في البدء كانت الكَذِبة
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ ﴾
إذا نظرنا في تاريخ النصرانية لنعرف كيف تسربت هذه الوثنية إليها سنرى أن أتباع المسيح عليه السلام بعد رفعه إلى السماء ظلوا يعبدون الله الواحد الأحد في الهيكل تنفيذا لتعاليم المسيح عليه السلام: [إلى طريق أمم لاتمضوا وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا بل اذهبوا بالحرى إلى خراف بني إسرائيل الضالة] متى 10 / 5، 6 ولكنهم مع اضطهاد اليهود لهم حتى لا ينازعوهم السلطة الدينية داخل الهيكل تحولوا إلى عبادة الله في البيوت الواسعة وكان الذي يقود عمليات الاضطهاد ضد أتباع المسيح رجل يهودي اسمه شاؤول من طائفة الفريسيين أشد الطوائف اليهودية بغضا للمسيح ولكن ظل للحواريين كيانا منظما وظلوا متمسكين بتعاليم المسيح بألا يمضوا إلى طريق الأمم وظلت دعوتهم مستمرة ثم حدث أمر غريب فقد تحول شاول فجأة من عدو لدود ظالم إلى رسول قديس يوحى إليه!! بدون مقدمات دخل شاؤول النصرانية ذاكرا أنه رأى نورا غامرا سمع منه صوتا إلهيا أعطاه إنجيلا إلهيا بدون أن يذكر أى شهود على هذه الحادثة!! وانتقل شاؤول فجأة من كرسي الجلاد إلى كرسي المحامي ثم أطلق على نفسه اسم بولس ثم أصبح بعدها أهم شخصية في تاريخ المسيحية باعتراف المؤرخين للآثار والتغييرات الكبيرة التي حدثت بسببه حتى إن المسيحية تسمى باسمه أحيانا فيقال مسيحية بولس. [72] ثم أخذ بولس يدعو الناس إلى ما كان غائبا عن تلاميذ المسيح وما كان غائبا عن المسيح نفسه طوال حياته على الأرض من أمور مثل تجسيد الإله وألوهية المسيح ونظرية المخلص وعقيدة الفداء والصلب والخطيئة الأصلية والتي كانت عند الأمم الوثنية التي أراد بولس أن تنتشر فيها دعوته مع اختلاف الأسماء[73].
وهنا يحق لنا أن نسأل عدة أسئلة إذا كان بولس رسولا له كل هذه الأهمية فلماذا لم يبشر المسيح تلاميذه بنبوته؟؟ إن ذلك لم يحدث بدليل ما جاء في أعمال الرسل: ولما جاء شاؤول بولس إلى أورشاليم حاول أن يلتصق بالتلاميذ وكان الجميع يخافونه غير مصدقين أنه تلميذ[74]!! ولماذا لم يختره المسيح ليكون من تلاميذه ويتلقى عنه مباشرة قبل أن يرفع إلى السماء؟ولنا أن نسأل أيضا كيف ينتقل رجل فجأة من الكفر المحض إلى النبوة والرسالة بدون أن يمر بأى مرحلة وسيطة ولم يكن أى من الأنبياء السابقين كافرا قط فضلا عن أن يكون عدوا لدودا للدعوة؟ ولماذا لا نجد أى نص في كتاب سماوي يدل أو يشير إليه أو يصفه، فرسائله تعد شهادة منه لنفسه فهي غير مقبولة، وكذلك ما كتب بتأثير منه؟ ولماذا لم يؤيده الله بمعجزة كما أيد موسى عليه السلام حين كلمه وكما أيد جميع الأنبياء؟ وما فائدة رسالته بعد رفع المسيح مباشرة إلا إن كان المسيح لم يبلغ رسالة ربه على الوجه الأكمل حاشاه من ذلك؟ وكيف عرف بولس فجأة بعد أن سمع الصوت أن الذي يخاطبه هو صوت الرب وليس شيطانا؟ ولماذا لم يذهب بولس بعد تنصره مباشرة إلى التلاميذ ليتلقى عنهم دين المسيح بل ذهب إلى الجزيرة العربية [75] ومكث بعيداً عن التلاميذ ثلاث سنين، ثم لقي اثنين منهم فقط لمدة خمسة عشر يوماً (انظر غلاطية 1/18- 19).
و لو كانت هذه التغييرات التي أحدثها بولس وحيا من عند الله ألم يكن أولى أن ينال هذا الشرف أحد تلاميذ المسيح الذين آمنوا به في حياته وصحبوه ونالهم الاضطهاد في سبيل دينه من هذا الذي كان يحارب دعوة المسيح؟ بل ألم يكن أولى أن يخبر بها المسيح صراحة ولا يدعها لشخصية يكتنفها الريبة والغموض؟ ولماذا لم يذكر بولس اسم شاهد واحد على الأقل على قصة الرؤية هذه؟ ألم يقر المسيح بأن شهادته هو لنفسه وحدها لا تكفي وإنما يلزم شهادة أخرى معه كما نصت على ذلك التوراة[76]؟ فهل بولس أفضل أم المسيح؟؟؟ وماذا عن الاختلافات في قصة رؤية بولس المزعومة بين الروايات المختلفة التي تضحض هذه الواقعة[77]؟
إن للرسل علامات من أظهرها أن يكونوا في الدرجة القصوى من حسن الخلق والسجايا الكريمة فهل تحقق هذا في بولس؟ إذا نظرت في نصوص العهد الجديد ستجد له مواقف تطفح غرورا ونفاقا وكذبا في سبيل تحقيق أهدافه فتجده يقول: "صرت لليهود كيهودي…وللذين تحت الناموس كأني تحت الناموس…و للذين بلا ناموس كأني بلا ناموس…صرت للكل كل شيء" (كورنثوس(1)9/20-21. فهو يريد أن ينشر دين الله بالكذب والطرق الملتوية وانظر إليه عندما خاف من الجند قال لهم: "أيجوز لكم أن تجلدوا إنساناً رومانياً" فذهب القائد بنفسه إلى بولس وسأله: "أأنت حقا روماني؟" فأجاب: "نعم!" فقال القائد: "أنا دفعت مبلغا كبيرا من المال لأحصل على الجنسية الرومانية". فقال بولس: "وأنا حاصل عليها بالولادة!"أعمال22/25-28فانظر إلى هذا الكذب البواح مع أنه يهودي فريسي ابن فريسي كما في (أعمال 6:23) وهو يسيء الأدب مع الله قائلا بلا ذوق " لأن جهالة الله أحكم من الناس، وضعف الله أقوى من الناس" (كورنثوس(1)1/25) ويقول عن التوراة (لو كان العهد السابق بلا عيب، لما ظهرت الحاجة إلى عهد آخر يحل محله) عبرانيين (8/7) ويقول مستحلاً المحرمات: " كل الأشياء تحل لي" (كورنثوس(1)6/12) [78] بالإضافة لإنه جعل نفسه حواريا بل قديسا معصوما فوق الأنبياء جميعا يدين العالم كله بما فيهم الملائكة الذين جعل المسيح دونهم بقليل [79] انظر (عبرانيين 9/2 وكورنثوس(1)6/2-3)
