تنبيه المصلي على أخطاء تقع في التلاوة وقيام الليل
بسم الله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وأصحابه ومن تبع سنته واقتفى نهجه، أما بعد فإن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا أخلصه وأصوبه، قال الفضيل بن عياضفي قوله سبحانه وتعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [هود: 7]. قال: أخلصه وأصوبه. قيل: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يُقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يُقبل حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.ومن هذا الباب ألا وهو تحقيق الصواب في الأعمال أحببت أن أنبه إخواني إلى بعض الأخطاء التي قد تقع أثناء تلاوة القرآن وفي صلاة القيام حتى تقبل منا القربات وتنفعنا يوم الملاقاة.
أولا: أخطاء تتعلق بتلاوة القرآن الكريم:
1ـ السرعة في القراءة:لتلاوة القرآن الكريم ثلاث مراتب التحقيق وهو أطولها يليه التدوير يليه الحدر، والحدر كما يعرفه أهل التجويد : هو القراءة بسرعة مع مراعاة أحكام التجويد، إلا أن بعض الناس يسرع حتى لا ينطق الحروف ويسقط المدود اللازمة ويكون بذلك قد غير المعنى وحرف كلام الله وأنقص منه، يأثم في قراءته ففي سنن أبي داود 2/ 77، أن ابن مسعود أتاه رجل فقال: إني أقرأ المفصل في ركعة، فقال: أهذا كهذ الشعر ونثرًا كنثر الدقل؟ قال أبو سليمان الخطابي في معالم السنن 1/ 283: "الهذ سرعة القراءة، وإنما عاب عليه ذلك؛ لأنه إذا أسرع القراءة ولم يرتلها فاته فهم القرآن وإدراك معانيه".
أخرج الطبراني في معجمه قال كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُقْرِئُ الْقُرْآنَ رَجُلًا فَقَرَأَ الرَّجُلُ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ } [التوبة: 60] مُرْسَلَةً، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: " مَا هَكَذَا أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَقْرَأَنِيهَا: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ } [التوبة: 60] فَمَدَّدَها "
فانظر رعاك الله كيف أنكر ابن مسعود على من أنقص مدا فكيف بمن ابتلع حرفا فغير معنى فالحذر فالحذر .
2 ـ عدم تحريك الشفتين أثناء التلاوة: وهذا من أكبر الأخطاء لأن المطلوب من القارئ هو القراءة ولا تتحقق القراءة إلا بتحريك الشفتين وبدون تحريكهما لا تسمى قراءة ولا تعطى حكمها، لذلك لو صلى صلاة سرية ولم يحرك شفتيه كانت الصلاة باطلة وكذلك لو تلى لم يكن له أجر التلاوة لأنه في حكم الشرع لم يقرأ.
أخرج أبو داود في سننه عن أبي معمر أنه قال: قلنا لـ خباب رضي الله عنه: (هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: نعم.قلنا: بم كنتم تعرفون ذاك؟ قال: باضطراب لحيته).
وفي سنن النسائي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَكَانَ يُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا وَكَانَ يُطِيلُ أَوَّلَ رَكْعَةٍ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ» وصححه الألباني.
فهذان الحديثان يدلان على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرك شفتيه في الصلاة السرية، قال ابن القاسم في المدونة:وَكَانَ مَالِكٌ لَا يَرَى مَا قَرَأَ الرَّجُلُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ فِي نَفْسِهِ مَا لَمْ يُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَهُ قِرَاءَةً.(1/103)
وقال الشيخ عبد المحسن العباد في شرح سنن أبي داود:"... القراءة لا بد فيها من تحريك الشفتين، وأن الإنسان لا يكفي أن يقرأ وهو مطبق شفتيه؛ لأن الاستذكار في القلب لا يقال له قراءة، وإنما تكون القراءة بتحريك اللسان والشفتين" اهـ
3 ـ عدم تمكين اليدين في سجود التلاوة:
ويحدث ذلك إذا كان التالي يقرأ وجاءت سجدة التلاوة ، وحتى لا يضيع الصفحة يسجد تاركا بعض أصابعه داخل المصحف والنبي صلى اله عليه وسلم يقول:"أمرت أن أسجد على سبعة أعظم" فالواجب أن يجعل شيئا في الصفحة ويمكن يديه من السجود.
4ـ ترك كثير من المستحبات والآداب مع القدرة عليها:
كاستعمال السواك قبل التلاوة واستقبال القبلة وتحسين الهيئة وتجويد القراءة وغيرها وعليك بالتبيان في آداب حملة القرآن للنووي.
ثانيا : أخطاء تتعلق بصلاة القيام:
1ـ تعمد أواخر الصفوف:ينبغي للرجل أن يتحرى الصفوف الأولى فقد جاء في الأثر أن الله وملائكته يصلون على أصحاب الصف الأول والثاني، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا فَقَالَ لَهُمْ: «تَقَدَّمُوا وَأْتَمُّوا بِي وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يؤخرهم الله» . رَوَاهُ مُسلم، وجاء في الحديث:"شر صفوف الرجال آخرها"، والاقتراب من الإمام أدعى للخشوع، وفي كثير من المساجد تجد من ينام أويجلس ولا يصلي في المؤخرة فليحذر الانسان.
2ـ قطع الصفوف:يتعب بعض المصلين فيجلس في الصف بلا تكبير والناس في الصلاة فيقطع صفهم، فيلحقه وعيد :"من قطع صفا قطعه الله". والواجب عليه أن يكبر جالسا أو ينصرف راشدا.
3ـ استجلاب الصبيان المشوشين:لب الصلاة هو الخشوع ويحضر الناس معهم من الصبية من يشغل المصلي عن صلاته فالواجب تركهم في البيت، اللهم إلا إذا علم منهم عدم الشغب والصراخ فيستحب إحضارهم لتعويدهم على الصلاة على أن يعلموا أحكام الطهارة حتى لا يصلوا في الصف بلا وضوء فيقطعوه، وإلا جعلوا في آخر الصف.
4ـ متابعة الإمام من المصحف:وهذا وإن كان غير منتشر إلا أنا رأينا من يفعله؛ لأن الواجب الإنصات والتدبر، وقد يقرأ من المصحف فيكون ممن ينازع الإمام القراءة.
5 ـ الانصراف قبل إتمام التراويح: وهذا وإن كان لا يأثم بفعله لأن الأصل في الصلاة السنية إلا أنه حرمان لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:" من صلى مع إمامه حتى ينصرف كتب له أجر قيام ليلة". فيحرم الشخص من هذا الأجر إذا انصرف قبل تمام الصلاة فكيف بمن لا يحضر للتراويح أصلا والله المستعان .
6ـ وأخيرا كثرة التنقل بين المساجد للتتبع الأصوات الحسنة :رخص العلماء في الصلاة في غير مسجد الحي إذا كان المقرئ الآخر أحسن صوتا وأجلب للخشوع، ويحصل هذا بالسؤال قبل رمضان عمن عرف بالتلاوة الحسنة ليقصد مسجده، أما أن يصلي الإنسان في كل ليلة بمسجد فهذا مع كونه مخالفا للسنة ففيه تضييع للوقت.
نسأل الله تعالى أن نكون قد وفقنا في عملنا هذا وأن يكون قصدنا فيه وجه الله تعالى وحده لا شريك له.
اللهم بصرنا بعيوبنا ووفقنا لإصلاحها وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.