قال الامام محمد ابن عبد الوهاب : «الْحَنِيفِيَّة َ مِلَّةُ إِبْرَاهِيمَ أَنْ تَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ»،
******
الحنيفية ملة إبراهيم ، وهي أن تعبد الله مخلصا له الدين ،
وهي التي قال الله فيها لنبيه : { ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا } .
فالحنيفية هي الملة التي فيها الإخلاص لله وموالاته ، وترك الإشراك به سبحانه .
والحنيف هو الذي أقبل على الله ، وأعرض عما سواه ،
وأخلص له العبادة ؛ كإبراهيم وأتباعه،
وهكذا الأنبياء وأتباعهم .
وبذلك أمر الله جميع الناس وخلقهم لها ؛
فأمرهم بالتوحيد والإخلاص ، وخلقهم ليعبدوه ،
وأمرهم بأن يعبدوه وحده في صلاتهم ، وصومهم ، ودعائهم ، وخوفهم ، ورجائهم ، وذبحهم ، ونذرهم ، وغير ذلك من أنواع العبادة ، كله لله ،
كما قال تعالى : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُواْ إِلَّا إِيَّاهُ } ،
وقال : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ،
وقال سبحانه : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ } .
هذه العبادة هي التي خلق لها الناس ، خلق لها الثقلان
وهي توحيد الله ، وطاعة أوامره ، واجتناب نواهيه ،
قال تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونَ } :
يعني يوحدوني في العبادة ، ويخصوني بها ، بفعل الأوامر ،
وترك النواهي إلى غير ذلك من الآيات .
وأعظم ما أمر الله به التوحيد .
وهو إفراد الله بالعبادة فتقصده بالعبادة دون كل من سواه ،
فلا تعبد معه صنما ولا نبيا ولا ملكا ولا حجرا ولا جنيا ولا غير ذلك .
أَعْظَمُ مَا نَهَى عَنْهُ الشِّرْكُ
، وَهُوَ: دَعْوَةُ غَيْرهِ مَعَهُ
؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالى: {وَاعْبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوْا بِهِ شَيْئاً}
وقوله أن تعبد الله وحده مخلصًا له الدين،
العبادة إذا دخلها الشرك أفسدها، كالحدث إذا دخل الطهارة أبطلها، ولكن إذا كان الشرك هو الشرك الأكبر فإنه يحبط جميع العبادات،
قال تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:65] {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:88]
وإذا كان من أنوع الشرك الأصغر فغايته أن يحبط العمل الذي قارنه الرياء، ولا يحبط جميع أعماله الأخرى التي أخلص فيها لله
قال: «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصًا»،
ومعنى (مخلصًا): أي أن تكون عبادتك لله خالصة،
ومعنى خالصة: أي صافية نقية، ليس فيها شائبة شرك ولا رياء ، بل هي صافية لله تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
وإذا أردت أن تعرف معنى الإخلاص في لغة العرب فاقرأ قول الله تعالى في سورة النحل، سورة النِّعم، اقرأ قوله جَلَّ وَعَلَا: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا للشاربين
(خالصًا): أي صافيًا نقيًا، هذا معنى الخالص.
﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ ، وقوله: ﴿أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ أي الصافي النقي.
والعبادة لا تكون مقبولة من العبد إلا إذا كانت لله خالصة،
قال ربنا عَزَّ وَجَلَّ في الحديث القدسي: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" ، أي أنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا يقبل العمل إلا إذا كان صافيا نقيا خالصًا لم يُرَد به إلا الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ-﴿وَمَا خَلَقْتُ﴾ -الخَلقُ فعله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قال: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ﴾ أي لم أُوجد الثقلين إلا لغاية بيّنها سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بقوله: ﴿إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾.
وقد جاء عن ابن عباس -رَضَيَ اللهُ عَنْهُ- وغيره أن كل أمر بالعبادة في القرآن أمر بالتوحيد.
فمعنى قوله: ﴿إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ أي إلا ليوحدون في العبادة، ليخصوني بالعبادة، لا يعبدوا معي غيري، ليفردوني في العبادة.
وقوله: ﴿إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ العبادة فعل العبد، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعل في العبد مشيئة، وهداه النجدين؛ طريق الحق وطريق الضلال، قال تعالى: ﴿فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ﴾ ، فقوله: ﴿إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ أي إلا ليقوموا بعبادتي، هذا الذي خلقهم لأجله.