ولم يكتف بولس بذلك ولكنه ملأ العهد الجديد بأرائه المحضة ثم جعلها وحيا مقدسا من عند الله فتراه يقول (إِذاً من زُوِّج فحسنا يفعل ومن لا يُزَوج يفعل أحسن) (كورنثوس (1) 7/39) فهل هذا يتفق مع فطرة الله التي فطر الناس عليها؟ وماذا يحدث لو طبق جميع الناس هذه النصيحة الغبية؟ حتى رسائله الشخصية البحتة التي لا تعني أى شيء بالنسبة للناس جعلها وحيا أيضا من عند الله فيقول في رسالته إلى تيموثاوس " سلم على برسكا وأكيلا، وعائلة أونيسيفورس. أراستس مازال في مدينة كورنثوس. أما تروفيموس، فقد تركته في ميليتس مريضا. اجتهد أن تجيء إلي قبل حلول الشتاء.يسلم عليك إيوبولس، وبوديس، ولينوس، وكلوديا، والإخوة جميعا). فما علاقة هذه السلامات والتحيات بوحي الله للعالمين؟ وهو لا ينسى ردائه أيضا في هذه الرسالة فيقول (وعندما تجيء، أحضر معك ردائي الذي تركته عند كاربس في ترواس، وكذلك كتبي، وبخاصة الرقوق المخطوطة.!!) فهل هذا كلام مقدس؟
إن المسيح عليه السلام قد بشر ببولس رسولا للشيطان لا رسولا للرحمن فقال: "لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لأنقض بل لأكمل فإني الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد من الناموس حتى يكون الكل، فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس هكذا يدعى: أصغر في ملكوت السماوات" (متى 5/17-19)، وبولس معناها "الصغير") وهو الذي نقض وصايا المسيح ووصايا موسى عليهما السلام التي قال عنها المسيح " إ ن أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا ". متى [19: 16] وقال أيضا ((على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا لأنهم يقولون ولا يفعلون)). متى [23: 1] فقد أحل بولس شرب الخمر ودعا إليها صراحة وأحل أكل لحم الخنزير وحلل ذبيحة الصنم وأبطل مفهوم النجاسة وحرم الختان –مع أن المسيح قد اختتن[80]- وألغى تقديس يوم السبت وقال عن الشريعة التي كان المسيح من أشد الناس تمسكا بها أنها (لم توصل الذين كانوا يعبدون الله بحسبها ولو إلى أدنى درجات الكمال)[81] ثم وصل به الحال إلى أن ألغى الشريعة معللا ذلك بكل وقاحة بأن الشريعة تجلب الغضب، وحيث لا تكون شريعة لا تكون معصية [رومية 4: 15 ] وقال "لذا نحن - أي بولس- نقرر تبرير أعمال الإنسان من خلال إيمانه، بدون التزامه بالشريعة "[82] [رومية 3: 28 ] فجعل بولس فصلا تاما بين الإيمان والعمل وجعل المطلوب من الشخص فقط كي ينجو أن يؤمن أن المسيح مات على الصليب كفارة لأخطاء البشرية ثم لا عليه بعد ذلك أن يفعل ما يريد طالما آمن بالمخلص فالنجاة ستأتيه أوتوماتيكيا!! حتى أنه أخبر أن الكافر الذي لا يؤمن بالمسيح قد يدخل الجنة إذا كان متزوجا من امرأة مؤمنة (كورنثيوس (1) 8:7-16)[83]
ولا يخفى ما لهذا الاعتقاد من أثر في التسبب في الانحلال الخلقي والفوضى الاجتماعية. وعلى عكس ذلك قال يعقوب تلميذ المسيح في رسالته: " قائلاً: (ياإخوتي، هل ينفع أحدا أن يدعي أنه مؤمن، وليس له أعمال تثبت ذلك، هل يقدر إيمان مثل هذا أن يخلصه؟) [14:2] وقوله "وهذا يؤكد لك، أيها الإنسان الغبي، أن الإيمان الذي لا تنتج عنه أعمال هو إيمان ميت" [2: 20].
وقد دعي بولس في الدنيا بالصغير، ولسوف يدعى في الآخرة أصغر جزاء تبديله للناموس والوصايا غير أن أخطر الشروخ التي أصابت جدار المسيحية على يد بولس على الإطلاق هي الوثنية المتمثلة في عقائد تجسيد الإله وصلبه وأكل لحمه ودمه في العشاء الرباني وغير ذلك مما نبت من أفكاره الفلسفية[84] أو معتقدات الشعوب الأخرى التي أراد للمسيحية أن تنتشر فيها. يقول شارل جنيبر" إن الدراسة المفصلة لرسائل بولس الكبرى تكشف لنا النقاب عن مزيج من الأفكار فيبدو لأول وهلة غريبًا حقا فهي مزيج من الأفكار اليهودية ثم من المفاهيم المنتشرة في الأوساط الوثنية اليونانية ومن الذكريات الإنجيلية والأساطير الشرقية"[85].
ويبدو أن هم بولس الأول الذي استطاع تحويل المسيحية من دعوى قومية إلى بني إسرائيل كما كانت في عهد المسيح إلى دعوة عالمية كان الاستكثار من الأتباع والمؤمنين الجدد من أبناء الأمم المجاورة لذا صاغ لهم من معتقداتهم القديمة دينه الجديد الذي لا يمت للمسيح بصلة إلا اسمه ويدل على ذلك التشابه الشديد بين عقائد النصارى الحالية والعقائد الوثنية القديمة. [86] فكما أن الآلهة عند الرومان تتجسد على شكل مخلوقات وتصارع البشر جعل بولس إلهه الجديد كذلك وكما أن البشرية في نظر الحضارات القديمة تحتاج إلى منقذ يخلصها من اللعنة جعل بولس ذلك في دينه الجديد ومن أمثلة ذلك ديانة (مثرا) الذي كانوا يسمونه في أوروبا (مثرا إله الخلاص) والمثراوية تحوي المعمودية والعشاء الرباني[87] أيضا حتى أن بعض الباحثين أعلن في وضوح أن النصرانية هي المثراوية في ثوبها الجديد ولهذا قيل ((لم تتنصر الروم ولكن تروَّمت النصارى)). يقول د. جنيبر: [ورأى بولس بوضوح أيضا أن الأتباع الجدد من المشركين لم يكونوا ليتقبلوا كل القبول (فضيحة الصليب) وأنه يجب تفسير ميتة عيسى المشينة تفسيرًا مرضيا يجعل منها واقعة ذات مغزى ديني عميق.. وأعمل بولس فكره في هذه المشكلة.. ووضع لها حلاً كان له صدى بالغ المدى.. لقد تجاهل فكره عيسى الناصري (المسيح عليه السلام) ولم يتجه إلا إلى عيسى المصلوب (الشخصية التي اخترعها بولس) فتصوره شخصية إلهية تسبق العالم نفسه في الوجود.. رجل سماوي احتفظ به الله إلى جانبه أمدًا طويلاً حتى نزل إلى الأرض لينشيء فيها حقا بشريا جديدة يكون هو دمها..][88].
فإذا نظرنا إلى موقف تلاميذ المسيح من بولس فبرغم من أن بعضهم تقبله في البداية عملا بحسن الظن الذي علمهم إياه المسيح إلا أنهم عارضوا دعوته ووقفوا في وجهها بعد أن ظهرت لهم بدعه المهلكة ودليل ذلك اختفاء ذكرهم عن عالم المسيحية بعد ظهور بولس، فقد اختفت كتاباتهم وحوربت، ولم ينج منها إلا إنجيل برنابا ورسالة يعقوب المضمنة في رسائل العهد الجديد والتي تمتلئ بمخالفة بولس وخاصة في مسألة الفداء. حتى برنابا وهو الوحيد الذي قدم بولس إلى التلاميذ نفر منه بعد ذلك واختلف معه وتركه واختفى ذكره من العهد الجديد بعد هذه الحادثة ولو كان بولس رسولا من عند الله حقا لما تركه تلميذ المسيح عليه السلام[89].
