موت وخراب ديار

المشاهد لدى الكثير من الناس أنه حين يوجد عندهم عزاء ، يقدم أهل الميّت المشروبات الساخنة ، إضافة إلى إقامة الولائم من غداء وعشاء ، وذلك لضغط المجتمع المحلي ، وبقاء المعزيين فترة الغداء والعشاء ، حتى إذا ما أكلوا خرجوا ، بل أن مجالس العزاء صارت أماكن يتجمع بها الناس ويتواعد بها البعض . حتى أنه وجد أن البعض يستأجر خياما أو استراحات أو ما شابه ذلك ليستقبل المعزيين ، والمعزيين لا يتقيدون بوقت لتقديم التعازي بل الوقت مفتوحاً لديهم في النهار والليل ، دون مراعاة شعور أهل الميت .وهذا مما شك فيه يثقل على أهل الميّت ، من الناحية النفسية والمالية ، خاصة مع غلاء أسعار الولائم .وهذا أمر مستحدث ، ولا يدل على التضامن الاجتماعي بين المسلمين ، وهو أمر نهى الإسلام عنه ، فالواجب تقديم العون والمساعدة لهم ، لا ان يكون محلهم مطعمًا للأكل المجاني ، والواجب على مقدم التعزية أن يخرج بسرعة ، وكما يقال عندنا (العزاء شربة فنجال ) أي أن مدة تقديم التعزية لا تتجاوز شرب فنجاناً من القهوة العربية ، أي أقل من ربع كأس ، ثم يدعو لهم بأحسن الله عزاكم أو عظم الله أجركم ، ويخرج ولا يجلس حتى ولو طلوا منه ذلك مجاملة .

وسئل ابن باز هذا السؤال :س / يقيم البعض ولائم عند موت الميت من تركته فما حكم ذلك ؟ فكان جوابه :"الوصية بإقامة الولائم بعد الموت بدعة ومن عمل الجاهلية .وهكذا عمل أهل البيت للولائم المذكورة ، ولو بدون وصية ، منكر ولا يجوز لما ثبت عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال ( كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد الدفن من النياحة ) خرجه الإمام أحمد بإسناد حسن ، ولأن ذلك خلاف ما شرعه الله من إسعاف أهل الميت بصنة الطعام لهم لكونهم مشغولين بالمصيبة لما ثبت عن النبي صل الله عليه وسلم أنه لما بلغه استشهاد جعفلا اب أبي طالب رضي الله عنه في غزوة مؤتة قال لهله ( اصنعو لآل جعفر طعاماً فقد اتاهم ما يشغلهم ) " .المرجع ( عبد العزيز بن باز ، فتاوي وتنبيهات ونصائح ، دار الجيل ، بيروت ، 1991م ، ص 536 ) . لذا فالنبدأ بالتغيير ، ولا نسمح لمثل هذه البدع أن تنتشر ، وأن يحدث التغيير من أنفسنا أولا ، ولا نثقل على أهل الميت ، كما لا نستجيب لمثل هذه الدعوة ، وأن نترفع عن أكل وليمة قدمت في العزاء ، فما الفرق إذن من ولائم الفرح وولائم الأحزان فهل الأمر سيان !

وليكن هناك عرفا جديدا في تحديد أوقات العزاء كأن تكون بعد صلاة العصر حتى المغرب أو بعد المغرب حتى صلاة العشاء ، والتقيد بأيام العزاء التي حددها الإسلام وهي ثلاثة أيام لا زيادة عليها ، وليبدأ البعض بعدم تقديم مثل هذه الولائم ، وأن يطلب من المعزين المغادرة ، فلا حياء في الدين والأمر جد خطير ، فمن أتى لتقديم العزاء فاليقوم بذلك ويدعو للميت ولهله ثم يخرج ، ومن أتى للأكل فليس هذا مكانًا للأكل . فكم من الناس استدانت حتى يقدموا الولائم والمشروبات والأطعمة للمعزين ، وأين التكافل والتضامن الاجتماعي .