رياض الأطفال حيثيات الواقع وآفاق المستقبل
د· محمد عمر الحاجي




من الأمور المعروفة للجميع أن العلم له مكانة في الإسلام عظيمة، ولذلك فالسائرون في طريق العلم لهم أهمية كبيرة، مصداق ذلك قوله تعالى: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير}>المجادلة -11<·
لكن شرط أن لا يكتموا العلم الذي وهبهم الله إياه عن الناس، بل إن على العلم زكاة، وزكاة العلم تعليمه للناس، وذلك من أجل أن يعم النفع والخير جميع خلق الله، قال تعالى في معرض الحديث عن بعض أهل الكتاب الذي كانوا يكتمون العلم: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه ورآ ظهرهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون} >آل عمران -187<·
وهذا هو ميراث النبوة، فقد أخرج الترمذي قول النبي [: >إن العلماء لم يورثوا درهما ولا دينارا وإنما ورثوا العلم<·


لكن ما علاقة العلم برياض الأطفال، ونحن نعلم أن رياض الأطفال تضم بين جوانحها أطفالا دون سن السادسة من العمر، وهذه الفترة هي فترة تربية وبناء، وليست فترة تعليم؟!
نعم هذا كلام صحيح، لكن الطفل في رياض الأطفال يتعود على البعد عن والديه بحيث تنمو مهاراته الحركية، ويتدرب على ضبط الانفعالات، ويتمرن على الاعتماد على نفسه أمام الآخرين، وتتكون لديه ملكة الاستقلالية، وتجعله ينفتح أكثر على الاختلاط بالأصدقاء الخ····


كل هذا جعل من المبشرين وأعداء الإسلام يركزون على رياض الأطفال فيغرسون في عقول الأطفال عقائد مشوشة، وأفكارا دخيلة، مصداق ذلك ما ذكره المبشر >جوموط< في إحدى مقالاته: >إن الأثر المفسد في الإسلام يبدأ باكراً جداً، من أجل ذلك يجب أن يحمل الأطفال إلى المسيح قبل بلوغهم سن الرشد، وقبل أن تأخذ طبائعهم أشكالها الإسلامية<، لذا كان لابد للأمة الاسلامية أن تهتم بالمناهج التي تُقَّدم لأطفال رياض الأطفال، مع التركيز على انتقاء معلَّمة واعية بحيث تقوم بعض المعاهد والجامعات بتأهيل معلِّمات الأطفال، وخصوصا فيما يتعلق بالأمور النفسية للأطفال، وبأهم الطرق التربوية التي تتماشى مع هذا السن·


إضافة إلى تفهيم القائمين على رياض الأطفال أن عملهم أو عملهن ليس مجرد مهنة عادية، إنما عليهم أن يفهموا أن ذلك العمل يشمل أجري الدنيا والآخرة، وبالتالي فهو ثغر واسع من ثغور الإسلام الذي يخطط الاستعمار للدخول من خلاله، ومن أهم الخصائص التي يجب أن تتحلى بها القائمات على رياض الأطفال يتلخص بقول محمدقطب:>أن تكون شخصية المربي أكبر من شخصية المتلقي، وأن يكون عنده ما يعطيه، وأن يحسن طريقه العطاء، وأن يكون لديه المقدرة على الاهتمام بمن يربيهم، والقدرة على المتابعة والتوجيه الدائم، والقيادة التي تقدر على فرض الطاعة<·
كل ذلك تحت ظلال الحنان والرحمة والرأفة بالأطفال، بعيدأ عن القسوة والغلظة والشتم وما إلى هنالك·


فإذا جرت صبرت المعلمة، وإذا قدّمت لهم النصائح والمواعظ، وإذا عاملتهم بقدر سنّهم، وإذا كانت لهم كالأم الحانية، نجحت في أداء رسالتها، وكانت منافحة عن دينها من خلال تربية الأطفال، ومرضية ربّها ونبيّها، وبذلك تدخل تحت قوله تعالى:{وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون} >السجدة -24<·