وقد ظل المؤمنون من أتباع التلاميذ الذين كانت لهم رسائلهم وكتبهم أيضا يعبدون الله على شريعة المسيح بدون أن يتأثروا ببدع بولس وحارب الكثير منهم دعوة بولس واتهموه بأنه أفسد الديانة المسيحية بعد أن عجز عن القضاء عليها بالسيف والسلطان فدخل في المسيحية وأخرجها من التوحيد إلى الوثنية. حتى بدأ تدخل السلطة وانعقاد المجامع الكنسية. وفي ذلك يقول الشاعر القروي السوري رشيد سليم الخوري -المولود في أسرة أرثوذكسية: "إن الكنيسة ظلت حتى مطلع القرن الرابع الميلادي تعبد الله على أنه الواحد الأحد وأن يسوع المسيح عبده ورسوله حتى تنصر قسطنطين عاهل الروم وتبعه خلق كثير من رعاياه اليونان والرومان فأدخلوا بدعة التثليث وجعلوا لله سبحانه وتعالى أندادا شاركوه منذ الأزل في خلق السماوات والأرض وتدبير الأكوان ومالأهم الأسقف الأنطاكي مكاريوس فثار زميله الأسقف أريوس على هذه البدعة ثورة عنيفة شطرت الكنيسة واتسع بين الطائفتين نطاق الجدل حتى أدى إلى الاقتتال وفاز أريوس بالحجة القاطعة في المجامع بيد أن السلطة وضعت ثقلها في الميزان فأسكتت صوت الحق وأنفذت صوت الباطل واستمر المسيحيون يعمهون في ضلالتهم".
و قضية المجامع هذه أمرها عجيب. فإزاء تعدد مذاهب النصارى في المسيح عليه السلام وتعدد أناجيلهم كذلك التي بلغت أكثر من خمسين إنجيلا كما تذكر بعض الروايات تم عقد المجامع الكنسية وأولها مجمع نقية عام 325م الذي اجتمع فيه أكثر من ألف أسقف لكي يحددوا طبيعة المسيح عليه السلام ويختاروا الأناجيل المعترف بها من ضمن عشرات الأناجيل وبرغم أن 338 أسقفا فقط هم من قالوا بألوهية المسيح إلا أن الإمبراطور الروماني قسطنطين انحاز إلى هذا الرأي - وهو الأقرب إلى وثنيته - وانفض المجمع على لعن أريوس الذي يقول بالتوحيد ونفيه وطرد من قال برأيه وحرق كتبه واختيار أربعة أناجيل فقط هي أناجيل يوحنا ولوقا ومتى ومرقص التي كانت تعزز عقيدة ألوهية المسيح وحرق بقية الأناجيل وقتل كل من يثبت اقتناؤه لها وأما الرسائل السبع فلم يعترف المجمع المذكور بالكثير منها، وإنما تم الاعتراف بها فيما بعد وهذا القدر من التاريخ يتفق عليه جل المؤرخين. وهكذا تحققت نبوءة المسيح وهي قوله (ستطردون خارج المجامع، بل سيأتي وقت يظن فيه من يقتلكم أنه يؤدي خدمة لله. وهم يفعلون هذا بكم لأنهم لم يعرفوا أبي، ولا عرفوني) يوحنا 2:16 وإنا لنعجب أشد العجب من دين يتم اختيار عقائده وكتبه بهذه الطريقة ... هل يمكن أن يترك الله الناس في حيرة بدون بينة واضحة أو كتاب منير فيحددوا طبيعة إلههم وكتبهم المقدسة من خلال المؤتمرات التي تتلاعب فيها الأهواء والمصالح وحب الرياسة وتقلبات السياسة بالنفوس البشرية؟[90] أم أن الحق كان واضحا ولكن اختلاف الكهنة والعلماء واتباع الأهواء أذهب به؟ ولماذا تم رفض بقية الأناجيل برغم أن الأشخاص الذين كتبوها تعتبرهم الكنيسة قديسين؟ ولماذا كانت هذه الأربعة فقط هي وحي الله وما عداها ليس وحيا؟[91] وما الذي يضمن أن قرارات هذه المجامع هي قرارات معصومة من الخطأ وهي التي كانت قلما كان يسلم أعضاؤها من الاختلاف بل كانت تنتهي غالبا بلعن بعضهم بعضا!! لا شك أن أي عاقل لا يقبل أن يتحدد دينه واعتقاده وهو أهم ما لديه بهذه الطريقة.
و برغم نتيجة هذه المجامع وانحياز الامبراطور الروماني لوثنية روما في شكلها الجديد واضطهاد الدولة الرومانية لأتباع أريوس فإنه ظل من النصارى من يعبد الله وحده واستمر من عقلاء النصارى ومصلحيهم من كل جيل من يستيقظ عقله ليعلن فساد مبدأ التثليث والتجسد من حين لآخر فيناله ما يناله من الاتهام بالهرطقة والتكفير والحرمان من دخول الجنة من الكنيسة حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فانتصر لأتباع التوحيد وأصبحوا ظاهرين من حينها وتولت أمة الإسلام أمر الدعوة إلى عبادة الله وحده وما زال يلبي هذه الدعوة إلى اليوم كل من استمع لنداء عقله وفطرته وقلبه من علماء النصارى وعوامهم على السواء[92].
على أن فساد النصرانية لم يقتصر في أمر الألوهية ولكن جعلت الكنيسة لنفسها سلطة مغفرة الذنوب ودخول الجنة وجعلت لذلك صكوكا فأقحمت نفسها بين العبد وربه واحتكرت لنفسها حق تفسير الإنجيل بل وقراءته [93]وجعلت لنفسها أسرارا لا يجوز للناس الاطلاع عليها وأدخلت بدعة تقديس مريم عليها السلام وتقديس أشخاص عاديين وبدعة القربان المقدس وادعت عصمة البابا[94] بل صار البابا يتلقى من الرب مباشرة وجعلت السجود للصور والتماثيل والصلبان كعباد الأوثان داخل الكنائس- وهي جمادات لا تنفع ولا تضر[95] - فأصبح تعلق النصراني بتمثال المسيح وصورته والصليب بعد أن كان بالله ووبدلت التشريعات التي كانت سائدة أيام المسيح كالصوم وحرمت الطلاق وحولت اتجاه القبلة من بيت المقدس إلى مشرق الشمس وابتدعت الرهبنة التي تقوم على تعذيب الجسد وأوقدت شرارة سلسلة من الحروب الهمجية عرفت في التاريخ باسم الحروب الصليبية وصادرت الكنيسة عقول الناس وأفكار العلماء واضطهدتهم فأشعلت الصراع النكد مع العلم وظلت أوروبا تعيش في عصور الظلام مئات السنين حتى نبذ أهلها الدين وضاقوا ذرعا بتسلط الكنيسة وطغيانها فظهرت عدة ثورات وحركات إصلاحية[96] نادت بالتحرر من سلطة الكنيسة ورُفِع شعار اللادينية وحينها فقط بدأ ما يعرف بعصر النهضة الأوروبية!!
