وهذه القاعدة هي القاعدة الثانية من القواعد الفقهية الكبرى؛ وهي قاعدة عند الأصوليين أيضًا؛ حيث يحكمون بها في كثير من القضايا؛ ويُعبِّرون عنها بلفظ: (الأصل بقاء ما كان على ما كان)؛ أي: أنَّ الأصل ثبوت الأمر في الزمن الحاضر على ما كان في الزمن الماضي؛ وهو ما يُسمِّيه الأصوليون: «الاستصحاب»؛ والمعنى: استصحاب ما كان متيقَّنًا في الزمن الماضي، حتى يثبت خلافه بيقين في الزمن الحاضر.
أولًا: معنى القاعدة:
اليقين في اللغة والاصطلاح: هو العلم، والإدراك الجازم، وزوال الشك([1]).
والشك لغة: قال ابن فارس رحمه الله: «الشين والكاف أصل واحد مشتق بعضه من بعض، وهو يدل على التداخل؛ من ذلك قولهم: شككته بالرمح، وذلك إذا طعنته فداخل السِّنانُ جِسمَه.
ومِن هذا الباب: الشك، الذي هو خلاف اليقين؛ إنما سُمِّي بذلك لأن الشاكَّ كأنه شُكَّ له الأمران في مَشَكٍّ واحد، وهو لا يتيقن واحدًا منهما»اهـ([2]).
والشك اصطلاحًا: التردد بين أمرين؛ سواء كانا متساويين، أم كان أحدهما أرجح من الآخر([3]).
والمعنى الإجمالي للقاعدة: أنَّ الأمر المتيقَّن ثبوته لا يرتفع إلا بيقين مثله، ولا يُحكم بزواله لمجرد الشك، كذلك الأمر المتيقن عدم ثبوته لا يُحكم بثبوته بمجرد الشك.
[1])) «الصحاح» (6/ 2219)، و«موسوعة القواعد الفقهية» للبورنو (2/ 101).
[2])) «مقاييس اللغة» (3/ 173).
[3])) «تحرير ألفاظ التنبيه» للنووي (ص36)، ط دار القلم، دمشق، و«شرح مسلم» (5/ 53)، ط دار إحياء التراث العربي، بيروت.