عيد أضحى مبارك
تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: الدروس المستفادة من معاهدات النبي صلى الله عليه وسلم

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,933

    افتراضي الدروس المستفادة من معاهدات النبي صلى الله عليه وسلم

    الدروس المستفادة من معاهدات النبي صلى الله عليه وسلم





    أبو حاتم عبد الرحمن الطوخي


    المقدِّمة

    أبو حاتم عبد الرحمن الطوخي


    الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد في الآخرة والأولى، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله بعثه بالهدى، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وتركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله الأصفياء، وأصحابه الأتقياء، والتابعين الأمناء، ومن تبعهم بإحسانٍ وسار على نهجهم من العلماء والنجباء. أما بعد؛
    "فإن خير ما يتدارسه المسلمون، ولا سيما الناشئون والمتعلمون، ويُعنَى به الباحثون والكاتبون دراسة السيرة المحمدية؛ إذ هي خيرُ مُعلم ومُثقّف، ومُهذب ومُؤدِّب، وأصل مدرسة تخرّج فيها الرعيل الأول من المسلمين والمسلمات، الذين قلّما تجود الدنيا بأمثالهم.
    ففيها ما ينشده المسلم، وطالب الكمال من دين، ودنيا، وإيمان واعتقاد، وعلم، وعمل، وآداب وأخلاق،وسياسة وكياسة، وإمامة وقيادة، وعدل ورحمة، وبطولة وكفاح، وجهاد واستشهاد، في سبيل العقيدة والشريعة، والمثل الإنسانية الرفيعة، والقيم الخلقية الفاضلة.
    ولقد كانت السيرة النبوية مدرسة تخرج فيها أمثل النماذج البشرية، وهم الصحابة- رضوان الله عليهم- فكان منهم الخليفة الراشد، والقائد المحنك، والبطل المغوار، والسياسي الداهية، والعبقري الملهم، والعالم العامل، والفقيه البارع، والعاقل الحازم، والحكيم الذي تتفجر من قلبه ينابيع العلم والحكمة، والتاجر الذي يحول رمال الصحراء ذهبا، والزارع والصانع اللذان يريان في العمل عبادة،والكادح الذي يرى في الاحتطاب([1]) عملا شريفا يترفع به عن التكفف والتسول، والغني الشاكر الذي يرى نفسه مستخلفا في هذا المال ينفقه في الخير والمصلحة العامة، والفقير الصابر الذي يحسبه من لا يعلم حاله غنيا من التعفف، وكل ذلك كان من ثمرات الإيمان بالله، وبرسول الله، وبهذا كانوا الأمة الوسط، وكانوا خير أمة أخرجت للناس"!!([2])
    ولقد كان السلف الصالح من هذه الأمة الإسلامية يدركون ما لسيرة خاتم الأنبياء، وسير الصحابة النبلاء، من آثار حسنة في تربية النشء، وتنشئة جيل صالح لحمل رسالة الإسلام، والتضحية في سبيلها بالنفس والمال، فمن ثمّ كانوا يتدارسون السيرة، ويحفظونها، ويلقنونها للغلمان كما يلقنونهم السور من القران، رُوي عن زين العابدين علي بن الحسين([3]) -رضي الله تعالى عنهما- أنه قال: «كنا نعلّم مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما نعلّم السورة من القران»([4])
    والإمام محمد بن مسلم بن شهاب الزهري([5]) عالم الحجاز والشام من قدماء من عُنوا بجمع السيرة، بل قيل إن سيرته أول سيرة أُلفت في الإسلام([6])، يقول: «في علم السيرة علم الدنيا والاخرة"([7])، وإنها لكلمة صدق وحق، ورُوي عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه- أنه قال: «كان أبي يعلمنا المغازي والسرايا، ويقول: يا بَني هذه شرف ابائكم، فلا تضيعوا ذكرها»([8]) نعم- والله- إنها لشرف الاباء، والمدرسة التي يتربى فيها الأبناء!!
    وهكذا هذه الكلمات كانت تعبيرا عن حقائق قائمة، ورثت تنفيذها وتطبيقها الأجيال التالية التي جعلت مكتبة السيرة النبوية عامرة مثل مكتبة السنة المطهرة، وكلاهما يتعانقان ويتداخلان. لقد كان هذا الاهتمام بالغا وشاملا ومتواصلا لأنه عبادة وللعبادة، ولمعرفة الإسلام كافة، بتطبيقاته العملية في الحياة بكل ميادينها وأمورها ومراميها.
    ولئن كان النبي صلى الله عليه وسلم بإخائه بين المهاجرين والأنصار بلغ الغاية في الحكمة والتدبير السياسة، فقد كان العمل البارع حقا الذي يدل على الحنكة السياسية والقدرة الفائقة على حل المشاكل- هو ما قام به من موادعة اليهود ومحالفتهم، فقد كتب بين المهاجرين والأنصار كتابا وادع فيه اليهود وعاهداهم وأقرهم على دينهم وأموالهم، واشترط عليهم، وشرط لهم.
    قال الإمام محمد بن إسحاق([9])" وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتابًا بين المهاجرين والأنصار، وادع فيه يهود، وعاهدهم، وأقرّهم على دينهم وأموالهم، وشرط لهم واشترط عليهم....... "([10])
    وذَكَرَ ابنُ إسحاق بنود هذه الصحيفة، وهي وإن كان ذكرها مرسلة بلا إسناد ([11])، فإنه ثبت في أحداث السيرة النبوية ما يصدق بنودها([12]).
    وقال الإمام ابن القيم([13]): ووادع([14]) رسول الله صلى الله عليه وسلم مَنْ بالمدينة من اليهود، وكتب بينه وبينهم كتابا ([15]).
    وروى الإمام مسلم([16]) في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كتب النبي صلى الله عليه وسلم على كل *بَطْنٍ ([17])عَقُولَهُ ([18]).
    قال أبو العباس القرطبي([19]) في" المفهم "([20]): (قوله: كَتَبَ *عَلَى *كُلِّ *بَطْنٍ عَقُولَهُ) أي أوجب عليهم تحمل الدية التي وجبت على من جنى منهم في الخطإ وشبه العمد وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة واستقر أمره فيها، آخى بين المهاجرين والأنصار، وصالح من كان فيها من اليهود، وميز القبائل بعضها عن بعض، وضم البطون بعضها إلى بعض فيما ينوبهم من الحقوق والغرامات، وكان بينهم دماء وديات بسبب الحروب العظيمة التي كانت بينهم قبل الإسلام فرفع الله تعالى كل ذلك عنهم وألف بين قلوبهم ببركة الإسلام وبركة النبي صلى الله عليه وسلم حتى صاروا كما قال تعالى: {{وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}}
    ومن الفوائد الجميلة ما أشار إليه الإمام القرطبي([21]) في تفسيره[22] عند قول الله تعالى: {﴿*وَطَعَامُ *ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلكِتَٰبَ حِلّ لَّكُم﴾} ([23]) قال: " وهذا نص، *وقد *عامل النبي صلى الله عليه وسلم اليهود ومات ودرعه مرهونة عند يهودي في شعير أخذه لعياله([24]). والحاسم لداء الشك والخلاف اتفاق الأمة على جواز التجارة مع أهل الحرب، وقد سافر النبي صلى الله عليه وسلم إليهم تاجرا، وذلك من سفره أمر قاطع على جواز السفر إليهم والتجارة معهم. فإن قيل: كان ذلك قبل النبوة، قلنا: إنه لم يتدنس قبل النبوة بحرام- ثبت ذلك تواترا- ولا اعتذر عنه إذ بعث، ولا منع منه إذ نبئ، ولا قطعه أحد من الصحابة في حياته، ولا أحد من المسلمين بعد وفاته، فقد كانوا يسافرون في فك الأسرى وذلك واجب، وفي الصلح كما أرسل عثمان وغيره، وقد يجب وقد يكون ندبا، فأما السفر إليهم لمجرد التجارة فمباح "
    وقد جمعت مادة هذا البحث (الدروس المستفادة من معاهدات النبي صلى الله عليه وسلم)؛ ليقف القارئ على أخلاقه صلى الله عليه وسلم في عقد بنود المعاهدات، والتعرف على سماحة الإسلام في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد عقد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم العديد من المعاهدات لإيجاد حالة من الصداقة والود وحسن الجوار مع القبائل المجاورة للدولة الإسلامية، كما عقد معاهدات السلام وترك القتال مما يعود بالنفع على المسلمين بشكل خاص وعلى البشرية عامة.
    وكانت هذه المعاهدات وسيلة فعالة لضمان السلم، وتدعيم الأمن، وتوفير حقوق الإنسان.
    ويأتي هذا لإبراز المعالم الإنسانية في معاهدات الرسول لتكون دعوة هادفة إلى ترسيخ القيم والمبادئ الإنسانية العامة، وإرساء نظريات التسامح من أجل تعايش كريم بين مختلف شعوب العالم المعاصر وأممه، وقطع الطريق على النظريات الصدامية الرامية إلى إرباك الوئام والسلام العالمي وإضرام نار الحروب بين بني البشر، وإعاقة المسيرة الكونية عن الرقي والتقدم الإنساني.
    وقد قسمت هذا الموضوع إلى: مقدمة، وتمهيد، وفصلين، وخاتمة، على النحو الآتي:
    الفصل الأول: المعاهدات في الإسلام
    المبحث الأول: تعريف المعاهدة لغة وشرعا
    المبحث الثاني: دليل مشروعية عقد المعاهدة في الشريعة الإسلامية
    المبحث الثالث: الفرق بين المعاهدة والميثاق والعقد
    المبحث الرابع: الفرق بين المعاهدة والاستئمان
    المبحث الخامس: أنواع المعاهدات في شريعة الإسلام
    الفصل الثاني: معاهدات الرسول صلى الله عليه وسلم ودورها في ترسيخ القيم والمبادئ الإنسانية العامة:
    المبحث الأول: ضوابط تنظيم المعاهدات في التشريع الإسلامي
    المبحث الثاني: نقض المعاهدات في التشريع الإسلامي
    المبحث الثالث: الحقوق المترتبة على المعاهدات
    المبحث الرابع: رعاية حقوق المعاهدين
    المبحث الخامس: الدروس المستفادة من معاهدات النبي صلى الله عليه وسلم
    خاتمة
    ([1]) الاحتطاب جمع الحطب وهو: الذي توقد به النار، من الصحاري ورؤوس الجبال. «المخصص» لابن سيده (3/ 162)، «التعريفات الفقهية» البركتي(ص18)

