قال الشيخ د يوسف الغفيص في شرح الواسطية :
ومما يتعجب منه أن بعض طلبة العلم وبعض الشباب يستدل بقصة مجملة، ولك أن تقول: هي من متشابه المواقف، وليست من محكم المواقف، بمعنى أنها من المواقف المبنية على المصالح والمفاسد، يختلف الاجتهاد فيها حتى عند العالم نفسه، فلا تجعل كالمنهج المطرد، مثلاً: الإمام أحمد استأذن عليه داود بن علي، وكان صاحباً وصديقاً لـ صالح ابن الإمام أحمد، وكان داود بن علي قد أظهر في أصبهان أن القرآن محدث، وقد تكلم بهذه الكلمة لأنها جاءت في القرآن، وما كانت هذه الكلمة تعجب الإمام أحمد فبلغ الإمام أحمد أن داود بن علي قال هذا في أصبهان، فجاء داود إلى بغداد وتلطف لـ صالح ابن الإمام أحمد أن يدخله على أبيه، فقال صالح لأبيه: إن رجلاً من أهل أصبهان يريد أن يدخل عليك.
قال: من هو؟ قال: داود.
قال: داود ابن من؟ فقال: داود بن علي.
قال: لا يدخل، بلغني عنه أنه قال كذا وكذا.
فيأتي بعض الشباب الآن ويقول فيمن هو من كبار الصادقين أو الصالحين أو ممن انضبطت عقائدهم: لا يدخل ولا يخرج، ولا يتكلم، ولا نقبل منه صرفاً ولا عدلاً، وكأنه يطبق هنا موقف الإمام أحمد، وهذا اجتهاد من الإمام أحمد قد يكون صواباً وقد يكون غير صواب، فالإمام أحمد ليس معصوماً.
ثانياً: إذا كان صواباً وهو الصحيح: أن هذا كان صواباً من الإمام أحمد من باب ضبط السنة وألفاظ السنة في مسألة القرآن، فهذا كان لائقاً بمثل الإمام أحمد مع من هو مثل داود، وداود يفقه مثل هذا المقام، فإن داود بن علي كان من علماء السنة والجماعة، ما عنده أغلاط في الصفات مثل ابن حزم؛ فـ داود بن علي مختص بمذهب فقهي واجتهاد فقهي، أما عقيدته فهي نفس عقيدة السلف تماماً، نقل عنه مسألة أن القرآن محدث، وهذه مسألة لفظية مثل ما نقل عن البخاري في مسألة اللفظ، أو عن الذهلي أو عن أبي حاتم مسألة مقابلة لهذا.
والمقصود: أن المقامات التي تعرض من الأكابر ليست سنناً للأصاغر، السنن هي السنن النبوية الشرعية، ومعلوم أن الرسول عليه الصلاة والسلام وهو المشرع قد هجر الثلاثة الذين خلفوا، مع أنه حصل في زمنه معصية حتى من بعض أصحابه، كمن شرب الخمر أو ما إلى ذلك، ولم يأمر بهجرهم.
والحق فيه من البيان والقوة ما لا يحتاج إلى كثير من الاستطالة معه في مسائل الردود، خاصة الردود بين أهل السنة أنفسهم -بين السلفيين- والردود يجب أن تسخر في الرد على شبه الكفار، وشبه أهل البدع، أما الردود على السلفيين في مسائل من الاجتهاد الممكن في الغالب، فهذا ليس حكيماً، ولا مشهوراً زمن الأوائل رحمهم الله.