نصيحَة ناشِر



عبير النحاس



في إِحدى المُقابلات الَّتي أُجريَت مع الدُّكتور" عبد الكريم البكَّار" على قناة الرِّسالة , تحدَّثَ عن طريقةِ قَبولِ دورِ النَّشر الأمريكيّة لطباعةِ قِصصِ الأطفالِ , و كانتْ الطَّريقة تعتَمِد على تمرير القِصص على لَجنَة من الذَّواقة لإجازتِها , و هؤلاء الذَّواقة هم من الأطفالِ الَّذين وُجهت لهم هذه القصَّة , وهم من يقرِّرُ صلاحيتِها للنَّشر , و تُجازُ القِصص فَقَط لو استطاعتْ أن تشْغَلهم عن مُتابعةِ التِّلفازِ و ألعابهم المفضَّلة , و أنْسَتْهم الطَّعام و الشَّراب حتى يُذكرهُم به أحدٌ أو تنتهي القصَّة .

في الحَقيقة كانَ هذا رائِعا , و لكنَّه بعيدٌ كلَّ البُعد عمَّا نراه نحن ككُتاب عَرَب لِقصَصِ الأطفالِ و ما يحدثُ في دُور النَّشر , فلا ذوَّاقة و لا غيرهُم , فالقرار بالنَّشر يُتخذُ بناءً على رغباتِ صاحبِ الدَّار دونَ معايير أدبيِّة أو علميِّة إلا معايير السُّوق و التِّجارة و الرِبح .

ما زلتُ أذكرُ ذلك اليوم الذي تلقيتُ فيه اتصالا هاتفيَّا من إحدى دور النَّشر, و الَّتي بدأَت توجُهاً قوياً نحوَ النَّشر للطِّفل , و طُلب مني رسمُ مجموعةٍ قصصيِّةٍ للأطفالِ , فوافقتُ مَسرورة , ثمَّ قمتُ بالَّتوجه نحَو مقرِ الدَّار لتوقيعِ العقِد و تسلَّمت القصَص عبرَ بريدي الإلكتروني الشَّخصي , ثم كانت الطَّامة , فقد كانت المجموعةُ عبارة عن ثمان قِصص , و كانت القصَّة الأولى تِصف الشّخصية الأساسيَّة في المجموعةِ , و فيها يحدِّد ليَ الكاتِب وصفاً لكلِّ صورةٍ , و رسَمت القصة دون أن أكمِل قراءتها , و استمرَّ بي الحالُ على هذا النَّحوِ و لم أقرأ السِلسِلة التي رسمتُها بنفسي , و لمْ أفعل هذا بعدَ طِباعتها أيضا فقد كانت مملة, و موعظتها مباشرة جدا , و قد اضطررت لرسمها بعد التزامي بالعقِد الذي قُمت بتوقيعهِ , و رُحت بيني و بين نفسي أعتذِرُ من كلِّ الِصغار الذين توقعوا أن يجدوا في المجموعةِ متعةً ما بجانبِ مباشرتها و موعظتها و لكن هيهات .

و قد قمت بعد مدَّة بالاتِّصال بتلكَ الدار لطلبِ ( عروض سعر) لطباعةِ مجموعتين قصَصيَّتين على حسابي , و قد كنتُ قد أتممت كتابتَها و رسمَها و تصْميمها , و لمْ أجعل فيها تلكَ الموعظة الفجة التي دأبت الدَّار على طِباعتِها بحجَّة طلبِ السُّوق , فقدَّم صاحبُ الدارِ لي العرضَ الأفضلَ بين كلِّ الدُّور التي سَألتها , و لكنَّه قدَّم لي مع العرضِ نصيحتهُ القائلة :

- ألا تريدين بيعَ قصصك ؟

- بلى بالطبع

- إذن عليك بتغيير أسلوبكِ في الكتابة

- فكيف تريدني أن أكتب؟

- اكتبي ما يريده السُّوق و ما يريده الأهل , فهم من سيشتري القصص لأطفالهم .

- و لكنني كتبتُ ما يمتع أطفالهم, و جعلت فيها عبرة مخفية بين طيات القِصص , و قد اختبرتُ قدرتَهم في معرفة العِبر من القصصِ عندما نَشرتُ بعضها على الشَّبكة العنْكبوتيَّة .

- هذا صحيح , و لكنَّ الأهلَ يريدون من يساعدهُم في توجيه أطفالِهم نحو القيَم و الأخلاقِ الإسلاميِّة و هم يحبُّون النَّصيحة المباشَرة و لو أردتِ الربحَ فعليكِ بالكتابةِ حسبَ طلبِهم .
أوقفت الطِّباعة لدى تلك الدَّار ,و قد فهمتُ أن الأمورَ فيها تحكمُها السُّوق و التِّجارة , و لا وزنَ لحاجةِ الطِّفل أو مُتعتِه عند هذه الدار و مثيلاتِها , و قد كنت أشعر بمتعة الأطفال عندما يقرؤون حكاياتي الخياليَّة , و أثق بقدرتِهم على استخلاص العبْرة مِنها دونَ أن أسلِّط عليها الضوء , فقَررت أن أزيد عدد القصص في المجموعة لعلي أزيد مُتعتهم و أجعلهم يحبُّون القراءة و لو اضْطَررت لأن أهديهم كل قصصي دونَ مُقابل .