السؤال:فتاة تشكو سوء ظنها بالله عز وجل، الذي جاء نتيجة لبعض الصعوبات التي مرَّت بها، فوجد الشيطان طريقه إليها، حتى إن الله قد ابتلاها بفقد نعمة من أنعُمه كانت قد جحدتها، وهي تدعو الله كثيرًا أن يتم عليها نعمته، لكنَّ وساوس الشيطان لا تتركها، وتسأل: ما النصيحة؟
♦ الملخص:
♦ تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أعاني في الفترة الأخيرة من مشكلة سوء الظن بالله في بعض الأحيان، في الحقيقة عندما كنت أدرس بالجامعة رجوتُ الله كثيرًا أن يجيب دعوةً كانت تشغل بالي في ذلك الوقت، وقد أكرمني الله جل جلاله بإجابتها ولله الحمد، وبعد تخرجي في الجامعة كنت أطمح للعمل في أحد المناصب، لكن ظروفنا المادية الصعبة جعلتني أقبل بعمل آخر كان متاحًا في تلك الفترة، ورغم محاولاتي المتكررة ودعائي أن أعمل في هذا المنصب الذي أرجوه، فإنني إلى الآن لم أُوفَّق، من جهة أخرى دعوتُ الله كثيرًا أن أتزوج بشخص معين، ولكن للأسف لم أُوفَّق، لهذه الأمور وغيرها التي جعلت حياتي متعسرة في الفترة الأخيرة، ما أتاح للشيطان الفرصة للتمكن مني بالوسوسة، بأن الله يعاقبني وأنني شخص سيئ، وأنني لن أفلح رغم كل محاولاتي ودعواتي، أريد أن أضيف شيئًا آخرَ، فقد جحدتُ بإحدى أنْعُمِ الله عليَّ، وقد ابتُليت بفقدها، وذهبتُ إلى أطباء كُثُر، لكن لم يحصل الشفاء، والآن أدعو الله أن يرفع عني هذا البلاء، فهل في نظركم أن هذا ممكن؛ لأنني قد قرأت أنه من جحد بنعمة الله، فإنه يُبتلَى بفقدها، ولا تعود؟ مع العلم أنني أدعو الله كثيرًا، رغم أن الشيطان يوسوس لي – في أثناء الدعاء - بأنني لن أُجاب، بل وسأُبتلى بفقْدِ نِعَمٍ أخرى، أرجو توجيهكم، وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.اعلمي أيتها الأخت الفاضلة أن الله تعالى إذا منع عنكِ شيئًا، فقد أعطاكِ الكثير والكثير.
ثم اعلمي أن الله تعالى قد يمنع عنكِ شيئًا؛ كزواج بشخص معين، أو وظيفة معينة؛ لأن فيها شرًّا لك، وإنْ حسبتِهِ أنتِ خيرًا.فأنتِ عليكِ أن تطلبي من الله ما ظننتِهِ خيرًا لكِ، ثم تفوِّضي أمركِ لله تعالى، فإن يسر الله لكِ هذا الأمر، فاحمديه، وإن لم ييسره لكِ، فاحمديه أيضًا، واعلمي أن الخير فيما اختاره الله لكِ، لا فيما ظننتِهِ أنتِ أنه خير؛ لأنكِ ما دمتِ فوَّضتِ أمركِ لله تعالى؛ فالله سبحانه وتعالى لن يختار لكِ إلا الخير؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3].
إذًا دعي نظرتكِ أنتِ القاصرة، وتوكلي على الله تعالى، وفوِّضي أموركِ إليه، تجدين الخير والسعادة إن شاء الله تعالى.ثم إن الدعاء لو تأخرت إجابته، فعلى المسلم ألَّا يستعجل الإجابة؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الِاسْتِعْجَالُ ؟ قَالَ: يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكِ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ))[1].
ثم إن ما تتعرضين له من مرض وبلاء، فإنكِ إنْ صبرتِ عليه، فلكِ الأجر العظيم، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن أشد الناس بلاء الأنبياء.فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: ((قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أشد بلاء؟ فقال: الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ، فَالْأَمْثَلُ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ))[2].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ))[3].
وعن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ، وَلَا وَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ، وَلَا حُزْنٍ، وَلَا أَذًى، وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ))[4].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: ((لما نزلت: ﴿ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ﴾ [النساء: 123]، بلغت من المسلمين مبلغًا شديدًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قَارِبُوا، وَسَدِّدُوا، فَفِي كُلِّ مَا يُصَابُ بِهِ الْمُسْلِمُ كَفَّارَةٌ، حَتَّى النَّكْبَةِ يُنْكَبُهَا، أَوِ الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا))[5].
وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: ((دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يُوعَك، فمسستُه بيدي، فقلت: يا رسول الله، إنك لتوعك وعكًا شديدًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَجَلْ، إِنِّي أُوعَكِ كَمَا يُوعَكِ رَجُلَانِ مِنْكُمْ، قال: فقلت: ذلك أن لك أجرين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَجَلْ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مِنْ مَرَضٍ فَمَا سِوَاهُ إِلَّا حَطَّ اللهُ بِهِ سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا))[6].
فاعلمي أنكِ على خير عظيم إنْ صبرتِ وفوضتِ أمركِ لله تعالى، ودعي عنكِ وساوس الشيطان.أسأل الله تعالى لكِ السعادة في الدارين.
[1] متفق عليه: أخرجه البخاري (6340)، ومسلم (2735).
[2]أخرجه الطيالسي (212)، وابن أبي شيبة (10828)، وأحمد (1607)، وعبد بن حميد (146)، والدارمي (2825)، والترمذي (2398)، والنسائي في «الكبرى» (7439)، وابن ماجه (4023)، وابن حبان (2900)، والحاكم (120)، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين"، وصححه الألباني.
[3] أخرجه البخاري (5645).
[4] متفق عليه: أخرجه البخاري (5641)، ومسلم (2573).
[5] أخرجه مسلم (2574).
[6] متفق عليه: أخرجه البخاري (5648)، ومسلم (2571).
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/fatawa_counse...#ixzz7JIS84F1R