    ([2]) السيرة النبوية في ضوء الكتاب والسنة للشيخ محمد أبو شهبة (ص:7-8)

    ([3]) هو :علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، الهاشمي القرشي، أبو الحسن، الملقب بزين العابدين ، من سادات التابعين ، وأحد من كان يضرب بهم المثل في الحلم والورع. يقال له: " علي الأصغر " للتمييز بينه وبين أخيه " عليّ " الأكبر ، أمه سلافة بنت يزدجرد آخر ملوك فارس، ولد سنة (38 ه) ، كان يقوت نحو مئة بيت سرا، فافتقد ذلك بعد موته. وليس للحسين رضي الله عنه " السبط " عقب إلّا منه . توفي بالمدينة المنورة سنة (94 ه) انظر سير أعلام النبلاء، (4/ 386) وفيات الأعيان، (3/ 266) الأعلام للزركلي (4/ 277)

    ([4]) رواه الخطيب البغدادي في «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع » (2/ 195)

    ([5]) هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهرى ، أبو بكر المدنى ، أحد أحدُ الفقهاء والمحدثين والأعلام التابعين بالمدينة. أول من دون الحديث، وكان يحفظ ألفين ومئتي حديث ،. ولد سنة إحدى وخمسين. رأى عشرة من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم وروى عنه جماعةٌ من الأئمة، منهم: مالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، وسفيان الثوري، وكتبَ عمر بن عبد العزيز إلى الآفاق: عليكم بابن شهاب؛ فإنكم لا تجدون أحدًا أعلمَ بالسنة الماضية منه. توفي في رمضان سنة أربع وعشرين ومائة. انظر: سير أعلام النبلاء ط الرسالة (5/ 326) الأعلام للزركلي (7/ 97).

