تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: هل يُستعان بالجن؟

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    42,077

    افتراضي هل يُستعان بالجن؟

    هل يُستعان بالجن؟

    ساق القاضي عياض ترجمة لأبي خارجة عنبسة الغافقي (ت 210هـ)، وحكى عجائبه وأخباره، ومنها أنه قيل عن عنبسة: «كان عنده عِلْم الزجر[1]، وبعضهم يقول: بل من خدمة الجن، ومنهم من يزعم أنه كان صالحاً يُجري الله الحق على لسانه؛ فينطق به»[2] ثم تعقَّب ذلك القاضي قائلاً: «وأنا بريء من عُهدة هذه التأويلات إلا الأخيرة؛ فالحديث الصريح يحتج لها»[3]؛ فالقاضي عياض يبرأ من عِلْم بخدمة الجان، كما يبرأ من زَجْر الطير على سبيل التشاؤم. ولما ترجم الحافظ ابن رجب لأحمد بن عبد الرحمن المقدسي (ت 697هـ) وما لديه من غرائب، فقال: «برع في معرفة تعبير الرؤيا، وانفرد بذلك؛ بحيث لم يشارَك فيه، وكان الناس يتحيَّرون منه إذا عَبَر الرؤيا، وله في ذلك حكايات كثيرة غريبة مشهورة، وهي من أعجب العجب، وكان جماعة من العلماء يقولون: إن له رئيّاً من الجن، وكان مع ذلك كثير العبادة، لكن يقال: إنه كان يتعبَّد على وجوه غير مشروعة، كالصلاة في وقت النهي! وذكر عنه بعض أقاربه أنه رأى عنده شيئاً من آثار الجن»[4].
    وأورد الشوكاني عجائب العباس المغربي الذي قَدِم صنعاء اليمن سنة 1200هـ؛ فكان إذا احتاج إلى دراهم، أخذ بياضاً، وقطَّعه على حجم تلك الدراهم، ثم يجعلها في وعاء، ويتلو عليها (!) فتنقلب دراهم! وذلك بواسطة «خادم من الجن»[5].
    هذه الغرائب لو علم بها بعض الرقاة لتشبثوا بها فـــي هذا التوسع المريب في الاستعانة بالجن في التداوي وحَلِّ السحر والعين وأشباهه، إضافة إلى تعويلهم على بعض فتاوى للمعاصرين، وما قد يفهمونه من كلام لابن تيمية في كتابه: «النبوات» وغيره.
    إن هذه النازلة تستدعي جملة من الوقفات، منها: - أن الاستعانة بالجـن لم تكـن مـن هـدي النبـي - صلى الله عليه وسلم -، ولا سـبيل السابقين الأولين من المهـاجرين والأنصـار، رضـي الله عنهم. قال ابن تيمية: «لم يستخدم (النبي - صلى الله عليه وسلم -) الجن أصلاً، لكن دعاهم إلى الإيمان بالله، وقرأ عليهم القرآن، وبلَّغهم الرسالة، وبايعهم، كما فعل بالإنس»[6].
    كما أنه لم يُنقل عن جمهور الصحابة (الاستعانة بالجن في التداوي وحَلِّ السحر والعين) وهم أدرى الناس وأعمق هذه الأمة علماً وأتمِّها إيماناً؛ ولو أنهم فعلوا ذلك أو قالوه لنُقِل عنهم؛ إذ إن ذلك مما تتوفر الدواعي لنقله؛ فدلَّ ذلك على أن مجانبة الاستعانة بالجن هو السُّنة والصراط المستقيم. - أن نبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم - كان يتصرف في الجن كتصرفه في الإنس، تصرُّف عبــدٍ رسولٍ، والواجب على المسلم أن يستعمل في الجن ما يستعمله في الإنس: من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله كما شرع الله ورسوله... ولم يتصرَّف فيهم كتصرف سليمان بن داود - عليهما السلام - إذ تصرُّف سليمان بالجن هو تصرف ملكي؛ إذ كان رسولاً مَلِكاً، وكان نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - عبداً رسولاً؛ والعبد الرسول أفضل من الملِك الرسول[7] والجن لا تخضع بإطلاق لأحد من الناس، ولو خدمتْ أحداً؛ فلا يكون إلا بمعاوضة واستمتاع، كما بيَّنه ابن تيمية بقوله: «وليس أحد من الناس تطيعه الجن طاعة مطلقة، كما كانت تطيع سليمان بتسخير من الله وأَمْرٍ منه من غير معاوضة. قال - تعالى -:
    { ولسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْـجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْـجَوابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: ٢١ - ٣١].
    والذي أعطاه الله لسليمان - عليه السلام - خارج عن قدرة الجن والإنس؛ فإنه لا يستطيع أحد أن يُسخِّر الجن مطلقاً لطاعته، ولا يستخدم أحداً منهم؛ إلا بمعاوضة: إما عمل مذموم تحبُّه الجن، وإما قول تخضع له الشياطين، كالعزائم[8]؛ فإن كل جني فوقه من هو أعلى منه؛ فقد يخدمون بعض الناس طاعة لمن فوقهم»[9].

