مجسمة آمنوا بالنصوص على زعمهم وجعلوا ظاهر النص يراد به أمثلة معروفة فقالوا: يدُ الله كأيدينا وعين الله كأعيننا وسمع الله كسمعنا ونحو ذلك، زعموا أنهم آمنوا لكن آمنوا إيماناً فيه تمثيل وإذاً يكون إيمان هؤلاء الأصناف الأربعة يكون إيماناً مُدْعى ليس إيماناً شرعياً فمتى يكون الإيمان بالنصوص- نصوص الصفات – صحيحاً ؟
إذا جمع هذه الأربعة
: أن يؤمن بما وصف الله به نفسه وما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم
من غير تحريف
ولا تعطيل
ومن غير تكييف
ولا تمثيل،
فهذه القواعد الأربعة:
أن نؤمن بالنصوص ولا نحرفها,
نؤمن بالنصوص ولا نعطل الله جل وعلا أو وصفه الذي وصف به نفسه أو وصفه به رسوله،
نؤمن بالنصوص نصوص الصفات من دون تكييف لهذه الصفات بكيفيات معهودة أو غير معهودة،
نؤمن بالنصوص ولا نمثل الله جل وعلا بخلقه بل ننـزهه،
وهذا يحتاج في بيانه إلى بيان المراد بهذه الألفاظ الأربعة، ما معنى تحريف ؟ ما معنى التعطيل ؟ ما معنى التكييف؟ وما معنى التمثيل ؟.
أما التحريف؛ فأصله في اللغة: من الانحراف بالشيء عن وجهه وهو صرفه عن وجهه ومعناه إلى غيره, وهذا تحريف بمعنى التغيير والتبديل, فإذاً يكون معنى التحريف: التغيير والتبديل، حرَّف: أي غير وبدل, قال جل وعلا عن اليهود: { من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه }, قال المفسرون إن معنى قوله: { يحرفون الكلم عن مواضعه } يعني: يحرفون ما أنزل عليهم عن معانيه اللائقة به بل يخترعون له معاني من عندهم, وسمى الله جل وعلا هذا منهم تحريفا. قال: { من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه }, والتحريف في نصوص الصفات معناه أن تغير وتبدل ألفاظها أومعانيها عن ظواهرها, فإذا صُرف ظاهر النص عن معناه اللائق به فإن هذا سواء أكان في اللفظ أو في المعنى فإن هذا تحريف؛ لأنه تغيير وتبديل، قال العلماء: التحريف من حيث هو في تعلقه بنصوص الصفات أو بغيره يكون في اللفظ وفي المعنى, والتحريف في اللفظ: إما بزيادة أو نقصان، أو بتغير حركة إعرابية أو بغير تغيير حركة إعرابية, والتحريف في المعنى: يكون بتغيير معنى الكلمة عن معناها المعروف في لغة العرب تحريف بزيادة، تحريف في اللفظ بزيادة كما فعل اليهود فإن الله جل وعلا أخبر عنهم بقوله: { فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم }, قيل لهم: قولوا حطة, فقالوا حبة في شعرة, غيروا اللفظ بزيادة بل غيروه من أصله, أو بزيادة كما روي أنهم قالوا: حنطة بزيادة النون, كذلك فعل المعتزلة والجهمية و الأشاعرة ونحوهم حينما فسروا معنى استوى على العرش بقولهم: استولى { الرحمن على العرش استوى } قالوا: استولى، فهذا تحريف في اللفظ بزيادة حرف, فإن كلمة استوى ليس فيها حرف اللام, زادوا اللام فغيروا المعنى، استوى جعلوا معناها استولى, ومعنى استوى المعروف في اللغة: علا وارتفع.
كذلك قد يكون بنقص في اللفظ ويَنقص يُنقص اللفظ يكون نقصاً في اللفظ, وقد يكون بتغيير حركة إعرابية في النص من مثل ما قال جهمي لأبي عمرو بن العلاء أحد القراء والنحاة والعلماء المتحققين بالسنة قال له جهمي: يا أبا عمرو ألا تقرأ { وكلم اللهَ موسى تكليما }. { وكلم اللهَ }هذا تغير، حركة إعرابية، لأن القراءة: {وكلَّم اللهُ موسى تكليما ً}, فالله جل جلاله هو فاعل الكلام وموسى في الإعراب مفعول به،كلم اللهُ موسى، أراد أن يغير يحرف بتغيير حركة إعرابية فقال: ألا تقرأ: { وكلم اللهَ موسى تكليماً }. يعني: أن له وجهاً في العربية عند هذا القائل؛ لأن موسى الحركة لا تظهر في آخره فإذا قرئ: { وكلم اللهَ موسى }يكون المكلِّم هو موسى والمكلَّم هو الله جل جلاله، وقال له أبو عمرو بن العلاء هبني قلت ذلك وقرأته على هذا النحو فماذا تقول في قوله تعالى: { وكلمه ربه }؛ فبُهت.