    ([6]) «السيرة الحلبية = إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون» (1/ 5)

    ([7]) البداية والنهاية (3/ 243)« السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة» (ص: 8)

    ([8]) البداية والنهاية، (3/ 242) والذكر هنا يعني: الشرف

    ([9]) هو : أبو بكر محمد بن إسحاق بن يسار المدنى ، صاحب السيرة من أقدم مؤرخي العرب ، وكان جده يسار من سبى عين التمر، رأى أنس بن مالك ، وسالم بن عبد الله بن عمر ، وسعيد بن المسيب كان ثقة ، وكان حسن الحديث،أول من دون العلم بالمدينة، وذلك قبل مالك وذويه، وكان في العلم بحرا عجاجا،له تصانيف ، منها: (السيرة النبويّة)هذبها ابن هشام،(كتاب الخلفاء) روى له: مسلم في المتابعات ، واستشهد به: البخاري، وأخرج أصحاب السنن له ، توفي في بغداد، ودفن بمقبرة الخيزران (أمّ هارون الرشيد) سنة 150 ه ويقال بعدها. سير أعلام النبلاء ط الرسالة (7/ 33) الأعلام للزركلي (6/ 28)

    ([10]) انظر: سيرة ابن هشام (2/115-118)

    ([11]) ذكرها ابن إسحاق في السيرة (2/115، 118) بدون إسناد ، ونص الكتاب: «بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من محمد النبي الأمي بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم، وجاهد معهم، أنهم أمة واحدة من دون الناس: المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط، وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، ثم ذكر كل بطن من بطون الأنصار وأهل كل دار: بني ساعدة، وبني جشم، وبني النجار، وبني عمرو بن عوف، وبني النبيت. إلى أن قال: وإن المؤمنين لا يتركون مفرحا بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء وعقل، ولا يخالف مؤمن مولى مؤمن دونه، وأن المؤمنين المتقين على من بغى منهم، أو ابتغى دسيعة ظلم أو إثم أو عدوان، أو فساد بين المؤمنين، وأن أيديهم عليه جميعهم، ولو كان ولد أحدهم، ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر؛ ولا ينصر كافرا على مؤمن، وأن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم، وأن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس. وأنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين، ولا متناصر عليهم، وأن سلم المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم، وأن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضا، وأن المؤمنين يبيء بعضهم بعضا بما نال دماءهم في سبيل الله، وأن المؤمنين المتقين على أحسن هدى وأقومه.
    وأنه لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسا، ولا يحول دونه على مؤمن، وأنه من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فإنه قود به إلا أن يرضى ولي المقتول، وأن المؤمنين عليه كافة، ولا يحل لهم إلا قيام عليه. وأنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة، وامن بالله واليوم الاخر أن ينصر محدثا ولا يؤويه، وأنه من نصره أو اواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل ، وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله عز وجل، وإلى محمد صلى الله عليه وسلم. وأن اليهود يتفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين. وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين. لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم ومواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته. وأن ليهود بني النجار وبني الحارث، وبني ساعدة وبني جشم، وبني الأوس، وبني ثعلبة، وجفنة، وبني الشّطيبة مثل ما ليهود بني عوف، وأن بطانة يهود كأنفسهم. وأنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد، ولا ينحجر على ثأر جرح، وأنه من فتك فبنفسه إلا من ظلم، وأن الله على أثر هذا.
    وأن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم، وأنه لم يأثم امرؤ بحليفه؛ وأن النصر للمظلوم؛ وأن يثرب حرام جرفها لأهل هذه الصحيفة، وأن الجار كالنفس غير مضار ولا اثم. وأنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها. وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده، فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول الله، وأن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره، وأنه لا تجار قريش ولا من نصرها. وأن بينهم النصر على من دهم يثرب، وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه، وأنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين إلا من حارب في الدين، على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم، وأنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو اثم، وأنه من خرج امن ومن قعد امن بالمدينة إلا من ظلم أو أثم. وأن الله جار لمن بر واتقى»

    ([12]) المختصر في السيرة النبوية دراسة محررة ، د. موسى العازمي(ص164) الناشر: دار ابن الجوزي ، الرياض ، ط. الثانية 1444هـ

    ([13]) هو: أبو عبد الله، شمس الدين، محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد ابن قيم الجوزية، الدمشقي، الحنبلي، ولد سنة: (691هـ)، الإمام والجبل الراسخ، والأصولي الفقيه، النحوي البياني المبرز، كان عارفًا بالتفسير لا يجارى فيه، وبأصول الدين، وإليه فيها المنتهى، وبالحديث ومعانيه وفقهه، ودقائق الاستنباط منه، لا يلحق في ذلك، وبالفقه وأصوله، وبالعربية، وله فيها اليد الطولى، وبعلم الكلام، من تصانيفه: «الفوائد»، «زاد المعاد»، توفي سنة: (751هـ). انظر: سلم الوصول إلى طبقات الفحول (3/ 61)، التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول (ص: 409).

    ([14]) سيأتي معنى الموادعة.

    ([15]) زاد المعاد في هدي خير العباد (3/79)

    ([16]) رواه مسلم ، كتاب العتق ، باب تحريم تولي العتيق غير مواليه (2/1146)حديث رقم (1507) وتمامه: ثم كتب " أنه لا يحل لمسلم أن يتوالى مولى رجل مسلم بغيرر إذنه" ثم أخبرت؛ أنه لعن في صحيفته من فعل ذلك.