يكتبون الكتاب بأيديهم
﴿ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً ﴾
أنزل الله على عيسى عليه السلام الإنجيل وقال عنه في القرآن {فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ } وهذا الكتاب المبارك هو الذي كان يسمى بالإنجيل فقط غير منسوب إلى مؤلف من البشر وقد علمه المسيح عليه السلام لتلاميذه ووردت إشارات عنه في الكتاب المقدس [97] إلا أنه يبدو أن هذا الإنجيل قد تعرض للفقد مع معظم كتابات التلاميذ التي كانوا يكتبون فيها مذكراتهم وتسجيلهم للأحداث ووصاياهم وقد عرفت أيضا باسم الأناجيل إثر المحاولات الغاشمة من الكنيسة للقضاء عليها وحرقها وقتل مقتنيها. وقد بلغت هذه الكتب أكثر من خمسين إنجيلا ومنها إنجيل برنابا وإنجيل الطفولة ويُنسب لمتى الحوارى وإنجيل فيليب ويُنسب لفيليب الحوارى وإنجيل المصريين ويُنسب لمرقص الحوارى وإنجيل الإثنى عشر رسولا وإنجيل العبرانيين أو الناصريين وإنجيل السبعين وينسب لتلامس وإنجيل مريم المجدلية وإنجيل الحياة وإنجيل الولادة وإنجيل التذكرة وإنجيل مرقيون وقد تم رفض أكثر هذه الأناجيل بعد مجمع نيقية وبقيت شذرات منها في المكتبات القديمة إلا أن إنجيل برنابا منها هو الذي ذاع صيته وانتشر وترجم إلى لغات عديدة. وقد جاء ذكر إنجيل برنابا في ثنايا قرارات الكنسية منذ القرن الرابع الميلادي تحرض على منع قراءته مثل قرار البابا ديماسوس عام 366 م وقرار البابا جلاسيوس الأول الذي جلس على كرسي البابوية عام 492 م يحرم فيه قراءة عدة كتب منها إنجيل برنابا .ويتفق المؤرخون على أن أقدم نسخة عثروا عليها لهذا الإنجيل، نسخة مكتوبة باللغة الإيطالية، عثر عليها كريمر أحد مستشاري ملك بروسيا، وذلك فى سنة 1709. وقد انتقلت النسخة مع بقية مكتبة ذلك المستشار فى سنة 1738 إلى البلاط الملكي بفينّا. وكانت تلك النسخة هى الأصل لكل نسخ هذا الإنجيل في اللغات التي ترجم إليها. وبرنابا كاتب هذا الإنجيل هو أحد حواريي المسيح، واسمه يوسف بن لاوي بن إبراهيم وجاء في العهد الجديد أنه باع حقله وجاء ووضعه عند أرجل تلاميذ المسيح (انظر أعمال 5/36 – 37)، عرف بصلاحه وتقواه وقد ذهب برنابا للدعوة في أنطاكية .. "ووعظ الجميع أن يثبتوا في الرب بعزم القلب، لأنه كان رجلاً صالحاً وممتلئاً في الروح القدس والإيمان، فانضم إلى الرب جمع غفير " (أعمال 11/22 – 24) ويعتبر إنجيل برنابا وثيقة إدانة ضد التحريف الذي أحدثه بولس الكذاب وبابوات الكنيسة من بعده في النصرانية وشاهدا على صدق النبي محمد صلى الله عليه وسلم إذ أنه يقر بوحدانية الله عز وجل وببشرية المسيح عليه السلام ويبشر برسول الإسلام باسمه الصريح محمد لذا لم تعترف به الكنيسة وحرمت قراءته ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره فالكتاب مترجم للعربية ومتاح للجميع[98] وهذا لا يعني أنه خالي من الأخطاء فهو كأي عمل بشري معرض لذلك لكنه أقرب الأناجيل إلى الصواب. وهذه إحدى فقراته يبشر المسيح فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم " فأجاب يسوع....الحق أقول لكم إن كل نبى متى جاء فإنه إنما يحمل علامة رحمة الله لأمة واحدة فقط . ولذلك لم يتجاوز كلامهم الشعب الذى أرسل إليهم. ولكن رسول الله متى جاء. يعطيه الله ما هو بمثابة خاتم. فيحمل خلاصا ورحمة لأمم الأرض الذين يَقبلون تعليمه. وسيأتى بقوة على الظالمين. ويبيد عبادة الأصنام بحيث يخزى الشيطان. لأنّه هكذا وعد الله إبراهيم قائلا (أنظر فإنى بنسلك أبارك كل قبائل الأرض وكما حطّمت يا إبراهيم الأصنام تحطيما هكذا سيفعل نسلك").
أما التوراة فلم تسلم هي الأخرى من التلاعب والتحريف فقد آتى الله موسى الكتاب فيه هدى ونور ومن كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء لكن أحبار السوء الذين ورثوا الكتاب كانوا يشترون به ثمنا قليلا فيخفون كثيرا من أجزائه للهروب من أحكامه غالبا وكسب المال ويكتبون بدلا منها كتبا بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله حتى تحول الكتاب إلى هذه المجموعة المشوهة أخلاقيا وعلميا من الأسفار التي تعرف بالعهد القديم بعضها لمؤلفين مجهولين كما ذكر مراجعو الطبعة المنقحة RSV مثل سفر صموئيل وسفر أخبار الأيام[99] والتي لا نجد بينها التوراة كما كانت على عهد موسى. وصدق الله إذ يقول ﴿ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ وهذا لا يمنع أن يكون في هذه الأسفار أثارة من علم الأنبياء وبقايا من وحي السماء، لكنها غارت في بحور من تخليط البشر وتحريفهم وسترى أمثلة على ذلك ولذلك فإن فِرَق النصارى مختلفون في كتابهم المقدس أشد الاختلاف فتجد مثلا البروتوستانت - وهم أشد الفرق تعظيما له ولذلك سموا بالإنجيليين- لا يعترفون بسبعة أسفار من كتاب الكاثوليك وتوجد اختلافات كثيرة في الأسفار المعترف بها لديهم بين كتابهم وكتاب الكاثوليك فأي الكتابين هو الصحيح؟؟ هذا بالإضافة للأسفار المفقودة ومشار إليها في ثنايا العهد القديم مثل كتاب حروب الرب المذكور في سفر العدد 14:21و كتاب ياشر المذكور في يشوع 10:13.
