تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 9 123456789 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 172

الموضوع: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (1)




    المقدمة

    الحمد لله، خَلقَ الإنسان في أحسن تقويم، وأصلي وأسلم على سيدنا ونبينا محمد بن عبدالله، كان خُلقُه القرآن الكريم، وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    أمــا بعــد: فقد كثرت المستجدات والنوازل في هذه الأزمنة المتأخرة، التي نحتاج إلى تبصّر وتأمل، ومن أشدّها وقعًا ما يكون متصلاً بالنفس الإنسانية، فيؤثر عليها سلبًا أو إيجابًا، ومن ثمّ ينتقل هذا التأثير إلى سائر جوانب الحياة الأخرى، وقد يورث أمراضًا وأسقامًا، وضعفًا وفتورًا، وانقطاعًا للتواصل، وقلة نتاج وغيرها.

    وقد شُغل الإنسان في هذه القضية حتى أوجد علومًا لها مثل علم النفس الذي أصبح علمًا يدرس وله نظرياته وتطبيقاته، وكذا الطب النفسي في الجانب العلاجي أصبح تخصصًا له قواعده ومنطلقاته.

    والإسلام بمصدريه العظيمين، القرآن الكريم والسنة المطهرة، وقد أكمل الله سبحانه وتعالى بهما الدين، وأتمّ بهما النعمة على المؤمنين، قد حويا المنهجية الكاملة للمؤمن في هذه الحياة، التي إذا ما استقاها وسار عليها أوصلته إلى سعادة الدارين، من سعة الحياة والطمأنينة فيها، إلى نعيم الآخرة وسعادتها.

    وقد كان التطبيق العملي لهذا الدين هو حياة النبي ﷺ، فقد جعله الله سبحانه القدوة والأسوة للمؤمنين، فقال سبحانه:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا}(1)

    والناظر في حياته ﷺ يجد توجيهات عظيمة، ومعالجات لكثير من الإشكالات النفسية التي تستدعي من المختصين إبرازها ودراستها وتنزيلها على الواقع، فهي مليئة بالمعالم والإشارات، بل والأسس لبناء النفس الإنسانية بناء إيجابيًا منتجًا، ولمعالجات ما يطرأ عليها من منغصات.

    وقد كتب الله سبحانه وتعالى أن أشارك في شيء من هذه الأسس والمعالم في برنامج في قناة المجد الفضائية لمدة عام كامل بعنوان: (حياة السعداء) والتي كانت فكرته: استخلاص القضايا النفسية – بناء وعلاجًا – من الحديث النبوي، مدعمة بما يعضدها من القرآن الكريم. وهي فكرة لا أعرف من تطرق إليها بمثل الصورة التي عرضت إلا قليلاً من إشارات وعبارات، ومن هنا أردتها انطلاقة لئن يخوض المختصون في هذا الجانب، ليستخرجوا ما في القرآن الكريم والسنة المطهرة من كنوز تفيد علماء النفس والأطباء النفسانيين، وعامة المسلمين ليجدوا فيه ما يثرون علمهم، ويؤصلونه، وليجد كل مسلم ما يعينه على درب السعادة الحقة، وما يعالج به ما يطرأ من مشكلات.

    وهذا لا يعني بأي حال – كما قد يفهمه البعض – إلغاء الطب النفسي أو إضعافه، أو عدم فعاليته، بل هو إثراء وتكامل وتأصيل. هكذا أحسب.

    كما لا يعني أن ما أذكره جميعه مسلّم، بل كثير منه يحتاج إلى مزيد من البحث والتقويم، فحسبي أنها لبنة في هذا البناء الكبير الذي نحتاج إليه جميعًا.

    * * *
    ولأهمية هذه الفكرة أعدت النظر مرة أخرى فيما ألقيت في البرنامج لكي أصوغه في كتاب – كما طالب بذلك كثير من المستمعين والمستمعات – فيستفيد منه الجميع.


    وعلى ذلك تتسطر أهداف هذا الكتاب فيما يلي:

    1 – بناء الشخصية النفسية البناء الصحيح المنتج المؤسس على القرآن الكريم والسنة النبوية.

    2 – ربط المسلم بكتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ في جميع شؤون حياته.

    3 – إضافة لبنة إيجابية في علم النفس وفي الطب النفسي السلوكي مستنبطة من الكتاب والسنة ومن تطبيقات النبي ﷺ.

    4 – إيجاد طرق ووسائل لعلاج أمراض النفوس.

    5 – تصحيح مسار كثير من المعالجين بالرقية الشرعية أو بغيرها.

    6 – تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة في سلوكيات المعالجين والمرضى.

    7 – محاولة تجميع العوامل المساعدة للوصول إلى السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة.

    وكانت خطة هذا الكتاب كما يلي:

    مهدت بتمهيد وضحت فيه منهج الإسلام في التعامل مع الأمراض والقضايا النفسية.

    ثم قسمت الكتاب إلى قسمين، فالقسم الأول: في الجانب البنائي، وقد أطلت فيه إذ هو الأصل فبدأتُ بالمنطلق وهو العلم وأثره على النفس، ثم في أقسام البناء، وهي أعمال القلوب، كالإخلاص والتوكل والخوف والرجاء وغيرها، وأعمال الجوارح كالصلاة والزكاة وقراءة القرآن وغيرها.

    والقسم الثاني: في الجانب العلاجي، مثل: تقوية الإرادة، والرقية الشرعية، وبدأتها بذكر بعض أسباب الأمراض النفسية، وختمت بعلاقة الرؤى والأحلام بالجانب النفسي وتأثيرها، وكيفية التعامل معها.

    ولخصت ما في هذا الكتاب من أفكار في الخاتمة.

    وأشير هنا إلى أني أطلت بعض الشيء في كل موضوع من الموضوعات التي تطرقت إليها، لإفادة القارئ، ثم في تفصيل الرابط بين هذه الموضوعات وبين القضية النفسية بناء وعلاجًا.

    هذه أهداف العمل وخطته، ولا أزعم الكمال أو مقاربته ولكن أرجو أن تكون إضافة يُنطلق منها للمواصلة والإنضاج، فهي محاولة شخصية استنتاجية وتأملية في بعض النصوص القرآنية والنبوية مستفيدًا من بعض التفاسير والشروح، وإن كان اعتمادي أكثر على التطبيقات النبوية.
    أسأل الله تعالى أن ينفع بهذا الجهد، وأن يجعله من المدخرات في الحياة وما بعد الممات، إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    ---------
    (1) الأحزاب [21].



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي


    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (2)






    تمهيد


    قبل التعرف على منهج الإسلام في التعامل مع الأمراض النفسية لابد من معرفة أن الهدف الذي يسعى إليه الإسلام باعتباره عقيدة وشريعة للإنسانية هو تحقيق العدالة والسعادة للناس في الأرض، والفوز بالنعيم المقيم في الآخرة، وأن هذا الهدف لا يمكن تحقيقه إلا بشرط ذكره الله تعالى في مواطن كثيرة في كتابه، يتعلق بعقيدته وعمله وحركته في الحياة الدنيا، وهو شرط ذو شقين، لا ينفصل أحدهما عن الآخر، فلا يحصل أحدهما من غير توافر الآخر، يقول الله تعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّ هُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّ هُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(1) وفي المقابل فإنه في حال عدم توافر الشرط وحصوله من الإنسان فإن هذا الهدف أو الغاية تنقلب على الإنسان بصورة عكسية، بمعنى أن السعادة المرتقبة تتحول إلى شقاء وتعب وعذاب، وكذلك لن ينال النعيم المنتظر في الآخرة؛ بل سينال من عذاب الله وعقابه حسب عمله في الحياة الدنيا، وهو ما عبّر عنه تبارك وتعالى بقوله: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ ۖ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}(2)
    والعاقل من سخّر ما أتاه الله تعالى من قوة وعلم ووقت ومال وصحة في عبادة الله وامتثال تشريعه في الأمر والنهي، من غير كسل ولا عجز ولا تماطل ولا تسويف، والخاسر من فرّط في هذه النعم واستهان بها وسخّرها في المحرمات وفي سفاسف الأمور، فإنه يخسر السعادة في الدنيا والآخرة، يقول عليه الصلاة والسلام: «الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني»(3)
    -----------------
    (1) النحل [97].
    (2)طه [114].
    (3) أخرجه الترمذي (ص560، رقم 3459) أبواب صفة القيامة. وأحمد (4/124، رقم 17164). والطبراني في الكبير (6/ 439، رقم 6997). قال الترمذي: هذا حديث حسن.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي


