الله سبحانه وتعالى هو الرزاق الذي يرزق خلقه ولا يشرك أحدا في صفاته رغم أنف المتصوفة
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على رسول الله المصطفى الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد ، لقد حملني على الكتابة في هذا الموضوع ما يعتقده المتصوفة وعلى الخصوص أصحاب الطريقة التيجانية في قضية الرزق ويطلبونه من مشايخهم وكأني بهم لا يقرأون القرآن المبين ولا ما ورد في السنة النبوية المطهرة.
أما في القرآن فيجد الباحث كثيرا من الآيات الواضحة الدلالة على أن الله سبحانه وتعالى هو الرزاق وحده لا شريك له... لقد وردت لفظة رزق في القرآن المبين بثلاثة وثلاثين صيغة وكل صيغة بها آية أو أكثر في الذكر الحكيم... ويأبى المتصوفة إلا أن يختاروا طريق الشرك بالله فما أحمقهم اتبعوا الشيطان فأغواهم ...
قبل أن أستعرض بعض الآيات من كتاب الله المبين في هذا الشأن الخطير يبدو لي من المفيد أن أذكر بما ورد بالخصوص من كلام منسوب لشيخ الطريقة التيجانية في كتابهم المقدس "جواهر المعاني" - وسبق أن نشرته بالتفصيل في مبحث سابق - ولقد جاء فيه أن شيخهم قطب الأقطاب وخاتمهم يمد الكائنات والمخلوقات وكل ذرة في الوجود من روحه ويشمل ذلك النبات والحيوان والجماد والبشر وأعطي التصرف في الكون والكائنات ويمسك الكون بعطاء من الله - سبحانه وتعالى عما تصف ألسنتهم من افتراء عظيم - ؛ ولذلك تجد أتباع الطريقة التيجانية يطلبون من شيخهم أن يوزع عليهم الأرزاق ويمنحهم حقهم... ولا أجني على أحد ... لقد كنت أنتمي عن جهل وضلالة لهذه الطريقة الشركية الكفرية وبمنة من الله العزيز الكريم أخرجني من الظلمات إلى النور ... القرآن نور يخرج بفضل الله من اتبع هديه إلى الصراط المستقيم صراط الذين أنعم عليهم الرحمن الرحيم ملك يوم الدين... طرق أذني ما كان يلقنه لنا أحد المربين على الطريقة التيجانية وكان له أكبر تأثير على عائلتي... فأضل كل من خالطه واتخذه خليلاً...
دونك كلام شيخهم الوارد في كتاب "جواهر المعاني" أقتبسه هنا بالحرف:
(وسألته رضي الله عنه عن حقيقة القطبانيّة . فأجاب رضي الله عنه بقوله : إعلم أنّ حقيقة القطبانيّة هي الخلافة العظمى عن الحقّ مطلقا في جميع الوجود جملة وتفصيلا، حيثما كان الربّ إلهاً كان هو خليفة في تصريف الحكم و تنفيذه في كلّ مَنْ عليه ألوهيّة الله تعالى، ثمّ قيامه بالبرزخيّة العظمى بين الحقّ والخلق، فلا يصل إلى الخلق شيء، كائنا ما كان، من الحقّ إلاّ بحكم القطب وتولّيه ونيابته عن الحقّ في ذلك وتوصيله كلّ قسمة إلى محلّها، ثمّ قيامه في الوجود بروحانيّته في كلّ ذرّة من ذرّات الوجود جملة وتفصيلا، فترى الكون كلّه أشباحا لا حركة لها، وإنّما هو الروح القائم فيها جملة وتفصيلا وقيامه فيها في أرواحها وأشباحها، ثمّ تصرّفه في مراتب الأولياء، فيذوق مختلفات أذواقهم، فلا تكون مرتبة في الوجود للعارفين والأولياء خارجة عن ذوقه، فهو المتصرّف في جميعها والمُمِدّ لأربابها، وله الإختصاص بالسرّ المكتوم، الذي لا مطمع لأحد في دركه، والسلام .