و أما الأناجيل المعترف بها اليوم- وهي إنجيل متّى، وإنجيل مرقص، وإنجيل لوقا، وإنجيل يوحنا التي ضمنتها الكنيسة مع رسائل بولس وبقايا التوراة المحرفة في كتاب واحد أسمته الكتاب المقدس فبالرغم من أي من كتاب هذه الأناجيل لم يدع الإلهام لنفسه وإنما اعترف بعضهم بأن ما كتبه هو مجرد تسجيل للأحداث حسبما يراها هو فإن الكنيسة تصر على هذه الدعوة ولكن ما بهذه الأناجيل من أخطاء وتناقضات[100] يكشف زيف هذه الدعوة بكل وضوح. يقول روبرت كيل تسلر[101] في كتاب حقيقة الكتاب المقدس: " أما ما يخص العهد الجديد فإن النص الأصلي -وهو ليس لدينا كما ذكرنا من قبل - قد تكوَّن بين أعوام (50) و(200) بعد الميلاد، وهذه مدة كبيرة من الزمن بعد وفاة يسوع، بل إن (50) سنة لتعد أيضاً فترة زمنية كبيرة وفي هذا الزمن استطاعت بعض الأساطير أن تجد لها طريقاً تنتشر فيه، في وقت لم يعد فيه شهود عيان عند تكوين معظم النصوص الأصلية وهنا يجب علينا أن نتذكر: كم من الأساطير نشأت فقط بعد عدة سنوات بسيطة من حريق جيوفارا؟ "وإذا لم تكن مصدقا بوجود الإشاعات في الأناجيل فقل لي بربك من أين عرف المؤلفون الأحداث التي تلت القبض على شبيه المسيح إذا كان كل التلاميذ قد تركوه وهربوا كما هو مذكور في متى 56:26 ومرقس 50:14 إلا عن طريق الإشاعات؟
أول هذه الأخطاء هي نسبة الأناجيل نفسها لأصحابها فهي نسبة تعتريها الشكوك وتحوم حولها الشبهات من كل جانب.أما بالنسبة لإنجيل يوحنا فقد كتب في أواخر القرن الأول الميلادي في حين أن يوحنا الحواري كما يقول بعض المؤرخين مات مشنوقا سنة 44م على يد غريباس الأول وهو كما يذكر مؤلفه مكتوب خصيصا لإثبات ألوهية المسيح فقد ظلت الأناجيل نحو قرن من الزمان ليس فيها نص على ألوهية المسيح فالأساقفة اعتنقوا ألوهية المسيح قبل وجود النص الذي يدل عليها ولما أرادوا أن يحتجوا على خصومهم لم يجدوا مناصا من أن يلتمسوا دليلا ناطقا بذلك فكتب أحدهم أو بعضهم هذا الإنجيل[102]. تقول دائرة المعارف البريطانية: "يعتقد كثير من العلماء أن نسبة هذا الإنجيل إلى يوحنا الحواري غير صحيحة"[103] وجاء في الترجمة المسكونية للإنجيل كلام مماثل لذلك. ولولا خشية التطويل لذكرت أراء عددا من الباحثين بأسمائهم ولكن أكتفي بذكر كلام القس فهيم عزيز بعد طرحه لسؤال من كاتب إنجيل يوحنا: يجيب القس فهيم عزيز: "هذا السؤال صعب، والجواب عنه يتطلب دراسة واسعة غالباً ما تنتهي بالعبارة: لا يعلم إلا الله وحده من الذي كتب هذا الإنجيل". وهذه شهادة من أهلها لا تحتاج معها لشهادة آخرى. أما إنجيل متى فقد جاء في مقدمة الرهبانية اليسوعية لإنجيل متى: "أما المؤلِّف، فالإنجيل لا يذكر عنه شيئاً وأقدم تقليد كنسي ينسبه إلى الرسول متى .. ولكن البحث في الإنجيل لا يثبت ذلك الرأي أو يبطله على وجه حاسم، فلما كنا لا نعرف اسم المؤلف معرفة دقيقة يحسن بنا أن نكتفي ببعض الملامح المرسومة في الإنجيل نفسه...".
أما مرقس ولوقا فلم يكونا من تلاميذ المسيح عليه السلام يقول المفسر دنيس نينهام مفسر مرقس: "لم يوجد أحد بهذا الاسم عرف أنه كان على صلة وثيقة، وعلاقة خاصة بيسوع، أو كانت له شهرة خاصة في الكنيسة الأولى". وقال بطرس قرماج في كتابه "مروج الأخبار في تراجم الأبرار" عن مرقس: "كان ينكر ألوهية المسيح". وأما لوقا فقد كفانا عناء البحث في أقوال المؤرخين إذ يقول بنفسه في مقدمة إنجيله "إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا، كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة رأيت أنا أيضاً - إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق - أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس، لتعرف صحة الكلام الذي علِّمتَ به" فالذين كانوا في البدء هم التلاميذ وهو يعلن أنه لم يكن معهم[104].
أما عن النسخ الأصلية التي كتبت منها هذه الأناجيل فيقول موريس نورن في "دائرة المعارف البريطانية": "إن أقدم نسخة من الأناجيل الرسمية الحالية كتب في القرن الخامس بعد المسيح، أما الزمان الممتد بين الحواريين والقرن الخامس فلم يخلف لنا نسخة من هذه الأناجيل الأربعة الرسمية، وفضلاً عن استحداثها وقرب عهد وجودها منا، فقد حرفت هي نفسها تحريفاً ذا بال، خصوصاً منها إنجيل مرقس وإنجيل يوحنا" وهذا يعني أن هذه الأناجيل منقطعة السند[105] فضلا عن أن هذه النسخ القديمة ليست باللغة الأصلية التي كتبت بها الأناجيل ولا يُعلم من ترجمها ولا متى ترجمت!! ولا توجد أي طريقة علمية لإثبات أن هذه النسخ هي نفسها التي كانت موجودة في القرنين الأول والثاني الميلادي إلا المقارنة بين عدة نسخ من هذه المخطوطات لنفس الإنجيل لا تعتمد على بعضها البعض وحينها لن تكون المقارنة بالتأكيد في صالح الكتاب المقدس!! حتى عملية النسخ نفسها قبل اختراع الطباعة لا يمكن التسليم بدقتها نظرا لإنه لم يكن محفوظا عن ظهر قلب في صدور الرجال كالقرآن ولتغير اللغة ومعاني الكلمات عبر القرون المتطاولة فضلا عن أن اللغات مختلفة في ثرائها اللغوي عن بعض وقد توجد كلمات في لغة لا يوجد نظير لها في لغة أخرى لذا لا يمكن التسليم بالدقة الكاملة لمن ترجم كلام المسيح مثلا من الآرامية ثم إلى اليونانية ثم إلى اللاتينية والعربية وأي ادعاء بأن الكتاب الحالي هو كتاب مقدس يلزم أن يكون جميع المترجمين الذين ترجموه قديسين أو موحي إليهم من الروح القدس فهل تضمن الكنيسة ذلك[106]؟
لكن حدث اكتشافان أثريان هامان في أواسط القرن العشرين قد يؤديان لحدوث انقلاب في النظرة للكتاب المقدس والعقيدة النصرانية من أساسها. الأول هو مخطوطات كثيرة ترجع للقرن الأول الميلادي[107] أو قبله تخص جماعات مسيحية موحدة عاشت في هذه الفترة عثر عليها أحد البدو صدفة داخل أوان من الفخار في كهوف قمران بجوار البحر الميت عام 1947 لذا هي تعرف بمخطوطات البحر الميت (Dead Sea Scrolls ) هذه المخطوطات كتب عنها الدكتور ف. البراين وهو عمدة في علم آثار الإنجيل: "إنه لا يوجد أدني شكل في العالم حول صحة هذا المخطوط وسوف تعمل هذه الأوراق ثورة في فكرتنا عن المسيحية، وقال عنها القس (أ. باول ديفيز) في كتابه عن مخطوطات البحر الميت[108] (إن مخطوطات البحر الميت وهي من أعظم الاكتشافات أهمية منذ قرون عديدة، قد تغير الفهم التقليدي للإنجيل). ويعتقد كثير من العلماء أن هذه المجموعة التي كتبت المخطوطات هي من الأسينيين ويعتقد آخرون أنهم من الأبيونيين الذين كانوا يعتقدون بوحدانية الله وبشرية المسيح عليه السلام وتنكروا لبولس الكذاب وقد اضطهدهم الرومان. وتتحدث الوثائق صراحة عن التنبؤ بمسيحين سوف يرسلهما الله للعالم أحدهما سيكون من نسل هارون وإسرائيل (يعقوب) عليهما السلام وستكون مهمته محصورة في التوجيه الديني (priestly messiah ) ويسميه أتباعه بمعلم البر والتقوى (Teacher of Righteousness ) ولكن أحد الكهنة وهو الكاهن الشرير (Wicked Priest ) سوف يخونه من أجل المال ويحاول تسليمه لأعدائه لكن الله يعاقبه هو بأن يسلمه إليهم ويجعلهم يقتلونه وتتحدث أيضا المخطوطات عن الكذاب (Man of lies )[109] الذي لوث اسم المعلم واحتقر التعاليم وأضل الكثيرين وواضح أن معلم البر والتقوى هو المسيح عليه السلام والكاهن الخائن هو يهوذا الذي دل الرومان على مكانه فمكر الله به وألقى عليه شبه المسيح وأما الكذاب فهو بولس الذي لوث اسم المسيح ونسب إليه ما لم يقله وأضل الملايين من بعده. وأما المسيح الآخر الذي تتحدث عنه المخطوطات فهو الذي سوف تشرق شمسه على كل العالم لتبدد الظلمات وسوف تكون كلماته كوحي السماء وسوف يحكم سيفه على جميع العالم وسوف يُرسل لجميع أبناء عصره ويمحو الجيل الذي بعث فيه الشر من العالم وسوف يختلق الناس الأكاذيب عنه[110] وقد وردت له ولأصحابه صفات كثيرة في هذه المخطوطات تنطبق على النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويمكنك أن تقرأ في هذه المخطوطات بنفسك فهي موجودة في العديد من المكتبات العامة ومترجمة للعربية والإنجليزية وموجود فصول منها على الانترنت.