هذا من نوع تغيير حركة إعرابية، تغيرت الحركة وهذا ربما لجأ إليه كثير من الذين يزعمون أن عندهم علما بالنحو منهم لكن مع ظهور العلم وقوته بطل ذلك منهم، قد يكون تحريف بغير حركة إعرابية، يعني لا فيه زيادة في اللفظ ولا نقصان لا فيه تغيير حركة إعرابية، يكون تحريف للفظ بغير هذه الأنحاء بغير حركة إعرابية كمثل هذا الذي قلت،في قوله: { وكلم الله موسى } أراد أن يجعل موسى المكلِّم فهو حرَّف فغير موسى من كونه مفعولاً به إلى كونه فاعلا هذا ما دلت عليه حركة إعرابية، من غير حركة إعرابية كذلك يدخل في هذا الذين يحرفون الكلام فيجعلونه بمعنى آخر لفظ له معنى يجعلون له معنى آخر. مثلاً: يجعلون قوله تعالى:{ لما خلقت بيدي }, { وما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي },يجعلون معناه: بقدرتي، أو بقدرتي, هذا تحريف للفظ هل هو من جهة المعنى، قد جعلوا لفظ مكان لفظ، يقولون: اليد هنا هي القدرة، ليست اليد هي المعروفة أو القسم الثاني أنه تحريف من جهة المعنى، وهذا كثير كادعاء المجاز في آيات الصفات وكتأويل النصوص على غير ما دلت عليه لغة العرب، مثلاً: يأتون لقول الله جل وعلا: { الرحمن الرحيم }, فيقولون: الرحمة هي إرادة الإحسان, هذا تحريف للرحمة عن معناها, تغيير لها عن معناها, بأي شيء؟ بالأخذ بالمجاز, والأخذ بالمجاز في نصوص الصفات باطل, ومن أصول أهل الضلال في الصفات أما في غير الصفات يعني في اللغة من غير دخوله في الصفات فهو خلاف أدبي مع أن الصحيح عند المحققين أنه لا مجاز أصلاً.
هنا يدخل في المحرفة الذين حرفوا الكلم عن مواضعه، يدخل فيهم الجهمية أول ما يدخل؛ لأن أصل التحريف إنما جاء من جهة الجهم من جهة جهم بل من جهة الجعد بن درهم قبله بل من جهة اليهود؛ لأن هذه المقالة أخذها الجعد عن اليهود لأنهم هم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، وكان أول ما بدأ التحريف حين نفي اتصاف الله جل وعلا بالكلام فقال إن قوله: { وكلم اللهُ موسى تكليماً } أي: جرحه بأظافير الحكمة تجريحاً فليس من جهة الكلام وإنما من جهة التجريح ({كلم } أي: جرح من الكلْمِ وهو الجرح, هذا أول ما بدأت فنفوا صفة الكلام تسلسل ذلك فإذن يدخل فيه أولاً: الجهمية, والجهمية يحرفون من جهات:
أولاً: الأسماء الحسنى والصفات العلا, هم يقولون بها في القرآن لكن يجعلون تفسيرها بمخلوقات منفصلة, فصفة الله عند الجهمية هي الوجود المطلق فقط غيره من الأسماء الحسنى:السميع البصير الحي القيوم العليم الحكيم يفسرها الجهمية بمخلوقات منفصلة يعني: السميع هو من يُسمع، البصير هو من يبصر، المتكلم هو من يتكلم يعني مخلوقات الله جل وعلا المنفصلة، العزيز هو من أعز أو من عز، القيوم هو من أقيم أو من قام وهكذا.
فيجعلون هذه الأسماء تعلقت بالخلق من آثار صفة الله عندهم الوجود، فعندهم الوجود عام، يدخل فيه المعتزلة؛ فإن المعتزلة حرّفوا, حرّفوا الغيبيات جميعاً في الصفات والأسماء في الأمور الغيبية، عذاب القبر في الميزان, الحوض, الصراط ونحو ذلك, جميع الأمور الغيبية صرفوها حرفوها عن معانيها وهكذا، يدخل فيه أيضاً الأشاعرة فإنهم يحرفون.
