في المغني لابن قدامة ط إحياء التراث (8/ 134):
فَصْلٌ: وَلَوْ كَانَتْ عَلَيْهَا حِجَّةُ الْإِسْلَامِ، فَمَاتَ زَوْجُهَا، لَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ فِي مَنْزِلِهَا وَإِنْ فَاتَهَا الْحَجُّ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ فِي الْمَنْزِلِ تَفُوتُ، وَلَا بَدَلَ لَهَا، وَالْحَجُّ يُمْكِنُ الْإِتْيَانُ بِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْعَامِ.
وَإِنْ مَاتَ زَوْجُهَا بَعْدَ إحْرَامِهَا بِحَجِّ الْفَرْضِ، أَوْ بِحَجِّ أَذِنَ لَهَا زَوْجُهَا فِيهِ، نَظَرْت؛ فَإِنْ كَانَ وَقْتُ الْحَجِّ مُتَّسِعًا، لَا تَخَافُ فَوْتَهُ، وَلَا فَوْتَ الرُّفْقَةِ، لَزِمَهَا الِاعْتِدَادُ فِي مَنْزِلِهَا؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ، فَلَمْ يَجُزْ إسْقَاطُ أَحَدِهِمَا، وَإِنْ خَشِيَتْ فَوَاتَ الْحَجِّ، لَزِمَهَا الْمُضِيُّ فِيهِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَلْزَمُهَا الْمُقَامُ وَإِنْ فَاتَهَا الْحَجُّ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ، فَلَمْ يَجُزْ لَهَا أَنْ تُنْشِئَ سَفَرًا، كَمَا لَوْ أَحْرَمَتْ بَعْدَ وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا. وَلَنَا، أَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ اسْتَوَيَا فِي الْوُجُوبِ، وَضِيقِ الْوَقْتِ، فَوَجَبَ تَقْدِيمُ الْأَسْبَقِ مِنْهُمَا، كَمَا لَوْ كَانَتْ الْعِدَّةُ أَسْبَقَ؛ وَلِأَنَّ الْحَجَّ آكَدُ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ، وَالْمَشَقَّةُ بِتَفْوِيتِهِ تَعْظُمُ، فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ كَمَا لَوْ مَاتَ زَوْجُهَا بَعْدَ أَنْ بَعُدَ سَفَرُهَا إلَيْهِ.
وَإِنْ أَحْرَمَتْ بِالْحَجِّ بَعْدَ مَوْتِ زَوْجِهَا، وَخَشِيَتْ فَوَاتَهُ، احْتَمَلَ أَنْ يَجُوزَ لَهَا الْمُضِيُّ إلَيْهِ؛ لِمَا فِي بَقَائِهَا فِي الْإِحْرَامِ مِنْ الْمَشَقَّةِ، وَاحْتُمِلَ أَنْ يَلْزَمَهَا الِاعْتِدَادُ فِي مَنْزِلِهَا؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ أَسْبَقُ؛ وَلِأَنَّهَا فَرَّطَتْ وَغَلِطَتْ عَلَى نَفْسِهَا، فَإِذَا قَضَتْ الْعِدَّةَ، وَأَمْكَنَهَا السَّفَرُ إلَى الْحَجِّ، لَزِمَهَا ذَلِكَ، فَإِنْ أَدْرَكَتْهُ، وَإِلَّا تَحَلَّلَتْ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ، وَحُكْمُهَا فِي الْقَضَاءِ حُكْمُ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهَا السَّفَرُ، فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمُحْصَرِ، كَاَلَّتِي يَمْنَعُهَا زَوْجُهَا مِنْ السَّفَرِ. وَحُكْمُ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ كَذَلِكَ، إذَا خِيفَ فَوَاتُ الرُّفْقَةِ أَوْ لَمْ يُخَفْ).
وسؤالي: هل إذا دفعت المرأة مصاريف الحج ومات زوجها قبل السفر بأيام، وكان مسافرًا معها، تدخل في الضرورة ويجوز لها السفر مع أحد من محارمها؟