بشارة عظيمة, ما قد لا تعرفه عن ربك, فرحه سبحانه بطاعة الطائعين، وفرحه بتوبة التائبين:
كثير من الناس لا يعرف في صلة العبد بربه إلا المعاملة بالحسنات في حال الطاعة، وبالسيئات في حال الذنب والعصيان، ويعرفون في حال العصيان والذنوب مع السيئات غضب الله ومقته، فيدعون, "اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا"، والغضب صفة من صفات الباري عز وجل، يقابلها في حال الإحسان من العبد الفرح من الباري عز وجل والتبشبش فرحا وتبشبشا يليقان بالرب تبارك وتعالى، وهو شرف فوق الحسنات والثواب، وكما تثمر معرفة صفة المقت والغضب من الباري عز وجل خوفا ووجلا في قلب العبد، فتثمر ما يقابلها من صفات الفرح والتبشبش فرحا وسرورا في قلب العبد بربه ومزيد إقبال على الله عز وجل وطمعا في نيل هذا الشرف العظيم, فرح الله بعبده وتبشبشه إليه، ويعمق معرفة ذلك محبة الله في قلب العبد، محبة لرب يفرح بعبده مع كمال غناه عنه، وشدة افتقار العبد إليه.
يقول الله عز وجل: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}، أوحى الله الكريم إلى نبيه الأمين أن يرشد عباده المؤمنين إلى أسباب الفرح العظيم, {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا}، وأعظم ما يفرح به العبد معرفة الله وتوحيده وعبادته والأنس به والفرح بدينه، وهذا حال عباد الله المتقين مع آيات الله عز وجل, {فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون}، {والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك}، فهذا فرح العبد بربه.
ماذا لو أخبرتك أن الله عز وجل يفرح بعبده كذلك فرحا يليق بجلاله سبحانه؟! فرحا بطاعة الطائعين، وبتوبة التائبين؟! مع غنى الرب تبارك وتعالى عن العباد وشدة حاجة العباد إليه؟!
من صحيح الترغيب والترهيب (1/251):
327 - (2) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"ما تَوَطّنَ رجلٌ المساجدَ للصلاةِ والذكْرِ إلا تَبَشْبَشَ الله تعالى إليه كما يَتَبَشْبَشُ أهلُ الغائب بغائبهم إذا قَدِمَ عليهم".
رواه ابن أبي شيبة وابن ماجه ( 2)، وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم، وقال:
"صحيح على شرط الشيخين".
وفي رواية لابن خزيمة قال:
"ما مِنْ رَجلٍ كان تَوَطّن المساجدَ، فَشَغَلَهُ أمرٌ أو علةٌ ثم عادَ إلى ما كان؛ إلا يَتَبَشْبَشُ الله إليهِ كما يَتَبَشْبَشُ أهل الغائب بغائبهم إذا قدِمَ".
وفيه أيضا (1/242):
303 - (7) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"لا يتوضّأ أحدُكم فيُحسنُ وُضوءه فيُسبغه، ثم يأتي المسجدَ لا يريدُ إلا الصلاةَ فيه، إلا تَبَشْبَشَ الله إليه، كما يتبشبش أهلُ الغائب بطلعته".
رواه ابن خزيمة في "صحيحه".
وفي صحيح الجامع, (2/981):
5604 - «ما توطن رجل مسلم المساجد للصلاة والذكر إلا تبشبش الله له من حين يخرج من بيته كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم» ... [هـ ك] عن أبي هريرة.
(حسن) صحيح الترغيب 301 و325: الطيالسي، حم، هـ، ابن خزيمة، حب.
والتبشبش من البش ومعانيه تدور حول اللطف والإقبال والفرح.
هذا فرح الله بالطائعين في طاعة واحدة إن حضروا أو منعهم مانع فغابوا ثم عادوا، فكيف فرحه بالتائبين؟
في صحيح البخاري وغيره واللفظ للبخاري حديث رقم 6308 وفيه عن عبد الله بن مسعود يرفعه: {§لَلَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ نَزَلَ مَنْزِلًا وَبِهِ مَهْلَكَةٌ، وَمَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ نَوْمَةً، فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ رَاحِلَتُهُ، حَتَّى إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الحَرُّ وَالعَطَشُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ، قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي، فَرَجَعَ فَنَامَ نَوْمَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَهُ "}
وفي زيادة لمسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه: {§لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ، مِنْ رَجُلٍ فِي أَرْضٍ دَوِّيَّةٍ مَهْلِكَةٍ، مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ، فَطَلَبَهَا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ، ثُمَّ قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِيَ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ، فَأَنَامُ حَتَّى أَمُوتَ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ، فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ وَعَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَاللهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ "،
وفي البخاري أيضا 6309 عن أنس رضي الله عنه قال: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ح وحَدَّثَنَا هُدْبَةُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «§اللَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ، سَقَطَ عَلَى بَعِيرِهِ، وَقَدْ أَضَلَّهُ فِي أَرْضِ فَلاَةٍ}،
وفي مسلم زيادات في رواية أنس برقم 7 - (2747) قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " §لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا، قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ "
وفي صحيح مسلم 6 - (2746) عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَيْفَ تَقُولُونَ بِفَرَحِ رَجُلٍ انْفَلَتَتْ مِنْهُ رَاحِلَتُهُ، تَجُرُّ زِمَامَهَا بِأَرْضٍ قَفْرٍ لَيْسَ بِهَا طَعَامٌ وَلَا شَرَابٌ، وَعَلَيْهَا لَهُ طَعَامٌ وَشَرَابٌ، فَطَلَبَهَا حَتَّى شَقَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ مَرَّتْ بِجِذْلِ شَجَرَةٍ فَتَعَلَّقَ زِمَامُهَا، فَوَجَدَهَا مُتَعَلِّقَةً بِهِ؟» قُلْنَا: شَدِيدًا، يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا وَاللهِ §لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ، مِنَ الرَّجُلِ بِرَاحِلَتِهِ»،
فالله عز وجل وأنت المحتاج إليه ولا تستغني عنه أبدا يحب طاعتك ويفرح بها ويجازيك عليها، وإن عصيت ثم تبت فرح بك مع غناه عنك فرحا شديدا، فلماذا لا يستحيي العبد من ربه حين يعصي ويقصر ويعرض؟