    والمقصود أن الاستعانة بالجن واستخدامهم مطلقاً ليست من الشرع المحمدي، ولا من التصرف القدري الذي كان آية لسليمان، عليه السلام؛ فلا هي مشروعة ولا مقدورة. - إذا كان الأصل في سؤال الناس التحريم، والأحاديث في النهي عن ذلك متواترة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لما فيه من التفات إلى غير الله - تعالى - وافتقار إلى البشر، وهذا نوع شرك[10]؛ فكيف بسؤال الجن الذي لا ينفك عن مفاسد متحققة ومتوقَّعة؟ ولا سيما أن للجن من القدرات والتصرفات ما ليس للبشر، وهو ما يزيد البلاء، ويُعظِم الفتنة، «والجن أعظم شيطنة، وأقل عقلاً، وأكثر جهلاً»[11] و «والإنس أعقل وأصدق وأعدل وأوفى بالعهد، والجن أجهل وأكذب وأظلم وأغدر»[12].
    - أن الاستعانة بالجن ليست سبباً ظاهراً في حصول المطلوب؛ ولذا أمر الإمام أحمد بن حنبل بترك ذلك، كما جاء في آخر كتاب الأحكام السلطانية للقاضي أبي يعلي: «وقد قال أحمد في رواية الفرج بن علي الصباح البرزاطي: في الرجل يزعم أنه يعالج المجنون من الصراع بالرقى والعزائم، ويزعم أنه يخاطب الجن ويكلِّمهم، ومنهم من يخدمه ويحدِّثه، فقال أحمد: «ما أحبُّ لأحد أن يفعله، وتَرْكه أحبُّ إليَّ»[13].