    ([17]) البطن: هو ما دون القبيلة وفوق الفخذ . انظر: النهاية لابن الأثير (1/137)

    ([18]) العقول: هي الديات . انظر: النهاية لابن الأثير (3/252)

    ([19]) هو: أحمد بن عمر بن إبراهيم، أبو العباس الأنصاري القرطبي: الفقيه المحدث نزيل الإسكندرية. ولد بقرطبة سنة(578ه)، وسمع الكثير، وقدم الإسكندرية، فأقام بها يدرس ، ويعرف في بلاده بابن المزين. له مصنفات منها: "المفهم في شرح صحيح مسلم"، و"اختصار الصحيحين " توفي في ذي القعدة سنة (656ه) ينظر: تاريخ الإسلام ت بشار (14/ 796) "حسن المحاضرة" للسيوطي(1/ 457) "الأعلام" للزركلي (1/ 186)

    ([20]) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (4/ 340)

    ([21]) هو: أبو عَبْد اللّه مُحَمَّد بْن أَحْمَد بن أبي بكر بن فَرْح، الأندلسي ، القرطبي، الإِمَام، العلّامة،من كبار المفسرين جمع بين العلم والعمل ، رحل إلى الشرق واستقر بمنية ابن خصيب (في شمالي أسيوط، بمصر) له تصانيف مفيده تدلّ على كثرة اطّلاعه ووُفُور فضْله، منها: " الجامع لأحكام القرآن "،"الأسْنَى فِي الأسماء الحُسْنى "، وكتاب " التذكرة "، وتوفي في شوال سنة 671هـ . « تاريخ الإسلام» (15/ 230) "الأعلام" للزركلي (5/ 322)

    ([22] ) تفسير القرطبي (6/ 13)

    ([23]) [المائدة: 5]

    ([24]) رواه البخاري في صحيحه كتاب الجهاد والسير ،باب ما قيل في درع النبي صلى الله عليه وسلم والقميص في الحرب، حديث رقم (2916) ومسلم ، كتاب المغازي، حديث رقم (1603) ولفظه: عن *عائشة رضي الله عنها قالت: «توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه *مرهونة عند يهودي بثلاثين»







    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,933

    افتراضي رد: الدروس المستفادة من معاهدات النبي صلى الله عليه وسلم

    الدروس المستفادة من معاهدات النبي صلى الله عليه وسلم





    أبو حاتم عبد الرحمن الطوخي
    المبحث الأول: تعريف المعاهدة لغة وشرعا


    المعاهدة لغة: مصدر للفعل عاهد یعاهد فهو من باب المفاعلة وهذا الباب یدل على المشاركة بین اثنین على أن یكون أحد المتشا ركین فاعلا والآخر مفعولا من حیث اللفظ، أما من حیث المعنى فكلاهما فاعل،وكلاهما مفعول، فحینما نقول: (عاهد المسلمون الكفار) فهذا یعني أن الكفار أیضا عاهدونا وإن كان لفظ الكفار مفعولا به، والمعاهدة مشتقة من العهد؛ وذلك لأن مصدر المزید مشتق من مصدر المجرد، وفعله عهد یعهد من باب علم یعلم، جاء العهد في اللغة بمعان عدة منها[1])
    أولا: الوصیة والأمر ومنه قوله تعالى: ﴿ {*أَلَم *أَعهَد إِلَيكُم يَٰبَنِي ءَادَمَ أَن لَّا تَعبُدُواْ ٱلشَّيطَٰنَ إِنَّهُۥ لَكُم عَدُوّ مُّبِين﴾} ([2]) أي: ألم أوصكم وآمركم([3])، ویكون العهد بمعنى الوصیة عندما یعدى بـ(إلى) كما في الآیة، وتقول (عهدت إلیك أن ترعى أهلي في غیابي فلم تفعل) أي أوصیتك بذلك.
    ثانیا: الأمان، یقال دخل فلان في عهد فلان أي في أمانه.
    ثالثا: الموثق ومنه الدعاء المأثور « (وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت)» ([4]) أي أنا مقيم على ما عاهدتك عليه وواعدتك من الإيمان بك وإخلاص الطاعة لك ما استطعت من ذلك[5] ومنه ﴿ {وَأَوفُواْ *بِعَهدِ *ٱللَّهِ *إِذَا *عَٰهَدتُّم وَلَا تَنقُضُواْ ٱلأَيمَٰنَ بَعدَ تَوكِيدِهَا وَقَد جَعَلتُمُ ٱللَّهَ عَلَيكُم كَفِيلًا إِنَّ ٱللَّهَ يَعلَمُ مَا تَفعَلُونَ﴾} ([6]) (أي بمیثاقه)([7])
    رابعا: الوفاء والحِفاظ قال تعالى: ﴿ {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِینَ﴾} ([8]) أي من وفاء)([9])
    خامسا: المحالفة، ويفهم من هذا أن المتعاهدين يتحالفون على شىء([10])
    سادسا: المعاقدة، وهذا يبين المعاهدة هي عقد بين أطراف([11])
    سابعا: اليمين يحلف بها الرجل، يقول: علي عهد الله، وأخذت عليه عهد الله وميثاقه.
    " وما سبق يفهم من معنى المعاهدة: البقاء على ما تم الاتفاق عليه، والتمسك به، ويتبين أن لفظ معاهدة يستخدم غالبا لوصف ما يتم بين الناس من اتفاقات وارتباطات وعقود ومواثيق "([12])
    والمناسب للمعاهدة التي نحن بصددها من جملة هذه المعاني اللغویة هو المعنى الثالث.
    المعاهدة شرعا: ذكر الفقهاء المعاهدة في كتب الفقه الإسلامي بعبارات أخرى فهم تارة یسمونها معاهدة وتارة یسمونها مهادنة وموادعة ومسالمة.
    قال الكاساني: (الموادعة وهي المعاهدة والصلح على ترك القتال یقال توادع الفریقان أي تعاهدا على أن لا یغزو كل واحد منهما صاحبه)([13])
    وسماها الإمام النووي([14])في" روضة الطالبين "بعقد الذمة، حیث قال: الباب الثاني في عقد الذمة ویقال لها الموادعة والمعاهدة([15])
    وأیا كانت الأسماء فالمسمى واحد، والمعاهدة عرفها الفقهاء بتعریفات عدة، ومنهم من اكتفى بذكر أحكامها مستغنیا في ذلك عن ذكر تعریفه، ومن أبدع التعاریف التي وقفت علیها؛ هذه الجملة من التعاریف:
    أولا: عرفها ابن الهُمام([16]) (حنفی) بقوله: (عَقْدُ مع غیر المسلمین على ترك القتال بعوض أو غیره سواء منهم من یقر على دینه ومن لا یقر)([17])
    هذا التعریف فیه إشارة واضحة إلى أن الأصل في العلاقة بین المسلمین وغیرهم من المشركیین والوثنیین وأهل الكتاب(هي حالة الحرب ولیس السلم) حیث قال: (عقد مع غیر المسلمین على ترك القتال) فترك القتال حالة طارئة والأصل في التعامل مع الكفار هو القتال، وهذا التعمیم (سواء من یقر على دینه ومن لا یقر) فیه إشارة إلى أن المعاهدات كما تُعقد مع أهل الكتاب الذین یُقَروُنَ على دینهم مقابل أن یدفعوا الجزیة كذلك تعقد مع الوثنیین أیضا لكن الفرق واضح بین الجزیة والمعاهدة حیث تكون المعاهدة مؤقتة، والجزیة یجوز أن تكون مؤبدة.
    ثانیا: عرف الحطاب الرعيني([18])(مالكی) المعاهدة بقوله: فالأمان رفع استباحة دم الحربي ورقه وماله حین قتاله أو العزم علیه مع استقرارره تحت حكم الإسلام مدة ما ([19]).
    یُظْهِر التعریف هنا: أن الأصل في التعامل مع الكافر الحربي هو القتال ولذلك قال: (رفع استباحة دم الحربي) فحالة الحرب في الإسلام حالة طارئة؛ ولذلك یذهب بعض الفقهاء المعاصرین وهو الدكتور وهبة الزحيلي إلى أن علة القتال في الإسلام هي الحرابة ولیس الكفر؛ ولذلك لا یجوز قتال غیر المقاتلة([20]) (وهم الذین یقاتلوننا ویحملون السلاح علینا)، وقوله في التعریف (مدة ما) فیه إشارة إلى أن المعاهدة یجب أن تكون مؤقتة ولا تكون بشكل دائمي وهذا هو الفرق بین عقد الجزیة وعقد المعاهدة حیث أن عقد الجزیة یجوز أن یكون دائمیا أما عقد المعاهدة فیجب أن یكون مؤقتا؛ وذلك لأن في إدامته تعطیل لفریضة الجهاد ([21]).
    ثالثا: عرفها القاضي زكریا الأنصاري([22]) (شافعي) بقوله: (مصالحة أهل الحرب على ترك). القتال مدة معینة بعوض أو غیره وتسمى موادعة ومهادنة ومعاهدة ومسالمة)([23])
    رابعا: عرفها ابن مفلح([24]) (حنبلي) بقوله: هي عقد إمام أو نائبه على ترك القتال مدة معلومة لازمة ویسمى مهادنة وموادعة ومعاهدة ومسالمة ([25]).
    " بَیَّنَ التعریف هنا أهم فرق بین المعاهدة وعقد الأمان ألا وهو أن عقد المعاهدة لا یُعقد إلا من قبل الإمام أو نائبه فلا یجوز لآحاد الناس أن یعقد المعاهدات مع أحد وهذا بخلاف عقد الأمان الذي یجوز فیه لأي مسلم أن یعقده، كما بین التعریف أن المعاهدة تكون مؤقتة بمدة تكون معلومة(للطرفین)، وأشار التعریف إلى أن المعاهدة عقد لازم فلا یجوز نكث المعاهدة بل هي عقد ملزم للدولة التي التزمت به ویلتزم بها الحاكم والرئیس التالي وإن لم یكن هو الذي أبرمها وسیأتي تفصیل ذلك مع خلاف الفقهاء فیه ([26]).
    من الواضح أن القاسم المشترك بین كل هذه التعاریف هو خصوصیة مفهوم المعاهدة في التشریع الإسلامي حیث لا تطلق إلا على معاهدات السلام التي تكون بین المسلمین وغیرهم من الكفار.
    وأما المعاهدون، فهم الذين انعقد بيننا وبينهم عهد على السلم، فيجب علينا الوفاء بعهدهم، وأن نستقيم لهم ما استقاموا لنا، وإذا كان في بعض ذوي القوة من يحس من خصمه المعاهد تحفُّزًا إلى الخيانة، فيسبقه إليها، فإن الإسلام يوجب في حال الخوف من خيانة المعاهدين أن ننبذ لهم العهد علنًا وفي القرآن الكريم: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ﴾([27]).
    ---------------------------------------------------