وأما الاكتشاف الثاني فهو مكتبة كاملة من الكتابات المسيحية القديمة عثر عليها في نجع حمادي (Nag Hammadi Library ) بمصر وهي موجودة الآن بالمتحف القبطي في القاهرة ومن ضمن محتويات هذه المكتبة إنجيل توماس (توما) وهو يحوي سردا لأقوال المسيح عليه السلام وإنجيل فيليب وإنجيل الحق وإنجيل المصريين، إلى جانب بعض كتابات منسوبة للحواريين، مثل كتاب جيمس- يحمس في المصرية - وبعكس الأناجيل الأربعة المعروفة فلم يرد أي ذكر لقصة الصلب المزعومة في مكتبة نجع حمادي بل ورد تكذيب صريح لها. ومحتويات هذه المكتبة أيضا مترجمة ومتاحة للباحثين ومن أمثلة ما ورد في إنجيل بطرس على لسان بطرس (رأيته يبدو وكأنهم يمسكون به فقلت ما هذا الذي أراه يا سيد هل هو أنت حقا من يأخذون؟ أم أنهم يدقون قدمي ويدي شخص آخر قال لي (المخلص) من يدقون المسامير في يديه وقدميه هو البديل فهم يضعون الذي بقي فيّ شبهه في العار انظر إليه وانظر إلىّ) وتدل الرسومات الموجودة على أغلفة مجلدات هذه المكتبة على أن المسيحيين الأوائل في مصر كانوا يتخذون مفتاح الحياة الذي يرمز لخلود الروح عند المصريين القدماء كرمز للمسيح عليه السلام وليس الصليب الروماني المعروف الآن ومن يذهب إلى المتحف القبطي في القاهرة يجد أن مفتاح الحياة هو الصليب الوحيد الذي يرمز لقيامة المسيح خلال القرون الثلاثة الأولى للميلاد. ولم تستخدم الكنائس المسيحية الصليب الروماني إلا منذ النصف الثاني من القرن الرابع عندما أصبحت كنيسة روما مسيطرة على الحركة المسيحية، ومع هذا فإن ذلك الصليب لم يصبح مقبولا لدى عامة المسيحيين إلا بعد أن أعلنت الكنيسة الرومانية عن العثور في مدينة القدس على ما قيل إنه الصليب الخشبي الذي مات عليه يسوع. ثم تطور الأمر بعد ذلك- خلال القرن الخامس- عندما وضعت الكنيسة الرومانية صور لجسد المسيح على الصليب الخشبي.[111]
إذا عدنا إلى الكتاب المقدس الموجود بين أيدي الناس اليوم -على اختلاف نسخه - وأخذنا ننظر في متنه وجدنا عجبا بدءا من التناقضات الصارخة بين رواية مؤلفي هذا الكتاب للأحداث والقصص الخيالية التي نسجت عن المسيح بل عن الله عز وجل التي لا يمكن أن يقبلها عقل والكلام الفاحش الذي يتناول الجنس والنساء بصورة خارجة عن الحياء ونسبة جميع الخطايا للأنبياء بدءا من شرب الخمر والسرقة حتى الزنا والكفر بالله عز وجل مما أدى لظهور علم كامل في الغرب يعرف بعلم نقد الكتاب المقدس[112] يعتمد على إجراء البحوث العصرية والمقارنة بين النسخ والمخطوطات الموجودة لمعرفة الأخطاء الموجودة في هذا الكتاب والتي أوصلها بعضهم إلى ما يزيد عن 20 ألف خطأ[113]!!
وإذا أردت أمثلة فأول هذه الاختلافات التي تلفت النظر هي التباين الصارخ في سلسلة نسب المسيح بين إنجيلي متى ولوقا فهما مختلفان اختلافا يصعب الجمع بينهما سواء في عدد أجداد المسيح أو في أسمائهم ومثال ذلك عندما وصلت السلسلة إلى داود عليه السلام جعل متى المسيح من ولد سليمان الملك بينما جعله لوقا من ولد ناثان بن داود وهما أخوان ولا يعقل أن يكون المسيح من ذرية أخوين!! ثم إذا تأملت في سلسلة متى ستجد أنه ذكر للمسيح أربع جدات هن ثامار وراحاب وراعوث ووزوجة داود التي كانت لأوريا الحثي ولكل واحدة من هؤلاء الأربع سوءة تذكرها التوراة، فأما ثامار فهي التي ولدت فارص-وهو مذكور ضمن أجداد المسيح- زنا من والد أزواجها الذين تعاقبوا عليها واحداً بعد واحد. (انظر قصتها مع يهوذا في التكوين 38/2 - 30). وأما زوجة أوريا الحثي فهي التي تتهم التوراة - زوراً - داود بأنه فجر بها، فحملت، ثم دفع داود بزوجها إلى الموت، وتزوجها بعد وفاته. (انظر القصة الكاذبة في صموئيل (2) 11/1 - 4). وأما راحاب زوجة سلمون، وأم بوعز، وكلاهما من أجداد المسيح - حسب متى -، فراحاب هي التي قال عنها يشوع: "امرأة زانية اسمها راحاب" (يشوع 2/1)، وذكر قصة زناها في سفره. وأما راعوث فهي راعوث المؤابية والتوراة تقول: "لا يدخل عموي ولا مؤابي في جماعة الرب، حتى الجيل العاشر" (التثنية 23 / 3). ولحسن الحظ هذه المرة فإن المسيح ليس داخلاً في هذا الطرد من جماعة الرب، إذ هو الجيل الثاني والثلاثون لها[114]. فهل يعقل أن يكون المسيح عليه السلام ولد زنا؟؟! إن اعتقاد بطلان هذه القصص الكاذبة أهون بكثير من اعتقاد أن أجداد المسيح زناة. لكن الأدهى من ذلك وأمرّ هو أن كلا من الإنجيلين بدلا من أن ينسب المسيح إلى مريم عليها السلام نسبه إلى يوسف النجار!! أي أن هذه السلسلسة الطويلة من النسب هم أباء وأجداد يوسف النجار وليسوا أباء المسيح فما هي علاقة المسيح بيوسف النجار؟؟ ترى هل خاف كاتبا الإنجيل من اليهود فنسبا إلى مريم ما كان اليهود يرمونها به زورا وبهتانا فجعلوا المسيح من ذرية يوسف النجار؟؟
