بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
السَّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاته
إذا اختارَ مُسلمٌ أن يكونَ داعيًا إلى سبيلِ ربِّه .. أوَّلُ ما يُنصَحُ بهِ بعدَ إخلاصِ النيَّةِ للهِ جلَّ وعلا هوَ أن يكونَ ليًِّنا رحيمًا صبورًا حليمًا .. ولا شكَّ هذا هديُ المُصطَفى عليهِ أفضلُ الصَّلواتِ وأتمُّ التَّسليمِ .. من وصَفَهُ ربُّهُ بعظيمِ خُلُقِه .. وقالَ تعالى عنهُ : "بالمؤمنينَ رؤوفٌ رحيم " ..
بالَ أعرابيٌّ في المسجِدِ فزجرَهُ صحابةُ رسولِ اللَّهِ إذ قدَّموا طهارةَ المَسجِد .. غيرَ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أجلَسَه .. وبحكمةٍ ولطفٍ علَّمه .. حتَّى قالَ الأعرابيُّ : ((اللَّهمَّ ارحمني وارحم مُحمَّدًا ولا ترحم معنا أحدًا))!!
وجاءَهُ صحابيٌّ يستأذِنُهُ في الزِّنا وكانَ من أمرِ الصَّحابةِ _رضوانُ اللهِ عليهم_حولَ رسولِ اللهِ ما كانَ معَ الأعرابيِّ لكنَّ رسولَ اللهِ قالَ له : ادنُه !! نعم ؛ أدناهُ منه !! وحينَ جلسَ بقربِهِ ..
قال أتحبه لأمك ؟ قال : لا والله ، جعلني الله فداك . قال : ولا الناس يحبونه لأمهاتهم . قال أفتحبه لابنتك ؟ قال : لا والله يا رسول الله ! جعلني الله فداك . قال : ولا الناس يحبونه لبناتهم . قال أتحبه لأختك ؟ قال : لا والله ، جعلني الله فداك . قال : ولا الناس يحبونه لأخواتهم . قال أتحبه لعمتك ؟ قال : لا والله ، جعلني الله فداك . قال : ولا الناس يحبونه لعماتهم . قال أتحبه لخالتك ؟ قال : لا والله ، جعلني الله فداك . قال : ولا الناس يحبونه لخالاتهم . قال : فوضع يده عليه ، وقال : اللهم ! اغفر ذنبه ، وطهر قلبه ، وحصن فرجه . فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء .
وجاءهُ الصَّحابيُّ الذي زنا يطلبُ الحدَّ على نفسِه .. وجاءتهُ الغامديَّةُ في قصَّةٍ منفصلةٍ تطلبُ الحدَّ على نفسِها .. فما كانَ منهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا شتمٌ لهم ولا سباب ولا غير ذلك من إظهارِ الشِّدَّةِ والغضبِ عليهم .. بل إنَّهُ هو الذي منعَ أصحابَهُ أن يفعَلوا وأشادَ بتوبتهم .. ورجوعِهم وأوبتهم !!
______________________________ __
الداعية الذي شاهدَ هذه المواقفَ وتلكَ الفعال لنبيِّ الأُمَّةِ وسيد ولدِ آدم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم .. ترونَهُ يأتيهِ من هنا وهناكَ شبَّانٌ وفتياتٍ وقعوا في معاصٍ عظيمةٍ ، وآثامَ تعافُ ذكرَها النُّفوسُ السَّويَّةُ الطَّاهرة النَّقيَّة ، ويتمعَّرُ لها الوجهُ غضبًا .. إلّا أنَّهُ يحتملُ ويصبرُ ويكظمُ غيظَهُ في سبيلِ أن يحبِّبَ إلى هؤلاءِ طريقَ التَّوبةِ أكثرَ ، ويجذِبَهُم إليه .. ويبُثَّ في نفوسِهِمُ الأملَ ويمحو عنها يأسَها ، مُستغِلًّا مشاعرَ النَّدَمِ التي جعلتْهُم يطلبونَ العونَ على العوْدِ والإياب .. ولربَّما يضيقُ صدرُهُ جرَّاءَ تلكَ الهمومِ لكنَّهُ أيضًا يحتملُها !!
______________________________ __
ومن هنا ومن حيثُ انتهيتُ .. عرضَت لنفسي قضيَّةٌ وددتُ لو تُناقَشَ بجدِّيَّةٍ ..
تراكَ أيُّها الدَّاعيةُ الطِّيِّب .. لو ابتلاكَ اللهُ في ابنٍ من أبنائك .. أو ابنةٍ من بناتِك .. وقعت فيما وقعَ فيهِ أولئكَ الذينَ وقفتَ إلى جانِبِهم حتَّى استقاموا والتحقوا بركبِ الأخيار .. وصرتَ تُشيدُ بتوبتهم وتنقلُ قصصهم في المحافل والمجالس ..
لعلَّها كانت لحظة ضعفٍ جعلت ابنكَ يستجيبُ لداعي الهوى والشَّيطان ...
أو لعلَّكَ قصَّرتَ في حقِّ أبنائكَ فوزعتَ النُّصحَ بالمجَّانِعلى النَّاسِ وتركتَهُم يتخبَّطونَ في متاهات الحياةِويعالجونَ مشاكِلَهُم بأنفُسهم ..
سواءً أأحسنتَ إليهم بتربيتك أو أسأتَ إليهم بغفلتكَ عنهم .. كما فلان الذي قد يكونُ أحسنَ إليهِ أهلُه أو غفلوا عنه ..
تُراكَ هل ستضيقُ عن ابنِكَ وتغضَبَ عليهِ أشدَّ الغضبِ وما نهيتَ عنهُ أنتَ من قتلٍ بغيرِ وجهِ حقٍّ تفعلُه ؟!!يعني تقترفَ ما يقترفه السُّفهاءُ والجُهَّالِ ؟
أم ستحتويهِ كما احتويتَ العصاةَ غيرَه ؟ فإن تابَ أشدتَ بتوبتِه ؟!!!
أرجو أن أجدَ تفاعُلًا .. وتوجيهًا .. فلا أدري أكنتُ مُخطئةً أم أصبت ؟!
((وعلينا بالدُّعاءِ بالعفوِ والمعافاة حتَّى لا نقعَ في مثلِ هذا البلاء))
في أمانِ اللهِ وحفظِه ..