    ([1]) القاموس المحيط (1/387) الفیروز آبادي ، مؤسسة الرسالة ، بیروت ،المحكم والمحیط الأعظم لابن سيده (1/120)، دار الكتب العلمية ، بيروت، لسان العرب لابن منظور (3/311) دار صادر ، بيروت

    ([2]) يس : (آية 60)

    ([3]) تفسير القرآن العظيم ابن كثیر(3/577) دار الفكر ، بیروت.

    ([4]) جزء من حديث سيد الاستغفار ، رواه البخاري ، كتاب الدعوات ، باب أفضل الاستغفار (8/67)حديث رقم (6306) عن شداد بن أوس الثقفي

    ([5] ) «أعلام الحديث» للخطابي (3/ 2236)، قال الطيبي :«وقد يكون معناه إني مقيم علي ما عاهدت إلي من أمرك ومتمسك به، ومنتجز وعدك في المثوبة، والأجر عليه. واشتراط الاستطاعة في ذلك». شرح المشكاة للطيبي » (6/ 1844)


    ([6]) النحل : (آية 91)

    ([7]) جامع البیان عن تأویل آي القرآن ، محمد بن جریر الطبري (14/164) ، دار الفكر ، بیروت .

    ([8]) الأعراف آية 102)

    ([9])- مفاتيح الغيب ، فخر الدين الرازي (14/154) دار الكتب العلمية ، بيروت

    ([10]) المصباح المنير ، الفيومي (مادة عهد ، 2/425)

    ([11]) معجم ديوان العرب ، الفارابي (2/383)

    ([12]) المعاهدات السلمية في ضوء الواقع المعاصر دراسة فقهية مقارنة ، تأليف خميس عمر المصري(ص:16)

    ([13]) بدائع الصنائع للكاساني (7/ 108).

