بسم الله الرحمن الرحيم

انتشر مقطع فيديو على الشبكة لشخص يدّعي فيه أنّ مذنّبا اكتشف حديثا هو سبب في حدوث الزلازل الضخمة التي حصلت العام الماضي مثل زلزال اليابان, وأن المذنّب حين يكون في استقامة مع الشمس والأرض يحدث زلزال عظيم في الأرض, وأنّه أُخبر ( بضم الألف ) أنّ زلزالا سيقع في 25 سبتمبر 2011 تنخسف له الصين وأندنوسيا ونيوزلندا وغرب أمريكا آلخ, وذلك نتيجة لتعامد المذنب وكونه على مسافة قريبة من الأرض.

وقد تصاعد الجدل حول المقطع المذكور بعد أن قام بعضهم بوضع ترجمة له, وأصبح الناس بين مصدّق يحسب أنّ كلام الرجل علمي, ومكذّب يرى أنّه من باب ادعاء علم الغيب وأنّه مجرد دجل, وقد خرج علماء من وكالة ناسا مرارا لينفوا بصورة قاطعة وجود أي خطر من هذا المذنب لأنه - بالإضافة لصغر حجمه - لا يعد سببا علميا في حدوث الزلازل, والتي تحدث بسبب أسباب علمية معروفة ليس من بينها التغيرات التي تكون في الفضاء.


وصاحب المقطع يدّعي أنّ وكالة ناسا متآمرة مع آخرين يستغفلون كل الناس ويخبئون عنهم الحقائق منذ القدم, بل حتى الأديان قديمها وحديثها هي مجرد اختراع من أولئك الذين يستغفلون الناس, وهذا الكلام الأخير عن تكذيب الأديان لم يرد في المقطع المنتشر على المواقع العربية, بل هو موجود في المحاضرة الكاملة.

ومن الأشياء التي لفتت انتباهي مما لم يرد في المقطع المختصر, أن هذا الشخص تنبّأ بوقوع فيضانات تغمر المدن الساحلية بما في ذلك لندن وغيرها في نهاية أغسطس وبداية سبتمبر, وهو ما لم يقع وكذب !

كما لفت انتباهي أنّه تلعثم في أثناء كلامه, فتمتم بكلمات غير مفهومة وكأنّه يستغيث بأحد !

وتبيّن لي من زيارة موقع هذا الشخص أنّه يسوّق لكتبه في موقعه ( له هدف تجاري ), كما أنّه يعرّف بنفسه بأنّه كاهن يتنبأ بالمستقبل, ومن طرقه في ذلك قراءة الكروت, ويدّعي أنّه خبير بمصر القديمة, وأنّ نبوءاته بدأت منذ صغره ( 14 عاما ), ولكنّه يدّعي في نفس الوقت أنّه يعتمد على الأدلة العلمية والجيولوجية وحقائق الفلك, ويبدو أنّ هذا الجزء الأخير لاستغفال أولئك الذين لا يؤمنون بالكهانة ويميلون للكلام الذي يروّج بادّعاء المنهجية العلمية.

ومن الملفت أيضا أنّه رسم أثناء المحاضرة نجمة داود ليوضّح شيء يتعلق ببناء الأهرام وعلاقتها المزعومة بالفلك, حيث كان يشرح أنّها بنيت لتعكس أشكال معينة تحذيرا من وقوع حوادث مستقبلية عند وجود هذه الأشكال في السماء, ثم سارع للقول بأنّ النجمة غير مقصودة وعلى المشاهد أن يتخيّل الرسم على هيئة ثلاثية الأبعاد !

ومن خلال ما سبق - مع أنّي لم أستقصي في قراءة موقع الرجل ومحاضراته واكتفيت بما سبق لوضوحه - فإنّه يتضح جليا أنّه لا يجوز الاستماع لمثل هذا الرجل - ونحوه ممن يدعون علم الغيب والمعرفة بأحداث تتعلّق بمذنّبات كنيبرو وإلينين وغيرها - أو تتبع كلامهم كما يصنع البعض هذه الأيام, فإنّ هؤلاء دجالون ليس لديهم علم تجريبي صحيح وإن لبسوا على البسطاء بادّعاءاتهم التي لا تثبت عند التحقيق, وحقيقة الشخص الذي انتشر مقطعه هذه الأيام أنّه من طواغيت الكهانة, والواجب الكفر به وتحذير من اغترّ به.