    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (3)

    منهج الإسلام في التعامل مع الأمراض النفسية:



    إن منهج الإسلام في التعامل مع المرض النفسي ينبع من حقيقة هذا الدين الذي نُزّل من لدن خالق الإنسان، والذي يعالج الإنسان من جميع النواحي، فهذا الدين دستور قائم على عقيدة وشريعة، لأنه يعطي للإنسان التصور الصحيح عن الحياة والكون والإنسان، على أسس علمية رصينة، من حيث وحدانية الله تعالى في ألوهيته وربوبيته، وكذلك هو منهج تشريعي ينظم حياة الناس في الأحوال المختلفة، فهو يرسم علاقة الإنسان مع نفسه ومجتمعه في الأخلاق والآداب والمعاملات وجميع الحقوق والواجبات، كما يحدد علاقته مع ربه في اتباع كتابه وسنة نبيه ﷺ.
    وبهذا فإن الطب النفسي يدخل ضمن هذا المنهج الرباني الشامل، الذي يعالج كل ما يتعلق بالإنسان من حالات وظروف.


    منطلق المنهج الإسلامي:
    إن المنهج الإسلامي في تعامله مع الأشياء ينبع من كتاب الله تعالى وسنة نبيه ﷺ، ولا يمكن تحديد جميع نقاط الانطلاق لهذا المنهج، لأن الله تعالى يرشد عباده في كل قضية إلى اتباع السبيل المناسب لاحتوائها والتغلب على أضرارها والاستفادة من منافعها، ولكن هناك خطوط عريضة تتكرر كثيرًا في التوجيهات الربانية والأحاديث النبوية لتكون أساسًا للانطلاقة في الحياة والتعامل مع الأحداث والنوازل، وهي بمثابة محطات تقوية وتشحين للمسلم في مسيرة الحياة، ومن هذه الخطوط ما يلي:


    أ – معرفة الإنسان لذاته: من خلال التدبر والتفكر في كينونة ذاته وطبيعتها الممتزجة والمؤلفة من مادة وروح، والآيات التي أودعها الله فيه من خلايا وأعضاء وأجهزة، فضلاً عن المشاعر والأشواق التي تتوزع في النفس، لأن هذا يولد في نفس الإنسان شعورًا بعجزه أمام هذا الخَلق المعقد، وأمام عظمة الخالق سبحانه وتعالى، مما يدفع به للاستسلام والتحاكم إلى تشريع هذا الخالق ودستوره في الحياة.

    يقول الله تعالى:{وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ . وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}(1)

    ب – حسن التصور عن الله سبحانه وتعالى: يمكن تحديد هذا المحور من خلال النقاط التالية:

    -أنه الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، واحد في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، وأنه لا ند له ولا شريك له في الملك، وأنه يحيي ويميت، ويعطي ويمنع، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، قال الله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ. اللَّـهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد. وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ}(2)

    -حسن الظن بالله تعالى ورحمته بعباده، وأنه تعالى أقرب من عباده من حبل الوريد، وأنه أرحم بهم من الناس أجمعين، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي: «إن الله يقول: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني»(3)
    يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «قدم على النبي ﷺ سبي فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها تسقي إذا وجدت صبيًا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته فقال لنا النبي ﷺ: أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ قلنا لا وهي تقدر على أن لا تطرحه فقال لله أرحم بعباده من هذه بولدها»(4)


    -الخوف منه سبحانه وتعالى، مقابل حسن الظن به، لاسيما إذا تُركت الفروض والواجبات، وارتُكبت الكبائر؛ لأن الله تعالى ينزل رحمته على عباده المؤمنين القائمين على أوامره وطاعته، وهو بالوقت نفسه شديد العقاب للمعاندين والعصاة، كما في قوله تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ}(5) فلا بد من التوازن بين الرجاء في رحمته والخوف من عذابه، وهي من صفات المؤمنين الصادقين لقوله تعالى: {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}(6).

    -الاستشعار بعظمة الله تعالى وأن بيده ملكوت كل شيء، وأنه اللطيف الخبير، لا تخفى عليه خافية في الأرض والسماء، لقوله: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}(7) وقوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(8) وكثيرة هي الآيات التي تلفت انتباه الإنسان إلى عظمة خالقه وبارئه من خلال ما خلق وبرأ.

    -أن المآل الأخير إلى الله، وأنه لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه، وأن الناس إليه يحشرون، ليجزي من كان على بينة ويحق الحق على الكافرين.
    ----------------------------
    (1) الذاريات [20-21].
    (2) سورة الإخلاص
    (3)
    أخرجه مسلم (ص1169، رقم 2675) كتاب الذكر والدعاء، والترمذي (ص 544، رقم 2388) كتاب الزهد، باب ما جاء في حسن الظن.
    (4) أخرجه البخاري (ص1050، رقم 5999) كتاب الأدب، باب من ترك صبية غيره حتى تلعب به أو قبَّلها أو مازحها.
    (5) الحجر [49-50].
    (6) السجدة [16].
    (7)الأنعام [59].
    (8) المجادلة [7].



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (4)

    منهج الإسلام في التعامل مع الأمراض النفسية:



    ج – فهم الإنسان للحياة ووظيفته فيها:
    إن الفهم الصحيح والتصور الصائب عن الحياة والكون والإنسان هو من أهم أركان المنهج الإسلامي في التعامل مع الأشياء، لأنه أساس سلوكه وسيرته في الحياة، وهو ما بيّنه الله تعالى في كتابه المبين، وفصّله رسول الله ﷺ في سنته وسيرته، من يوم أن خلق الله السموات والأرض، وبث فيهما من خلقه ما شاء، إلى قيام الساعة، كلها من الأمور التي حكى عنها هذا الدين بجلاء ووضوح، يقول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}(1)
    ويقول تبارك وتعالى في نزول الإنسان على الأرض: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ}(2)

    ثم يلي هذا التصور معرفة الإنسان حقيقة رسالته في الحياة، وأن الله تعالى لم يكن ليخلق هذا الإنسان من قبضة طين وروح منه ثم يأمر الملائكة بالسجود له، لم يكن الله ليخلق الإنسان بهذا الشكل عبثًا من غير غاية أو هدف في الحياة، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، يقول جل ثناؤه: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ. فَتَعَالَى اللَّـهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}(3)
    بل حدّد هذا الخالق وظيفة الإنسان على ظهر هذه البسيطة بقوله تبارك وتعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(4)
    وبالمقابل إذا أخطأ الإنسان في تصوره عن ذاته وحقيقة الحياة، واعتقد خلاف ما جاء به القرآن والسنة النبوية، فإنه سيقع في الشبهات والضلالات، التي تعصف به إلى المشعوذين والسحرة لأخذ العون والدراية منهم في شؤونه، وهم بالأصل لا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا ولا حياة ولا نشورًا، وإنهم بهذا الفعل سيفقدون إرادتهم وقيادتهم على أنفسهم وتدبير أمورهم، وهنا يكمن الخطر الذي ينجم عنه القلق والحسد والحقد والجريمة وجميع المفاسد والمنكرات.
    يقول الله تعالى: {حُنَفَاءَ لِلَّـهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّـهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}(5)
    هـ- فهم الإنسان لحقيقة الابتلاء: بحيث يدرك أن ما يتعرض له في الحياة من ألوان البلاءات إنما هو ضمن اختبارات التكليف التي وردت في شأنها نصوص

    كثيرة، مثل قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا

    مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّـهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّـهِ قَرِيبٌ}(6) وقوله تبارك وتعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}(7)
    ---------------------------------
    (1) هود [7].

