كلمات كتبت في السماء

د. إبراهيم الحلالشة

كثيرة هي الرسائل التي أود أن أوصلها إلى إخواني الشباب، وعظيمة هي المشاعر التي أحملها في قلبي لهم، فما إن هممت بكتابة رسالة لهم حتى تزاحمت الخواطر على عتبات أفكاري، وتراقصت الكلمات بين يدي لأخطب أجملها وأرقها وأرشقها، وأدعوها لحفل شعري وعرس نثري، فتنتظم أمام العيون كأنها النجوم في الفضاء، أو الأقمار في السماء، في مقالة مقتضبة قصيرة لم أجد لكتابتها وقتا سوى أثناء سفري في الطائرة وأنا فوق السحاب.. ولذا.. هي كلمات كتبت في السماء..


في السماء نجوم لامعة متلألئة، كبيرة عملاقة، نأت عن أرضنا كثيرا، واتخذت منها مكانا قصيا.. فهي جميلة وهي بعيدة، لطيفة وهي بعيدة، هي زينة وهي بعيدة، لا نرجو القرب منها بالرغم من جمالها، وضيائها، وجلالها.. وبعض الآمال والأمنيات، وبعض ما نحب ومن نحب يكتسب جماله من بُعده، وحضوره من غيابه، وجاذبيته من تمنّعه ودلاله، فلا تذهب نفسك على بُعده حسرات، وتمتع بالشوق إليه والفقر إليه والسعي إليه..
في السماء شمس تحترق.. تتفجر.. تتفطر.. لتشع النور، وتنشر الضياء، وتدفئ الخلق، بل تحقق التمثيل الضوئي في النباتات حتى نتنفس من هواها، ونأكل من جناها، لأنها تحترق من أجل سواها.. هي نور بذاتها في الصباح، وبقمرها في الليل.. فالقمر صورة للشمس الحبيبة، معلقة على جدار السماء، ننظر إليه كلما طال غياب الشمس واشتد هجير الشوق إليها.. ليعكس لنا وجه الشمس الجميل وضياءها المنير..
في السماء الغيوم الساقيات، الرائحات الغاديات، المعصرات الممطرات، المبرقات المرعدات، تحمل الأطنان من الأثقال وهي خفيفة، تشبه الجبال شكلا وحجما، ولكنها في السماء، يعزف البرق على أوتارها لحن الرعد القوي المجلجل، إلا أن قطراتها الحانية تعزف على صفحات أوراق الشجر الجافة المخشخشة إيقاعا لطيفا حبيبا للنفوس.. الغمامة تجود بالرحمة، ترطب الجاف، وتلين القاسي، وتنبت الزرع، وتملأ الضرع، فهي عارض غيث، ولكنها صاعقة عذاب، هي بيضاء، وهي سوداء، سراء وضراء، نعماء ولأواء.. كن مثلها، وليكن لديك لكل حادث حديث ولكل مقام مقال.
في السماء الرزق والقدر، والخير والشر، والحياة والموت.. كل هذا في السماء وليس على الأرض، لا يملك من على الأرض لنفسه نفعا ولا ضرا، ولا خيرا ولا شرا.. لا يملك لنفسه موتا ولا حياة ولا نشورا.. فلم الذل ولم الخوف؟ ولم الخضوع ولم الخنوع؟ انظر إلى السماء وارفع رأسك عاليا، ففيها مبتغاك ومتّقاك.. فيها خوفك ورجاؤك.. ذلك وعلاؤك.. ظمؤك ورواؤك.
في السماء دروس وعبر لا يدركها إلا من رفع رأسه لينظر إلى السماء.
< كاتب ومترجم تركي
- بكالريوس في الفقه وأصوله
- ماجستير في المذاهب الإسلامية
- دكتوراة في الحقوق الإسلامية
- مترجم فوري من التركية للعربية
- مدرس للغة العربية لغير الناطقين بها
- مواليد 1977م