النقطة الأولى من نقاط التربية الإسلامية الخمس :
( تحديد الهدف العام من التربية )
ينبغي أن يعلم أن أي عمل لا ينشأ من البداية والأصل إلا كان هناك مطلوب منه ، وهذا جبل الله تعالى عليه الناس ، فإذا كُلف الإنسان عملا بلا إرادة ومطلوب منه كُلف بما لا يستطيع ، لكن تتحدد مسار الأعمال على أهدافها ومطلوباتها ، وأعني بالهدف العام هنا : المطلوب الأكبر المراد تحقيقه من التربية الإسلامية ، وهو الإخراج من الظلمات إلى النور ، والتعبيد لله تعالى وحده ؛ للفوز والسعادة في الدارين ، لابد أن يترسخ هذا في قلب المربي والمربى .
وهذا الهدف لم يكن شيء أرسخ منه في نفس وقلب نبينا صلى الله عليه وسلم ، ولا في قلب صحابته الكرام ، لقد كانت التربية على هذا أخطر مراحل التربية ؛ إذ أننا نتكلم على هدف الحياة نفسها ، وعليه تتحدد المصائر والعواقب في الآخرة ؛ لذلك بدأ صلى الله عليه وسلم في عملية التربية بترسيخ الإيمان أولا في قلوب أصحابه ؛ إذ لا يستقيم أن يربى أناس على توحيد من لا يؤمنون به من الأساس ، والمتدبر سور القرآن يجد أنها جميعا نزلت بهذا المطلب غير أنها اختلفت في عرض ذلك ،
فتعالوا لنعرض لبعض مواضع ذلك من كتاب الله تعالى ،
قال تعالى : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) ،
وقال : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) ،
وقال : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ) ،
وقال : ( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقالكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون ) ،
وقال : ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ) ،
وقال : ( قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ) ،
وقال : ( قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) ،
وقال : ( الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين ) ،
وقال : ( قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس ) ،
وقال : ( واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ) ،
وقال : ( الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) ،
وقال : ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) ،
وقال : ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم ) ،
وقال : ( ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) ،
وقال : ( وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) ،
وقال : ( وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره ) ،
وقال : ( ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) ،
وقال : ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته ولاتبعوه لعلكم تهتدون ) ،
وقال : ( قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين ) ،
وقال : ( يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ) ،
وقال تعالى في أول ما وصى لقمان ابنه : ( يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ) .
ونلاحظ من الآيات السابقة أن الله تعالى دعا الناس إلى توحيده سبحانه وعدم الإشراك به وهو الهدف الأكبر وقاعدة التربية بتقرير ربوبيته تعالى ، والمعنى أنه سبحانه تفرد بالخلق والملك والرزق والتدبير ، فوجب تفريده بالعبادة والسؤال وحده ،
وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم بينت تلك الغاية جدا ، فالنبي صلى الله عليه وسلم في دعوة ضماد الأزدي رضي الله عنه ، قال له : ( إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ) ، والقصة معرفة والرواية عند مسلم رحمه الله ،
وهذا أيضا عمرو بن عَبَسَةَ رضي الله عنه يقول : كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالة ، وأنهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان ، فسمعت برجل بمكة يخبر أخبارا ، فقعدت على راحلتي ، فقدمت عليه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جرءاء عليه قومه ، فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة ، فقلت له : ما أنت ؟ ، قال : ( أنا نبي ) ، فقلت : وما نبي ؟ ، قال : ( أرسلني الله ) ، فقلت : وبأي شيء أرسلك ؟ ، قال : ( أرسلني بصلة الأرحام ، وكسر الأوثان ، وأن يوحد الله لا يشرك به شيء ) - مسلم - ، ولما بعث صلى الله عليه وسلم معاذا إلى نحو اليمن ، قال له : ( إنك تقدم على قوم أهل كتاب ، فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله ، فإذا عرفوا ذلك ، فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم...) ، وكان ذلك قبل حجة الوداع ،
وعلم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أركان الإسلام ، فبدأ بركن التوحيد ، قال : ( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ...) ، وسبق ذكر مقالة جعفر بن أبي طالب للنجاشي لما هاجروا إلى الحبشة ونزلوا في أرضه وجواره ، وفي بيعة العقبة الأولى بايع صلى الله عليه وسلم الصحابة الكرام على أمور ستة ، كما في رواية عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - ، أولها : ( ألا تشركوا بالله شيئا ) ، وهذه كانت دعوته صلى الله عليه وسلم في مكة ؛ إذ كان ينادي صلى الله عليه وسلم في الناس : ( يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ) ، ولما لقي فتية بني عبد الأشهل وكان فيهم إياس بن معاذ رضي الله عنه ، ودعاهم إلى خير مما جاءوا له من التماس الحلف مع قريش على قومهم من الخزرج ، قال : ( أنا رسول الله ، بعثني إلى العباد أدعوهم أن يعبدوا الله لا يشركوا به شيئا ...) - حسن إسناده شعيب الأناؤوط - ، والتوحيد هدف جلي في شعائر ومناسك الدين في الأذان والصلاة والصيام والزكاة والحج ، وفي الصحيحين : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله ) ، ولما لقيه أبو هريرة في حائط للأنصار لبني النجار ، قال له صلى الله عليه وسلم : ( اذهب بنعلي هاتين ، فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة ) - مسلم - ، وفي المدينة علمهم صلى الله عليه وسلم التوحيد في كل أمورهم وشؤونهم ، وفي قتالهم الكفار ، وأقام صلى الله عليه وسلم المدينة على تشريعات الله تعالى المنزلة في كتابه وفي سنته صلى الله عليه وسلم في كل شؤونها على اختلافها ، وهذا مقتضى التوحيد .
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى تحت هذه النقطة أيضا .