تواليف مالكية مهمة
شهاب الدين الإدريسي
تواليف مالكية مهمة 1 :الموطأ
الموطأكتاب الموطأ عمدة مذهب مالك وأساسه، توخى فيه الإمام مالك القوي من حديث أهل الحجاز ومزجه بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين ومن بعدهم، وبوبه على أبواب الفقه فأحسن ترتيبه وتبويبه، فكان كتابا حديثيا فقهيا جمع بين الأصل والفرع، ويُروى في سبب تأليفه أن المنصور لما حجّ اجتمع بالإمام مالك، وسمع منه الحديث والفقه وأُعجب به، فطلب منه أن يدون في كتابٍ ما ثبت عنده صحيحـًا عن رسول الله من مسائل العلم، وطلب أن يوطئه للناس، فاستجاب الإمام مالك لطلب المنصور، وصنف كتابه العظيم الموطأ.
ويعتبر كتاب الموطأ أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى منذ ألفه الإمام مالك إلى أن صنف الإمام البخاري صحيحه الذي أجمعت الأمة على تقديمه، قال الإمام الشافعي ـ وهو من أخص تلاميذ إمامنا مالك ـ : «مافي الأرض كتاب في العلم أكثر صوابا من كتاب مالك».
ويكتسب الموطأ قيمته من مكانة مصنفه الإمام مالك في الحديث والفقه، وجودة انتقائه، وشدة تحريه ونقده للرجال، ويمكن القول أن تأليف الموطأ كان نِتاجاً لعُمر طويل قضاه الإمام مالك في التربية والتعلُّم والتعليم، مع إخلاص العمل وصدق الطلب، مما جعل طلبة العلم يضربون أكباد الإبل من شتى البلاد نحو المدينة النبوية للتلقي عن الإمام مالك وسماع الموطأ منه، لقد لقي الموطأ قبولا عظيما حتى إن الخليفة هارون الرشيد لما حجّ قدم إلى مالك وسمع الموطأ منه، ورَغب أن يعلِّقه في الكعبة، ويحمل الأمة كافة على العمل بما جاء به، فأجابه الإمام مالك رحمه الله: لا تفعل يا أمير المؤمنين؛ فإن أصحاب رسول الله اختلفوا في الفروع، وتفرقوا في البلاد، وكلٌّ مصيب، وأنا جمعت من حديث أهل المدينة ما جمعت، ما كان لله فسيبدو، فعدل الرشيد عن ذلك.
وجملة ما في الموطأ من الأحاديث عن النبي والآثار عن الصحابة والتابعين ـ على ما قاله أبو بكر الأبهري ـ ألف وسبعمائة حديث وعشرون حديثـًا، المسند منها: ستمائة حديث، والمرسل: مائتان واثنان وعشرون حديثـًا، والموقوف: ستمائة وثلاثة عشر حديثـًا، ومن قول التابعين: مائتان وخمسة وثمانون حديثـًا.
وبعض العلماء يَعُدّ أحاديث الموطأ أكثر، وبعضهم يعدها أقل، والسبب في ذلك أن رواة الموطأ عن الإمام مالك كثيرون، ويوجد عند بعضهم ما لا يوجد عند الآخر، وأشهر روايات الموطأ وأكثرها تداولا رواية يحيى بن يحيى الليثي تلميذ مالك وعاقل الأندلس، وإذا أطلق في عصرنا موطأ الإمام مالك فإنما ينصرف لرِوَايته، وهي معتمد المغاربة، وعليها عوّل الحافظ ابن عبدالبر في شرحيه العظيمين للموطأ التمهيد والاستذكار.
وقد طبع الموطأ بعدد من الروايات منها رواية ابن القاسم بتلخيص القابسي، ورواية محمد بن مسلمة القعنبي، ورواية سويد بن سعيد الحدثاني، ورواية زياد، أما رواية يحيى بن يحيى فطبعاتها كثيرة أشهرها طبعة محمد فؤاد عبدالباقي وأجودها طبعة الدكتور بشار عواد معروف وطبعة الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، ويتوقع أن تصدر طبعة مغربية محققة متقنة بأمر ملكي في المستقبل القريب عن المجلس العلمي الأعلى.
------------------------------------------------------------------------
مصادر ترجمته:
- جماع العلم للشافعي(242)
-الانتقاء في فضائل الثلاثة الفقهاء (36ـ114)
- ترتيب المدارك(1 /107 ـ192)، (2/13ـ69)