هل كل تحريف يعد كفراً؟
الجواب: ليس كل تحريف يعد كفراً فإن أهل السنة لم يكفروا الذين فسروا استوى باستولى، فإن كان التحريف في جميع الصفات كفعل الجهمية فإن هذا يعد كفراً والجهمية عندهم كفار؛ لأنهم حرّفوا ونفوا صفات الله جل وعلا, إن كان التحريف في بعض الصفات رؤي ما هذه الصفة؟ فإن كانت الدلالة عليها ظاهرة ولا يحتملها وجه، يعني ليس للتأويل فيها مدخل، هنا يُكفر به،كتكفير من نفى رؤية الله جل وعلا، وتكفير من جعل كلام الله جل وعلا مخلوقاً أما غيره مما قد يكون لقائله عذر في تأويله فإنه لا يقال بكفره, ولهذا أهل السنة والجماعة لم يكفروا الأشاعرة والماتريدية والكلابية والسالمية والكرامية وأشباه هؤلاء.
( ولا تعطيل ) , هذه اللفظة الثانية, والتعطيل أصله في اللغة من عطل يعطل تعطيلاً، وهو عُطْل إذا كان خالياً، يقال: هذا مكان معطل إذا كان خالياً ليس فيه شيء، ويقال أيضاً في المرأة: جيدها معطل إذا كان خالياً من الحلي,
ومنه قول الشاعر في وصف امرأة أو في وصف جيد امرأة. يقول:
وجيد كجيد الريم ليس بفاحش ....... إذا هي نصته ولا بمعطل
بمعطل يعني: خال من الحلي فهذا أصله،
فإذا ًالإخلاء هذا هو التعطيل، ومعنى قول الله جل وعلا: { وبئر معطلة } أي: خالية من الماء؛ لأنه لم يستفد منها أو لم تحفر ويُعتنى بها لإخراج الماء، تعطيل النصوص، تعطيل الصفات، تعطيل الله جل وعلا عن صفاته، هذه بمعنى إخلاء الله جل وعلا عن الوصف عن أوصافه يعني نفي الصفات وجعل الله جل وعلا ليس متصفا بالصفات، والتعطيل عند العلماء أقسام أشهرها ثلاثة، وهي:
أولاً: تعطيل المخلوق عن خالقه، يعني إخلاء المخلوق عن أن يكون مخلوقاً بنفي أن يكون ثَمَّ خالق له كقول الملاحدة.
الثاني: تعطيل الخالق عن أوصافه التي وصف بها نفسه أو وصفها بها رسله.
الثالث: تعطيل الخالق عن استحقاقه العبادة وحده لا شريك له.
والأول بحثه في توحيد الربوبية، والثاني بحثه في توحيد الأسماء والصفات، والثالث بحثه في توحيد الألوهية فإذاً التعطيل دخل فيه أنواع التوحيد.
فإذا كان تعطيلاً للمخلوق عن الخالق صار ذلك نفياً لتوحيد الربوبية، إذا كان تعطيلاً للخالق لله عن أوصافه صار تعطيلاً ونفياً للأسماء والصفات، إذا كان تعطيلا للخالق عما يستحقه من عبادته وحده دونما سواه صار تعطيلاً في الألوهية،
هنا المقصود الثاني إذاً المقصود بالتعطيل أن يُعطل اللهُ جل وعلا عن أوصافه، يعني أن يصف نفسه بصفة، أن يصفه رسوله صلى الله عليه وسلم بصفة فيخلى اللهُ جل وعلا من هذه الصفة يعني كأن لم يصف نفسه بذلك الوصف وكأن لم يصفه رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك الوصف، فإنَّ وصف الله جل وعلا نفسه جلبٌ لهذه الصفة له جل وعلا لنعلمها لأننا لم نعلم أنه جل وعلا متصف بهذه الصفة فأخبرنا الله بأنه متصف بهذه الصفة، فصار إثباته جل وعلا لنفسه هذه الصفة، هذا زيادة علم عما كان عندنا من قبل فإذا نفيت صار ذلك إخلاء لله جل وعلا عن الوصف، فصار تعطيلاً، فإذن يدخل في المعطلة الذين ينفون وصف الله جل وعلا بكل الصفات كفعل الجهمية، ويدخل فيهم الذين ينفون أوصاف الله جل وعلا غير الثلاث صفات المشهورة، وهي عند المعتزلة، كذلك يدخل فيه الذين يعطلون الله جل وعلا عن الاتصاف بغير سبع الصفات المشهورة عند الكلابية ومن تبعهم من الأشاعرة والماتريدية، وهذا باب واسع يأتي إن شاء الله تفصيله.
فإذن كل من لم يصف الله جل وعلا بما وصف به نفسه بأن حرَّف أو أوَّل، أخلى الله جل وعلا عن الوصف اللائق به كما أخبر، منع الأخذ بظواهر النصوص فإن هذا يُعدُ تعطيلاً، أهل السنة يخالفون المبتدعة الذين يعطلون.
