قال الشيخ العلامة مفتي الديار النجدية عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين رحمه الله تعالى :
«يتعيَّنُ على من نصح نفسه ، وعلم أنه مسؤول عمَّا قال وفعل ، ومحاسب على اعتقاده وقوله وفعله : أن يُعِدَّ لذلك جوابًا ، ويخلعُ ثوبي الجهل والتعصب ، ويخلص القصد في طلب الحق ، قال الله تعالى: {قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا} [سبأ: 46].
وليُعْلَم: أنه لا يُخَلِّصُه إِلا اتباع كتاب الله وسنة نبيه ، قال الله تعالى: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون} [الأعراف: 3]، وقال تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب} [ص: 29].
ولَمَّا كان قد سبق في علم الله وقضائه: أنه سيقع الإختلاف بين الأمة، أمرهم وأوجب عليهم عند التنازع ، الردَّ إلى كتابه وسنة نبيه ، قال تعالى: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} [النساء: 59] .
قال العلماء: الرد إلى الله: الرد إلى كتابه، والرد إلى رسوله: الرد إليه في حياته، والرد إلى سنته بعد وفاته.
ودلَّت الآية: أنَّ من لم يردَّ عند التنازع إلى كتاب الله وسنة نبيه ، فليس بمؤمن؛ لقوله تعالى: {إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} فهذا شرط ينتفي المشروط بانتفائه .
ومحال أن يأمر الله الناس بالرد إلى ما لا يفصل النزاع ، لا سيما في أصول الدين ، التي لا يجوز فيها التقليد عند عامة العلماء.
وقال الله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} [النساء: 65].
ولما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بوقوع الاختلاف الكثير بعده ـ بين أمته ـ: أمرهم عند وجود الاختلاف بالتمسك بسنته، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده، فقال صلى الله عليه وسلم: «إنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» .
ولم يأمرنا الله ولا رسوله: بالرد ـ عند التنازع والاختلاف ـ إلى ما عليه أكثر الناس، ولم يقل الله ولا رسوله: لينظر كل أهل زمان إلى ما عليه أكثر أهل زمانهم، فيتبعونهم، ولا إلى أهل مصر معين، أو إقليم .
وإنما الواجب على الناس: الرد إلى كتاب الله وسنة نبيه ، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، وما مضى عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان.
فيجب على الإنسان الإلتفات إلى كتاب الله، وسنة نبيه، وطريقة أصحابه والتابعين، وأئمة الإسلام.
ولا يعبأ بكثرة المخالفين بعدهم . فإذا علم الله من العبد الصدق في طلب الحق، وترك التعصب، ورغب إلى الله في سؤال هداية الصراط المستقيم: فهو جدير بالتوفيق .
فإن على الحق نورًا، لا سيما التوحيد: الذي هو أصل الأصول؛ الذي دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم، وهو توحيد الألوهية؛ فإن أدلته وبراهينه في القرآن ظاهرة، وعامة القرآن إنما هو في تقرير هذا الأصل العظيم.
ولا يستوحش الإنسان لقلة الموافقين، وكثرة المخالفين؛ فإن أهل الحق أقل الناس فيما مضى، وهم أقل الناس فيما بقي، لا سيما في هذه الأزمنة المتأخرة، التي قد صار الإسلام فيها غريبًا.
والحق لا يعرف بالرجال ؛ كما قال علي ابن أبي طالب رضي الله عنه لمن قال له: أترانا نرى أن الزبير وطلحة كانا مخطئين وأنت المصيب ؟ فقال له علي: «ويحك يا فلان! إن الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله» .
وأيضًا : فالحق ضالة المؤمن .
وليحذر العاقل من مشابهة الذين قال الله عنهم: {لو كان خيرًا ما سبقونا إليه} [الأحقاف:11]، {أهؤلاء من الله عليهم من بيننا} [الأنعام: 53].
وقد قال بعض السلف: «ما ترك أحدٌ حقًّا إلا لكبر في نفسه» ؛ ومصداق ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: «لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر»، ثم فسر الكبر بأنه: «بطر الحق» أي: رده، «وغمط الناس» : أي: احتقارهم وازدراؤهم .
ولقد أحسن القائل:وتعر من ثوبين من يلبسهما ... يلق الردى بمذمة وهوان
ثوب من الجهل المركب فوقه ... ثوب التعصب بئست الثوبان
وتحل بالإنصاف أفخر حلة ... زينت بها الأعطاف والكتفان
واجعل شعارك خشية الرحمن مع ... نصح الرسول فحبذا الأمران