    (2) البقرة [36].
    (3) المؤمنون [115-116].
    (4) الذاريات [56].
    (5)الحج [31].
    (6) البقرة [214].
    (7) الملك [2].



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (5)


    الموقف من الأمراض:

    ينظر الإسلام إلى المرض على أنه ابتلاء واختبار للإنسان، يقف حينها أمام موقفين: إيجابي وسلبي:
    أولاً: الموقف الإيجابي
    ويتمثل في:
    -الرضى بأمر الله تعالى وقدره، مع اليقين بأن المرض من الله تعالى، يصيبه من يشاء من عباده، وهو نوع من الاختبار لهم فينظر هل يصبرون؟ {وَلَنَبْلُوَنَّ كُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}(1)
    -عدم التحسر والتأسف على قضاء الله تعالى، لأن الإنسان لا يعرف مكامن الخير والشر، فهي خافية عليه، فربما أريد له بهذا المرض العفو والمغفرة والجنة وهو لا يدري، يقول تبارك وتعالى: {وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}(2)

    -التداوي بالطرق المشروعة والابتعاد عن المحرم منها، كالذهاب إلى السحرة والمشعوذين، أو التداوي بالخمر وغيره من المحرمات.
    -أن يتعبد الله تعالى بالعبادات أثناء المرض مثل: قوة المحاسبة لنفسه، والتفكر في ملكوت الله، وفي أسمائه وصفاته، وكثرة الذكر والاسترجاع، واستغلال الوقت بما يفيد، والدعاء.
    -أن يعتقد أن الشافي هو الله سبحانه وتعالى وسائر الأشياء ما هي إلا أسباب إن أذن الله تعالى تحقق الشفاء وإن لم يأن فلحكمة يعلمها، فيورثه هذا قوة التوكل على الله.
    آثار هذا الموقف:
    1– تكفير السيئات ودخول الجنة: لقوله عليه الصلاة والسلام: «ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها»(3)
    2– رفعة الدرجات: لقوله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}(4)
    4– عبودية الله في السراء والضراء: وهي غاية وجود الإنسان في الأرض، وقد أشار رسول الله ﷺ إلى هذه العبودية بقوله: «عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له»(5)
    5– تذكير بنعمة الله على العبد: حيث أن الابتلاء نعمة من الله تعالى وفضل منه، وأن أشد الناس بلاء هم أقربهم إليه سبحانه وتعالى، كما أخبر بذلك رسول الله ﷺ ، حين سئل أي الناس أشد بلاء؟ قال: «الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه»(6)
    6– الرضى والطمأنينة: لأن المريض حين يدرك أن المرض من الله تعالى تطمئن نفسه ويهدأ باله، ويسلم أمره إليه، وبذلك لا يدع مجالاً لوساوس الشيطان أن تلج قلبه أو تخترق إيمانه وعقيدته. والله تعالى يقول: {وَلَنَبْلُوَنَّ كُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}(7)
    7– التعامل الإيجابي في الحياة: إن الرضى لأمر الله تعالى والاستسلام لقدره يجعل الإنسان متفائلاً في الحياة ويسعى فيها من غير كسل أو عجز، بل إنه يساهم في بناء المجتمع وحمايته حسب الطاقة الموجودة لديه، والإمكانية التي تساعده على ذلك، الأمر الذي يجعله عنصرًا إيجابيًا وفاعلاً في الحياة.
    8– المحاسبة والرجوع عن السلبيات: إن المرض وجميع الابتلاءات تجعل الإنسان يراجع صفحات حياته الماضية، ويحاسب نفسه على ما اقترف فيها من
    أخطاء وسيئات، ويبدلها بالأعمال الصالحة وفعل الخيرات. وذلك بالاجتهاد في الطاعات وتقديم القربات بين يدي الله تعالى، وإيصال الحقوق إلى
    أصحابها، والإصلاح بين الناس وغيرها.
    -----------------------------------

    (1) البقرة [155-157].

    (2) البقرة [216]
    (3)أخرجه البخاري (ص1003، رقم 5667) كتاب المرضى، باب رخص للمريض أن يقولإني وجع. ومسلم (ص1126، رقم 2571) كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من المرض.
    (4) الزمر [10]
    (5)أخرجه مسلم (ص 1295، رقم 999) كتاب الزهد، باب المؤمن أمره كله خير.
    (6)أخرجه الترمذي (ص547، رقم 2398) كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء. وابن ماجه (ص580، رقم 4023) كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء. وأحمد (1/172، رقم 1481). وهو حديث صحيح صححه الترمذي وغيره.
    (7) البقرة [155-157].


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي


    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (6)
    الموقف السلبي من الأمراض



    ثانيًا: الموقف السلبي
    ويتمثل في:
    1 – التحسر على الماضي: وذلك بالجزع والتضجر من مرضه وبلائه، وعدم الصبر عليه، والإكثار من الشكوى والنجوى للناس من غير أن يحيل الأمر إلى الله تعالى.
    2 – لوم النفس: من خلال التأسف على أمور مقدرة عليه كأن يقول لو أني فعلت كذا ما صار كذا، فيعيش طول مرضه ومعظم أوقاته في حالة التأنيب النفسي، وهذا يولد قلقًا واضطرابًا نفسيًا ربما يحدث خللاً في تصرفاته وسلوكه مع الناس.
    3 – التعلق بالمخلوقين: من المشعوذين والسحرة ليجدوا لمرضه علاجًا أو دواء، دون أن يلجأ إلى الله تعالى، وهذا خدش في العقيدة والإيمان، لأن المشعوذين لا يملكون من أمرهم شيئًا فكيف بهم أن يشفى الناس على أيديهم وهم الذين يتعاملون بالكفر والشرك مع شياطين الجن، وقد نهى رسول الله ﷺ الذهاب إليهم قائلاً: «من أتى عرّافًا فسأله عن شيء لم تُقبل له صلاة أربعين ليلة»(1).
    آثار هذا الموقف:
    1– إن قدر الله تعالى واقع لا محال، وأن الجزع والتضجر لا يغير من الأمر شيئًا.
    2– إن السخط لقدر الله وأمره، دليل على ضعف الإيمان بالله تعالى، وألوهيته وربوبيته.
    3– إن الله تعالى يسخط من عباده المتضجرين من قدره، لقوله ﷺ: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط»(2)
    4– إن الحسرة والسخط والندامة ينتج عنها أمراض نفسية خطيرة، مثل الاكتئاب والقلق وعدم الإنتاج، وغيرها. مما يهيئ الجسم لاستقبال أمراض عضوية أخرى.
    5– التعامل السلبي في الحياة، سواء في الأمور الدينية من تقصير في أداء الواجبات والفروض، أو في الأمور الدنيوية من إساءة الخلق والحسد والحقد مع المجتمع من حوله.
    ----------------------

    (1)أخرجه مسلم (ص 990، رقم 2230) كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان. وأحمد (2/429، رقم 9532).