ولا يقف التناقض بين الأناجيل عند نسب المسيح ولكن الاختلافات بينها تشمل أسماء تلاميذ المسيح الإثنى عشر إذ يقدم العهد الجديد أربع قوائم للتلاميذ الاثني عشر تختلف كل واحدة عن الأخرى في متى (10/1 - 4)، ومرقس (3/16)، لوقا (6/14) وأعمال (1/13). وكذا تشمل الاختلافات رواية أحداث كثيرة تروى عن المسيح بل وتجد التناقض على لسان المسيح نفسه فمثلا تجد في متى (11: 14) المسيح يقول عن يحيى أنه إيلي وفي يوحنا (1: 19-28) يحيى ينكر أنه إيليا وفي إنجيل متى 16: 18-19 سمى المسيح سمعان بطرس وأعطاه مفاتيح ملكوت السموات وقال له كل ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السماوات، وكل ما تحله على الأرض يكون محلولاً في السماوات بينما في نفس الصفحة قال له "اذهب عني يا شيطان .أنت معثرة لي"16: 23 ويذكر يوحنا أن المسيح قضى ثلاثة أعياد فصح في نبوته بينما تذكر الأناجيل الثلاثة الأخرى أن المسيح مارس النبوة عاما واحدا …إلى غير ذلك من عشرات بل مئات الاختلافات الصارخة في نصوص العهد القديم والجديد على السواء مثل التناقضات بين روايات حادثة الصلب المشار إليها آنفا فهل يا ترى يوحي الله بكلام يناقض بعضه بعضا؟ حاشاه وكلا. إذا لابد أن هذه الروايات هي من كلام بشر يخطئون ويصيبون ويتعصبون ويتقلبون وأما أن يأتوا بكلام مقدس من عند أنفسهم فهذا ما لا يستطيعون! كل هذه التناقضات دعت الأب كاننجسير Kannengiesser أستاذ معهد باريس الكاثوليكي في كتابه الإيمان بالقيامة وقيامة الإيمان[115] أن يقول ما معناه: " لا ينبغي اعتبار روايات الأناجيل حقائق لإنها نصوص مكتوبة تبعا للمناسبة أو نتيجة نضال جماعات متصارعة تسعى كل منها لإنفاذ نظرتها " وذكر الأب روجيت Roguet من باريس أيضا في كتابه مقدمة للأناجيل كلاما مثل هذا [116] وأما عن النبؤات الكاذبة التي لم يحدث أي منها إلى الآن فلم يبخل مؤلفو العهد الجديد بها ومن أظهرها نبوءة المسيح في (متى 24:29-34) بأن القيامة ستحدث في حياة الجيل الذي كان معه وقد مضى أكثر من أربعين جيلا ولم تقم القيامة!!
وأما عن نسبة النقائص لله عز وجل فالكتاب المقدس قد صور الرب تبارك وتعالى بصوراً لا تليق أبداً بجلاله سبحانه وتعالى، ووصفه بأقبح الصفات . فمثلا تجد في سفر صموئيل الثاني [22: 9 ] أن الرب له أنف يخرج منه دخان وله فم يخرج منه نار (كتنين ضخم) يقول كاتب السفر: (عندئذ ارتجت الأرض وتزلزلت. ارتجفت أساسات السماوات واهتزت لأن الرب غضب. نفث أنفه دخانا، ونار آكلة من فمه، جمر اشتعلت منه . .) بينما يجعل صاحب سفر ناحوم [1: 3 ]السحاب غبار رجل الله!!! يقول (طريق الرب في الزوبعة والعاصفة، والغمام غبار قدميه) أما صاحب سفر العدد فإنه يصف الرب بأنه (يجثم كأسد، ويربض كلبوة). [24: 9]!! ولا يختلف مؤلف المزمور كثيرا عن أصحابه فإنه شبه الرب تبارك وتعالى بأنه ينام ويسكر ويصرخ عالياً من شدة الخمر فيقول في [78: 65] ((فاستيقظ الرب كنائم كجبار معيط من الخمر يصرخ عالياً من الخمر)) (تعالى الله عما يصفون) إلى غير ذلك من نصوص العهد القديم التي تجعل الرب يصارع الإنسان بل ويُهزم ويتعب وينسى ويغار ويبكي ويحزن ويندم لإنه خلق الإنسان - التكوين [6: 5 ] وأما في العهد الجديد فإن صاحب سفر رؤيا يوحنا يجعل الله في صورة خروف له سبعة قرون وسبع أعين (هؤلاء سيحاربون الخروف والخروف يغلبهم لأنه ربُّ الأرباب وملك الملوك [17: 14 ])!! ويتحدث العهد الجديد أيضا بسوء أدب عن الله قائلا "الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله" (كورنثوس (1) 2/10). وينسب الكتاب المقدس لله الأمر بالزنا والسرقة فأول ما يبدأ به هوشع سفره يقول: "أول ما كلم الرب هوشع قائلاً: اذهب خذ لنفسك امرأة زانية وأولاد زنى لأن الأرض قد زنت زنى" فهل يعقل أن يكون هذا الكلام وحي من عند الله؟ أما المسيح عليه السلام فلم يسلم أيضا من سوء أدب مؤلفي العهد الجديد المجهولين ولم يقف الافتراء إلى جعل المسيح من ذرية زناة ولكنهم ذكروا أن الشيطان قد أخذ المسيح عليه السلام لكي يختبره وصعد به فوق قمة جبل-(متى 1:1-15)!! فهل يمكن أن يكون المسيح نبيا ثم يكون للشيطان سلطان عليه؟[117] فماذا لو كان إلها أو ابنا للإله؟!! كما اتهموا المسيح أيضا بشرب الخمر - وهو ما يخالف تعاليم التوراة - في قوله لليهود: "جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب. فيقولون: هوذا إنسان أكول وشريب خمر، محب للعشارين والخطاة" (متى 11/9). واتهموه بقسوة القلب فينقل لوقا عن المسيح أمراً غريباً قاله للجموع التي تتبعه: "إن كان أحد يأتي إلي، ولا يبغض أباه وأمه وأولاده وإخوانه حتى نفسه أيضاً فلا يقدر أن يكون تلميذاً" (لوقا 14/26 - 27) وتبع رجل المسيح ثم جاءه يستأذنه ليدفن أباه، فيذكر متى أن المسيح نهاه وقال: "اتبعني. ودع الموتى يدفنون موتاهم" (متى 8/22)، واستأذنه تلميذ آخر في وداع أهله، فلم يأذن له (لوقا 9/61-62) وجعلوه يتبرم من قضاء حوائج الناس فتقرأ في متى "تقدم إليه رجل جاثياً له، وقائلاً: يا سيد ارحم ابني، فإنه يصرع ويتألم شديداً، ويقع كثيراً في النار، وكثيراً في الماء. وأحضرته إلى تلاميذك، فلم يقدروا أن يشفوه. فأجاب يسوع، وقال: أيها الجيل غير المؤمن الملتوي. إلى متى أكون معكم. إلى متى احتملكم. قدموه إليّ ههنا. (متى 17/14-16)، وقصة مثلها في (متى 15 /22 - 28). ونسبوا إليه اتهام الأنبياء قبله بأنهم سراق ولصوص في قوله: "جميع الذين أتوا قبلي هم سراق ولصوص. ولكن الخراف لم تسمع لهم" (يوحنا 10/7-12)..