ومعنى البرزخيّة العظمى، قيامه بين الحقّ والخلق بالنيابة عن الحقيقة المحمّديّة، واختصاصه أيضا بالتحقّق بأمر الله في كلّ مرتبة من مراتب الوجود، وإعطائه لكلّ مرتبة من المراتب، حقيّة أو خلقيّة، حقّها بما تستحقّه من الآداب، وليس هذا لغيره من العارفين ولا لمفاتيح الكنوز، فهو في جميع هذه الأمور خليفة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم دون جميع الأولياء. وجملة ما فيه، أنّه في جميع مراتبه في حضرة الحقّ نسبته عند الله إلى جميع الوجود من العارفين ومن ورائهم بمنزلة إنسان العين، به يرحم الوجود، وبه يفيض الإفادة على جميع الوجود، وبه يبقى الوجود في حجاب الرحمة واللطف، وبه يبقى الوجود في بقاء الوجود رحمة لكلّ العباد وسحابة ماطرة في سائر البلاد، وجوده في الوجود حياة لروحه الكلّيّة، وتنفّس نفسه يمدّ الله به العلويّة والسفليّة، ذاته مرآة مجرّدة، يشهد كلّ قاصد فيها مقصد حضرته صباغة تصبغ كلّ من أمّ له فيما توجّه إليه وأمله ما شهدته الأولياء الصادقون كلّ واحد منهم في قوّته قوّة مائة رجل الخ فيه خلعة عليك، وما نسبته إليه صيّره إليك. وإيّاك أن تُحرم احترام أصحاب الوقت فتستوجب الطرد والمقت. من أنكر على أهل زمانه حرم بركة أوانه، المتسوّف من بضاعة الزمان ممتدّ بمدد رزق الأوان، ومَن أنكر وأكثر المراء فقد منع نفسه الشراء. ورضي الله عن هذا الإمام، وحشرنا في زمرة هذا الهمام، بجاه خير الأنام عليه من الله في كلّ لمحة أفضل الصلاة وأزكى السلام. انتهى من إملائه علينا رضي الله عنه . ثمّ قال رضي الله عنه : إعلم أنّ الأولياء الصادقين كلّ واحد منهم في قوّته قوّة مائة رجل، والعارفون بالله أهل عالم الملك كلّ واحد منهم في قوّته قوّة ثلاثمائة رجل، وأهل عالم الملكوت لكلّ واحد منهم قوّة خمسمائة رجل، وأهل عالم الجبروت لكلّ واحد منهم قوّة سبعمائة رجل، وقوّة كلّ واحد منهم، أيّ من أهل عالم الأمر، قوّة ألف رجل، وقوّة قطب الأقطاب ألف وخمسمائة رجل، وقوّة الأفراد الأربعة سبعمائة رجل، وقوّة مفاتيح الكنوز قوّة كلّ واحد منهم قوّة ألفي رجل. انتهى. ومعنى عالم الملك والملكوت والجبروت وعالما الأمر. أمّا عالم الملك هو من السماء إلى الأرض، وعالم الملكوت هو من السماء الأولى إلى السماء السابعة، وعالم الجبروت هو من السماء السابعة إلى الكرسيّ، وعالم الأمر هو من الكرسيّ إلى العرش إلى ما وراءه، فمعنى الملك هو عالم الناسوت، وهي شدّة الكثافة، وهو التجلّي بالأجسام الكثيفة، والملكوت عالم الأنوار، وهو التجلّي بصور الأجسام اللطيفة، والجبروت عالم الأسرار، وهو التجلّي بصور الأجسام القدسيّة من الكروبيين ومن ضاهاهم، وعالم الأمر هو التجلّي بصور الروحانيّة القدسيّة المنزّهة عن المادّة والطبيعة. فكلّ عالم تجلّى فيه بنسبة من نسب الحضرة الإلهيّة. انتهى ما أملاه علينا رضي الله عنه وأدام علاه، آمين. ثمّ قال رضي الله عنه : الأصل في كلّ ذرّة في الكون هي