    (2) أخرجه الترمذي (ص546، رقم 2396) كتاب الزهد، باب الصبر على البلاء. وابن ماجه (ص582، رقم 4031) كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء. وهو حديث صحيح.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي


    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (7)


    وسائل التعامل مع المرض:
    وهناك بعض الوسائل يمكن استخدامها لتخفيف وطأة المرض والشفاء منه، وهي:
    1 – معرفة طبيعة الحياة الدنيا، وأنها دار ابتلاء واختبار، وأنها معبر للآخرة، وأن الاستقرار الحقيقي في الآخرة.
    2 – معرفة الإنسان لنفسه، كما سبق الإشارة إليها، من خلال التفكر والتدبر في حقيقة الوجود الإنساني في الأرض ومعرفة المهام المكلف بها.
    3 – اليقين بحسن الجزاء، لقوله تعالى: {فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}(1)
    4 – الإيمان بقرب الفرج والشفاء، لقوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}(2)
    وفي قصة يعقوب عليه السلام الدروس والعبر في الأمل بقرب الفرج وزوال الهم، حين انتظر السنين على غياب ولده يوسف عليه السلام، وهو على يقين بأن الله تعالى سيبدل همه وحزنه فرحًا وفرجًا، وقد حقق الله له هذا الآمل فالتقى بيوسف عليه السلام على أحسن حال وأفضل مقام.
    5 – استغلال الحياة بالإنتاج والعمل والطاعة وكل ما هو مفيد، وعدم ضياع الوقت بالتأسف والتحسر وجميع سفاسف الأمور، يقول عليه الصلاة
    والسلام: «احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو
    تفتح عمل الشيطان»(3)
    ------------------------------------------

    (1) هود [49].

    (2) الشرح [5-6].

    (3)أخرجه مسلم (ص1161، رقم 6774) كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله وتفويض المقادير إلى الله. وابن ماجه (ص13، رقم 79) المقدمة.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي


    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (8)

    الموقف من التداوي
    لا يعارض المنهج الإسلامي التداوي والعلاج عند الأطباء المختصين، بل يحض عليه ويحرص على ذلك، ما دام الأمر ضمن الضوابط الشرعية، بحيث لا يكون العلاج بالمحرم، وترك التداوي بالحلال مخالفة شرعية صريحة لقول النبي ﷺ الذي أمر بالتداوي فقال: «يا عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء»(1)
    أي لا بد من التوفيق بين القراءة والدعاء وتناول الأدوية والعقاقير عند الأطباء الموثوقين.
    ---------------------
    (1) أخرجه الترمذي (ص 469، رقم 2038) كتاب الطب، باب ما جاء في التداوي والحث عليه. وابن ماجه (ص494، رقم 3436) كتاب الطب، باب ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء. وأبو داود (ص549، رقم 3855) كتاب الطب، باب في الرجل يتداوى بلفظ: «قالوا يا رسول الله أنتداوى؟ قال: تداووا، فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد، وهو الهرم». وهو حديث صحيح.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي


    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (9)

    تعريف مختصر للقسم الأول: البناء



    القسم الأول: البنـاء
    والـمراد بهذا القسم: أن يذكر أسس البناء للشخصية السوية جسميًا ونفسيًا وسلوكيًا وعلميًا، فتستثمر حياتها وفق منهج الله سبحانه وتعالى، مستفيدة مما منحها سبحانه من قدرات ومواهب، وصفات وسمات، ومما حولها من معطيات، فتعمر الكون، وتحقق الحكمة التي من أجلها خلق الإنسان، فتسعد في الدنيا والآخرة، وتستطيع تذليل ما يمر بها من عقبات، وتعالج ما يعترضها من مشكلات. وقد اخترت مجموعة من هذه الأسس التي اعتبرها المنطلق الحق للشخصية السوية.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (10)


    العلم هو المنطلق
    مدخل البناء في الأعمال هو العلم بالله تعالى وبرسوله ﷺ وبشريعته، فهو مفتاح كل خير، والدال لكل فضيلة، يرفع صاحبه في الدنيا والآخرة، ويزكي النفس ويطهرها، ويعلو بهمة الإنسان، ويكسوه السكينة والوقار، خير ميراث الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام.
    ولأثره العظيم نفصّل فيه بعض التفصيل في بيان أهميته وأثره على النفس والمجتمع في الدنيا والآخرة، مفتتحين بما رواه أحمد وأبو داود والترمذي وغيره، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من سلك طريقًا يبتغي فيه علمًا سلك الله به طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضىً لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد، كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا إنما ورَّثوا العلم، فمن أخذ به فقد أخذ بحظ وافر»(1).
    العلم في اللغة:
    العِلْم: إدراك الشيء على حقيقته، وهو اليقين والمعرفة، وقيل: العلم يقال لإدراك الكلّيّ والمركَّب، والمعرفة تقال لإدراك الجزئيّ والبسيط.

    ويطلق العِلْم على مجموع مسائل وأصول كلية تجمعها جهة واحدة، كعلم الكلام، وعلم النحو، وعلم الأرض، وعلم الكونيات وعلم الآثار. وجمعه: علوم(2).
    في الاصطلاح:
    (المقصود به هنا هو العلم الشرعي)، أي: العلم بكتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ، وكل ما يتعلق بالعقيدة والتشريع والأخلاق.

    * * *
    حكم العلم الشرعي:
    العلم الشرعي منه ما هو فرض عين، ومنه ما هو فرض كفاية، أما ما هو فرض عين فهو العلم بما يجب على الإنسان فعله ولا يسعه جهله، مثل ما علم من الدين بالضرورة، مثل أركان الإيمان (الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره) وكذلك أركان الإسلام (من الصلاة والزكاة والصيام الحج) ومعرفة أدائها على الوجه الشرعي المطلوب، يقول عليه الصلاة والسلام: «طلب العلم فريضة على كل مسلم»(3).
    وما هو واجب على شخص معين، كمن لديه مال عليه تعلّم أحكام الزكاة، ومن يبيع ويشتري عليه أن يتعلم أحكام البيع والشراء، والمرأة عليها أن تتعلم أحكام الحيض والنفاس وغير ذلك.
    أما ما هو فرض كفاية فإذا قام به من يكفى من الأمة يسقط الإثم عن الجميع، وهو التخصص في العلم الشرعي ومعرفة فنونه وفروعه، كعلوم العقيدة،
    وعلوم القرآن، وعلم الحديث، وعلم أصول الفقه، وغيرها من التخصصات الشرعية، وهي غير واجبة على جميع الأمة تعلمها في حال وجود من يتعلمها،
    وما ورد من فضل العلم هو لهؤلاء الذين يقومون بهذا العلم.
    ----------------------------
    (1)أخرجه أبو داود (ص522، رقم 364) كتاب العلم، باب الحث على طلب العلم. والترمذي (ص608، رقم 2682) كتاب العلم، باب فضل الفقه على العبادة. وابن ماجه (ص34، رقم 223) المقدمة، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم. وأحمد (5/196، رقم 21763). وهو حديث صحيح لغيره.

    (2)المعجم الوسيط 2/ 624 مادة (عَلِمَ).
    (3) أخرجه ابن ماجه (ص34، رقم 224) المقدمة، باب فضل العلم. والبيهقي في شعب الإيمان (3/ 193، رقم 1543). يقول الألباني رحمه الله: إن السيوطي قد جمع طرق الحديث حتى أوصلها إلى الخمسين، وحكم من أجلها بالصحة، وحكى العراقي صحته عن بعض الأئمة، وحسنه غير وحد، والله أعلم (ينظر: مشكاة المصابيح للتبريزي بتحقيق الألباني 1/ 76).

