السؤال:
♦ الملخص:
سائل يسأل عن حُكم قراءة أعمال أدبية تحوي غيبيات من أجل أخذ العبرة.
♦ التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل يجوز قراءة الأعمال الأدبية التي قد تذكر غيبيات؛ مثل: الشياطين والملائكة من باب الخيال؛ وذلك من أجل أخذ العِبرة؛ مثل: رجل وثِق بشيطانه، ثم غدر به، وكانت نهايته مأساوية، وهكذا ... وجزاكم الله خيرًا.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
قراءة هذه القصص الخيالية جائز، إن كانت تحث على الفضيلة والأخلاق الحسنة، أما لو كانت تحث على منكر وباطل، فتُحَرَّم لأجل ذلك.
قال ابن حجر الهيتمي: "قال بعض أئمتنا في الحديث الصحيح: ((حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج))، وفي رواية: ((فإنه كانت فيهم أعاجيب))؛ هذا دالٌّ على حِلِّ سماع تلك الأعاجيب للفرجة، لا للحُجَّة، ومنه يُؤخذ حل سماع الأعاجيب والغرائب من كل ما لا يُتيقَّن كذبه بقصد الفرجة، بل وما يتيقن كذبه، لكن قَصَد به ضرب الأمثال والمواعظ وتعليم نحو الشجاعة على ألسنة آدميين أو حيوانات"؛ ا.هـ[1].
وكرَّه ذلك بعض الحنفية، ولم يُحرِّموه.
فقد قال ابن عابدين بعد ذكره لكلام ابن حجر الهيتمي: "قوله: (لكن بقصد ضرب الأمثال؛ ... إلخ)؛ وذلك كمقامات الحريري، فإن الظاهر أن الحكايات التي فيها عن الحارث بن همام والسروجي لا أصل لها، وإنما أتى بها على هذا السياق العجيب لِما لا يخفى على من يطالعها، وهل يدخل في ذلك مثل قصة عنترة والملك الظاهر وغيرهما، لكن هذا الذي ذكره إنما هو عن أصول الشافعية، وأما عندنا، فسيأتي في الفروع عن المجتبى أن القصص المكروه أن يُحدِّث الناس بما ليس له أصل معروف من أحاديث الأولين، أو يزيد أو ينقص؛ ليزين به قصصه ... إلخ، فهل يُقال عندنا بجوازه إذا قصد به ضرب الأمثال ونحوها، يُحَرَّر.
قوله: (على ألسنة آدميين أو حيوانات)؛ أي: أو جمادات؛ كقولهم: قال الحائط للوتد: لِمَ تخرقني؟ قال: سَلْ مَن يَدُقُّني"؛ ا.هـ[2].
وليست هذه القصص من باب الكذب، وإنما هي من باب ضرب الأمثال.
وقد أفتى بإباحتها أيضًا ابن عثيمين.
فقد سُئل ابن عثيمين: أنا شاب أهوى الكتابة، وأقدم على كتابة الروايات والمسرحيات والقصص عن مواضيع اجتماعية طيبة من نسج خيالي وتصوري، وإني أسأل عن حكم كتابة هذه الروايات والقصص، وتقاضي المال عنها...؟
فأجاب رحمه الله: "هذه الأمور التي تتصورها في ذهنك، ثم تكتب عنها، لا يخلو إما أن تكون لمعالجة داء وقع فيه الناس، حتى ينقذهم الله منه بمثل هذه التصويرات التي تصورها، وإما أن يكون تصويرًا لأمور غير جائزة في الشرع، فإن كان تصويرًا لأمور غير جائزة في الشرع، فإن هذا محرَّم ولا يجوز بأي حال من الأحوال؛ لِمَا في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان؛ وقد قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [المائدة: 2]، أما إذا كانت لمعالجة داء وقع فيه الناس لعل الله ينقذهم منه بها، فإن هذا لا بأس به، بشرط أن تعرضه عرضًا يفيد أنه غير واقعي؛ مثل أن تجعله أمثالًا تضربها حتى يأخذ الناس من هذه الأمثال عبرًا، أما أن تحكيها على أنها أمر واقع وقصة واقعة، وهى إنما هي خيال، فإن هذا لا يجوز؛ لِمَا فيه من الكذب، والكذب محرَّم، ولكن من الممكن أن تحكيه على أنه ضربُ مَثَلٍ يتضح به المآل والعاقبة لمن حصل له مثل هذا الداء"؛ ا.هـ.
وقال ابن عثيمين أيضًا: "الإنسان إذا ضرب مثلًا بقصة؛ مثل أن يقول: أضرب لكم مثلًا برجل قال كذا أو فعل كذا، ونتيجته كذا وكذا، فهذه لا بأس بها، حتى إن بعض أهل العلم قال في قول الله تعالى: ﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ ﴾ [الكهف: 32]، قال: هذه ليست حقيقة واقعة، وفي القرآن: ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 29]، فإذا ذكر الإنسان قصة لم ينسبها إلى شخص معين، لكن كأن شيئًا وقع، وكانت العاقبة كذا وكذا، فهذا لا بأس به.
أما إذا نسبه إلى شخص وهي كذب، فهذا حرام، تكون كذبة، وكذلك إذا كان المقصود بها إضحاك القوم، فإنه قد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((ويلٌ لمن حدث فكذب ليُضحكَ به القوم، ويل له، ثم ويل له))"؛ ا.هـ.
هذا، وبالله التوفيق.
----------------
[1] تحفة المحتاج (9/ 398).
[2] تحفة المحتاج (9/ 398).
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/147781/#ixzz6ygnqLPyK