بعضهم بدلًا من أن يدافع عن نفسه وعرضه، يستنجد بأهل القبور ويقول لهم بعض المشجعين:
يا هاربين من التتر - لوذوا بقبر أبي عمر - ينجيكم من الضرر

وماذا يفعل لهم قبر أبي عمر، بل لو استنجدوا برسول الله وهو مقبور في قبره، ما نفعهم ذلك الاستنجاد بشيء، وإنما يكون الاستنجاد بالله:
مَن يتَّقِ الله يُحمد في عواقبــه ** ويكفيه شرَّ مَن عزُّوا ومن هانوا
من استجار بغير الله في فــزعٍ ** فإن ناصره عجز وخـــــــــــذل ان
فالزم يديك بحبل الله معتصمًا ** فإنه الركن إن خانتك أركـــــــان

الله هو الذي يُدعى في الكرب والشدائد، الله هو الذي يدعى عند الأزمات، الله الذي يُرتجى منه إجابةُ الدعوة؛ قال ربنا: {وذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87].

فمن الذي نجاه وهو في بحر الظلمات؟ من الذي لبَّى نداءه؟ إنه الله جل وعلا، هذا من أعظم الظلم يوم أن تصرف العبادة لغير الله، ومن الظلم الذي حرَّمه الله الظلمُ بين العباد، فإن الظلم شديد الوخم الظلم الذي يكون بين العباد لا يتركه الله، والأول لا يغفره الله، والثاني لا يتركه الله، فمن ظلم العباد أن تُسفك الدماء، أو تُغتصب الأرضي، أو تُنتهك الأعراض، أو تؤخَذ الأموال أو الاعتداء بالظلم والسفه والطيش، هذا ظلم لا يتركه الله جل وعلا، ينتقم الله لعباده من الظالمين؛ كما قال جل وعلا: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} [إبراهيم: 42].

ويقف رسول الله على جبل عرفات أمام أكثر من مائة ألف رجل مسلم صحابي، وهو يقول في خطبته العصماء: («فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامٌ؛ كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا».

فأعادها مرارًا ثم رفع رأسه فقال: «اللهم هل بلَّغت اللهم هل بلغت»، قال ابن عباس رضي الله عنهما، فوالذي نفسي بيده، إنها لوصيته إلى أمته، «فليبلغ الشاهد الغائب،....»، ويقول صلى الله عليه سلم: «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة».

فإذا ظلمت مسلمًا بريال أو بخمسين ريالًا، لا تظن أن ذلك منسي، بل إن ذلك في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى: {وَوُضِعَ الكِتَابُ فَتَرَى المُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِم رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49].

وفي مجال العقارات وانتهاب أموال الضعفاء يقول صلى الله عليه وسلم: «من اقتطع قيد شبرٍ من الأرض خسف به إلى سبع أرضين»، ويقول: (طوقه من سبع أرضين)، إنها عقوبتان: عقوبة الخسف وعقوبة الحمل، يحمله الله سبحانه وتعالى يوم القيامة ترابًا من سبع أرضين، ومن اعتدى على الحدود، فغير المراسيم والمعالم التي تكون حدودًا بين أرض فلان وفلان وآل فلان وآل فلان ملعون، يلعنه الله ورسوله: «لعن الله من غير منار الأرض»، هذه امرأة ظلمت اعتدت على صحابي جليل من العشرة المبشرين بالجنة سعيد بن زيد رضي الله عنه، واسمها أروى بنت أوس، هذه المرأة ادَّعت أن هذا الصحابي الجليل أخذ أرضها وبيتها وبئرها، ورفعت القضية إلى مروان بن الحكم، وهو من أمراء الدولة الأموية ادعت هذا ادعاءً.
والدعاوي إن لم تُقيموا عليها ** بينات أبناؤها أدعياء

فأُحضِرَ هذا الصحابي الجليل، فلما سمع الدعوى قال لمروان: أنا آخذ أرضها بعد ما سمعت من الرسول ما سمعت؟ قال: وما سمعت يا سعيد؟ قال: سمعته صلى الله عليه وسلم يقول: «من اقتطع شبرًا من الأرض طوقه من سبع أرضين»، فقال له مروان: انطلق راشدًا، فوالله لا أسألك حجةً بعدها، قال سعيد: الأرض لها وسأحتكم معها بين يدي الله، ثم قال: اللهم إن كانت كاذبة فأعمِ بصرها واقتُلها في أرضها، قال راوي القصة: فقد رأيتها عمياء كبيرة السن تتلمس الجدر، فبينما هي تمشي إذ وقعت في البئر، فكانت قبرًا لها، وأحد المتكبرين قام أحد الوعاظ الناصحين ينصحه ويوجهه، فلم يكترث بذلك، بل قام إليه فصفعه بجانب الجنود والحشود، فقال له الرجل الصالح: أسأل الله أن يقطع هذه اليد، فقال الأمير: أقلني، قال: والله لا أقيلك نحتكم إلى الله بين يديه، فما مرَّ عليه أسبوع إلا وقد قطعت يده وصُودرت أمواله، إنه انتقام الله من الظالمين.