    ولو كان سبباً، فإن مفاسده تربو على مصالحه، ومضرته أعظم من نفعه.
    والاستعانة بهم هي التفات إلـى من لا تُعـرَف أحـوالهم، ولا تُعرف أشخاصهم ولا عدالتهم؛ فهم مجهولو العين والحال، كما أن الاستعانة بالجن تفتح أبواباً من الشرور والبلايا، والشريعة قد جاءت بسدِّ الذرائع وحماية جَنَاب التوحيد، ومَنْع كل طريق يوصل إلى الشرك.
    وقد جاءت فتوى اللجنة الدائمة بالسعودية بمنع الاستعانة بالجن مطلقاً[14]، وكذا منعه الشيخ ابن باز - رحمه الله - والشيخ صالح الفوزان، وغيرهما. كما أن الاستعانة بالجن هي استعانة بالغائبين، والاستعانة الجائزة إنما تكون بحاضر حي قادر، بل إن هذه الاستعانة تحاكي الاستعاذة بالجن، وخاصة أن الاستعاذة والاستعانة متقاربة المعنى. أورد الحافظ ابن كثير حكاية كروم الأنصار - رضي الله عنه - وفيها: أنه خرج مع أبيه من المدينة في حاجةٍ، وذلك أول ما ذُكِر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة، فآوانا المبيت إلى راعي غنم، فلما انتصف الليل جاء ذئب، فأخذ حَمَلاً من الغنم، فوثب الراعي، فقال: يا عامر الـــوادي جارك! فنــادى منــادٍ لا نــراه يقول: يا سِرْحان[15] أرسله! فأتى الحَمَلُ يشتد[16] حتى دخل في الغنم لم تُصِبه كدمة؛ فأنزل الله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - بمكة: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْـجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن: ٦].
    قال ابن كثير: «وقد يكون هذا الذئب الذي أخذ الحَمَلَ (وهو ولد الشاة) كان جنيّاً حتى يُرْهب الإنسي ويخاف منه، ثم ردَّه عليه لما استجار به؛ ليضلَّه ويهينه ويخرجه عن دينه، والله أعلم»[17].
    ونخلص إلى أن الاســتعانة بالجن ليسـت سُــنة مأثورة، ولا سبيل سلف الأمة الأوائل؛ فهي لا تنفك عن تعلُّقٍ والتفاتٍ ينافي تحقيق التوحيد، بل ربما أفضى إلى الشرك الصراح، إضافة إلى أن الاستعانة بالجن ليست سبباً ظاهراً معقولاً، وإنما هي تعويل على مجهول، وتشبث بمن لا يدري عن عدالته وصدقه؛ فهل بعد هذا يسوغ تقرير الاستعانة بالجن؟

    --------------------------------------------------------------------------------

    (*) أستاذ مشارك في قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض. [1] الزجر: هو ضرب من التطير والتشاؤم.
    [2] ترتيب المدارك: 1/282.
    [3] ترتيب المدارك: 1/282.
    [4] ذيل طبقات الحنابلة: 2/336، 337 = باختصار.
    [5] انظر البدر الطالع: 1/314.
    [6] الفرقان بين الحق والباطل، (مجموع الفتاوى: 13/89).
    [7] انظر إيضاح الدلالة لابن تيمية، (مجموع الفتاوى: 19/39، 51).
    [8] العزائم: من أنواع السحر.
    [9] النبوات: 2/1014.
    [10] انظر: قاعدة جليلة لابن تيمية، ص 51، 66، ومجموع الفتاوى: 8/538، 10/182، والرد على البكري لابن تيمية، ص 341.
    [11] إيضاح الدلالة، (مجموع الفتاوى: 19/46).
    [12] النبوات: 2/1015.
    [13] الأحكام السلطانية، ص 308
    [14] انظر مجلة البيان، عدد (141).
    [15] السِرْحان: الذئب. [16] يشتد: يُسرِع.
    [17] تفسير ابن كثير: 8/267، (ط دار الشعب).

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,785

    افتراضي

    جاء في كتاب التمهيد لشرح كتاب التوحيد لمعالي الشيخ صالح آل الشيخ (ص: 615 / 619) .


    سؤال :
    هل يجوز الذهاب للعلاج عند من يزعم أنه يعالج بمساعدة جن مسلمين ؟ وهل هذه المساعدة من الجن للقارئ من الاستعانة الجائزة أو المحرمة ؟


    الجواب :
    الاستعانة بالجن سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين وسيلة من وسائل الشرك .
    والاستعانة معناها : طلب الإعانة ؛ ولهذا فمن المتقرر عند أهل العلم أنه لا يجوز طلب الإعانة من مسلمي الجن ؛ لأن الصحابة - رضوان الله عليهم - لم يطلبوا ذلك منهم ، وهم أولى أن تخدمهم الجن ، وأن تعينهم .