    ([14]) هو: أبو زكريا، محيي الدين، يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حرام، النووي، الشافعي، الحزامي، الأشعري، الشيخ الإمام، العلامة، الفقيه، محرر المذهب ومُهذبه، وضابطه ومرتبه، وُلد سنة: (631هـ)، وهو أحد العباد والعلماء الزهاد، من تصانيفه: «المجموع شرح المهذب»، «شرح صحيح مسلم»، توفي سنة: (676هـ)، انظر: طبقات الشافعية الكبرى (8/395)، طبقات الشافعيين (ص: 909).

    ([15]) «روضة الطالبين وعمدة المفتين» للنووي (10/ 334)

    ([16]) هو :محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد ابن مسعود، السيواسي ثم الإسكندري، كمال الدين، المعروف بابن الهمام: إمام، من علماء الحنفية.أصله من سيواس، ولد بالإسكندرية سنة (790)هـ ونبغ في القاهرة، وأقام بحلب مدة.وجاور بالحرمين، وكان علامة في الفقه والأصول والنحو والتصريف والمعاني والبيان والتصوف وغيرها، محققا جدليا نظارا ، وكان يقول: أنا لا أقلد في المعقولات أحدا ، وكان معظما عند الملوك . وله تصانيف «فتح القدير » ، و«التحرير في أصول الفقه» و«المسايرة» في أصول الدّين، توفي بالقاهرة سنة (862)هـ. انظر: «بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة» (1/ 166): «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» (9/ 437)، «الأعلام للزركلي» (6/ 255)

    ([17]) «فتح القدير» الكمال ابن الهمام (5/462)

    ([18]) هو العلامة الشيخ شمس الدين أبو عبد الله *محمد *بن *محمد *بن *عبد *الرحمن بن حسين المعروف بالحطاب الرعيني المغربي الأصل ، المكي المولد الفقيه الأصولي الورع الصالح الجليل ، ولد بمكة واشتهر بها وتعلم بها ، له تصانيف تدل على إمامته وسعة علمه وحفظه وسيلان ذهنه ؛ منها: (تحرير الكلام في مسائل الالتزام) و(تحرير الكلام في مسائل الالتزام - ط) و(تفريح القلوب بالخصال المكفرة لما تقدم وما تأخر من الذنوب) و(مواهب الجليل في شرح مختصر خليل) عاد في أواخر حياته إلى طرابلس ومات بها سنة 954. «نيل الابتهاج بتطريز الديباج» التكروري التنبكتي السوداني، (ص592) «الأعلام للزركلي» (7/ 58)

    ([19]) « مواهب الجليل في شرح مختصر خليل» الحطاب الرعيني (3/ 360)

    ([20]) ينظر: آثار الحرب دارسة فقهية مقارنة الدكتور وهبة الزحيلي (ص121)

    ([21]) المعادة والاستئمان في الشريعة الإسلامية د. ظاهر خضر سليمان (ص 208) مجلة أبحاث الرتبية الأساسية المجلد التاسع ، العدد الثالث 2010م

    ([22]) هو: أبو يحيى، زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري المصري الشافعي، ولد سنة: (823ه)، شيخ الإسلام ، قاض مفسر، كان سلفيًّا محدِّثًا، ظهر فضله تتابعت إليه الهدايا والعطايا، كف بصره في آخر عمره، من تصانيفه: «شرح ألفية العراقي»، «شرح شذور الذهب، في النحو»، وتوفي سنة: (926ه). "سلم الوصول إلى طبقات الفحول" (2/ 113)،"الأعلام" للزركلي (3/ 46).

    ([23]) «فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب» لزكريا الأنصاري (2/ 224)

    ([24]) هو: إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد *ابن *مفلح، أبو إسحاق، *برهان الدِّين، الشيخ الإمام البحر الهمام العلامة القدوة الرحلة الحافظ المجتهد الأمة، شيخ الإسلام، سيد العلماء والحكام، ذو الدِّين المتين والورع واليقين، من قضاة الحنابلة. ولد في دمشق سنة (816 هـ) باشر القضاء في الديار الشامية نيابة واستقلالا أكثر من أربعين سنة، من محاسنه إخماد الفتن التي كانت تقع بين فقهاء الحنابلة وغيرهم في دمشق، له تصانيف: " المبدع شرح المقنع "، و" المقصد الأرشد في طبقات الحنابلة "، و" كتاب الاستعاذة "وتوفي في دمشق سنة (884 هـ). ينظر: المنهج الأحمد (5/ 186)، السحب الوابلة (1/ 60)، شذرات الذهب (9/ 507)

    ([25]) «المبدع في شرح المقنع» برهان الدين ابن مفلح (3/ 359)

    ([26]) المعادة والاستئمان في الشريعة الإسلامية د. ظاهر خضر سليمان (ص 209) مجلة أبحاث الرتبية الأساسية المجلد التاسع ، العدد الثالث 2010م

    ([27]) [الأنفال: 58]


