سطوة الشهرة



حب الشهرة وطلبها أمر مذموم، ولا ينبغي للإنسان الواعي أن يبحث عن الشهرة، ولا أن يحرص عليها؛ فقد تكون الشهرة سببا في تعاسته في الدنيا وخسارته في الآخرة؛ فالشهرة عادة مقرونة بالرياء والسمعة، وهاتان الصفتان نهى عنهما الإسلام.
فالرياء: أن يعمل العمل ليراه الناس، والسمعة: أن يُسمع الناس عيوب غيره، وقد حذر - صلى الله عليه وسلم - من هذا كله .. بقوله: «مَن يُسَمِّعْ يُسَمِّعِ اللَّهُ به، ومَن يُرائِي يُرائِي اللَّهُ بهِ»، أي من يريد أن يفضح الناس يفضحه الله، ويكشفُ سِتْرَه في الدُّنيا ويومَ القيامَةِ أمامَ الخَلائِق، ومَن يُرَائِي فيَطلُبُ بعمَلِه غيرَ الإخلاصِ، وليتَحدَّثَ النَّاسُ به طلبًا للثَّنَاءِ والمدحِ، فاللهَ -عزَّ وجلَّ - يَجعَل ثَوابَ المرائِي وعَملَه للنَّاسِ ولا يُجازيه عليه؛ إذ اللهُ - سبحانه - لا يَقبَلُ عَمَلًا إلَّا ما كان خالِصًا لوَجهِه الكريمِ.
لذا قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ أخْوَفَ ما أخافُ عليكم الشِّركُ الأصْغَرُ»، قالوا: «وما الشِّركُ الأصْغَرُ يا رسولَ اللهِ؟» قال: «الرِّياءُ، يقولُ اللهُ -عزَّ وجلَّ لهم يومَ القِيامةِ إذا جُزِيَ الناسُ بأعمالِهم-: اذْهَبوا إلى الذين كنتُم تُراؤون في الدُّنيا، فانظُروا هل تَجِدون عِندَهُم جزاءً؟!». وقال -تعالى-: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} (الشورى: 20).
فالواجب على المسلم أن يبتعد عن الشهرة قدر المستطاع، وأن يجعل أعماله كلها في مرضاة الله، خالصة له، قال -تعالى-: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}(الكهف:110 ).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- :» كَثِيرًا مَا يُخَالِطُ النُّفُوسَ مِنْ الشَّهَوَاتِ الْخَفِيَّةِ مَا يُفْسِدُ عَلَيْهَا تَحْقِيقَ مَحَبَّتِهَا لِلَّهِ، وَعُبُودِيَّتِه َا لَهُ، وَإِخْلَاصِ دِينِهَا لَهُ، كَمَا قَالَ شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ: يَا بَقَايَا الْعَرَبِ إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرِّيَاءُ وَالشَّهْوَةُ الْخَفِيَّةُ، قِيلَ لِأَبِي دَاوُد السجستاني: وَمَا الشَّهْوَةُ الْخَفِيَّةُ؟ قَالَ: حُبُّ الرِّئَاسَةِ «أي الشهرة».
وحذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من أن يطلب الإنسان مدح الناس لنفسه بالحق أو بالباطل؛ فقال - صلى الله عليه وسلم -: «إِيَّاكُمْ وَالتَّمَادُحَ ! فَإِنَّهُ الذَّبْحُ» وقيل: «المدح يورث العجب والكبر». قال الفضيل بن عياض -رحمه الله- : «إن قدرت ألا تُعرف فافعل، وما عليك ألا تُعرف؟ وما عليك ألا يُثنى عليك؟».
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله - : «إذا دار الأمر بين أن يلمع نفسه ويظهر نفسه ويبين نفسه، وبين أن يخفيها، فحينئذ يختار الخفاء، أما إذا كان لابد من إظهار نفسه فلابد أن يظهرها، وذلك عن طريق نشر علمه في الناس، وإقامة دروس العلم وحلقاته في كل مكان».
ومع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، ظهر طلاب الشهرة بطريقة غريبة، وزاد معهم الكذب والغش والخداع، وتحولت مواقع التواصل إلى وسيلة لإشباع زيف الشهرة، ومساحة للتباهي ونشر التفاهة!
وقد وصل الحال ببعضهم إلى أن خالفوا الدين الحق؛ فزعموا أن الجنة يدخلها غير المسلم، رغم عدم إيمانه بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأن الخمر لم تحرم في القرآن، وأن الربا لم يحرم كذلك، وأن الحجاب ليس فرضا على النساء المسلمات، وأنه يمكن إعادة صياغة الدين بطريقة مناسبة، وأنه لا يجوز الصلاة جماعة بالموظفين، كذلك ذهب آخرون إلى الهجوم على علماء الأمة، وعلى الكتب المعتبرة كالبخاري! وذهبوا إلى إباحة ما هو محرم كالزنا باسم المساكنة.
فظن هؤلاء -وهم في سطوة الشهرة، والمكانة المزيفة التي هم فيها- أن ذلك يسمح لهم بالتعدي على الدين والقيم والعادات، وتحولت الشهرة إلى داء ينخر في جسم المجتمع، ومعول هدم لكل ما هو خير!



اعداد: سالم الناشي