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي


    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (11)

    أهمية العلم وفضله:
    تعددت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة حول العلم وفرضيته وأهميته في حياة الناس والأمم، سواء كان العلم الشرعي أو العلم التجريبي المدعّم بالإيمان
    بالله تعالى وتوحيده، لأنه في النهاية يوصل الإنسان إلى حقيقة وجوده وحقيقة الكون والحياة، ويقرب صاحبه من الله تعالى ويبعده عن مخالفة أمره، يقول
    تبارك وتعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}(1).
    ولفضل هذا العلم وأهميته كانت أولى الآيات التي نزلت على رسول الله ﷺ تحض على العلم وتحث عليه، لأن هذه الرسالة الجديدة والتي كانت خاتمة
    الرسالات لا بد أن ترتكز على دعامة العلم وركنه الشديد؛ لأنه السبيل الصحيح للإيمان بالله تعالى، يقول تبارك وتعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}(2).
    وكأن الله تعالى أراد – أيضًا – أن يخبر هذه الأمة أن العصور القادمة ستشهد تطورات علمية وتحولات فكرية واسعة، فعليكم بالعلم والإيمان حتى تتمكنوا
    من مواكبة تلك العصور ومواجهة التحديات الجديدة بقوة وثبات.
    ثم جاءت الآيات تترى في فضل العلم وأهله وعلو مكانتهم وشأنهم عند الله تعالى وعند الناس، يقول تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ
    تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّـهُ لَكُمْ ۖ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}(3).
    كما جعل الله تعالى أهل العلم مرجعية الناس وملاذهم حين تلتبس عليهم الأمور أو تحل بهم الأزمات أو تكاد نار الخلاف تنشب بينهم، فيقول جل وعلا: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}(4).
    لأن أهل العلم عندهم من العلوم الشرعية من الكتاب والسنة، ومن أخبار الأمم وقصصهم ومن حِكَم العقلاء والمصلحين وتجاربهم، ما تجعلهم أكثر صوابًا
    وقربًا من الحق والعدل، بخلاف الذين يجهلون ذلك كله ثم يخوضون في الأحداث فما يزيدونها إلا نارًا وفتنة وخرابًا، وهو ما أشار إليه النبي عليه الصلاة
    والسلام بقوله: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رؤوسا جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلّوا»(5).
    كما أشار عليه الصلاة والسلام إلى فضل أهل العلم ومكانتهم وأنهم ورثة الأنبياء فقال: «وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا إنما ورَّثوا العلم، فمن أخذ به فقد أخذ بحظ وافر»(6).
    ------------------------
    (1) فاطر [ 28].

    (2) العلق [1-5].
    (3) المجادلة [11].
    (4) النحل [43].
    (5) أخرجه البخاري (ص22، رقم 100) كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم. ومسلم (ص1264، رقم 6796) كتاب العلم، باب رفع العلم وقبضه.
    (6) أخرجه الترمذي (ص608، رقم 2682) كتاب العلم، باب ما جاء في فضل العبادة.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (12)

    حاجة الإنسان إلى العلم الشرعي
    1 – معرفة الله تعالى والإيمان به وتوحيده وعبادته وحده لا شريك له، وترك ما سواه من الآلهة، سواء المصنوعة من الأحجار والأشجار، أو من النظريات والمذاهب والأفكار.
    2 – تحرير العقل من الأساطير والخرافات، لأن مثل هذه الأمور لا يجد لها مكانًا في المجتمعات المتعلمة للعلوم الشرعية الصحيحة، بل إنها تزداد وتتكاثر في
    المجتمعات المتخلفة والجاهلة التي لا تقيم للعلم وزنًا ومكانة.
    3 – يحتاج الإنسان إلى العلم الشرعي لمعرفة أحكام دينه، من الحلال والحرام، من خلال كتاب الله تعالى وسنة نبيه ﷺ، فعليه أن يكون على دراية كافية
    باللغة العربية حتى يفهم الخطاب الإلهي في القرآن والهدي النبوي من السنة المطهرة.
    4 – العلم ضرورة لبلوغ المعالي وتحقيق الأهداف في الحياة، فلا يمكن أن يصل الإنسان إلى غايته المنشودة من غير أن يركب سفينة العلم ويجلس مع أهل
    العلم ويأخذ منهم العلوم والفنون والأخبار، لأنها تكوّن له زادًا وعتادًا لمواجهة التحديات التي تقف دون تحقيق الأهداف والغايات.
    5 – العلم ضرورة عصرية لمواجهة التحديات التي تواجه الأمة وتهدد مصالحها وثرواتها وخيراتها، فإذا تسلحت الأمة بالعلم وسخّرت إمكاناتها وطاقاتها من
    أجل تعليم أبنائها، فإنها بذلك تؤسس قواعد متينة وتبني حصونًا منيعة أمام أطماع الأعداء وسياساتهم اتجاه هذه الأمة وبلادها.
    6 – بالعلم الشرعي والعمل به يمكن نشر رسالة الإسلام بين شعوب العالم بجميع أطيافهم وأعراقهم ولغاتهم وعاداتهم، فلا يمكن نشر هذا الدين من قبل
    أناس لا يعرفون شيئًا عن حقيقة التوحيد والعبودية لله وحده، ولا يعرفون عن القرآن أو السنة أو السيرة النبوية وسيرة الصحابة إلا النزر اليسير، ولكن بالعلم
    يمكن أن يهدي الله تعالى الناس إلى هذا الدين، لأن العلم يخاطب العقل والفطرة، وهما المحركان الأساسيان للتحوّل الفكري والعقدي عند الإنسان.
    7 – بالعلم الشرعي الصحيح يمكن الوقوف في وجه التيارات الفكرية المعادية، سواء القادمة من الخارج عبر المستشرقين أو من الداخل عبر أزلامهم، وقد
    أثبت أهل العلم من هذه الأمة هذه الحقيقة حين دحضوا افتراءات المستشرقين وأباطيلهم حول مصادر التشريع الإسلامي وغيرها.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي


    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (13)



    علاقة العلم بالعمل

    إن العلم الشرعي والعمل بمقتضاه أمران لا ينفصمان عن بعضهما، فالعلم الشرعي المجرد عن العمل به يتحوّل إلى عبء على صاحبه وحساب شديد في الآخرة، كما أنه يصنع نفورًا لدى الناس، إذا رأوا أن عمل هذا العالم الشرعي يخالف أقواله وما يدعوا إليه، وقد ورد عن الزهري رضي الله عنه قوله: «لا يرضين الناس قول عالم لا يعمل ولا عامل لا يعلم»(1).

    ومن أجل ذلك كان العمل ملازمًا وواجبًا للعلم الشرعي، لأنه الصورة العملية له على الواقع، وقد كان عليه الصلاة والسلام قدوة عملية للإسلام الذي جاء به، كما أخبرت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بقولها: «كان خلقه القرآن»، وقد وصفه الله تعالى في محكم التنزيل: {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ}(2).

    وقد أمر الله تعالى عباده باتخاذ الرسول ﷺ قدوة وأسوة لأنه يجسّد هذا الدين وتعاليمه على أرض الواقع فقال: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ}(3).

    فالعلم الشرعي يفرض على صاحبه الالتزام به وترجمته في سلوكه ومعاملته وأخلاقه وجميع شؤون حياته، فإذا فرّق العالم الشرعي بين علمه في الحلال والحرام والدعوة إلى الله تعالى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبين عمله الذي يخالف كل ذلك فإن الله تعالى توعّد على ذلك الوعيد الشديد، وقد كثرت النصوص الشرعية في هؤلاء.

    يقول تبارك وتعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}(4)، ويقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}(5).

    ويقول عليه الصلاة والسلام في حال الذين كانوا يأمرون بالمعروف ولا يأتونه وينهون عن المنكر ويأتونه: «يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى، فيجتمع إليه أهل النار، فيقولون: يا فلان ما لك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه»(6).

    وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: «يا حملة العلم اعملوا به فإنما العالم من عمل، وسيكون قوم يحملون العلم يباهي بعضهم بعضًا حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره أولئك لا تصعد أعمالهم إلى السماء»(7).

    كما ورد عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قوله: «إني لأحسب العبد ينسى العلم كان يعلمه بالخطيئة يعملها»(8).