يقول الدكتور ناصر الأحمد: " والتنجيم، هو أساس صناعة الفلاسفة والدهرية، فإنهم يعتقدون أن للنجوم تأثيراً وتصرفاً، وأنه يمكن التعرف بحركاتها وأبراجها وسيرها في السماء على ما يحصل في الأرض من الحوادث ومن السعود والنحوس، والأفراح والأحزان، وهذا هو شرك قوم إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -، فإنهم كانوا يعبدون النجوم، ويعتقدون تأثيرها عليهم، وأنه يمكن معرفة ما سيحصل للإنسان بتعلم منازل الفلك وأبراج النجوم، وهذا شرك خواص المشركين، كما قال ابن القيم: وهو أقوى السببين في الشرك الواقع في العالم، فبنى لها عابدوها الهياكل والتماثيل والأصنام، فعبدوا الأصنام لزعمهم أنها متصلة بالنجوم والكواكب التي يعبدونها، قال ابن القيم -رحمة الله عليه -: "وهذا هو شرك خواص المشركين، وأرباب النظر منهم، وهو أقوى السببين في وقوع الشرك في العالم، أما السبب الثاني فهو عبادة القبور والإشراك بالأموات، وهو أول شرك على وجه الأرض، وأهل هذا الشرك هم جمهور المشركين" قال ابن القيم: "وكثيراً ما يجتمع السببان في حق المشرك يكون قبورياً نجومياً".
وقد انتشرت صناعة التنجيم في العصر الحديث انتشاراً كبيراً، وأصبح التنجيم في أغلب صورة وسيلة من وسائل ابتزاز أموال الآخرين ".

وعلم الغيب الذي يدعيه هذا الرجل هو مما استأثر الله به، ولا سبيل للخلق للاطلاع عليه. قال تعالى: { قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ } {النمل: 65}. وقال تعالى: { وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ } {الأنعام: 59}. وقال تعالى: { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ } {الجن: 25-26}. وقال تعالى مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم: { قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ } {الأعراف: 188}.

قال الشيخ عبد الرحمن البراك: " فالمنجمون من طوائف المفسدين في الأرض، ولا يجوز الذهاب إليهم ولا سؤالهم. فإن المنجم يدخل في اسم العراف، وقد قال -النبى "من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه، فقد كفر بما أنزل على محمد". فالحذر الحذر ، والواجب على المسلم أن يعتصم بالله، وأن يحقق إيمانه بربه، ولا يغتر بأولئك المضلين والمفسدين. كفى الله المسلمين شرهم وصلى الله وسلم على محمد. " انتهى كلامه

ولينتبه المسلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أتى عرّافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ) رواه مسلم, فلا ينفع من يستمع لهؤلاء دعوى أنّه لا يصدقهم وإنّما يسمع لهم فضولا.

والمسلم يدين بعقيدة التوكل على الله, وتفويض الأمر إليه سبحانه, مع علمنا بأنّ قضاء الله كله حكمة, وأنّ من كان مع الله معتصما به مستمسكا بأمره, لم تضرّه تقلبات الدنيا, وإن جرى عليه مكروه فهو مأجور مآله إلى خير, مادم صابرا محتسبا.

فلا مكان في صدر المسلم للجزع من المستقبل مادام معتمدا على من له ملك السماوات والأرض, ولا مكان عند المسلم للتواكل وترك العمل انتظارا لحلول العقوبات بأعداء الدين, بل نتربّص بهم أن يصيبهم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا, في عمل دؤوب على علم ونور وهدى من الله سبحانه وتعالى, نسأل الله أن يجعلنا كذلك.

والله أعلم, وصلى الله على نبينا محمد.

وكتبه/ طارق بن طلال عنقاوي

مكة 12 شوال 1432 هـ