هل دخل النبي الحمام؟ وهل كان في زمنه حمامات؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسلام على أشرف المرسلين، وآله وصحبه والتَّابعين، أما بعد:
فهذا مقال حول إثبات هل كان هناك حمَّامات في زمن النَّبيّ صلى الله عليه وسلَّم؟ وهل دخل النبيُّ الحمَّام أمْ لا؟
قال المناوي في"فيض القدير" (1): (( قال ابن القيِّم (2) : ولم يدخل نبيُّنا - صلَّى الله عليه و سلَّم - حمَّامًا قطُّ، ويرُدُّه ما رواه الخرائطي عن أحمد بن إسحاق الورَّاق (3) عن سليمان بن ناشرة (4) عن محمد بن زياد الألهاني (5) قال : كان ثوبانُ مولى المصطفى - صلَّى الله عليه و سلَّم - جارا لي، وكان يدخل الحمَّام، فقلت : فأنت صاحبُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تدخل الحمَّام؟ فقال : "كان رسول الله - صلى الله عليه و سلم - يدخل الحمَّام وكان يتَنَوَّر" (6) ، وأخرجه - أيضًا - يعقوبُ بن سفيانَ في "تاريخه": عن سليمانَ بن سلَمة الحمصيّ (7) عن بقيّة (8) عن سليمان بن ناشرة به، وأخرجه ابن عساكر في "تاريخه": من طريقه )) اهـ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في "مجموع الفتاوى" (21 / 300-301): " ولهذا لم يكن بأرض الحجاز حمَّام على عَهْد رسولِ الله وخلفائه، ولم يدخلِ النَّبِيُّ حمَّامًا، ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان، والحديث الذي يُرْوَى أنَّ النَّبيَّ دخل الحمَّام مَوْضُوعٌ باتفاق أهل المعرفة بالحديث، ولكن عليٌّ لمَّا قدم العراق كان بها حمَّامات، وقد دخل الحمَّامَ غيرُ واحد من الصحابة، وبُنِيَ بالجُحفة حمَّامٌ دخلها ابن عباس وهو محرم " اهـ.
ويردُّ هذا ما جاء عن أُمِّ الدَّرْدَاءِ قالتْ: خَرَجْتُ مِنَ الْحَمَّامِ فَلَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ: "مِنْ أَيْنَ يَا أُمَّ الدَّرْدَاءِ"، قَالَتْ: مِنَ الْحَمَّامِ، فَقَالَ: "وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا مِنِ امْرَأَةٍ تَضَعُ ثِيَابَهَا فِى غَيْرِ بَيْتِ أَحَدٍ مِنْ أُمَّهَاتِهَا إِلاَّ وَهِىَ هَاتِكَةٌ كُلَّ سِتْرٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرَّحْمَنِ".
قلتُ: والحديث أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (10 / 6540 - 6541 الأرقام: 27680 - 27681 – 27683 المكنز، ت: أحمد معبد عبد الكريم) من طرق على ترتيب الأرقام السَّابقة:
الأولى: من طريق ابْنِ لَهِيعَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا زَبَّانُ عَنْ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ به، قلتُ: ابن لهيعة وزبَّان بن فائد ضعيفان، وسهل لا بأس به إلا في روايات زبَّان عنه، وأبوه معاذ بن أنس صحابي، فالحديث بهذا الإسناد ضعيف، كذلك الذي بعده.
الثانية: من طريق رِشْدِينَ قَالَ: حَدَّثَنِي زَبَّانُ عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ به، قلت: رشدين بن سعد ضعيف سيِّئ الحفظ، وباقي الإسناد تقدَّم.
الثالثة: من طريق عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: وَقَالَ حَيْوَةُ: أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ أَنَّ يُحَنِّسَ أَبَا مُوسَى حَدَّثَهُ أَنَّ أُمَّ الدَّرْدَاءِ حَدَّثَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم – فذكره، قلتُ: أبو صخر حميد بن زياد الخرَّاط صدوق يهم، وقال أحمد: ليس به بأس، وحيوة بن شُريْح ثقة، ويحنِّس بن أبي موسى ثقة، فالحديث بهذا الإسناد يرتقي إلى درجة الحسن، إن كان يحنّس لقي أمَّ الدَّرداء وإلَّا فهي مرسلة، لأنَّني لم أجد مَنْ ذكر في شيوخه أمَّ الدَّرداء، ولا مَن ذكر في تلاميذه من يُسَمَّى بأبي صخر ولعلَّه من أوهامه التي ذكرها الحفَّاظ، وبهذا تعلم خطأ المحقِّقيْن: شعيب وعبد القادر الأرناؤوطيَّيْن في تصحيحهما لهذا الحديث عندما عقَّبا على ابن القيم - رحمه الله - لمَّا قال في "الزَّاد" (1/167): "ولم يدخل نبيُّنا حمَّامًا، ولعلَّه ما رآه بعيْنه، ولايصحُّ في الحمَّام حديث" اهـ ، ولعلّهما أرادا بالشَّاهد من حيث عائشة (9) - رضي الله عنها - والله أعلم.
وكذا أثر ابن عمر - رضي الله عنهما -: "أنَّه كان لا يدخل الحمَّام، وكان يتنور"، رواه البيهقي في "السُّنن الكبرى" من طريقين: الأولى: فيها عبد الله بن عمر العمري المكبَّر وهو: ضعيف عابد، والثانية: فيها أسامة بن زيد الليثي وهو: صدوق يهم.
قلتُ: ولعلَّها متابعة حسنة، والله أعلم.
وفي "إتحاف المهرة" (510): عن داود بن عمرو، عن عطية بن قيس: أنَّ أبا الدَّرداء كان يدخل الحمَّام ويقول: "نِعْمَ البيتُ الحمَّامُ، يُذهِبُ السَّيِّئةَ ويُذَكِّرُ النَّارَ". قال البوصيري الحافظ: "هذا إسناد رجاله ثقات" اهـ.
قلتُ: داود بن عمرو الأودي صدوق يُخطئ، وعطيَّة ثقة، فالحديث حسن، والله أعلم.