لكن هل كلهم فعل ذلك الذي خُلِقوا له؟
الجواب: لا، ولهذا قال في آية أخرى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ﴾ .
قال: « فَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّ اللهَ خَلَقَكَ لِعِبَادَتِهِ؛
فَاعْلَمْ أَنَّ الْعِبَادَةَ لا تُسَمَّى عِبَادَةً إِلا مَعَ التَّوْحِيدِ»؛
وهذا أصل لا بد أن يعرفه كل مسلم، كما قال ابن عباس رضى الله عنه
أنه قال: "كل أمرٍ بالعبادة أمر بالتوحيد"،
لأن العبادة لا تكون عبادة إلا بالتوحيد.
الأعمال التي يمارسها كثير من الناس؛ يسألون الله ويسألون الأحجار، يعبدون الله ويعبدون القباب والأحجار والأشجار وغيرها، هل هذا الذي خُلقوا لأجله؟ هل هذا المعني بقوله: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ
كلاَّ،
هذا ليس عبادة وإنما هو شرك.
العبادة لا تكون عبادة إلا مع التوحيد.
لذلك مثل الامام محمد ابن عبد الوهاب بمثال يوضح ذلك
قال: «فَاعْلَمْ أَنَّ الْعِبَادَةَ لا تُسَمَّى عِبَادَةً إِلا مَعَ التَّوْحِيدِ،
كَمَا أَنَّ الصَّلاةَ لا تُسَمَّى صَلاةً إِلا مَعَ الطَّهَارَةِ»؛
لو أن إنسانا صلى؛ ركع وسجد وأتى بأعمال الصلاة من أولها إلى آخرها وهو على غير طهارة، هل يقال له صليت أو يقال له لم تصل؟ الجواب يقال له لم تصلى
فالذي يصلي بغير طهارة كأنه ما صلى، صلاته وجودها وعدمها سواء،
لأن الصلاة لا تكون صلاة إلا مع الطهارة،
كذلك العبادة لا تكون عبادة إلا مع التوحيد،
فإذا كانت العبادة قائمة على التوحيد كانت عبادة صحيحة مقبولة.
وإذا كانت العبادة ولو كانت كثيرة أمضى فيها الإنسان حياته ودهره إذا لم تكن قائمة على التوحيد، فإنها كلها تذهب سدى وتضيع هباء ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا﴾ ، ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ .
فهذا أصل عظيم يجب على كل مسلم أن يعلمه؛
العبادة لا تكون عبادة إلا مع التوحيد، كما أن الصلاة لا تكون صلاة إلا بالطهارة،
فمن عبد الله بغير التوحيد فهو مشرك بالله، لا يقبل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عبادته،
ومن عبد الله عَزَّ وَجَلَّ بالصلاة من غير طهارة لم يقبل الله منه صلاته، وجود صلاته وعدمها سواء.
فهذا الأصل العظيم يجب على كل مسلم أن يعتني به؛
ويعرف
أَعْظَمُ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ التَّوْحِيدُ
، وَهُوَ: إِفْرَادُ اللهِ بِالْعِبَادَةِ
، وَأَعْظَمُ مَا نَهَى عَنْهُ الشِّرْكُ
، وَهُوَ: دَعْوَةُ غَيْرهِ مَعَهُ
والشرك في العبادة مثل السّم في الطعام،
إذا وُضع السّم في بعض الطعام أفسد الطعام كله وأتلفه أجمعه،
ومَن الذي يقبل طعامًا وُضع في بعضه سمّ؟ السّم يسري في الطعام كله ويفسده كله.
العبادة لا تكون إلا مع التوحيد؛ بأن يكون العبد موحدًا لله جَلَّ وَعَلَا،
مخلصا في عبادته كلها،
وهذا يعني أن تكون صلاتك لله، و، ذبحك لله، نذرك لله ، دعاؤك تتوجه به إلى الله، توكلك على الله، رجاؤك من الله، خوفك من الله، كل العبادات لا تصرف شيئا منها إلا لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ ، ﴿أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ ، ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ ، والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا.
قال:« فَإِذَا دَخَلَ الشِّرْكُ فِي الْعِبَادَةِ فَسَدَتْ؛ كَالْحَدَثِ إِذَا دَخَلَ فِي الطَّهَاَرِة »؛
الشرك إذا دخل في العبادة فسدت كالحدث إذا دخل في الطهارة
، الإنسان إذا كان على طهارة، توضأ وأصبح طاهرا ثم أحدث هل تبقى طهارته على ما هي عليه وقد أحدث؟
الجواب: لا،
والشرك كذلك إذا دخل في العبادة أفسدها مثل الحدث إذا دخل على الطاهر فإنه يفسد طهارته ويحتاج أن يتطهر من جديد.