    ويقول الإمام ابن الجوزي رحمه الله: «لقيت مشايخ يتفاوتون في مقاديرهم في العلم، وكان أنفعهم لي في صحبته العامل منهم بعلمه وإن كان غيره أعلم منه»(9).

    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــــــ

    (1) اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي، ص25

    (2) [القلم: 4]

    (3) [الأحزاب: 21]

    (4) [البقرة: 44]

    (5) [الصف: 2-3]

    (6) أخرجه البخاري (ص1223، رقم 7097)

    (7) اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي، ص22

    (8) المرجع السابق، ص37

    (9) صيد الخاطر لابن الجوزي ص173




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (14)


    أحوال السلف في طلب العلم


    بما أن العلم من مقتضيات فهم الدين وبه يتقرب الإنسان إلى الله تعالى، حتى يصبح أكثر إيمانًا بالله وأكبر خشية منه جل وعلا، لقوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}(1)، فإن أهل العلم من السلف قضوا أعمارهم وأزمانهم في طلب العلم الشرعي وفهمه وتوثيقه ومن ثم نشره، وسافروا شرقًا وغربًا، وتنقلوا بين الأمصار من أجل طلب العلم، وقد ذكر القرآن الكريم قصة موسى عليه السلام حين رافق الخضر، وما لقي في رحلته من التعب والنصب من أجل أن يتعلم منه بعض العلوم قال تعالى: {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا}(2).
    كما أن كثيرًا من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم ضربوا أمثالاً رائعة في رحلاتهم الطويلة والشاقة من أجل العلم الشرعي، لا سيما أهل الحديث الذين سخّروا كل إمكاناتهم من أجل أن تصل السنة النبوية إلى الأمة من بعدهم نقية من الشوائب والزيادات، فقد سافر أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه من المدينة المنورة إلى مصر ليتأكد من صحة حديث يحفظه عن رسول الله ﷺ، يقول عطاء بن أبي رباح: خرج أبو أيوب الأنصاري إلى عقبة بن عامر، يسأله عن حديث سمعه من رسول الله ﷺ ولم يبق أحد سمعه من رسول الله ﷺ غيره وغير عقبة، فلما قدم إلى منزل مسلمة بن مخلد الأنصاري - وهو أمير مصر - فأخبره فعجل عليه، فخرج إليه فعانقه، ثم قال له: ما جاء بك يا أبا أيوب؟ فقال: حديث سمعته من رسول الله ﷺ لم يبق أحد سمعه من رسول الله ﷺ غيري وغير عقبة، فابعث من يدلني على منزله، قال: فبعث معه من يدله على منزل عقبة، فأخبر عقبة، فعجل فخرج إليه فعانقه، فقال: ما جاء بك يا أبا أيوب؟ فقال: حديث سمعته من رسول الله ﷺ لم يبق أحد سمعه من رسول الله ﷺ غيري وغيرك في ستر المؤمن، قال عقبة: نعم سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من ستر مؤمنًا في الدنيا على خزية، ستره الله يوم القيامة» فقال له أبو أيوب صدقت. ثم انصرف أبو أيوب إلى راحلته، فركبها راجعًا إلى المدينة، فما أدركته جائزة مسلمة بن مخلد إلا بعريش مصر(3).
    وكان علي بن المديني من العراق يرحل إلى سفيان بن عيينة بمكة، للمذاكرة في الحديث(4).
    وقال سعيد بن المسيب رضي الله عنه وهو من كبار التابعين: إني كنت لأسافر مسيرة الأيام والليالي في الحديث الواحد(5).
    وقال أحمد بن حنبل رحمه الله: لم يكن في زمان ابن المبارك أطلب للعلم منه، رحل إلى اليمن وإلى مصر وإلى الشام والبصرة، والكوفة، وكان من رواة العلم وأهل ذلك، كتب عن الصغار والكبار(6).
    وإن كتب السير والتراجم حافلة بأخبار علماء السلف وطلبهم للعلم، والظروف القاسية التي كانوا يمرون بها عبر رحلاتهم وأسفارهم، ولعل كتاب «الرحلة في طلب الحديث» للإمام أبي بكر الخطيب يعبّر عن شيء من تلك الأسفار، حيث يورد قصصًا وتحفًا نادرة عن الرحلات من أجل طلب العلم لا سيما أهل الحديث.
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــ
    (1) [ فاطر: 28]
    (2) [الكهف: 62]
    (3) معرفة علوم الحديث، للحاكم، ص117
    (4) الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي ص 23
    (5) معرفة علوم الحديث، للحاكم، ص118
    (6) الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي ص 91




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (15)




    وسائل معينة لتحصيل العلم الشرعي
    إن الوسائل والطرق التي يحصل الإنسان من خلالها على العلم الشرعي كثيرة ومتنوعة، ويمكن الإشارة إلى بعضها:
    1- الإخلاص لله وابتغاء وجهه تعالى في رحلة طلب العلم، حتى يؤتي ثماره وآثاره الإيجابية على النفس والمجتمع، يقول عليه الصلاة والسلام: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرء ما نوى»(1).
    فإذا خلا العلم من النية الصادقة أو الإخلاص في طلب العلم تحوّل إلى آفة على صاحبه ومجتمعه، بل إن ما بذله من أجل هذا العلم يذهب هباء منثورًا، لأنه كان من أجل مآرب دنيوية بحتة، كالشهرة أو المنصب أو المال أو غيرها.
    2- الدعاء والتضرع إلى الله تعالى طلبًا الحصول على العلم الشرعي، لأنه من أوتيه وعمل به فقد نال خيرًا كثيرًا، وقد أمر الله تعالى رسوله بهذا الدعاء في قوله: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}(2)، ويقول عليه الصلاة والسلام: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين»(3).
    3- تقوى الله تعالى ومراقبته في السرّ والعلن، في الالتزام بأمر الله وطاعته، والانتهاء عن نواهيه ومعاصيه، يقول تبارك وتعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(4).
    ويقول الإمام الشافعي في أثر المعصية على التحصيل العلمي:
    شكوت إلى وكيع سوء حفظي *** وأخبرني بأن العلم نور
    فأرشدني إلى ترك المعاصي *** ونور الله لا يُهدى لعاص
    4- القراءة والمطالعة في الكتب الشرعية والاعتكاف عليها في التخصصات المختلفة، في العقيدة والتفسير والحديث والفقه واللغة والسيرة وغيرها، لأنها الأساس في البناء العلمي عند الإنسان، ويمكن بعد ذلك التخصص في أحد هذه العلوم والبحث في أغواره وكشف أسراره والاجتهاد فيه.
    5- التتلمذ على أهل العلم كل في تخصصه، والتواصل معهم مباشرة أو عبر وسائل الاتصال الأخرى، وحضور دروسهم العلمية وندواتهم ولقاءاتهم، لا سيما إذا وجد لقاء دوري معهم في دراسة كتاب شرعي أو مناقشة مسائل علمية، وكذلك الاستفادة من تجاربهم وخبراتهم الطويلة في التحصيل العلمي.
    عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: خرج رسول الله ﷺ ونحن في الصفة، فقال: «أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كَوْمَاويْن في غير إثم ولا قطع رحم»؟ فقلنا: يا رسول الله! نحب ذلك. قال: «أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل»(5).
    6- الصبر في رحلة طلب العلم، وتحمّل المشقات المترتبة فيها، من تعب وسهر وسفر وإنفاق وبعد عن الأهل، والحرمان من بعض الملذات والطيبات، وهي سنّة كونية لمن يريد بلوغ المعالي وتحقيق الأهداف المنشودة، وكما قال الشاعر:
    لا تحسبن المجد تمرًا أنت آكله *** لن تبلغ المجد حتى تَلْعَقَ الصَّبِرا
    7- ترجمة العلم الشرعي إلى واقع عملي، والاقتداء بالرسول ﷺ في هذا المجال، فإنه عليه الصلاة والسلام كان خلقه القرآن، وحياته العملية كانت تطبيقًا حقيقيًا لما جاء به من عند الله، حتى وصفه الله تعالى بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ}(6).
    9- محاولة الكتابة في الموضوعات العلمية الشرعية في التخصصات المختلفة، لأنها تدفع صاحبها للبحث في بطون الكتب والمصادر الأساسية حتى يأخذ الموضوع حقه من جميع الجوانب المتعلقة به، وهذه وسيلة عملية من وسائل التحصيل العلمي عند الإنسان
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــ
    (1) أخرجه البخاري (ص1، رقم 1) كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي.
    (2) [طه: 114]
    (3) أخرجه البخاري (ص17، رقم 71)
    (4) [البقرة: 282]
    (5) أخرجه مسلم (ص324-325، رقم 1873)
    (6) [القلم: 4]