    وأصل الاستعانة بالجن : من أسباب إغراء الإنسي بالتوسل إلى الجني ، وبرفعة مقامه ، وبالاستمتاع به ، وقد قال - جل وعلا - : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا } [ الأنعام : 128 ] ،
    فحصل الاستمتاع - كما قال المفسرون - من الجني بالإنسي : بأن الإنسي يتقرب إليه ، ويخضع له ، ويذل ، ويكون في حاجته ، ويحصل الاستمتاع من الإنسي بالجني بأن يخدمه الجني ، وقد يكون مع ذلك الاستمتاع ذبح من الإنسي للجني ، وتقرب بأنواع العبادات ، أو بالكفر بالله - جل وعلا - والعياذ بالله ، بإهانة المصحف ، أو بامتهانه أو نحو ذلك ؛
    ولهذا نقول : إن تلك الاستعانة بجميع أنواعها لا تجوز ، فمنها ما هو شرك - كالاستعانة بشياطين الجن - يعني : الكفار - ومنها ما هو وسيلة إلى الشرك ، كالاستعانة بمسلمي الجن .
    وبعض أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية يقول :
    إن الجن قد تخدم الإنسي . وهذا المقام فيه نظر وتفصيل ؛ ذلك أنه - رحمه الله - ذكر في آخر كتاب " النبوات " : أن أولياء الله لا يستخدمون الجن إلا بما فعله معهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن أمرهم ، ونهاهم ، أي : بالأوامر ، والنواهي الشرعية ، أما طلب خدمتهم وطلب إعانتهم . فإنه ليس من سجايا أولياء الله ، ولا من أفعالهم ،
    قال : مع أنه قد تنفع الجن الإنس ، وقد تقدم له بعض الخدمة ونحو ذلك ، وهذا صحيح من حيث الواقع .فالحاصل أن المقام فيه تفصيل :فإذا كان الاستخدام بطلب الخدمة من الجني المسلم ، فهذا وسيلة إلى الشرك ، ولا يجوز أن يعالج عند أحد يعرف منه أنه يستخدم الجن المسلمين .
    وإذا كانت الجن تخدم بعض الناس بدون طلبه ، فإن هذا قد يحصل ، لكن لم يكن هذا من خلق أولياء الله ، ولا مما سخره الله - جل وعلا - لخاصة عباده ، فلا يسلم من هذا حاله من نوع خلل جعلت الجن تكثر من خدمته ، وإخباره بالأمور ، ونحو ذلك .


    فالحاصل :
    أن هذه الخدمة إذا كانت بطلب منه ، فإنها لا تجوز ، وهي نوع من أنواع المحرمات ؛ لأنها نوع استمتاع ، وإذا كانت بغير طلب منه فينبغي له أن يستعيذ بالله من الشياطين ويستعيذ بالله من شر مردة الجن ؛ لأنه قد يؤدي قبول خبرهم ، واعتماده ، إلى حصول الأنس بهم ، وقد يقوده ذلك الاستخدام إلى التوسل بهم والتوجه إليهم - والعياذ بالله - .