> كيف السبيل إلى التعليم الصحيح للأطفال؟
- تركز الشريعة الإسلامية على نقاط عدة، بحيث إذا طبقت على أرض الواقع تحسَّن الوضع التعليمي العام، ومنها: التركيز على عدم التلقين، واستبدال ذلك بالتشويق، أي عدم الاهتمام بكمية المعلومات التي تعطى للطالب، والتركيز على الكيف·
ومنها استقاط المعلومات على أرض الواقع والنزول من الأمور النظرية إلى الممارسة العملية، ليكون هناك ربط متين بين الأهداف والسلوكات، ورحم الله >ابن خلدون< عندما ذكر ذلك في مقدمته فقال:>اعلم أن تلقين العلوم للمتعلمين إنما يكون مفيداً إذا كان التدّرج شيئا فشيئا وقليلا قليلا، وإذا ألقيت عليه الغايات في البدايات، وهو حينئدٍ عاجز عن الفهم والوعي وبعيد عن الاستعداد، كَلَّ ذهنه، وحسب ذلك من صعوبة العلم في نفسه، فتكاسل وانحرف عن قبول وتمادى في هجرانه، وإنما أتُي من سوء التعليم··


ولا يخلط مسائل الكتاب بغيرها حتى يعييه، وإذاخُلط عليه الأمر عجز عن الفهم، وأدركه الكلال، وانطمس فكره، ويئس من التحصيل، وهجر المعلم والتعليم<·
وبالتالي لابد من استخدام الوسائل التي تقرِّب المعنى، واستعمال الأمثلة التي توضحّ المراد، والتدرج في طرح المعلومات، والابتعاد عن الإحباط والتوبيخ والاعتداد في كل شيء، بعيداً عن الدلال الزائد، وعن الكبت المقيت وتعويد الأطفال الجرأة في الإلقاء والتحدث أمام الآخرين، وهكذا يتم التركيز على مناهج رياض الأطفال وعلى القائمين والمشرفين عليها، وخصوصا من المعلمين والمعلمات·
ذلك لأن المنهج المختص برياض الأطفال إن كان قائما على أسس دينية سليمة كان الأطفال يوماً ما سليمي العقيدة، ولذلك كان الواجب أن يكون التركيز أولا على القرآن والسنَّة، فالقرآن هو محور العملية التربوية والتعليمية، وكذلك كان من الواجبات أيضا التركيز على تعليم اللغة العربية الفصيحة، وذلك من خلال تحفيظ الأطفال الأشعار الهادفة النبيلة، ومن ثم تحفيظم أحسن القصص التراثية والتاريخية وما إلى هنالك من أمور تربوية هادفة·


أجل! على تلك المثل والأخلاق النبيلة كان الأطفال يربون في الكتاتيب، حيث يجلس الشيخ بمكانة ويجمع حوله الأطفال الذين لم يؤهلهم سنهم إلى دخول المدارس بعد، فيحفِّظهم كتاب الله، ويعلِّمهم شيئا من سنَّة رسول اللّة، ويدربهم على الأخلاق الفاضلة، والآداب الإسلامية العامة والسلوكات الهادفة، فتكون لديهم قاعدة صلبة لتلقي علوم المدارس والجامعات، وتتكون لديهم أفكار ناضجة واعدة، بحيث لا يصغى أحدهم إلى السموم التي يبثها الأعداء هنا وهناك، ولا يلتفت إلى الشكوك التي تطرح من أجل إبعاد المسلمين عن إسلامهم الصحيح، وهذه مهمة القائمين على العملية التربوية والتعليمية، ولن تأتي رياح التغيير والإصلاح إلا إذا كانت البدايات من رياض الأطفال قال تعالى: {إن الله لا يغيِّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} >الرعد-11<·