فإذن إيمان المعطل بالنص، هل هو حقيقة أم دعوى؟
هو دعوى؛ فالأشعري والماتريدي والمعتزلي والإباضي والرافضي وأشباههم، يقولون: نؤمن بالنصوص لكنهم يعطلون النصوص عن معانيها ويجعلون هذه المعاني للنصوص في الصفات راجعة إلى الأوصاف التي يثبتونها, فالجهمي: يُرجع كل صفة إلى صفة الوجود, بجعل الأوصاف والأسماء أثرا لصفة الوجود, المعتزلي: يجعل الصفات والأسماء من آثار الصفات الثلاث التي يثبتها, الأشعري والماتريدي والكلابي: يجعل كل صفة راجعة إلى الصفات السبع التي يثبتها، فمثلاً: صفة النـزول لله جل وعلا ينفيها أولئك فالأشعري يفسرها, يقول: نؤمن بأنه ينـزل لكن نزوله ليس نزولاً حقيقياً وإنما هو نزول الرحمة, نزول الإجابة، إجابته جل وعلا للداعين في هذا الوقت المتأخر من الليل، فهم يجعلون الصفة راجعة إلى الصفات التي يثبتونها، فالرحمة مثلاً عندهم: إرادة الإحسان، لما؟ لأنهم يجعلون من الصفات السبع صفة الإرادة. الغضب عندهم: إرادة الانتقام،لم؟ لأن الإرادة عندهم من الصفات السبع وهكذا فكل صفة يعطلونها عن معناها الذي دلت عليه اللغة،يقولون نؤمن بالنص
لكن نجعل هذه الصفة معناها أحد الأوصاف السبعة التي أثبتناها. وهذه الأوصاف السبعة لإثباتهم لها، وسبب ذلك مزيد تفصيل يأتي في مكانه إن شاء الله تعالى من هذه الرسالة المباركة.
قال: ( ومن غير تكييف ) هنا لاحظ أنه كرر ( من غير )، (من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل)، والسبب في ذلك أن التحريف والتعطيل متقاربان، وكذلك التكييف والتمثيل متقاربان، لكن التكييف والتمثيل غير التحريف والتعطيل فالتكييف والتمثيل يدخل فيه المجسمة, والتحريف والتعطيل يدخل فيه المعطلة, ولهذا قال العلماء: المعطل يعبد عدماً، والمجسم يعبد صنماً, لما؟ لأنه جسم, تخيل إلهه على نحو ما فعبد هذا المتخيل، فصار المتخيل صورة فصار صنماً, أما المعطل فيعبد عدماً؛ لأنه يعبد إلهاً ليس له صفة أو ليس له أسماء أو نعوت فهو يعبد عدماً، فإذا كان لا يصف الله بشيء فهذا يعبد العدم المحض كفعل الجهمية وهكذا.
قال: (من غير تكييف)، التكييف من كيّف الشيء يكيفه تكييفاً إذا جعل له كيفية. والتكييف معناه أن يجعل لصفة الله جل وعلا كيفية, قد تكون هذه الكيفية معلومة المثال وقد لا تكون معلومة المثال، مثلاً: يجعل اتصاف الله جل وعلا باليد على مثال يعلمه يجعل الكيفية على نحو ما، يقول مثلاً: الله جل وعلا استوى على العرش،كيفية الاستواء كذا وكذا، قد يكون يكيفها بما عهد فيكون تمثيلاً وقد يكيفها بشيء خيال في ذهنه فيعد تكييفاً من غير مثال، ما المقصود هنا بهذا الموضع بالتكييف, لما عطف عليه التمثيل بالواو والواو تقتضي المغايرة؟ دل على أنهم يريدون بالتكييف، التكييف على غير مثال معلوم يعني يخترع له كيفية لا مثال لها وإن كان التمثيل يدخل في التكييف لكنه لما عطف بالواو علمنا أنه يريد بالتكييف غير التمثيل، وأن التمثيل له وصف والتكييف له وصفه، فكيف يكون التكييف؟، مثلاً:يتخيل صورة ليد الله جل وعلا،يتخيل صورة لاستواء الله جل وعلا،يتخيل صورة وحالاً لنـزول الله جل وعلا، يتخيل صورة لغضب وحالاً لغضب الله جل وعلا، هذا كله تكييف، يعني جعل للصفات كيفية، وهذا هو التكييف الذي سلكه طائفة من المجسمة، لأن المجسمة على قسمين: مجسمة مكيفة, ومجسمة ممثلة،