    فإذا تبين ذلك : فإن خبر الجن عند أهل العلم ضعيف ، لا يجوز الاحتجاج به عند أهل الحديث ، وذكر ذلك أيضا الفقهاء .وهذا صحيح ؛ لأن البناء على الخبر وقبوله : هو فرع عن تعديل المخبر ، والجني غائب ، وعدالته غير معروفة ، وغير معلومة عند السامع ، فإذا بنى الخبر عمن جاءه به من الجن وهو لم يرهم ، ولم يتحقق عدالتهم إلا بما سمع من خطابهم - وهي لا تكفي - فإنه يكون قد قبل خبر من يحتمل أنه فاسق ؛ ولهذا قال الله - جل وعلا - : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } [ الحجرات : 6 ] ، والذين يقبلون إخبار الجن ، وإعلام الجن لهم ببعض الحوادث ، تحصل منهم مفاسد متنوعة كثيرة ، منها هنا : جزمهم بصحة ما أخبرتهم به الجن فربما حصل بسبب ذلك مفاسد عظيمة ، من الناس الذين أخبروا بذلك ، فيكثر القيل والقال ، وقد تفرقت بعض البيوت من جراء خبر قارئ جاهل يزعم أن الذي فعل هذا هو فلان باعتبار الخبر الذي جاءه ، ويكون الخبر الذي جاءه من الجني خبرا كذبا ، فيكون قد اعتمد على نبأ هذا الذي لا يعلم عدالته ، وبنى عليه وأخبر به ، فيحصل من جرائه فرقة ، واختلاف ، وتفرق ، وشتات في البيوت ،
    ونعلم أنه قد ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم - رحمه الله - أن إبليس ينصب عرشه على ماء ، ويبعث سراياه ، فيكون أحب جنوده إليه من يقول له : فرقت بين المرأة وزوجها ، وهذا من جملة التفريق الذي يسعى إليه عدو الله ، بل الغالب أنه يكون من هذه الجهة ، فأحب ما يكون إلى عدو الله أن يفرق بين المؤمنين ؛
    ولهذا جاء في الحديث الصحيح الذي رواه أيضا مسلم وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « إن الشيطان أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ، ولكن في التحريش بينهم » .
    فهذه المسألة يجب على طلاب العلم أن يسعوا في إنكارها ، وبذل الجهد في إقامة الحجة على من يستخدم الجن ، ويتذرع بأن بعض العلماء أباح ذلك ، والواقع أن هذا العمل وسيلة من وسائل الشرك بالله - جل وعلا - .واقرؤوا أول كتاب (( تاريخ نجد )) لابن بشر ، حيث قال : إن سبب دخول الشرك إلى قرى نجد أنه كان بعض البادية إذا أتى وقت الحصاد ، أو أتى وقت خرف النخيل ، فإنهم يقطنون بجانب تلك القرى ومعهم بعض الأدوية والأعشاب ، فإذا كانوا كذلك فربما سألهم بعض جهلة تلك القرى حتى حببوا إليهم بعض تلك الأفعال المحرمة من جراء سؤالهم ، وحببوا إليهم بعض الشركيات ، أو بعض البدع ، حتى فشا ذلك بينهم ، فبسبب هؤلاء المتطببين الجهلة ، والقراء المشعوذين انتشر الشرك - قديما - في الديار النجدية وما حولها ، كما ذكر ابن غنام .
    وقد حصل أن بعض مستخدمي الجن ، كثر عنده الناس ، فلما رأى من ذلك ، صار يعالج علاجا نافعا ، فزاد تسخر الجن له ، حتى ضعف تأثيره ، فلما ضعف تأثيره ولم يستطع مع الحالات التي تأتيه للقراءة أو للعلاج شيئا :صار تعلقه بالجن أكثر ، ولا زال ينحدر ما في قلبه من قوة اليقين ، وعدم الاعتماد بقلبه على الجن ، حتى اعتمد عليهم شيئا فشيئا ، ثم حرفوه - والعياذ بالله - عن السنة ، وعما يجب أن يكون في القلب من توحيد الله ، وإعظامه ، وعدم استخدام الجن في الأغراض الشركية ، فجعلوه يستخدم الجن في أغراض شركية وأغراض لا تجوز بالاتفاق .فهذا الباب مما يجب وصده ،
    وكذلك : يجب إنكار وسائل الشرك والغواية ، وحكم من يستخدم الجن ، ويعلن ذلك ، ويطلب خدمتهم لمعرفة الأخبار ، فهذا جاهل بحقيقة الشرع ، وجاهل بوسائل الشرك ، وما يصلح المجتمعات وما يفسدها ، والله المستعان .اهــ

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •