هل تكون عبادة الصوم في شهر رمضان مدخلا للإصلاح الاجتماعي؟
- 2 -
بقلم : الشيخ الدكتور ماجد الدرويش.
الصوم مدخل للإصلاح والانتصار
والرُّشْد، بالضّم: الاستقامةُ على طَريق الحَقِّ مَعَ تَصَلُّبٍ فِيهِ.
والرَّشيد أَيضاً: هُوَ الَّذِي حَسُنَ تَقْديرُهُ فِيمَا قَدَّرَ، أَو الَّذِي تَنْسَاقُ تَدبيراتُه إِلى غَاياتِها على سَبيلِ السَّدادِ من غير إِشارةِ مُشيرٍ وَلَا تَسْدِيدِ مُسدِّد.
والرَّشَاد نَقيضُ الضَّلال، وُنقل عَن بعض أَرباب الِاشْتِقَاق أَن الرُّشْد يُسْتَعْمل فِي كُلّ مَا يُحْمَد، والغَيّ فِي كلّ مَا يُذَمّ.
وهذا يحتاج إلى مجاهدة عظيمة للنفس حتى تستقيم عليه، وهو عين الاتباع لأوامر الله سبحانه، ولأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه الأوامر إنما مصدرها الوحي بشقيه: القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
والرُّشدُ والرَّشاد هو أكثر شيء نحتاجه اليوم ونحن نشهد منطقتنا تموج بالفتن، وتمزقها أهواء المشاريع الفئوية الضيقة على حساب مصلحة الأمة، لدرجة أن الكثيرين من الساسة والمُقَدَّمين قد فقدوا الرشد ورجاحة العقل، وجانبهم التوفيق في الكثير من المواقف، لأنهم ينطلقون من أهوائهم التي زينها لهم الشيطان، وجانبوا التقوى التي أمرهم بها الرحمن.
ولما كانت التقوى تتمثل في فعل ما أمر الله تعالى به ورسولُه، وترك ما نهى سبحانه عنه ورسوله،
ولما كان الشيطان هو السببَ الأساس للانصراف عن طاعة الله تعالى ورسوله ، وعن فعل الخيرات، والمصدرَ الأساس للفجور والرذيلات،
ولما كانت الكتب السماوية كلها أنزلت في شهر رمضان،
ولما كانت الأمم كلها مطالبة بصيامه ( كما كتب على الذين من قبلكم ).
فإن شهر الصوم فرصة قد لا تعوض لتحقيق التقوى وتحصيل الخير، وترك الرذائل والقبائح والأنانيات، وجمع الكلمة على الخير الذي دعت إليه كل الشرائع، والتحلي بالفضائل التي تأنس بها كل الطبائع.
كما أنه يحمل في طياته عوامل النجاح في اكتساب المكارم، ففيه يصرف الله تعالى كيد مردة الشياطين عن الناس، كما في الحديث الصحيح: (إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ، فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ).
وفيه يتخلص المرء من ثقل الذنوب، ويُعَوِّدُ نفسه على خصال الخير، وفي الحديث عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ قَدْ أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عَظِيمٌ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، فَرَضَ اللَّهُ صِيَامَهُ وَجَعَلَ قِيَامَ لَيْلِهِ تَطَوُّعًا، فَمَنْ تَطَوَّعَ فِيهِ بِخِصْلَةٍ مِنَ الْخَيْرِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرِيضَةً كَانَ كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً، وَهُوَ شَهْرُ الصَّبْرِ، وَالصَّبْرُ ثَوَابُهُ الْجَنَّةُ، وَهُوَ شَهْرُ الْمُوَاسَاةِ، وَهُوَ شَهْرٌ يُزَادُ رِزْقُ الْمُؤْمِنِ فِيهِ، مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَمَغْفِرَةٌ لِذُنُوبِهِ).
فما أجمل هذه المعاني الإنسانية الراقية التي تحنُّ إليها البشرية في هذه الأيام الصعبة. وكم تحتاج مجتمعاتنا اليوم إلى تحقيق لب العبادات وحقائقها لنخلص من الشرور والأنانيات، ولنحقق التكافل والتكامل والرحمة في المجتمع بين كافة أبنائه.
وكم نحن بحاجة إلى هذه العبادة لتغير نفوسنا نحو الأحسن والأفضل، فتغيير النفوس مفتاح لتغيير الواقع المرير، ومفتاح لتغيير الهزيمة إلى انتصار، وقد قال سبحانه: ) إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ( .
اللهم أعنَّا على صيام هذا الشهر الكريم، وأكرمنا بتحقيق التقوى فيه وفي سائر أيامنا، وتقبَّل منا فيه أعمالنا خالصة لوجهك الكريم، واعتق رقابنا ورقاب أهلينا من النار، وفرِّج الكرب عن المكروبين، وارفع الضيم عن المظلومين، واقصُم بقوتك وجبروتك الطغاة المتكبرين. آمين يا رب العالمين.