(8)
" يا ذا الهمة: اركب مطايا الجد وإن طال السرى. علامة التوفيق فصم عرى التواني، وآية الخذلان مسامرة الأماني. "
ابن الجوزي في كتابه اللطائف
------------
لا تخلو الحياة من كدر .. ومن أكدارها الضيق الذي يصيب النفس لسبب من الأسباب .. وقد وقعت أذني على كلام سمعته من الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي في معرض إجابته على أحد الأسئلة التي تدور حول هذه النقطة في نهاية درس يوم الثلاثاء5-3-1432 بمسجد التنعيم بمكة..
وهذه الكلمة هي:
(9)
يوسع الضيق الرضا بالضيق
أبو العتاهية
وعند بحثي لها وجدتها شطر بيت لأرجوزة أبي العتاهية في الحكم والأمثال. وهذا هو البيت:
يوسع الضيق الرضا بالضيق *** وإنما الرشد من التوفيق
وقبله:
يا طالب الدنيا بدنيا الهمة *** أين طلبت الله كان ثمة
وبعده:
أستودع الله أموري كلها *** إن لم يكن ربي لها فمن لها
وكم يحتاج الإنسان إلى نوافذ يطل من خلالها على حكم الحكماء وتجارب العقلاء يعالج بها أفكاره وتصوراته وطريقة تعامله مع مختلف الأحوال..
وهذه الكلمة تعطي نافذة للتعامل مع الضيق من خلال الرضا والتسليم واستشعار معية الله وفضله وما من ضيق إلا ويعقبه سعة وإن مع العسر يسرا..
فرحم الله أبا العتاهية وجزى الله الشيخ خير الجزاء.
(10)
إن في القلب لشعث لا يلمه إلا الإقبال على الله وفيه حسرة لا يطفأها إلا القرب منه تعالى وذكره..
ابن القيم رحمه الله
وقد كررها رحمه الله في أكثر من موضع بعبارات متعددة لعظمها وأهميتها .
------------------
من العبارات التي جعلتها نبراس في حياتي هاتان المقولتان :
(11)
أجمع العارفون بالله على أن ذنوب الخلوات هي أصل الإنتكاسات وأن عبادة الخفاء من أعظم أسباب الثبات
الإمام ابن القيم رحمه الله
(12)
لا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين ولا تستوحش من الحق لقلة السالكين
الفضيل بن عياض رحمه الله
-----------
(13)
ما يُغْتَبَطُ به تُحْتَمَلُ المشقةُ فيه
ابن حجر رحمه الله
كلمة قرأتها أول مرة في كتاب صفحات من صبر العلماء..وقد طرت بها فرحا وكانت ولا زالت من الكلمات المعلقة أمام ناظريّ لأنها تحمل في طياتها نصرا للهمة والروح عند تقاعس الجسد..ولأنها تحمل جوابا صريحا مفحما لمن يحاول ثنيك عن مرادك ووضع العقبات أمامك..
واليوم بحثت عنها وإليكم سباقها وسياقها الذي يوضحها تمام الإيضاح..
قوله : ( باب ما ذكر في ذهاب موسى في البحر إلى الخضر )هذا الباب معقود للترغيب في احتمال المشقة في طلب العلم ؛لأن ما يغتبط به تحتمل المشقة فيه؛ ولأن موسى عليه الصلاة والسلام لم يمنعه بلوغه من السيادة المحل الأعلى من طلب العلم وركوب البر والبحر لأجله..
-----------
(14)
لكل إنسان يحمل روحا طموح يحاوله وهدف يسعى إليه..وفي أحايين كثيرة يحتاج لبعض الدعم والخبرة ولكنه لا يجد من ذلك شيئاً..
فهنا قد يرى أن له التوقف وعدم إكمال المسير.. لكنه لا يلبث أن يسمع حادي الروح وهو يناديه..
إِذَا عَظُمَ المَطْلُوبُ قَلَّ المُسَاعِدُ
المتنبي
وهو عجز بيت للمتنبي صدره:وحيد من الخلان في كل بلدة..
-----------
عِشْ مع الكبار تَكُنْ مثلَهم .. وكما قيل: مَنْ جَالَسَ جَانَسْ..
إن تاريخنا الماضي والمعاصر معطر برجال كبار أفذاذ لا يعدم الإنسان من العيش معهم ومع سيرهم وعلومهم من فائدة منتَفَعة أو خلق مُقْتَبَس..
ومما قيدته قديما تلك المقولة الرائعة لأحد أئمة المسلمين الكبار والتي تمثل ملمحاً مهما من ملامح التميز في سير العظماء ..
(15)
لا أحب الكلام إلا فيما تحته عمل
الإمام مالك رحمه الله
--------
طالب المعالي لاتقف همته عند حد، وخصوصا من منَّ الله عليه بنعمة العلم وطلبه..فهمته منصرفة إلى التحصيل وهو يتحمل في سبيله المشاق التي يجد معها طعم اللذة ونكهة السعادة..ولا بد أن يجد هذا الطراز من الأفذاذ لائماً أو معاتباً يقول له بلسان الحال أو المقال: إلى متى؟ ألم تأخذ هذا العلم؟ ألم تحضر تلك الدورة؟ ألم..؟ ألم...؟..
وهنا يهدينا ذلك الإمام الذي مر بهذا الموقف هذه الكلمة فرحمه الله وجزاه الله خيرا. وعبارته هي:
(16)
لَعَلَّ الكَلِمَةَ الَّتِي فِيهَا نَجَاتِي لَمْ أَسْمَعْهَابَعْد
ابن المبارك..رحمه الله
انظر تاريخ دمشق (32/409):
سأل أبوخراش بالمصيصة عبد الله بن المبارك :
يا أبا عبد الرحمن إلى متى تطلب العلم؟
قال :لعل الكلمة التي فيها نجاتي لم اسمعهابعد.
------------
هكذا يكون لوم العشاق لأنفسهم وهكذا يكون تحسرهم على المعالي .. أزف إليك بيتين محملين بألوان من المشاعر والحس المرهف .. سمعتهما قديما وعثرت عليهما البارحة .. ويعظم تأثيرهما في نفسك إذا علمت من قائلهما ومنزلته العلمية .. وربما أومض لك هذان البيتان وأقسما لك وإن لم تستحلفهما بأن طلب المحب للعلم ليس كطلب غيره...
(17)
إذَاهَجَعَ النُّوَامُ أَسْبَلْت عَبْرَتِي ** وَأَنْشَدْت بَيْتًا وَهُوَ مِنْ أَلْطَفِ الشَّعْرِ
أَلَيْسَ مِنَ الْخُسْرانِ أَنَّ لَيَالِيًا **** تَمُرُّبِلََا عِلْمٍ وَتُحْسَبُ مِنْ عُمْرِي
الإمام الشافعي رحمه الله تعالى