المصنفات في موضوع خصائص النبي صلى الله عليه وسلم
أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة
من خلال تتبع من تكلم عن خصائص النبي صلى الله عليه وسلم يظهر أن أول من تكلم فيه هو الإمام الشافعي كلامًا منثورًا وسْط مصنفاته المختلفة من أبرزها كتاب الأم[1]، وتبعه أبو العباس بن القاص وأبو بكر البيهقي، لكن أول من صنف فيها تصنيفًا مستقلًا هو ابن دحية الكلبي المتوفى سنة 633 هجريًا مؤلفًا سماه: (نهاية السُّول في خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم).[2]
وقيل: أن ابن الجوزي المتوفى سنة 597 هجريًا له مؤلف مستقل في الخصائص فلو صحَّ ذلك لكان أول من صنف فيها.[3]
ثم أتبعه العز بن عبد السلام المتوفى سنة 660 هجريًا بكتاب: (بداية السُّول في تفضيل الرسول)، ومُغْلَطاي المتوفى 762 هجريًا في كتابه: (خصائص النبي صلى الله عليه وسلم)، وللسبكي المتوفى سنة 771 هجريًا أرجوزة في الخصائص، ولابن الملقن المتوفى 804 هجريًا كتاب: (غاية السُّول في خصائص الرسول)، وللبُلقيني المتوفى سنة 824 هجريًا كتاب: (الإبريز الخالص عن الفضية في إبراز الخصائص)، وللحافظ ابن حجر المتوفى 852 هجريًا كتاب: (الأنوار بخصائص النبي المختار)، ثم صنف تلميذه الخيضري المتوفى سنة 892 هجريًا كتابًا جامعًا سماه: (اللفظ المكرم بخصائص النبي صلى الله عليه وسلم)، إلا أنه يحتاج إلى تهذيب وتنقيح، وللسيوطي المتوفى سنة 911 هجريًا كتابان أولهما: (الخصائص النبوية الكبري)، واختصره في كتاب: (أنموذج اللبيب في خصائص الحبيب)، ولابن طولون المتوفى سنة 953 هجريًا كتاب: (مرشد المحتار بخصائص المختار)، ومن جهود المعاصرين كتاب: (خصائص النبي صلى الله عليه وسلم بين الغلو والجفاء)، للصادق بن محمد بن إبراهيم، وكتاب: (من معين الخصائص النبوية)، لصالح أحمد الشامي، وكتاب: (كشف الغُمَّة ببيان خصائص الرسول والأمة)، لأبي الحسن المآربي.
مناهج المصنفين في: (الخصائص):
المتتبع لكتب: (الخصائص) يجد أن منهم من غلب عليه التقسيم الفقهي فقسَّم الخصائص بحسْب أحكامها إلي:
1- واجبات.
2- مباحات.
3- محظورات.
4- كرامات.
كما فعل ابن الملقن في كتابه: (غاية السُّول).
ومنهم من صنف في: (الخصائص) التفضيلية فقط، كما فعل العز بن عبدالسلام في كتابه: (بداية السُّول).[4]
وأضاف ابن طولون أقسامًا أخرى منها:
• فيما اختص به صلى الله عليه وسلم في ذاته في الدنيا.
• وفيما اختص به صلى الله عليه وسلم في ذاته في الآخرة.
• وفيما اختص به صلى الله عليه وسلم في شرعه وأمته في الدنيا.
• وفيما اختص به صلى الله عليه وسلم في أمته في الآخرة.
ومن الملاحظ أن المسيطر على عرض الخصائص المنحى الفقهي وتناول الأحكام، وما ينبغي التنبيه إليه أنَّ كثيرًا منهم لم يميز بين الصحيح والضعيف بل أثبت الخصائص بمجرد الرأي والقياس، وكثيرًا منهم تفرع في عرضه للخصائص تفريعات ليس لها شأن بالخصائص ولكنَّ محلَّها كتب الفقه كما فعل ابن طولون في كتابه: (مرشد المحتار).[5]
ومن أمثلة بعض شطحات الكاتبين في خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ما يجعل المسلم يسئ إلى رسوله وإلى الدين الذي بلَّغه أو جاء به، قول بعضهم:
• إن النبي صلى الله عليه وسلم له أن يأخذ الطعام والشراب من مالكهما المحتاج إليهما إذا احتاج إليهما وعلى صاحبهما البذل.[6]
• وقالوا: إن من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أنه لو رغب في نكاح امرأة فإن كانت خليَّة – أي ليست بزوجة – لزمها الإجابة، وإن كانت متزوجة وجب على زوجها طلاقها لينكحها.[7]
• وقالوا: اختص صلى الله عليه وسلم بأنه يباح له لعن من شاء من غير سبب يقتضيه.[8]
وفي هذا انتقاص شديد للنبي صلى الله عليه وسلم، فقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم بمحاسن الأخلاق ومكارم الأفعال، ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4].لذا يجب التنبيه على عدم القول بالخصيصة بمجرد الرأي والهوى، وإنما بالكتاب والسنة المطهرة.[9]
ومن الملاحظ أيضًا أنهم لم يفرِّقوا بين خصائصه وفضائله صلى الله عليه وسلم فمن الواضح أن هناك فرْقًا ظاهرًا بينهما، فالوقوف على ما انفرد به صلى الله عليه وسلم يميز لنا ذلك، أشار إليه من طرف خفي العز بن عبدالسلام قال: (وهذه الخصائصُ تدلُّ على عُلُوّ مَرْتَبتِه على آدَم وغيرهِ، إذ لا معنى للتفضيل إلَّا التخصيص بالمناقبِ والمراتب).[10]
وهذا يعني أن الخصوصية أمر انفرد به، وهذا هو الفرق بين الخصائص والفضائل، فالفضائل قد يشترك معه فيها غيره بخلاف الخصائص.
ومن الملاحظ في اصطلاح الفقهاء وكُتَّاب السيرة أن الخصيصة تطلق على ثلاثة أمور:
• أولها: المسائل التي انفرد بها صلى الله عليه وسلم في الحكم عن المسلمين، مثل الزيادة عن أربعة زوجات.
• ثانيها: المسائل التي انفرد بها صلى الله عليه وسلم في الحكم عمن سبقه من الأنبياء مثل إباحة الغنائم.
• ثالثها: ما خُصَّ به تشريفًا وتفضيلًا منه سبحانه وتعالى له، مثال عموم رسالته والشفاعة العظمى.[11]
يتبع إن شاء الله