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,933

    افتراضي رد: الدروس المستفادة من معاهدات النبي صلى الله عليه وسلم

    الدروس المستفادة من معاهدات النبي صلى الله عليه وسلم





    أبو حاتم عبد الرحمن الطوخي


    المبحث الثاني: دليل مشروعية عقد المعاهدة


    تُعد المعاهدة طریقا لتنظیم الشؤون المشتركة وتعبیر عن المصالح المتبادلة ووسیلة لحل المشكلات القائمة بین المجتمعات وكانت ولا تزال الأداة الطبیعیة للعلاقات السیاسیة الخارجیة، والإسلام أقام صرح المعاهدات علیا لتحقیق مقاصد السلام والأمن بین الشعوب والمجتمعات. والنصوص الشرعية الدالة على مبدأ مشروعية المعاهدات مع الأعداء في السلم والحرب، أكثر من أن تحصى، من تلك النصوص قوله تعالى: {﴿*بَرَاءَة مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلمُشرِكِين﴾} ([1])
    وقوله تعالى {: ﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ *يَصِلُونَ إِلَىٰ قَومِ بَينَكُم وَبَينَهُم مِّيثَٰقٌ أَو جَاءُوكُم حَصِرَت صُدُورُهُم أَن يُقَٰتِلُوكُم أَو يُقَٰتِلُواْ قَومَهُم وَلَو شَاءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُم عَلَيكُم فَلَقَٰتَلُوكُم فَإِنِ ٱعتَزَلُوكُم فَلَم يُقَٰتِلُوكُم وَأَلقَواْ إِلَيكُمُ ٱلسَّلَمَ فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُم عَلَيهِم سَبِيلا﴾} ([2])
    وقوله تعالى: { ﴿كَيفَ *يَكُونُ لِلمُشرِكِينَ عَهدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِۦٓ إِلَّا ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم عِندَ ٱلمَسجِدِ ٱلحَرَامِ فَمَا ٱستَقَٰمُواْ لَكُم فَٱستَقِيمُواْ لَهُم إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلمُتَّقِينَ﴾} ([3])
    وقوله جل وعلا: {﴿وَإِنِ *ٱستَنصَرُوكُم فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيكُمُ ٱلنَّصرُ إِلَّا عَلَىٰ قَومِ بَينَكُم وَبَينَهُم مِّيثَٰق وَٱللَّهُ بِمَا تَعمَلُونَ بَصِير﴾} ([4])
    وقوله جل جلاله: { ﴿وَإِن *جَنَحُواْ لِلسَّلمِ فَٱجنَح لَهَا وَتَوَكَّل عَلَى ٱللَّه إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلعَلِيمُ﴾} ([5])
    وقوله تعالى: {﴿*بَرَاءَة مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلمُشرِكِينَ فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرضِ أَربَعَةَ أَشهُر وَٱعلَمُواْ أَنَّكُم غَيرُ مُعجِزِي ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُخزِي ٱلكَٰفِرِينَ﴾} ([6])
    ویجوز للإمام أن یعقد المعاهدات بین الدول بشرط أن تكون فیها مصلحة للمسلمین بأن یكون في المسلمین ضعف وتدعو الحاجة إلى الهدنة، قال تعالى: {﴿فَلَا *تَهِنُواْ وَتَدعُواْ إِلَى ٱلسَّلمِ وَأَنتُمُ ٱلأَعلَونَ وَٱللَّهُ مَعَكُم وَلَن يَتِرَكُم أَعمَٰلَكُم﴾} ([7]) كل ذلك يدل على قدسية المعاهدات وضرورة الوفاء.
    وجاءت السنة النبوية القولية والفعلية مؤكدة هذه المعاني، ففي الصلح المؤقت روى أبو داود في سننه عن رجل من جهينة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعلكم تقاتلون قوما، فتظهرون عليهم،فيتقونكم بأموالهم دون أنفسهم، وأبنائهم،فيصالح ونكم على صلح، فلا تصيبوا منهم شيئا فوق ذلك فإنه لا يصلح لكم»([8]).
    وروى البخاري في الصحيح عن المسور بن مخرمة([9]) ومروان بن الحكم([10]) - في قصة الحديبية ـــ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده، لا يسألوني خطة *يعظمون *فيها *حرمات *الله *إلا *أعطيتهم *إياها)([11])
    وقوله عليه الصلاة والسلاملا يسألوني) أي أهل مكة، والمعنى لا يطلبونني (خطة): أي خصلة (يعظمون بها حرمات الله): أي من ترك القتال في الحرم والجنوح إلى المسالمة والكف عن إرادة سفك الدماء (إلا أعطيتهم إياها): أي أجبتهم إليها([12])
    وروى أبو داود في سننه والبيهقي في السنن الكبير([13])عن أبي صخر المديني، أن صفوان بن سليم، أخبره عن عدة، من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن آبائهم دنية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا من ظلم معاهدا، أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس، *فأنا *حجيجه *يوم *القيامة»
    ومن المعقول: (فإن المسلمین قد یحتاجون إلى عقد الهدنة مع المشركین فترة من الزمن یستعدون فیها لجهادهم مما یجعل من الهدنة أو الموادعة جهادا من جهة المعنى ولهذا فقد نص جمهور الفقهاء على جواز الهدنة مع الحربیین إلا ابن حزم الظاهري فإنه لم یجز من عقود الأمان مع الحربیین إلا عقد الجزیة والإذن للحربي في دخول دار الإسلام بقصد سماع كلام الله أو إبلاغ رسالة أما ما سوى ذلك فلا یجوز لأنه یؤدي إلى تعطیل الجهاد) ([14]).
    ---------------------------------------------------


    ([1]) [التوبة: 1]

    ([2]) [النساء: 90]

    ([3]) [التوبة: 7]

    ([4]) [الأنفال: 72]

    ([5]) [الأنفال: 61]

    ([6]) [التوبة: 1-2]

    ([7]) [محمد: 35]

    ([8]) رواه أبو داود ،كتاب الخراج والفيء ، باب تعشير أهل الذمة إذا اختلفوا بالتجارات (3/170) حديث (3051) وقال المنذري في (مختصره) (4/ 255) في إسناده رجل مجهول ، وقال الأرناؤوط في تحقيق سنن أبي داود (4/657) وهذا إسناد قد اختلف فيه، فرواه أبو عوانة - وهو الوضاح ابن عبد الله اليشكري - عند المصنف هنا، وعند سعيد بن منصور في "سننه" (2603)، والبيهقي 9/ 204، وزائدة بن قدامة عند البيهقي 9/ 204، كلاهما عن منصور - وهو ابن المعتمر -، عن هلال - وهو ابن يساف، عن رجل من ثقيف، عن رجل من جهينة، وخالفهما سفيان الثوري عند عبد الرزاق (10105) و(19272) فرواه عن منصور، عن هلال، عن رجل من جهينة من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، دون ذكر الرجل الثقفي، وقوله أشبه بالصواب، لأنه أثبت من أبي عوانة وزائدة في منصور، وبذلك يصح إسناد الحديث، لأن إبهام الصحابي لا يضر

    ([9]) هو:المسور بن مخرمة بن نوفل بن أهيب الزهري، أبو عبد الرحمن ، من فضلاء الصحابة وفقهائهم. له ولأبيه صحبة ،وأمه عاتكة أخت عبد الرحمن بن عوف .أدرك النبي صلّى الله عليه وسلم وهو صغير وسمع منه. وكان مع خاله عبد الرحمن بن عوف، ليالي الشورى، وحفظ عنه أشياء. شهد فتح "إفريقية" مع عبد الله بن سعد. وهو الّذي حرض عثمان على غزوها، ثم كان مع ابن الزبير، فأصابه حجر من حجارة المنجنيق في حصار مكة الأول في خلافه يزيد بن معاوية سنة (64ه) "سير أعلام النبلاء" (3/ 390) الإصابة في تمييز الصحابة (6/ 93) الأعلام للزركلي (7/ 225)