- وقد طال السباب المنسوب للمسيح تلاميذه وخاصته، فقد قال لتلميذيه اللذين لم يعرفاه: " أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء" (لوقا 24/25)، ومن عجائب العهد الجديد أنه يعتبر المسيح ملعوناً فيقول: "المسيح افتدانا من لعنة الناموس، إذ صار لعنة لأجلنا، لأنه مكتوب: ملعون كل من علّق على خشبة" (غلاطية 3/12)، ولا تقف البذاءة عند ذلك فلم تسلم أعراض الأنبياء السابقين أيضا من التهم الشنيعة والجرائم البشعة. فقد جعل العهد القديم نبي الله نوح عليه السلام يشرب الخمر ويسكر ويتعرى!! سفر التكوين [9: 20 ] ونبي الله لوط يزني بابنتيه!! سفر التكوين [19: 30 ] . نبي الله داود يزني بزوجة جاره ويدبر مؤامرة دنيئة ضده اغتاله فيها!!!سفر صموئيل الثاني [11: 2 ] نبي الله هارون يكفر ويدعو اليهود إلى عبادة العجل!!وهذا في سفر الخروج [32: 2] ونبي الله سليمان يخالف وصايا الرب ويتزوج من نساء الأمم اللاتي يغوين قلبه لآلهتهن فيكفر في أواخر حياته ويعبد الأوثان!! سفر الملوك الاول [11: 1] فهل هؤلاء الذين اصطفاهم الله على خلقه وشرفهم لحمل رسالته يمكن أن يكونوا كذلك؟ هل يمكن أن يكون كذلك من قال عنهم القرآن {وَجَعَلْنَاهُم أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}؟؟ وهل يعقل أن يرتكب الأنبياء الذين اختارهم الله هذه الفواحش ويكون البابوات الذين تختارهم الكنيسة معصومين؟ وهل يمكن أن نأمن قوما رموا مريم العذراء عليها السلام بالزنا وهي تحيا بينهم على أعراض أنبياء ماتوا من مئات السنين؟؟ وكأي كتاب قليل البضاعة فقير المحتوى يراد له أن يروج بين العامة ويحقق أعلى الأرباح فيطعمه مؤلفه ببعض الكلام الجنسي الذي يخاطب في الإنسان غريزته لا عقله أو كأي مجلة لم تعد تجد ما تجذب به قارئها إلا أن تصدر صفحاتها بصور فاضحة قام مؤلفو العهد القديم بوضع السفر سيء السمعة الذي طالما أحرج الكنيسة بمحاولة تفسيره وتبرير وجوده في كتاب يفترض أن يكون مقدسا وهو سفر نشيد الإنشاد. هذا السفر الذي لم يكد يترك جزءا من جسد المرأة إلا وتغزل به وشبب به يدعي أصحاب الكتاب المقدس أن الله أوحاه إلى نبيه سليمان فمثلا في إنشاد (7/1-4) تقرأ: "ما أجمل رجليك بالنعلين يا بنت الكريم! دوائر فخذيك مثل الحلي صنعة يدي صناع. سرتك كأس مدورة لا يعوزها شراب ممزوج. بطنك صبرة حنطة مسيجة بالسوسن. ثدياك كخشفتين توأمي ظبية. "فهل يمكن أن يكون هذا الكلام الذي يستحي الرجل أن يُقرئه أبناءه وحيا من عند الله؟؟[118] هذا بخلاف قصص الزواني والعاهرات وزنا المحارم والعري والخيانة التي يحفل بها الكتاب المقدس ولولا خشية الإطالة وتدنيس صفحات هذه الرسالة لنقلت لك ما يندى له الجبين من ذلك ولكن هذه بعض الإشارات ويمكنك أن ترجع إليها بنفسك حزقيال [23: 19 ] , حزقيال [16: 35 ] , هوشع [1: 2 ] , صموئيل الثاني [12: 11 ] , إشعياء [20: 2 ] ,، اشعيا [3: 16 ] , القضاة [16: 1 ] , راعوث [3: 4 ] , لملوك الأول [1: 1، 3 ] , التكوين [38: 13 ] , حزقيال [23: 1 ].
أما عن الأخطاء العلمية والتاريخية في الكتاب المقدس (إن كنت ما زلت تعتقد أنه مقدس) فحدث ولا حرج. فيذكر سفر التكوين مثلا مرة أن الله خلق النباتات والحيوانات أولاً ثم خلق الإنسان بعد ذلك التكوين (1: 20 - 27) ومرة أخرى أن الله قد خلق الإنسان أولاً ثم خلق الأشجار والحيوانات . التكوين (2: 7، 19) وهذا الخطأ يعرفه علماء اللاهوت. ويذكر العهد القديم أيضا أن ولادة إبراهيم كانت في القرن العشرين من بداية الوجود الإنساني وبالتحديد في عام 1948 من بداية الخليقة وبتقدير الفترة بين إبراهيم وعيسى عليهما السلام من نصوص العهد القديم سنجد أن عمر البشرية على ظهر الأرض لم يتجاوز 6 ألاف سنة فقط!! في حين أن هذا بخلاف المسلم به من أن حضارات قامت قبل 5 ألاف سنة من الميلاد حيث عثر على مصنوعات بشرية تعود لأكثر من خمسة آلاف سنة قبل الميلاد. وعثرت بعثة جامعة القاهرة على آثار بشرية في منطقة الفيوم ترجع لعشرات الآلاف من السنين . وتذكر دائرة المعارف البريطانية أن الآثار الإنسانية في فلسطين ترجع لمائتي ألف سنة، وصدق الله العظيم إذ يؤكد أن البشرية ضاربة جذورها في التاريخ قروناً طويلة، فيقول: ﴿ وَعَاداً وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً ﴾.
ومن الأخطاء العلمية زعم التوراة أن الأرض مسطحة، ولها زوايا موافقة بذلك المستوى العلمي السائد حين كتابتها، فتقول: "قد جاءت النهاية على زوايا الأرض الأربع (حزقيال 7/2).[119] ويمكنك الحصول على المزيد من الأمثلة من كتاب العالم الفرنسي المسلم موريس بوكاي دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة[120] فهل بعد كل ذلك يقول قائل أن القرآن اقتبس من التوراة والإنجيل؟؟
هذا كله بخلاف الزيادات الطفيفة أو التعديلات أو الإضافات التي ما زالت في تغير وتحريف مستمر كلما ترجم الإنجيل أو نسخ أو طبع طبعة جديدة منذ كتبت الأناجيل أول مرة وإلى اليوم ويمكنك ببساطة التأكد من ذلك بمراجعة نسختين من الكتاب المقدس بينهما فترة زمنية كافية أو مختلفتين في اللغة إذا كنت تجيد كلا اللغتين.[121]
فإذا علمنا كل هذا لا نستغرب إذاً أن يقول دكتور W.Graham Scroggie وهو أحد أبرز المنصرين في العالم من معهد Moody Bible Institute في كتابه "هل الكتاب المقدس كلام الله؟ "نعم إن الكتاب المقدس من وضع البشر، بالرغم من إنكار البعض (من المسيحيين) لِهذا القول من قبيل الحماسة وليس عن علم، فقد خطت أقلام البشر هذه الأسفار بعباراتهم، بعد أن خطرت على عقولهم، فصدرت بأسلوب البشر وتحمل صفاتهم. " ا.ه.[122]
يتبع