وهؤلاء وزراء وأمراء هارون الرشيد، بلغوا من الثروة والأبهة والجمال، لقد كانوا يدهنون بيوتهم بزئبق الذهب والفضة، فإذا طلعت الشمس رُؤي لبيوتهم لمعانًا، وقد كان عندهم من الثروة ما ليس عند هارون الرشيد، لكن أحدهم تلبَّس ببعض الظلم، وفي ليلة من الليالي أحب الناس إليهم هارون الرشيد سلَّطه الله عليهم.
يا راقد الليل مسرورًا بأوله ** إن الحوادث قد يطرقن أسحارًا

أخذت رجالاتهم، فجُلد كل واحد منهم ألف سوط، وأُودعوا في السجن، ونساؤهم صرنَ خادمات، وكان بعض شيوخهم تحت سياط الجلد والضرب والإهانة زارهم أحد العلماء قال: أيها الوزير ما الذي أوصلكم إلى هذا؟ قال له الوزير المضروب الممتهن: إنها دعوة مظلوم سرت في جناح الليل كنا عنها غافلين.

فيا أمة الإسلام ويا أمة العقيدة والتوحيد، اتقوا الظلم ما استطعتم إلى ذلك سبيلًا.
ألا والله إن الظلم شـــــــؤمٌ ** ولا زال المسيء هو الظلوم
إلى ديان يوم الدين نمضي ** وعند الله يجتمع الخصــوم

ففي ذلك اليوم لا يكون بالدينار ولا بالدرهم، وإنما الحسنات والسيئات، فأنقذ نفسك من اليوم يا عبد الله، فيا موظفًا استلم راتبًا إياك وأخذ الرشوة، فإن الله ورسوله لعن على ذلك، ففي الحديث «لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما»، ويا أيها القاضي إياك أن تذهب بأموالك رشًا تزلفًا إلى الحكام، فإن رسول الله حرم ذلك يوم أن قال: «إن الله كرَّه لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال»، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 188]، فالرسول صلى الله عليه وسلم لعن صاحب الرشوة والرائش - أي الواسطة - ومن كان قد أخذها، فالثلاثة ملعونون، وفي حديث آخر يقول صلى الله عليه وسلم: «هدايا العمال غلول»، ويقول: «من مات وهو بريء من ثلاث الكبر والدين والغلول، دخل الجنة»، والمراد بالغلول الخيانة من الأموال العامة، أموال الدولة المسلمة في أي مجال من المجالات، فلا يجوز الخيانة فيها، فالله سبحانه وتعالى حرَّم ذلك وجعلها أمانة يُعطاها الإنسان ليتحملها، فكان خائنًا لها عياذًا بالله؛ يقول سبحانه: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: 72].

ولا يجوز لمحتج أنه إذا أخذ قليلًا، فإن هناك من يأخذ كثيرًا، هذه حجج واهية، بل إذا كان الناس كاذبين، فكن أنت صادقًا، وإذا كانوا خائنين، فكن أنت أمينًا، إذا كان الناس يستحلون ويسمحون لأنفسهم، فكن أنت ذا ضمير حي، ولتكن أيها العبد مواطنًا صادقًا، وأنت أيها الموظف لابد أن تكون يدك بيضاء نظيفة، وبطنك كذلك، من أجل أن تكون قد أكلت الحلال، وكان أولادك أولاد حلال؛ يقول صلى الله عليه وسلم: «أيما جسد نبت من حرام فالنار أولى به».

عياذًا بالله بعض الناس من أجل القات، أو من أجل السجائر، أو من أجل الكماليات، تجده والعياذ بالله لا يبالي في أخذ المال من حرام أو من حلال، لا يهمه ذلك، فماذا نفعتنا أيام وليالي أكلنا وشربنا وسهرنا، أين هي يا عباد الله إنها قد ولَّت.
تَفنى اللذاذة ممن نال صفوها ** من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء مِن مغبَّتها ** لا خير في لذة من بعدها النار

فكن يا عبد الله حازمًا لنفسك متقيًا لربك، فإن الحياة الدنيا قصيرة وأنت غدًا بين يدي الله، فماذا يكون جوابك وما حجتك؟ {وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47].

ومن اتَّقى الله - عز وجل - في أن يدع الرشا والربا، وكل مداخل السوء والهلكة، هيَّأ الله له رزقًا ما كان له بالحسبان؛ يقول ربنا: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2-3].

ويقول صلى الله عليه وسلم: «من ترك شيئا لله عوَّضه الله خيرًا منه»، فإذا أنت ترفعت عن الرشا والدناءات، وهذا الخساسة خساسة الأموال، من أجل مخالفة مرورية مثلًا، فتأخذ من العبد المسكين من أجل أن تسمحه ما يكون بهذا المستوى، سواء في المرور أو في المحاكم، أو في المستشفيات، في الضرائب أشياء كثيرة جدًّا لا أستطيع لها حصرًا، فإذا أنت ترفعت، فاعلم أن الله - عز وجل - يرزُقك رزقًا حلالًا، وقد قال بعض العلماء الراسخين في العلم: إن السارق يوم أن سرق المال لو اعتصم عن السرقة، هيَّأ الله له رزقًا حلالًا، لكنه استعجل، ومن استعجل الشيء قبل أوانه، عوقِب بحرمانه، هذه قاعدة أصولية مطردة في أمور كثيرة، أنت تستعجل، فإذا بك تُحرم بمثابة القاتل يعامل بنقيض قصده، فمن قتل مورثه، فإنه يُحرم من الميراث؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: (ليس لقاتلٍ ميراث)؛ يُحرم من الميراث.
ويمنع الشخص من الميراث ** واحدة من علل ثــــــــــلاث
رِقٌّ وقتل واختلافُ ديـــــن ** فافهم فليس الشك كاليقين
______________________________ ____________________ ________
الكاتب: الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري