نبارك للأخ والصديق الفاضل: كريم محمد زكي لطبع
كتاب اللمع الألمعية لأعيان الشافعية يحقق لأول مرة




صدر حديثًا نسخة محققة جديدة من كتاب "اللمع الألمعية لأعيان الشافعية" لقطب الدين الخَيْضِري الشافعي (ت 894 هـ/ 1488 م) وهو نص نفيس ينشر لأول مرة عن مسودة المؤلف بخطه وعليها حواش نفيسة بخط شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني رحمه الله، وذلك عن دار "الذخائر" - بمصر للمحقق أبي رفيدة كريم بن محمد زكي في ثلاثة مجلدات.
والنص المحقق يبدأ في "من أول من اسمه عثمان" إلى آخر الكتاب.
ويعد هذا المُؤلَف الذي كُتبَ في أواخر القرن التاسع الهجري من أهم المؤلفات التي أفردت للتعريف بتراجم الأئمة الشافعية وذلك في كتب الطبقات، ويشتمل الكتاب على طبقات الشافعية من الشافعي إلى المشايخ الذين أخذ عنهم، وقد ذكر هذا الكتاب الإمام السخاوي في "الضوء اللامع" أثناء ترجمته للمؤلف وذكر أنه: « استعار من شيخنا نسخته بـ "الطبقات الوسطى" لابن السبكي؛ فجرد ما بها من الحواشي المشتملة على تراجم مستقلة وزيادات في أثناء التراجم مما جردته أيضًا في مجلد، ثم ضم ذلك لتصنيف له على الحروف لخص فيه "طبقات ابن السبكي" مع زوائد حصلها بالمطالعة من كتب أمدَّه شيخنا بها كالموجود من "تاريخ مصر" للقطب الحلبي، و"تاريخ نيسابور" للحاكم، و"الذيل عليه" لعبد الغافر و"تاريخ بخارا" لغنجار و"أصبهان" وغير ذلك مما يفوق الوصف وسماه "اللمع الألمعية لأعيان الشافعية"».
ومنه نعرف أن الخَيْضَري قد تصدى لجمع مادة كتابه من عدد كبير من المصادر منها ما كتبه شيخه ابن حجر نفسه على "طبقات السبكي" من حواشٍ وإضافات متعلقة بعدد من فقهاء الشافعية ممن لم يردوا في الطبقات مع ما ورد في أصل الطبقات.
كما أمدّه ابن حجر بعدد من الكتب التي تعينه على إعداد كتابه، منها أجزاء من "تاريخ مصر" لقطب الدين الحلبي (ت735هـ/ 1335م)، و"تاريخ نيسابور" للحاكم النيسابوري (ت405هـ/ 1014م)، و"الذيل عليه" لعبدالغافر الفارسي (ت529هـ / 1135م)، و"تاريخ بخارى" لغنجار (ت412هـ/ 1028م)، و"تاريخ أصبهان" لأبي نعيم الأصبهاني (ت:43هـ/ 1038م).
ويرى المحقق "محمد جمال حامد الشوربجي" في مقال له منشور بجريدة "الحياة"[1] أن الحافظ السخاوي قد انتقد على الخيضري بعض مسائل تتعلق بهذا الكتاب وقام بالاهتمام بتتبع الكتاب خاصةً أنه قد كان في نيته التصدي لهذا المشروع والقيام به لولا أن وجد الخيضري قد اضطلع بهذه المهمة، وهو ما يبين أوجه التكامل والتعاون بين علماء القرن التاسع في جمع تراث وتراجم أعلام المذهب الشافعي خدمةً للمذهب الشافعي، يقول السخاوي في رسالة له للخيضري: « إنما تركتُ توجهي لجمع الشافعية مراعاة لكم، وإلا فغير خاف عنكم أنني إذا نهضتُ إليه أعملُه في زمن يسير جدًّا»، فأخبره الخيضري بأنه لم يعمل عليه، ولم ينته منه، وأنه استعار كُتبًا ليستمدّ منها في تحرير كتابه، كـ "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي، و"تاريخ غرناطة" لابن الخطيب.
ونسخة الكتاب المخطوطة تعد من أنفس المخطوطات للكتاب لكونها بخط المؤلف نفسه وهي محفوظة في مكتبة المتحف العراقي في بغداد تحت رقم 8642، في 518 صفحة، وقد وصفها أسامة ناصر النقشبندي بقوله: «كتبها المؤلف بخطه كمسودة تشابه أسلوب شيخه ابن حجر، فسطورها غير منتظمة، وتعليقاته، وشروحه، وإضافاته، وتصحيحاته كتبت في اتجاهات مختلفة من الصفحة».
وقد كانت هناك محاولة سابقة لتحقيق الكتاب كرسالة علمية كان يعمل عليها الباحث كريم محمد عيد زكي من خلال تحقيق جزء منه يبدأ من أول من اسمه "عثمان" إلى آخر ترجمة المحسن بن عيسى البغدادي تحت إشراف أ. أيمن فؤاد سيد (معهد البحوث والدراسات العربية في القاهرة) منذ 2014م، ولا ندري هل أعدت هذه الرسالة للنشر أم لا؟، لذا يعد هذا الإصدار هو من أوائل النسخ المنشورة المحققة لمخطوطة الكتاب بأسلوب علمي يعمل على تلافي أخطاء النسخ إلى جانب النظر بالعيان لتعليقات وانتقادات الحافظ السخاوي على نسخة المخطوط أثناء التحقيق.
أما مُؤلِف الكتاب فهو القاضي قطب الدين محمد بن محمد عبد الله بن خيضر بن سليمان بن داود بن فلاح بن ضُمَيدة، أبو الخير الزُبيدي، البلقاوي الأصل، الرملي، الدمشقي، الشافعي، ويعرف بالخيضري نسبة لجد أبيه. وُلدَ في رمضان سنة إحدى وعشرين وثمانمائة. وأقبل على الحديث صغيرًا فأكثر من السماع. ولازم الحافظ بن ناصر الدين فتنبه به، ثم لازم الحافظ ابن حجر وتخرج عليه. ووصفه الحافظ ابن حجر بالحفظ.
من تصانيفه: "اللفظ المكرم بخصائص النبي المحترم"، و"شرح التنبيه"، و "ذيل الإعلام بوفيات الأعلام للذهبي"، و"البرق اللموع في الخبر الموضوع"، و"الغرام بأدلة الأحكام"، و"الروض النضر في حال الخضر"، و"الافتراض في دفع الاعتراض"، و"الاكتساب في تلخيص كتب الأنساب"، و"بغية المبتغى بتعيين قول الروضة ينبغي"، و"تحرير التفاصيل في رواة المراسيل"، و"تحفة الحبائب بالنهي عن صلاة الرغائب"، و"تقويم الأسل"، و"في تفضيل اللبن على العسل"، و"زهر الرياض في رد ما شنعه القاضي عياض على من أوجب الصلاة على البشير النذير في التشهد الأخير"، و"صعود المراقي شرح ألفية العراقي في الحديث"، و"الصفا بتحرير الشفا"، و"اللواء المعلم في شرح مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم"، و"المنهل الجاري المجرد من فتح الباري شرح الجامع الصحيح للبخاري"... وغير ذلك.
وولي قضاء الشافعية بدمشق، وكتابة السر بها، وعدة مدارس بدمشق. وتوفي في ربيع الأول سنة أربع وتسعين وثمانمائة.