وهذا الشبه بين الطهارة من الحدث والطهارة من الشرك جاء الإشارة إليه في قوله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾؛ قيل في معناها: طهر نفسك من الشرك ومما ينقض الدين ويفسد الإيمان، وقيل في معناه: طهر ثيابك من النجاسة الحسية.
(طهر ثيابك) يتناول الطهارة المعنوية والطهارة الحسية ﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)﴾ ؛ أي الأصنام، وعبادة غير الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
قال: « فَإِذَا دَخَلَ الشِّرْكُ فِي الْعِبَادَةِ فَسَدَتْ؛ كَالْحَدَثِ إِذَا دَخَلَ فِي الطَّهَاَرِة » المثال الذي ذكره المصنف مثال يُجلِّي هذا الأمر تجلية واضحة،
الذي يعرف مكانة الطهارة في الصلاة ثم يُقدِم أن يصلي وعليه حدث؟
اسأل عامة المصلين، اسأل من يصلي وقد عرف أن صلاته لا تُقبل إلا بالطهارة، هل من عرف ذلك إذا توجه للمسجد ثم أحدث في الطريق هل يستمر في سيره للمسجد أو يبحث عن مكان ليتطهر ثم يدخل يصلي طاهرا؟ هذا أمر معروف.
الأمر تماما في باب العبادة،
العبادة لا تكون عبادة مقبولة إلا إذا خلصت ونُقيَّت وسَلِمت من الشرك، فإذا دخل الشرك في العبادة أفسد العبادة وأتلفها.
قال: « فَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّ الشِّرْكَ إِذَا خَالَطَ الْعِبَادَةَ أَفْسَدَهَا، وَأَحْبَطَ الْعَمَلَ، وَصَاَر صَاحِبُهُ، مِنَ الْخَالِدِينَ فِي النَّارِ؛ عَرَفْتَ أَنَّ أَهَمَّ مَا عَلَيْكَ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ »؛ أي معرفة الشرك، لماذا تعرفه؟
الشرك إذا دخل في العبادة أفسدها، جعلها حابطةً باطلةً غير مقبولة،
إذن يجب علينا أن نَعرف الشرك أو لا يجب؟ يجب علينا أن نعرف الشرك، من أجل ماذا؟ من أجل عبادتنا لله خالصة ليس فيها شيء من الشرك،
فيجب الحذر من الشرك
عَرَفْتُ الشَّرَّ لاَ لِلشَّرِّ ... لَــكِـــنْ لِـتَــوَقِّـيـ ـــهِ
فَمَنْ لَمْ يَعْرِفِ الشَّرَّ ... مِنَ النَّاسِ يَقَعُ فِيـهِ
إذا لم يعرف الإنسان الشرك وحقيقته ربما دخل الشرك في جوانب من عبادته فأفسدها وهو في قرارة نفسه لا يزال يظن أنه من أهل التوحيد ومن أهل لا إله إلا الله؛ بينما قد أدخل على نفسه أعمالاً من الشرك تفسد عمله وعبادته وتحبط دينه.
ولهذا كان واجبًا على كل مسلم أن يعرف الشرك من أجل أن يحذره، وأن يكون خائفًا على نفسه من الوقوع في الشرك.
وتأمل دعوة إمام الحنفاء إبراهيم الخليل عَلَيْهِ السَّلَامْ قال: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ﴾ ،
فإذن يجب على المسلم أن يعرف الشرك من أجل أن يحذره، كما أنه يجب عليه أن يعرف التوحيد من أجل أن يُحققه ويكون من أهله.
قال: « فَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّ الشِّرْكَ إِذَا خَالَطَ الْعِبَادَةَ أَفْسَدَهَا، وَأَحْبَطَ الْعَمَلَ، وَصَاَر صَاحِبُهُ، مِنَ الْخَالِدِينَ فِي النَّارِ»،
قوله: «وَأَحْبَطَ الْعَمَلَ» يدل عليه قول الله في القرآن:
﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ) -أي وحده- (وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ (66)﴾
، فالشرك إذا دخل العبادة أفسدها وأحبط العمل، وصار صاحبه من المخلدين في النار، لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء﴾ .