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي


    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (16)




    ثمرات العلم الشرعي وآثاره (1-2)
    للعلم الشرعي ثمرات يانعة وآثار إيجابية على حياة الإنسان ومجتمعه، ومن أهم تلك الثمرات:
    1- أن العلم يزيد من إيمان صاحبه، ويوصله إلى حقيقة التوحيد والربوبية، ويمنعه من الوقوع في الشرك الذي هو أكبر المعاصي، يقول تبارك وتعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة ُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيز}(1)، حيث استشهد الله تعالى الملائكة والعلماء على توحيده.
    ويقول تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}(2)، ويقول: {لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا}(3)، وهذه إشارات واضحة على أثر العلم في تقوية الإيمان بالله تعالى في نفس صاحبه وبالتالي على جوارحه وأفعاله.
    2-إن العلم الشرعي يمنح صاحبه تقوى الله تعالى وخشيته في السر والعلن، لقوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}(4)، وقوله تعالى: {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا ۚ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا}(5).
    3- العلم الشرعي والعمل به يرفع من درجات صاحبه عند الله تعالى كما أخبر جل وعلا: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}(6).
    4-الفوز بالجنة والنجاة من النار، يقول عليه الصلاة والسلام: «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله به طريقًا إلى الجنة«(7).
    5- الأجر العظيم المترتب على طلب العلم يماثل أجر الخروج في سبيل الله، لقوله ﷺ: «من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع»(8)، وقوله عليه الصلاة والسلام: «من دخل مسجدنا هذا ليتعلم خيراً أو يعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله»(9).
    6- دوام الأجر لطالب العلم في الحياة وبعد الممات، لقوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}(10)، والحكمة هي العلم النافع.
    ويقول عليه الصلاة والسلام: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»(11).
    7- إن العلم الشرعي سبب لدعاء الملائكة لصاحبه، لقوله ﷺ: «وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضًا لطالب العلم، وإن طالب العلم يستغفر له من في السماء والأرض حتى الحيتان في الماء»(12).
    8- العلم الشرعي والعمل به يكسب صاحبه المنازل الرفيعة والسمعة الطيبة بين الناس، وقصة يوسف عليه السلام خير شاهد على ذلك، إذ جعله الله تعالى على خزائن الأرض بعد محنة الجب وظلمة السجن، لأنه كان عالمًا عاملاً بعلمه يقول الله تعالى على لسانه حين طلب من ملك مصر: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}(13)، وجعله الملك على خزائن مصر، وأصبح ذا شأن عظيم ومكانة عالية بين الناس جميعًا.
    يقول الإمام الشافعي رحمه الله: «من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم»(14).
    9- إن العلم الشرعي والعمل به، يمنح صاحبه صفات القيادة والريادة، وقد أشار الله تعالى إلى ذلك من خلال قصة طالوت الذي أتاه الله تعالى العلم وقوة في الجسم، فتسلم قيادة الجيش، رغم قلة المال والمتاع عنده، يقول تبارك وتعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ۚ قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ ۚ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(15).
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــــــ
    (1)
    [آل عمران: 18]

    (2)
    [سبأ: 6]

    (3)
    [المدثر: 31]

    (4)
    [فاطر: 28]

    (5)
    [الإسراء: 107]

    (6)
    [المجادلة: 11]

    (7)
    أخرجه الترمذي (609، رقم 268)

    (8)
    أخرجه الترمذي (ص601، رقم 2647)

    (9)
    أخرجه أحمد (2/350، رقم 8587).


    (10)
    [البقرة: 269]

    (11)
    أخرجه مسلم (ص716، رقم 4223)

    (12)
    أخرجه الترمذي (ص609، رقم 2682)

    (13)
    [ يوسف: 55]

    (14)
    المجموع للنووي 1/ 40]

    (15)
    [البقرة: 247]



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (17)



    ثمرات العلم الشرعي وآثاره (2-2)
    10- العلم الشرعي والعمل به يقضي على الجهل في المجتمع، ويزيل من الأذهان الخرافة والأسطورة، لأن هذا العلم لا يقبل إلا ما هو ثابت وفق الضوابط المحكمة التي وضعها العلماء لأخذ أية معلومة أو رفضها.
    11- الذكر الحسن بين الناس، فلا يموت عالم عامل بعلمه إلا ويترحم عليه الناس جميعًا، ويأخذون بعلمه بعد مماته، ويستشهدون بكلامه وأفعاله، ولعل من الوفاء الإشارة إلى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى، الذي أصبح مضرب المثل في العلم والعمل، حتى بعد مماته، فلا يخلو الكلام في مسألة شرعية أو البحث عن حكم شرعي إلا ويُستشهد بكلام الشيخ رحمه الله، الأمر الذي يزيد من حسناته وأجره من كثرة دعاء الناس له.
    12- الراحة النفسية للعالم الذي عرف الله تعالى، وعرف شرعه، وعرف حقيقة الحياة والكون والإنسان، وأن مآل هذا الكون كله إلى الله تعالى، وأن الحياة الدنيا إنما هي معبر للوصول إلى الدار الأبدية، وأن كل ما يجده الإنسان في هذه الحياة إنما هو اختبار وابتلاء، حيث يجزى عليه الإنسان في تلك الدار الأبدية، وهذا الإيمان والعلم يشرح صدر العالم ويهدأ من روعه في الشدائد والمصائب، فلا تتمكن من نفسه الوساوس ولا الهمزات، ويعيش عمره في العلم ومن أجل العلم، وهي سعادة لا يشعر بها إلا أصحابها.
    13- إن العلم الشرعي يمنع الإنسان من الوقوع في دوامة الأهواء والشهوات التي تقود النفس إلى الهاوية، أثناء الفتن والأزمات، يقول تبارك وتعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَه ُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا}(1)، حيث يصور الله تعالى حال المنافقين حين حدوث الأمن للمسلمين وحصول الخير لهم، أو حين يتمكن الرعب والخوف من نفوسهم، سارعوا إلى إفشاء ذلك بين الناس ونشره من غير علم أو دليل، ولو ردّ هؤلاء ما جاءهم إلى الرسول ﷺ وإلى أهل العلم وذوي الألباب لكان خيرًا لهم في الحالتين.
    14- العلم الشرعي يحث صاحبه الإكثار من الطاعة والاجتهاد في العبادات، كأداء الفرائض على أفضل وجه، وتلاوة القرآن والتدبر في آياته، وقيام الليل والتضرع بين يدي الله تعالى وبث شكواه إليه، والمواظبة على قراءة الأذكار اليومية، وغيرها من الأعمال الصالحة.
    15- إن العلم الشرعي الصحيح يقود إلى التوازن والاعتدال في كل شيء ويمنع دخول الغلو والتطرف إلى المجتمع، كما يبعد عنه التميع في تفسير النصوص وفي أداء الفرائض والعبادات، أو التهاون في المحظورات والمحرمات، بل إن هذا العلم يهدي المجتمع إلى الوسطية التي تميّز هذه الأمة عن غيرها، قال تعالى: {وكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}(2).
    16- العلم الشرعي يحمي المجتمع من الوقوع في كبائر الإثم وما ينتج عنها من المفاسد والدمار على الأخلاق وعلى الناس في الميادين المختلفة، فالعلم الشرعي يحذر الناس من وبال المعاصي كالربا والزنا والخمور والمخدرات والسرقة وغيرها من الكبائر، لأنها جميعًا تفتك بالمجتمع وتفرّق أبناءه وتحلّ فيهم العداوات والأحقاد والضغائن.
    17- العلم الشرعي يسهم في استقرار المجتمعات والأمم، لأنه يستند إلى الإيمان بالله تعالى والالتزام بشرعه الذي يعطي كل ذي حق حقه، ويمنع الظلم والاعتداء بين الناس، فيسود الأمن والاستقامة، وتقل الجريمة والانحراف، ويعيش الناس مطمئنين على أموالهم وأنفسهم ومصالحهم.
    18- إن العلم الشرعي يحل كثيرًا من مشكلات الناس، لأن أهل العلم الشرعي – إضافة إلى علمهم – هم أهل الحكمة والاستقامة والخبرة، فلا يجاملون أحدًا على حساب حقوق الآخرين، لذا أمر الله تعالى عباده الرجوع إليهم لحلّ مشكلاتهم وفضّ نزاعاتهم بقوله: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}(3).
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــ
    (1)
    [النساء: 83]