منهم مجسمة مكيفة جعلوا لله جل وعلا كيفية اخترعوها في أذهانهم ليس لها مثال ومنهم من جعله جل وعلا جسماً على مثال يعلمونه مثل مخلوق أو نحو ذلك، هذا معنى التكييف، ونفيه لا شك أنه من أعظم المعلومات التي يعلمها المؤمن أنه إذا وصف الله جل وعلا يصفه بصفة يؤمن بمعناها ولا يعلم كيفيتها،ولهذا قرر الإمام مالك هذه القاعدة، آخذاً لها من قوله جل وعلا: { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير }, فقال لمن سأله عن الاستواء: ( الاستواء معلوم والكيف غير معقول ) , وهذه أثبت من الرواية الأخرى التي فيها: ( الكيف مجهول والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة ) الاستواء معلوم يعني في اللغة: معلوم المعنى وأن معنى الاستواء العلو والارتفاع، والكيف غير معقول لا تعقل لا تُعقل كيفية استواء الله جل وعلا فإيمان المؤمن باستواء الله جل وعلا إيمان معنى لا إيمان كيفية؛ لأنه إيمان بما دل عليه ظاهر اللفظ أما الكيفية فإن قلب المؤمن قد انقطعت علائقه، انقطع طمعه، وانقطع طلبه للدرك والإدراك لكيفية الاتصاف فإن هذا لا يعلمه إلا الله جل وعلا، وهذه قاعدة تقولها في كل صفة، إذا قيل لك كيف النـزول؟ قلت: النـزول معلوم، والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، كيف غضب الله جل وعلا؟، تقول: الغضب معلوم والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة. كيف الاستواء؟، كيف الرضا؟، كيف الأسف؟،كيف الرحمة؟،كيف المجئ؟، كيف الإتيان؟، ونحو ذلك كل هذا، هذه معلومة المعنى لكن كيفياتها غير معقولة.
قال هنا: ( ولا تمثيل ) التمثيل: من مثل يمثل تمثيلاً، إذا جعل للشيء مثالاً، وقد ذكرت لك أن التمثيل في الأصل نوع من التكييف، لكن هنا أفرده فصار قسيماً للتكييف، صار التكييف شيئاً والتمثيل شيئاً آخر، فما المراد بالتمثيل؟ أن يجعل لصفة الله جل وعلا مثالاً يعلمه، يجعل اتصاف الله جل وعلا باليد على نحو اتصاف المخلوق بها، يجعل اتصاف الله جل وعلا بالغضب على نحو اتصاف المخلوق به، يجعل اتصاف الله جل وعلا بالنزول على نحو اتصاف المخلوق به, ولهذا تجد أن كل معطل ممثل؛ لأنه لم يعطل إلا وقد استحضر التمثيل قبل أن يعطل فإذا سألت المعطل الذي نفى لما عطلت؟ لم قلت في النزول تنزل رحمة الله؟ لِمَ لم تقل ينزل الله كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الذي هو أعلم الخلق بربه؟ قال: هذا غير معقول، هذا يستحيل كيف ينـزل؟! هذا يقتضي التشبيه فهو استحضر أو ظن أن ظاهر النص هو التمثيل فمثّل أولا ثم نفى ثانياً, ولهذا يقول العلماء: كل محرف أو معطل لنصوص الصفات فقد مثل وعطل فالممثل والمكيف خير من المعطل؛ لأنه إنما وقع في شر واحد وبدعة واحدة وهي التمثيل والتكييف أما المعطل المحرف النافي للصفات فقد مثل باطناً ثم عطل ظاهراً، قام بقلبه بالتمثيل أن الله جل وعلا في هذه الصفة مثل المخلوق كيف يد الله جارحة!! يتكلم بحرف وصوت، معنى ذلك يلزم اللسان واللهاة... إلى آخره فاستحضر التمثيل يعني ظن، فهم من النص أنه يدل على التمثيل فمثل ثم بعد ذلك نفي هذا وعطل. نسأل الله جل وعلا العافية.
قال هنا: (ولا تمثيل)، ولهذا التمثيل من فعل المجسمة، كذلك التكييف من فعل المجسمة، والمجسمة والمعطلة أعداء لأهل السنة والجماعة؛ لأن أهل السنة والجماعة يؤمنون بالنصوص، لا يمثلون ولا يجسمون ولا يعطلون ولا يحرفون، بل يثبتون النصوص على ما دلت عليه كما سيأتي بيان ذلك في عقيدتهم في نصوص الصفات التي سيسوقها شيخ الإسلام رحمه الله جل وعلا الواسعة عليه.