مرتبة للحقّ سبحانه وتعالى يتجلّى فيها بما شاء من أفعاله وأحكامه، والخلق كلّهم مظاهر أحكامه وكمالات ألوهيّته، فلا ترى ذرّة في الكون خارجة عن هذا الأمر، فما ثَمَّ إلاّ كمالات ألوهيّته، ويستوي في هذا الميدان الحيوان والجمادات والآدمي وغيره، ولا فرق في الآدميّ بين المؤمن والكافر، فإنّهما مستويان في هذا البساط، ويكون، على هذا الأصل، في الكافر التعظيم لأنّه مرتبة من مراتب الحقّ. والإذلال والإهانة والصولة عليه للمؤمن من أحكام طارئة عليه لا تهدم قواعد الأصل لأنّ الأصل لا ينهدم، والأحكام الطارئة عوارض، والمرجع في ذلك للأصل لا للعوارض، وكمال العلم فيه أن يعظّم لأنّه مرتبة للحقّ تجلّى فيه بأحكامه، ولكن يعظّم باطنا ويهان ويذلّ ويقاتل ظاهرا لأنّ ذلك حكم الشرع والحكمة. وهذا الأمر في نظر العارفين فقط لا في بساط الشريعة. وإلى هذا الإشارة بقوله صلّى الله عليه وسلّم: « لا تعلو على الله في بلاده وعباده فإنّ من علا على العباد علا على الله وتكبّر عليه.». وتحقيق ما في هذا الحديث هو ما قلناه أوّلا، وهو أنّ جميع المخلقات مراتب للحقّ يجب التسليم له في حكمه في كلّ ما أقام فيه خلقه لا يعارض في شيء، ثمّ حكم الشرع من وراء هذا يتصرّف فيه ظاهرا لا باطنا، ولا يكون هذا إلاّ لمن عرف وحدة الوجود، فيشاهد فيها الفصل والوصل، فإنّ الوجود عين واحدة لا تجزّأ فيها على كثرة أجناسها و أنواعها، ووحدتها لا تخرجها عن افتراق أشخاصها بالأحكام والخواصّ، وهي المعبّر عنها عند العارفين : " بأنّ الكثرة عين الوحدة والوحدة عين الكثرة " ، فمن نظر إلى كثرة الوجود وافتراق أجزائه نظره عينا واحدة على كثرته، ومن نظر إلى عين الوحدة نظر متكثّر بما لا غاية له من الكثرة، وهذا النظر للعارف فقط لا غيره من أصحاب الحجاب، وهذا لمن عاين الوحدة ذوقا لا رسما، وهذا خارج عن القال. ومعنى الوصل والفصل، فالوحدة هي الوصل والكثرة وهي الفصل. انتهى. ثمّ من وراء هذه الحقيقة تجلّى لهم فيهم بظهور حجاب كثيف غطّى عليهم في ذواتهم رؤية فعله وتحريكه وتسكينه، ورؤية قيامه لهم فيما أرادوا، أعطاهم بحسب هذا التجلّي والحجاب رؤية استبدادهم بالفعل، ورؤية استبدادهم بالاختيار والحركة والسكون، ورؤية استبدادهم بالتغلّب والتصرّف حيث شاءوا كيف شاءوا بلا واسطة مانع ولا حجر عن الجولان في هذا الميدان، يرون أنْ لا فاعل فيهم غيرهم، ولا محرّك لهم سواهم، ولا دافع لهم في اختيارهم في نفوسهم. وعلى هذا التجلّي والحجاب وقعت الشرائع وبعثت الرسل مبشّرين ومنذرين، وثبتت الأحكام والحدود، وطوّق في أعناقهم ربقة التكليف بالأمر الإلهيّ، أمرا ونهيا وفعلا وتركا وطاعة ومعصية ووجوبا وتحريما، ورتّب على ذلك ثبوت الجزاء في المآل نعيما وعذابا وتوبيخا وعتابا وحمدا وثناء. وهذا التجلّي والحجاب هو الذي بسط عليه الحكمة والشريعة. انتهى ما أملاه علينا رضي الله عنه من حفظه ولفظه.). اهـ (كل النصوص المنقولة كانت من أهم مصدر للطريقة التيجانية "جواهر المعاني" وهو كتابهم المقدس).