    (2)
    [البقرة: 143]

    (3)
    [النحل: 43]



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (18)


    العلم الشرعي والبناء النفسي



    وبعد: فالعلم – مع هذا كله بفضائله وآثاره – له أهميته العظمى في البناء للنفس السوية، ومعالجة ما يطرأ عليها من تغيرات ويتجلى هذا البناء – إضافة إلى ما ذكر سابقًا- :
    1- يبني معرفة الإنسان تجاه ربه، فيزداد تعظيمًا وخشية له.
    2- يبني معرفة الإنسان تجاه الكون واتجاه الأشياء، فتزداد عبوديته لله سبحانه.
    3- يبني ثقة الإنسان بربه، فتزداد قوة وتماسكًا وشجاعة.
    4- يبني حسن الظن بالله سبحانه، فيزداد تفاؤلاً نحو المستقبل، فيتجه للنماء والإنتاج.
    5- يبني حسن التوازن في النظر إلى الأشياء، فلا يغلو بشيء على حساب شيء آخر، ولا يميّع الأمور ويتساهل في الأحكام.
    6- يعرف الأحكام الشرعية، فلا يزلّ نحو الخرافة والشعوذة التي ترديه المهالك.
    7- يعرف حسن الاقتداء، فيورثه الاعتدال في السلوك والأخلاق، فيعامل ربه بالإحسان، وخَلقَه بالإحسان.
    8- يعلم الإنسان الطريق الصحيح للتعامل مع الأزمات الشخصية، كالأمراض أو المصائب، ومع الأزمات العامة، فلا يضل ولا يُضل.
    هكذا يبني العلم الشخصية السوية ويعالج ما يعترضها من العقبات.
    ومن هنا كان من الغبن الفاحش أن يترك المسلم سبيل التعلم والتفقه ويتجه إلى أشياء جانبية، فحري لبناء أنفسنا ومعالجة أوضاعنا أن نتجه إلى العلم الشرعي ونعتزّ به، ونعظّمه في نفوسنا وتعتز به.

    وأخيرًا:
    فإن العلم الشرعي، يشكل لبنة أساسية لبناء المجتمع الإسلامي السليم، القائم على الحب والوئام، والعدالة والمساواة، والأمن والاستقرار، لأنه يبصّر هذا المجتمع بتوحيد الله تعالى ووجوب عبوديته وحده دون سواه، كما أنه يعرّفهم بالحقوق والواجبات في المجتمع الذي ينتمي إليه، فلا يتجاوز حدوده المرسومة له، كما لا يتعدى على حقوق الآخرين.
    كما أن هذا العلم يحذّر الناس من وبال المعاصي والمنكرات التي تهوي بالنفس إلى الهاوية وتعرضها للآفات والوساوس في الدنيا، ومن ثم خسرانها الأكبر في الآخرة.

    وفي الحالتين فإن العلم الشرعي يحقق السعادة النفسية داخل الإنسان كما يحقق العدالة الاجتماعية في مجتمعه، وهي الصورة المثلى للسعادة الحقيقية التي يسعى الإنسان بشتى الوسائل لتحقيقها في هذه الحياة.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)

    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (19)



    الاستقامة - مفهوم الاستقامة

    روى مسلم في صحيحه بسنده عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت: يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا بعدك وفي حديث أبي أسامة غيرك قال: «قل آمنت بالله فاستقم«(1).
    مفهوم الاستقامة:
    الاستقامة في اللغة: استقامَ الشيء: اعتدل واستوى(2).
    وفي الاصطلاح: يمكن تعريف مفهوم الاستقامة في الاصطلاح من عدة وجوه، منها:
    1- سلوك الصراط المستقيم.
    2- لزوم الشريعة في التوحيد والعبادة والأخلاق.
    3-لزوم أوامر الله واجتناب نواهيه ومعرفة أثر ذلك.
    4- السير على هدي النبي ﷺ وخلفائه الراشدين رضي الله عنهم، لقوله: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبدًا حبشيًّا، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وإن كل بدعة ضلالة«(3).
    ومنطلق هذا البحث هو التوجيه النبوي في قوله ﷺ: «قل آمنت بالله ثم استقم«(4).
    ويؤيده قوله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}
    (5)
    .

    وقوله جل ذكره: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}(6).
    وقوله تبارك وتعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}(7).
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــ
    (1)
    أخرجه مسلم (ص39، رقم 159)

    (2)
    المعجم الوسيط 2/ 768 مادة (قَوَمَ)

    (3)
    أخرجه أبو داود (ص151، رقم 4607)

    (4)
    سبق تخريجه

    (5)
    [هود: 112]

    (6)
    [فصلت: 30]

    (7)
    [الفاتحة: 6]



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله)


    حيـــــــــاة الســــــعداء
    الدكتور فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
    (20)



    مجالات الاستقامة



    الاستقامة مفهوم عام تدل على التمسك بهذا الدين عقديًا وعمليًا، لذا فإن هذا المفهوم يدخل في جميع أصول الإسلام وفروعه، ومن أهم المجالات التي تقتضي الاستقامة فيها ما يلي:







    أولاً: الاستقامة في العقيدة:



    وهي التصور الصحيح عن الله سبحانه وتعالى وعلاقته بمخلوقاته وكونه، وذلك بالإيمان المطلق بالله تعالى وتوحيده في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، والإيمان بسائر أركان الإيمان، وهو الإيمان بملائكة الله وكتبه رسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، التي جاء ذكرها في كتاب الله تعالى وسنة نبيه ﷺ، يقول تبارك وتعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُون َ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}(1).



    ويقول عليه الصلاة والسلام في حديث جبريل عليه السلام: «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره«
    (2)


    فإن اعتقد الإنسان بهذه الأركان اعتقادًا صحيحًا، وتمثلت آثارها في جميع مناحي الحياة، فإنه قد حصل على الاستقامة العقدية إن شاء الله تعالى، أما إذا اختلطت مع إيمانه بتلك الأركان تصورات أخرى، وظن في غير الله تعالى النفع والضر، أو قدّم وسائط من البشر أو الشجر أو الكواكب لتقربه إلى الله تعالى، أو يخبره عن الغيب، فإنه يسير في ظلمات الضلال، ويدخل في قضية الشرك والندية مع الله تعالى، وبذلك فإن الاستقامة بعيدة عن واقعه العقدي.

    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــ

    (1)
    [البقرة: 285]



    (2)
    [مسند أحمد: 1/106]



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •