ألا وإن من أعظم أبوابِ الفتن : تتبُّع الخلافات الفقهيَّة،والاس تِدلالُ بشواذِّ الآراء، وما لا يُعتبر من الأقوال، حتى عُطِّلَت الأحكامُ باسمِ الخِلاف، وانتُهِكَت الحُرمات باسم الخلاف، وانكسَرَت عزائِمُ المُتعبِّدين فكسَلُوا عن الطاعات، وانشَغَلُوا بفُضول المُباحات، واجتَرَأوا على المكروهات، وهي بابُ المُحرَّمات.

بل ولج بعضُ الناس أبوابَ الحيرة والاضطِراب بالاحتِجاج بالخلاف في مُواجَهة النصِّ، فكلَّما تُلِيَت عليه آيةٌ أو حديثٌ، أو ذُكِرَ له حُكمٌ تعلَّل بأن فيه خلافًا، وكأنَّما نسِيَ أن الله تعالى أنزلَ علينا هذا الكتاب لنُحكِّمَه في الخلافات؛ قال – سبحانه -:
(كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) [البقرة: 213].
فوظيفةُ الكتاب: هي الهداية، ورفع الخلاف، وبيانُ الحقِّ.
فنتعبَّدُ الله بتحكيم الوحي في الخلاف، لا أن نحتَجَّ بالخلاف على وحيِ الله؛ قال – سبحانه -:
(وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) [الشورى: 10].
فعكَسَ المهازِيلُ هذا المفهوم وتحجَّجوا بالخلاف لأجل الهوَى، وهانَ عليهم الحرام؛ إذا علِمُوا أن في تحريمِه من خالَفَ! فأين الرِّضا والاحتِكامُ إلى الله؟!

إنها فتنةٌ من فتن العصر، وإن من يتتبَّعُ الخلافات وشُذوذ الأقوال يصنعُ لنفسِه دينًا مليئًا بكل الشهوات، بعيدًا عن مُراد الله وهديِ رسولِه؛ فاتِّباعُ الخلاف هو طريقٌ لاتِّباع الهوى ومُخالِفٌ للرِّضا.

قال ابن حزمٍ – رحمه الله -: “ولو أن امرأً لا يأخذُ إلا بما أجمعَت عليه الأمةُ فقط، ويترُكُ ما اختلَفُوا ففيه مما قد جاءَت به النصوص؛ لكان فاسِقًا بإجماع الأمة”.

وقال ابن عبد البرِّ: “الاختلافُ ليس حُجَّةً عند أحدٍ علِمتُه من علماء الأمصار”.
والله تعالى يقول:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) [النساء: 59].

إن على الأمة أن تأخذ أوامِرَ الله بجِدٍّ وحزم، وأن تبتغِيَ بها مراقِيَ العزِّ بعزمٍ، وألا تنظُرَ للأحكام على أنها تكالِيف تحتالُ لها بالتخفيف، فإن أحكام الشرع مهما عظُمَت فهي ليست أثقالاً؛ بل هي أسبابُ قوَّة، كالنسر المخلوق لطبقات الجوِّ العُليا، ويحمِلُ د
ائمًا من أجل هذه الطبقات ثُقلَ جناحَيه العظيمين.
والله تعالى يقول:
(خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ) [الأعراف: 171]، (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ) [مريم: 12].
فضيلة الشيخ الدكتور/صالح آل طالب


رابط الموضوع :
http://www.assakina.com/news/news1/64466.html#ixzz3T7xokRVR