الاعتكاف وشهر رمضان المبارك

الشيخ الدكتور أنس العمايرة


الاعتكاف وشهر رمضان المبارك
نحمد الله ونصلي ونسلم على أنبيائه ورسله ، ونستفتح بالذي هو خير : ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا ، وأنت إذا شئت تجعل الحزن سهلا برحمتك يا أرحم الأرحمين ، وبعد :
الاعتكاف سنة في رمضان وغيره من أيام السنة ؛ لقوله جل جلاله في محكم التنزيل : (ولا تقربوهن وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ)(البقرة:187) ، و توارد الأحاديث الصحيحة في اعتكافه ، وتواتر الآثار عن السلف بذلك أيضاً . وقد ثبت أن النبي اعتكف آخر العشر من شوال كما عند الشيخين.

إلا أنه يتأكد في رمضان لحديث أبي هريرة الذي يرويه الإمام البخاري : (كان رسول الله يعتكف في كل رمضان عشرة أيام ، فلما كان العام الذي قُبِضَ فيه اعتكف عشرين يوماً) .
وأفضله آخر رمضان ، حيث كان يخص العشر الأواخر بالاعتكاف في المسجد ؛تفرغا لعبادة ربه ،وتحريا لليلة القدر ؛ فعن عائشة ا وعن أبيها في الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام الترمذي قالت : (كان رسول الله يجاور في العشر الأواخر من رمضان ، ويقول تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان) .
فقولها : (يجاور) يعني : يعتكف .
واستمر يعتكف في العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل ؛ فعند أبي داود في سننه في الحديث الصحيح عن عائشة ا قالت : (إن النبي كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى قبضه الله ، ثم اعتكف أزواجه من بعده ).


وقد كان حريصا على الاعتكاف حيث كان يقضيه إذا سافر من العام القادم ؛ فعند ابن ماجة بسند صحيح : (كان إذا كان مقيما اعتكف العشر الأواخر من رمضان ، وإذا سافر اعتكف من العام المقبل عشرين) .


أما عن أحكام الاعتكاف :
فقد وضحت أمنا عائشة ا وعن أبيها بعضا من ذلك حيث تقول : (السنة في المعتكف :
1. أن لا يخرجَ إلا لحاجته التي لا بد له منها ،
2. ولا يعودَ مريضاً ،
3. ولا يمسَ أمراتَه ، ولا يباشرَها ،
4. ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة ،
5. والسنة فيمن اعتكف أن يصوم ) رواه البيهقي بسند صحيح ، وأبو داود بسند حسن .
ومن الاحكام أيضا :

6. وللمعتكف أن يضع فراشَه في المسجد ، لما رواه ابن عمر عن النبي (أنه كان إذا اعتكف طُرحَ له فراش) رواه ابن ماجه والبيهقي وإسناده قريب من الحسن .
8. وللمعتكف أن يتوضأ في المسجد ؛ لقول الصحابي الذي خدم النبي : ( توضأ النبي في المسجد وضوءاً خفيفاً) كما عند البيهقي بسند جيد .
9. وللمعتكف أن تزوره زوجته في معتكفه- إن أمكن ذلك – وأن يودعها إلى باب المسجد ؛ لقول صفيه ا : (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ مُعْتَكِفًا فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلا ، فَحَدَّثْتُهُ ، ثُمَّ قُمْتُ فَانْقَلَبْتُ ، فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي - وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - فَمَرَّ رَجُلانِ مِنْ الأَنْصَارِ ، فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ أَسْرَعَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ : عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ .
فَقَالا : سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ .
قَالَ : إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ ؛ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا سُوءًا أَوْ قَالَ شَيْئًا) رواه البخاري
10. وللمعتكف أن يأكل في المسجد .

أما الاعتكاف بالنسبة للنساء :
فيجوز أيضاً بشروط هي كما يلي :
1.موافقة أوليائهن بذلك .
2. أمن الفتنة.
3. أمن الخلوة مع الرجال .

هذا والله تعالى أعلم ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا وحبينا محمد .