« عَرَفْتَ أَنَّ أَهَمَّ مَا عَلَيْكَ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ»
أي معرفة الشرك لتوقِّيه ومعرفة التوحيد لتحقيقه.
قال: « لَعَلَّ اللهَ أَنْ يُخَلِّصَكَ مِنْ هَذِهِ الشَّبَكَةِ »
وانظر هذا الوصف العجيب للشرك، الشرك: شبكة،
الشبكة لها خيوط كثيرة ممتدة الأطراف هنا وهناك وإذا لامس الإنسان شيئا من خيوط هذه الشبكة ابتُلي بها وأمسكته وصار من أهلها.
الشرك شبكة له خيوط، له فروع كثيرة، له أنواع كثيرة، له أبواب عديدة، منها الشرك الاكبر ومنها ما هو داخل فى الشرك الاصغر فالشرك الاكبر محبط لجميع الاعمال والشرك الاصغر محبط للعمل المقارن
فإذا عرفت أن الشرك أخطر شيء وأنه إذا دخل العبادة أفسدها أو أبطلها، وجب عليك أن تكون على معرفة بالشرك حتى تكون منه على حذرٍ وتوقٍّ وبُعدٍ عنه.
و يفيدك ايضا قول المصنف بقوله: «هَذِهِ الشَّبَكَةِ» أن الشرك له انواع وطرق من خلالها يُصطاد الناس ويخرجون عن الإخلاص في العبادة لله تَبَارَكَ وَتَعَالَى إلى الوقوع في شبكة الشرك، والعياذ بالله.
قوله -رحمه الله-: « لَعَلَّ اللهَ أَنْ يُخَلِّصَكَ مِنْ هَذِهِ الشَّبَكَةِ وَهِيَ الشَّرْكُ بِاللهِ»، يتطلب منك -كما قدمت وأعيد ذلك لأهميته-:
- أن تعرف الشرك.
- وأن تكون منه على حذر.
- وان تسد كل باب يوصلك الى الشرك وتحمى حمى التوحيد
ويدعو الإنسان ربه جَلَّ وَعَلَا أن يخلِّصه من الشرك،
كما فى دعاء ابراهيم عليه السلام واجنبنى وبنى ان نعبد الاصنام
قال: «وَهِيَ الشِّرْكُ بِاللهِ، الَّذِي قَالَ الله تَعَالَى فِيهِ:
﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء﴾ ». وهذه وردت في موضعين من سورة النساء،
وقد توعَّد -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- المشرك الذي يموت على الشرك ويلقى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مشركا
بأنه لا يغفر له، بل يعذبه في النار ويخلده فيها أبد الآباد،
ولا مطمع له في رحمة الله أبدًا إذا مات على الشرك بالله
، ولهذا قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ﴾ ،
فالكافر المشرك يُدخَل يوم القيامة النار ويُخلَّد فيها أبد الآباد، ولا يُخفف عنه من عذابها، لا يُخفف العذاب! بل إنه يزيد،
ولهذا قال جَلَّ وَعَلَا في سورة النبأ: ﴿فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَابًا﴾ ،
ولهذا قال بعض المفسرين إن أشد آية على أهل النار
هي قول الله تعالى: ﴿فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَابًا﴾،
لأنهم عندما يدخلون النار لا يزال عندهم بعض الآمال،
من الآمال أن يُعادوا إلى الدنيا مرة ثانية ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ﴾ ،
من الآمال أن يُقضى عليهم فيموتوا ويَسلموا من هذا العذاب ومن هذه الشدائد،
ومن الآمال أن يُخفَّف عنهم العذاب ولو قليلا
ثم يأتيهم هذا الأمر الذي يقطع عليهم كل الآمال
﴿فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَابًا﴾، أي لن تنالوا في النار إلا زيادة العذاب،
لا ينقطع ولا يُخفف ولا يُقضى على أهله فيموتوا،
بل لا يزالون في العذاب أبد الآباد مخلَّدين في نار جهنم
فيجب على العبد أن يكون على غاية الحذر من هذا الشرك الذي هو أعظم ما نهى الله سُبْحْانَهُ وَتَعَالَى عباده عنه.
لذلك اول الاوامر واهم الواجبات وأولى الاولويات عبادة الله وحده وأولالنواهى النهى عن الشرك. ﴿فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ : هذا أول شيء نهى الله عنه في القرآن الكريم.