    ([10]) هو: *مروان *بن *الحكم بن العاص، بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي أبو عبد الملك الأموي الفقيه، من خلفاء بني أمية، دامت خلافته نصف سنة. ولد بعد الهجرة بسنتين، وقيل: بأربع، ولا يثبت له صحبة، وكان واليا في أيام معاوية ، ولي الخلافة في آخر سنة 64هـ، وهو أول من ملك من بني الحكم، وإليه ينسب(بنو مروان) ودولتهم (المروانية)، مات سنة 65هـ. الإصابة في تمييز الصحابة (6/ 203 - 204)، أسد الغابة(4/ 368-370) الأعلام 7/207

    ([11]) رواه البخاري ، كتاب الشروط ، باب الشروط في الجهاد(3/193) حديث رقم (2731 و2732)

    ([12]) «فتح الباري لابن حجر» (5/ 336) «معالم السنن» (2/ 328)

    ([13]) رواه أبو داود ،كتاب الخراج والفيء ، باب تعشير أهل الذمة إذا اختلفوا بالتجارات(3/170)حديث رقم (3052) والبيهقي ، كتاب الجزية ، باب لا يأخذ المسلمون من ثمار أهل الذمة ولا أموالهم شيئا بغير أمرهم إذا أعطوا ما عليهم، وما ورد من التشديد في ظلمهم وقتلهم(9/344) حديث رقم (18731) وقال السخاوي في "المقاصد الحسنة" (1044): سنده لا بأس به، ولا يضر جهالة من لم يسم من أنباء الصحابة، فإنهم عدد ينجبر به جهالتهم، وحسن إسناده كذلك العجلوني في "كشف الخفاء" رقم (2529)، وذكره البغوي في الأحاديث الحسان من "مصابيح السنة" رقم (3088).

    ([14]) بدائع الصنائع (7/106) ، المهذب للشيرازي (2/332) المحلى لابن حزم (70307).


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,933

    افتراضي رد: الدروس المستفادة من معاهدات النبي صلى الله عليه وسلم

    الدروس المستفادة من معاهدات النبي صلى الله عليه وسلم





    أبو حاتم عبد الرحمن الطوخي




    المبحث الثالث: الفرق بين المعاهدة والميثاق والعقد





    يقول الدكتور وهبة الزحيلي([1]): "المعاهدة والميثاق والعهد والعقد في أصل اللغة العربية بمعنى واحد مترادف، وهو: كل ارتباط بين طرفين على أمر معين. وأما عند فقهائنا؛ فإن المعاهدة: هي عقد العهد بين فريقين على شروط يلتزمونها. والعهد في الشريعة الإسلامية له معنى أوسع من كلمة" عهد "في القانون الدولي الوضعي، إذ هو أساسا اتفاق الإرادتين بصرف النظر عن الشكل أو الإجراء" ([2]).
    والعهد معناه: كل ما عوهد الله عليه، وكل ما بين العباد من المواثيق فهو عهد، والعهد: اليمين يحلف بها الرجل([3]).
    وبذلك يُعد العهد نوعا من أنواع الالتزام أيضا.
    "والعهد في فقهنا:هو ما يتفق رجلان أو فريقان من الناس على التزامه بينهما لمصلحتهما المشتركة، فإن أكداه ووثقاه بما يقتضي زيادة العناية بحفظه والوفاء به، سمي ميثاقًا، وإن أكداه باليمين خاصة سمي يمينا"([4])
    والعقد: التزام المتعاقدين وتعهدهما أمرا، وهو عبارة عن ارتباط الإيجاب بالقبول([5]). وبذلك يكون العقد التزاما.
    وذكر الدكتور وهبة الزحيلي رحمه الله: (أن العرف السائد اليوم يوحي إلينا بأن نميز "العقد" عن "العهد" بإضفاء سمة الإجلال والسمو والتعظيم للعهد، وتخصيصه بالعقد الموثق بقصد الوفاء به بنحو مؤكد سواء تم توثيقه بالكتابة، أو"باليمين"، أو بغيرها من وسائل التوثيق، فكل اتفاق هو عقد، وليس كل" عقد "عهد، وأما المعاهدة فهي محصورة الآن بين دولتين، لا بين الأفراد والجماعات، وموضوعها محصور في حكم علاقة دولية معينة ذات طابع قانوني، أي: إنها ذات معنى معين خاص ضيق من حيث الطرفان)([6]).
    ------------------------------------------------------

    ([1]) هو: وهبة بن مصطفى الزُحَيْلي الدِمَشقي، ولد سنة: (1932 - 8 أغسطس 2015)، أحد أبرز علماء أهل السنة والجماعة من سوريا في العصر الحديث، عضو المجامع الفقهية بصفة خبير في مكة وجدة والهند وأمريكا والسودان. ورئيس قسم الفقه الإسلامي ومذاهبه بجامعة دمشق، كلية الشريعة. حصل على جائزة أفضل شخصية إسلامية في حفل استقبال السنة الهجرية التي أقامته الحكومة الماليزية سنة 2008 في مدينة بوتراجاي، من مصنفاته: تخريج وتحقيق أحاديث تحفة الفقهاء للسمرقندي، السلم والحرب في الإسلام، تم إصداره باللغة الفرنسية، توفي سنة: 1436ه، انظر: المعجم الجامع في تراجم المعاصرين (ص: 368)، والويكيبيديا: https://t.ly/zD_z.

    ([2]) أحكام المعاهدات وهبة الزحيلي (ص: 3)

    ([3]) «المصباح المنير » (2/ 435) ولسان العرب مادة: (عهد) (3/311) ، وأحكام القرآن للجصاص (2/361)

    ([4]) «تفسير المنار» (10/ 167)

    ([5]) «مجلة الأحكام العدلية» (ص29)

    ([6]) أحكام المعاهدات في الشريعة الإسلامية د.وهبة الزحيلي (ص: 3)


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •